مساحة إعلانية

(وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) الحلقة الأخيرة من الحوار مع سماحة العلامة السيد علي الأمين حاوره د.عاطف عتمان

عاطف عبدالعزيز عتمان يونيو 29, 2015



ضيف الحوار كتب كتابا بعنوان

 السنة والشيعة أمة واحدة ، دين واحد وإجتهادات متعددة
 وأوضح بأن علاقات المذاهب والأديان لا يجوز أن تكون على حساب الأوطان ، وصرح بأن المتهاون بوطنه متهاون بدينه حتماً 
 وصرح بأن العلاقة مع الآخر تكون من خلال منظومة القيم و المبادئ الانسانية ،التي تجعل الناس سواسية لا تفرق بينهم أعراق و ألوان و لا تمنحهم الامتيازات أنساب و أديان.
 وقال أيضا لن تحمينا مذاهبنا ولا طوائفنا ولا أحزابنا ولا جماعاتنا، بل الإنصهار الوطني والدولة العادلة .
 إنه صوت للإعتدال وداعي للحوار والتعايش ولد في بلدة قلاوية اللبنانية عام 1951م
 ضيفنا أديب وشاعر ومدرس لأصول الفقه ومفتي ومجتهد وصاحب مؤلفات عديدة منها الأحزاب الدينية الشيعية بين شهوة السلطة ورسالية الأئمة وزبدة التفكير في رفض السب والتكفير .
 درس في النجف وهو مرجع ديني مسلم شيعي صاحب إجتهاد وآراء جرئية ، رفض قتال حركة أمل باسم الدين من قبل حزب الله
 له كثير من الفتاوى والمواقف والإجتهادات التي جعلته عرضة لمخالب المتطرفين .
 نتيجة مواقفه، تعرّض لتهديدات وهجوم مسلّح في شهر أيار من العام 2008 على بيته ومقره في مدينة صور مما أدى إلى تهجيره من الجنوب اللبناني وإقامته في بيروت منذ ذلك الحين وحتى الوقت الراهن.
 تعرض لسهام التطرف وطل بفكر مستنير عبر فضائية المستقلة وحوار صريح بعد التراويح فكان فكرا منيرا مستنيرا .
 ضيف الحوار سماحة السيد العلامة المجتهد علي بن محمد بن علي تقي بن محمد الأمين
الحلقة الأخيرة 
أجرى الحوار الكاتب الصحفي د.عاطف عبدالعزيز عتمان

إستبدال الصراع العربي الإسرائيلي لصراع سني شيعي وبوادر الحرب المذهبية الشاملة ، من يؤجج تلك الحرب ومن المستفيد ؟


 لقد ذكرنا مراراً إن السبب الرئيسي في ظهور الطائفية العنيفة في مجتمعاتنا يعود إلى الصراع على السلطة والنفوذ بين الأحزاب الدينية و الجماعات السياسية في الداخل وبين دول اقليمية على مستوى الخارج، وقد زاد من حدّة الخلاف وشدّته غياب العلاقات الطبيعية بين الدول العربية والإسلامية في المنطقة خصوصاً بعد أحداث العراق. وقد يحاول بعضهم إعطاء العناوين الطائفية والمذهبية للصراع ليحصل على الإصطفاف الطائفي وراء مشروعه السياسي وطموحاته لتحقيقه.  والمسلمون السنة و الشيعة عاشوا إخوانا في مجتمعاتهم وأوطانهم قروناً عديدة وسيبقون كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وقد كانوا يختلفون في قضايا تاريخية ودينية تبعاً لاختلاف الإجتهادات ولم يؤثر ذلك على حياتهم الطبيعية لأنه لم يكن هناك صراع على السلطة و الحكم وكانت تجمعهم القضايا المركزيّة في الدّفاع عن الأمة الإسلامية ودورها الريادي في العالم وقضاياهم الوطنية المشتركة، وقد يرى بعض صنّاع السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ان الصراع السني الشيعي يشغل دول المنطقة وشعوبها بأنفسهم، ويستنزف قدراتهم ويصرفهم عن بناء دولهم بشكل قوي يخيف حليفتها الأساسية اسرائيل، ويجعل من أمريكا موضع حاجة لمختلف الأطراف، وهذا ما يفسّر عدم دعم قوى الاعتدال في المنطقة، ولكن ما نراه ان هذه السياسة خاطئة لأنها ستزيد من عداء شعوب المنطقة لأمريكا، ولن تكون أمريكا ومصالحها بمعزل عن آثار هذا الصراع الذي لن يقتصر على المنطقة وحدها، وهو ما سيزيد من انتشار ثقافة الكراهية التي لم يعد بالامكان منع وصولها الى مناطق أخرى من العالم في ظلّ وسائل التواصل الحديثة، وهذا ما سوف يساهم في تغذية الارهاب عالميّاً وهو ما يعود بالضرر على كل الدول والشعوب.

 وباختصار إن السنّة والشيعة تجمعهم الأمّة الواحدة والدين الواحد ولا يستفيد من عدائهم غير أعدائهم.

الآخر سواء كان عقائديا أو مذهبيا ، الإنسان بمعنى أشمل ..أين يقع الآخر في فكر سماحتكم ؟
كيف نتعايش مع الآخر ونقبله دون تفريط في ثوابتنا ؟
كيف نحقق خلافة الله في أرضه ونعطي رحم حواء صلته ؟

إن الناظر في حياة الأمم والشعوب والمجتمعات يدرك ان الاختلاف حقيقة قائمة في لغاتها وعاداتها وتقاليدها وفي اشكالها وألوانها وهذا الاختلاف هنا بمعنى المغاير الشامل للافراد ايضاً حيث ان لكل فرد وجوداً خاصاً به يمتاز به عن غيره وهذه الوجودات المتعددة هي التي يعبر عنها في اللغة بـ(انا وانت وهو وهي وهم وهن) وغير ذلك من الالفاظ التي وضعت في اللغة للدلالة على هذه الوجودات المتعددة والتي يختلف بعضها عن البعض الآخر وكل واحد منها يشكل معنى جزئياً حقيقياً كما يقول علماء المنطق في تعريفه بأنه (المعنى الجزئي الذي يمتنع انطباقه على اكثر من فرد).

وقد عبّر القرآن الكريم عن هذا الاختلاف بمعنى التعدد والتغاير بأنه من آيات الله سبحانه وتعالى 
(ومن آياته خلق السماوات والارض واختلاف ألسنتكم وألوانكم ان في ذلك لآيات للعالمين) الروم: 32.

ومن خلال ما تقدم يتبين لنا ان هذا الاختلاف بالمعنى المتقدم هو سنّة من سنن الخلق والتكوين فهو بمعنى الاختلاف عن الآخر وهو لا يعني بالضرورة الخلاف والاختلاف مع الآخر فقد تجتمع الافراد والجماعات على قواسم مشتركة وعلى قواعد عامة في قضايا الفكر والسلوك والنظام العام رغم وجود الاختلافات الكثيرة بينهم في عالم الآراء والأفكار والارادات والمعتقدات حيث لا وجود للاستنساخ في عالم العقل الانساني وما ينتج عن إعماله في حقول العلم والمعرفة.
وفي القرآن الكريم ايضاً اشارة جلية الى حقيقة الاختلاف الفكري بين بني البشر كما جاء في قوله تعالى:
 (ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يونس: 99.

وقوله تعالى :
 (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين الا مَن رحِم ربك ولذلك خلقهم..) هود: 118.

وقوله تعالى:
 (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن ليبلوكم في ما أتاكم فاستبقوا الخيرات الى الله مرجعكم جميعاً فننبئكم بما كنتم فيه تختلفون) المائدة: 48.
والمستفاد من هذه النماذج من الآيات المباركات ان الاختلاف في الآراء والمعتقدات هو حقيقة قائمة ايضاً وباقية الى يوم القيامة ولكن الحياة الدنيا هي المجال لاستباق الخيرات والتنافس عليها رغم تعدد آرائنا واختلاف افكارنا ومعتقداتنا، وبفعل الخيرات والسعي إليها يجسّد الإنسان أسمى المعاني لخلافة الله في الأرض. 
وقد تحصّل ان الفكرة التي ترمي اليها الآيات وهي الواقع الذي نشاهده ونعيشه في حياتنا ان الاختلاف بين الافراد والجماعات والأمم والشعوب لا يقتصر على الاختلاف التكويني بينهم الذي يستلزم التعدد والتكاثر بل هو يشمل عالم الفكر ايضاً وما يتفرع عنه وهذه الحقيقة يجب القبول بها والانطلاق منها في عالم العلاقات التي نبنيها مع الآخر سواء كانت بين فرد وآخر وجماعة مع جماعة اخرى في الامة الواحدة او بين امة وأخرى على قاعدة قوله تعالى: (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) الحجرات: 13.

هذا هو الآخر، وهذه هي موازين التعايش معه وإن كان مختلفاً في الدين والمذهب واللغة والعرق واللون، فهو يشكل جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الداخلي الذي نعيش معه داخل الوطن أو من المجتمع الدولي الذي لا بد من التواصل معه، وعلى كلا التقديرين لا يكون هناك مجتمع بدون الآخر، وهو في كلتا الحالتين فرد من العائلة البشرية الواحدة كما ورد في الحديث (الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله) وعن الإمام علي  (الناس صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).


سماحة السيد قبل أن أختم حواري أتطرق لامر مهم وهو التقية وما يردده البعض أنها عقيدة لدي الشيعة وبالتالي كل كلامهم حتي الجيد منه مرفوض لأنه تقية ..ما مفهوم التقية وحدودها وهل للعالم وخاصة من هم محل تقليد أن يتقي فيضل من يقلده  ؟
ولدينا في المذهب السني قضية الإمام أحمد وكيف رفض رخصة الإكراه لأنه يعلم أن قوله سيتبعه غيره فهل هناك نموذج مماثل في المذهب الشيعي  وقد كان سيدا شباب اهل الجنة نموذج لرفع راية الحق ولو على رقابهما ؟


الأخذ بظواهر الأقوال والأعمال قاعدة عامّة يعتمدها عقلاء البشر في علاقات بعضهم مع البعض الآخر، وأمّا ما في القلوب فلا يعلمه إلا الله علّام الغيوب !

ويبدو من الكثيرين الذين يتحدثون عن التقيّة أنهم لا يعرفون مفهومها ومواردها وإن كانوا من الممارسين لها وهم لا يشعرون !
 وقد أعطى بعضهم التّقيّة مفهوماً مشوّهاً يزرع عدم الثقة بين الشيعة والسنّة ، وهو يتحدّث عنها وكأنها صناعة خاصّة بالشيعة مع أنّ إظهار الإنسان لشيء يبطن خلافه ليس خصوصيّة شيعيّة وإنّما هي حالة موجودة في سلوكيّات الأفراد من مختلف الطّوائف والأديان والقوميّات وقد توجد في البيت الواحد والأسرة الواحدة بين الزّوج وزوجه وبين الوالد وولده والأخ وأخيه والصّديق وصديقه وبين ربّ العمل والعامل، وهي بهذا المعنى موجودة بين الأحزاب والدول ورجالات السياسة وتسمّى في عصرنا بالتّقيّة السياسية،وهكذا في حقول عديدة من حياتنا الشخصية والعامّة،ولكن القاعدة العامّة المتّبعة بين البشر في علاقاتهم تبنى على ظواهر الأقوال والأعمال كما أسلفت، ولا تبتني على النوايا غير المعلومة.
وقد جاء في أحاديث السنة النبوية: أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال لأسامة (هلّا شققت قلبه !.)عندما قتل رجلاً في غزوة بعد قول الرجل (لا إله إلا الله) وزعم أسامة بأن الرجل قالها تقيةً !.
إن المشكلة تظهر في عدم إدراك بعضهم لمعنى التقية الواردة في تلك الأحاديث الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام مثل ( التقية ديني ودين آبائي ) و(من لا تقية له لا دين الله ).
فإن معنى الدين هنا ليس العقيدة والشريعة وإنما هو بمعنى الطريقة المعهودة التي اعتمدها أئمة أهل البيت في تقديم المصلحة العامة وإيثارها، كما ورد عن الإمام علي( لأسلِّمَنَّ ما سلمت أمور المسلمين) وما كانت طريقتهم إلا النصح لله ورسوله وللمسلمين، فالدين النصيحة كما جاء في بعض الأحاديث.
وقد يراد من التقيّة الإتيان بالعمل موافقاً للآخر الذي تختلف معه اجتهاداً أو تقليداً، كما في الصلاة والحج وغيرهما من الأعمال الشرعية،ويتحقق موضوعها عند تعدد الآراء واختلاف الإجتهادات تقديماً لعوامل الإتفاق على عوامل الإختلاف ، وهي بذلك تسبغ الشرعية على الرأي المخالف من خلال ترتيب الآثار عليه باعتباره رأياً مشروعاً ناشئاً من النظر والإجتهاد في الكتاب والسنة، وهذا يعني أن من كان اجتهاده على خلاف رأيك أو رأي العالم الذي ترجع إليه لا تكون الموافقة له في مقام العمل محكومة بالبطلان .
ولذلك كان الإمام جعفر الصّادق يأمر شيعته بالذّهاب إلى المساجد وإقامة الصّلاة جماعة مع المسلمين المختلفين معهم في شكل العبادة وليس في جوهرها ومضمونها، وكان يقول لهم ( إن المصلّي خلفهم كالمصلّي خلف رسول الله في الصفّ الأوّل...) ولم يكن ذلك الأمر مختصّاً في حالة طارئة تقتضي الموافقة،بل كان في كل الأحوال،لأنّه كان يحثّهم على الذّهاب و المشاركة بشكل دائم ولم يطلب منهم إعادة العمل بعد ارتفاع ظرف الموافقة. وهكذا كان العمل في سائر العبادات كالحجّ والصّوم ومختلف المناسبات الجامعة للمسلمين ..
وهذا يعني أنّ تلك الإجتهادات هي اختلافات مشروعة في الشّكل وليست في الغاية والمضمون ولذلك كان العمل بها صحيحاً لا تجب إعادته.
وأماالمسائل الأخرى الكثيرة التي ليست محلاًّ للإختلافات الإجتهادية كالمسائل السياسية والعلاقات الإجتماعية على تنوعها بما في ذلك الروابط العائلية فهي من المشتركات الحياتية بين جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم ، وقد ورد عن الأئمة من التعاليم ما يدل على ضرورة ترسيخ التعاون وقيام أحسن العلاقات بين المسلمين انطلاقاً من قيم الإسلام الأخلاقية ولوازم الأخوة الدينية والإنسانية التي تقضي بالحفاظ على العيش المشترك بين مكونات المجتمع على اختلاف الآراء وهي ليست من موارد التقية ، وقد جاء في تلك التعاليم عن الإمام جعفر الصادق عندما سئل 
( كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وفيما بيننا وبين خلطائنا من الناس؟
فقال : تؤدون الأمانة إليهم،وتقيمون الشهادة لهم وعليهم،وتعودون مرضاهم، وتشهدون جنائزهم).
وفي بعض الروايات الأخرى يقول الإمام الصادق(...وأوصيكم بتقوى الله-عزّ وجلّ-والورع في دينكم والإجتهاد لله وصدق الحديث وأداء الأمانة وطول السجود وحسن الجوار،فبهذاجاء محمد(ص) أدّوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها برّاً أو فاجراً، فإن رسول الله(ص)كان يأمر بأداء الخيط والمخيط، صلوا عشائركم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم وأدّوا حقوقهم...)
 (...عليكم بالصلاة في المساجد وحسن الجوار للناس وأحبّوا للناس ما تحبّون لأنفسكم.}
 أما يستحي الرجل منكم أن يعرف جارُه حقّٓه  ولا يعرف حق جاره !.)
(علامة الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرّك على الكذب حيث ينفعك،وأن يكون في حديثك فضلٌ عن علمك، وأن تتّقي الله في حديث غيرك).
 والروايات بهذه المعاني مشهورة وكثيرة ، وهي غير مشمولة للتقية بمعنى الموافقة على الإجتهاد المخالف لها ، لأن الإجتهاد المخالف لها مرفوض لمخالفته لصريح الكتاب والسنة كما يشير إليه قول الإمام الصادق في الرواية المتقدمة 
   ( ..فبهذا جاء محمد-ص-) وهذا يعني أن ما ثبت عن الرسول-ص- هو القاعدة التي يجب اعتمادها ولا تصح مخالفتها ولا تكون مسرحاً لتعدد الآراء والإجتهادات.
وأما التقيّة بمعنى الخوف من الضرر فهي عامة ٍمن حيث الأفعال والأشخاص والأمم والجماعات والأزمان لأنها حينئذٍ تكون حكماً عقلياً يعمل به العقلاء ويتفق مع مقاصد الشريعة، وهذا المعنى أشار إليه الفخر الرازي في كتابه (مفاتيح الغيب)عند تفسير الآية التي يستدل بها على تشريع التقية وهي قول الله
(لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ)آل عمران-٢٨

فقد نقل رواية عن عوف عن الحسن أنه قال: التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة. وقال الرازي بعد ذلك وهذا القول أولى،لأن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان.

وهذا التشريع لها في الآية المباركة لم يحدث شرخاً ولا مشكلة في علاقات المسلمين مع غير المسلمين قديماً وحديثاً، فقد قامت بين شعوب ودول الفريقين العلاقات الحسنة في مراحل عديدة وهي مستمرة إلى زماننا هذا، وعلاقات العيش المشترك في بلادنا العربية والإسلامية تشهد لذلك ناهيك عن عيش ملايين المسلمين في دول غربية عديدة يحملون جنسياتها الوطنية وما ذلك إلا لأن العلاقات في المجتمع البشري تقوم على أساس ظواهر الأقوال والأعمال وليس على أساس البواطن والمعتقدات كما أسلفنا،وإذا كانت التقية بالمعنى القرآني لم تمنع من قيام تلك العلاقات الحسنة بين المسلمين وغيرهم فبطريق أولى أن لاتمنع من ذلك بين المسلمين أنفسهم بعضهم مع البعض الآخر!
.وهذا ما حصل فعلاً في حياة أئمة أهل البيت وخصوصاً الإمام جعفر الصادق الذي رويت عنه روايات كثيرة تحكي إيمانه بالتقية وقد كان الإنفتاح في عهده قائماً على أئمة المذاهب الإسلامية وسائر المدارس الفقهية وكانت علاقة الأخوة الإسلامية راسخة فيما بينهم على رغم تعدد الآراء الفقهية وتباينها أحياناً ولم يحصل تشكيك في ذلك كما تشهد له علاقات الدرس والمصاهرة وغيرها.ولكن الفهم المشوّه للتقية من قبل بعضهم عن قصد أو غير قصد يراد به أن يجعل منها عائقاً أمام تقارب المسلمين وحاجزاً يمنع من ثقة بعضهم بالبعض الآخر مع أنها كانت موجودة بالطريقة التي اعتمدها الإمام الصادق كما بيّناها في بحثنا عنها وتفسيرنا لها بأنها كانت صيغة عملية لتقديم المشترك على الخاص وترجيح جانب الموافقة والإئتلاف على جانب الإختلاف في المسائل الفقهية مما يكشف عن اتساع الشريعة السمحاء لمختلف الآراء من الناحية العملية،والتوسع في ذلك موكول إلى علم الفقه.


 كتبت أنا  سابقا أن الكاظمية والأعظمية هما الداء والدواء والحل في جسر الأئمة ، فكيف السبيل لبناء الجسر في العقول حتى تهدأ القلوب ؟

إطلعت على مقالكم، وفيه وصف للمعاناة والمخاطر الموجودة في بعض بلاد العرب والمسلمين التي يجري فيها العمل على قطع جسور التواصل بين أهلها خلافاً لما أمر الله به أن يوصل، فهم يجب أن يكونوا كالجسد الواحد كما وصفهم رسول الله عليه الصلاة والسلام،وقد ذكرت في أواخر القرن الماضي بعض المقترحات لتفعيل مسألة التقريب بين المذاهب الإسلامية، ومن هذه المقترحات 
أ- التأكيد على مرجعية كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه وبالعودة إلى سنّة رسول الله الجامعة تمسكاً بقول الله تعالى:
{ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} 
 فإن الرجوع إلى الله هو الأخذ بكتابه والرجوع إلى الرسول هو بالأخذ بسنته الجامعة الموافقة لكتاب الله وقد أكدت هذا المعنى الكثير من الأحاديث منها قوله عليه السلام (إذا التبست عليكم الفتن كغياهب الليل المدلهم فعليكم بالقرآن) ومنها (القرآن هو الحكم بين المسلمين إذا اختلفوا والدليل لهم إذا ضلوا) هذه المرجعية للقرآن الكريم مع تلك السيرة الصالحة من السلف في الرجوع إليه من السلف الصالح في فض النزاعات وفصل الخصومات هي التي حصّنت الأمة فكريّاً من عوامل التمزّق والإنقسام في أول أمرها، وهذا ما يصلح أمر الأمة في آخر أمرها، وقد كان القرآن يذكرهم بآياته المدّوية بأنهم اخوان في دين الله 
(واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخواناً)·
 وبهذه المرجعية لكتاب الله كانت تحلّ في الماضي عقد الاختلاف وتترسّخ روابط المحبّة والأئتلاف بين المسلمين ، لأن القرآن عندهم في وضع القداسة لا يختلفون في الحق الذي يظهره ولا في الباطل الذي ينكره .

ب - العمل على تغيير وتعديل منهاج التدريس في المعاهد والحوزات الدينية وفتح أبوابها لاستقبال طلاب العلوم الدينية من مختلف المذاهب والتأكيد على أن الدين الذي يجمعنا هو الإسلام وأنّ المذاهب هي آراء وأفكار واجتهادات مشروعة، وأن الاختلاف فيها لا يعني اختلافاً في الدين وخروجاً منه .

ج- انشاء جامعة علمية للتقريب بين المذاهب ينتشر طلابها وعلماؤها في العالم الإسلامي للتبليغ الديني ويكون مقرُّها في مكّة المكرّمة أو المدينة المنوّرة .

د- انشاء محطة فضائية باسم الاعتدال الديني لبث البرامج الدينية التي تساهم في ثقافة الاعتدال والوسطية ونبذ الفرقة والتعصُّب .

هـ - انشاء هيئة مشتركة في مكّة المكرّمة لتحديد المناسبات الدينية في العالم الإسلامي وتوحيدها كما في الحج والأعياد .
 وقبل هذه الأمور وبعدها علينا أن نبعد الصراعات السياسية عن المسائل الدينية،وأن تعيد دولنا النظر في تأسيس الأحزاب على أسس دينية وطائفية، لأن الأحزاب الدينية من خلال التجربة ظهر أنها تعمل على الفرز الديني والطائفي في المجتمع، فمن كان معها هو مع الدين ، ومن خالفها كان مخالفاً للدين، والمطلوب أن تقوم الأحزاب على البرامج السياسية ومشاريع الوحدة الوطنية.


أطال الله عمركم ونفع بعلمكم ، أمة محمد ، ووحدة الأمة ، سيدي ماذا لو تخيلنا رسول الله اليوم ينظر لأمته وهم يستبيحون أعراض بعض ودماء بعض واموال بعض ويذبحون بعض تحت راية سوداء يكتبون عليها زورا محمد رسول الله ماهي رسالتكم للأمة والتي تتمنى أن تلقى رسول الله بها ؟


لو عاد النبي محمد عليه الصلاة والسلام لقال لهؤلاء الذين يحملون إسمه ويرفعون رايته لقد خالفتم وصيّتي وتحذيري لكم ( لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)و(والمسلم من سلم الناس من يده ولسانه)و(وكل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه) فبأي وجوه سوداء سنقابل الله ورسوله بعد وصفه للرسول وأصحابه (محمد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفار رحماء بينهم) !
 فأين نحن اليوم منهم ؟
 وهل يصح أن نكون الوارثين لخير أمّة أخرجت للناس ؟

وأتوجه إلى شباب الأمّة بالقول:
 أنتم أمل الأوطان، وأمل الأمة في بناء مستقبلها وتعزيز مكانتها والوصول بها إلى موقعها الريادي اللائق بها في العالم، وأنتم تعلمون -أيها الأمل الواعد- من خلال تاريخنا وقرآننا المجيد أن وحدة الكلمة كانت في أساس البنيان المرصوص لأمتنا كما قال الله تعالى
 (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)
 وكما في قوله تعالى:
 (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً)،
 ولذلك فإن المطلوب منا جميعاً أن نبتعد عن كل عوامل الفرقة والانقسام، وأن ندرك أن وحدة الأمة هي من مقاصد شريعتنا السمحاء، وبهذا المقصد الشريف يعرف شبابنا بطلان كل دعوة تريد جعلنا طوائف ومذاهب متناحرة تحت شعار الدين، فإن الدين هو داعية وحدة وليس داعية فرقة.
---------------

نشكر لسماحة العلامة السيد علي الأمين وقته وجهده وما أفاض علينا من علمه داعين الله له أن يجمع به ولا يفرق ويمد في عمره ويبارك في عمله ولا يحرمنا من فيض علمه كلما سمح وقته ، وسلام من الله عليكم ورحمته وبركاته
مشاركة
مواضيع مقترحة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام