حوار: هناء المحروس
بالتعاون مع المجلس الأعلى للمرأة استضافت مملكة البحرين "المؤتمر القانوني لمكافحة العنف الأسري" الذي نظمته جمعية كرامة للمحاميات المسلمات ومقرها الولايات المتحدة الأمريكية حيث طرح خلال هذا المؤتمر العديد من الأوراق التي سعى مقدموها إلى تغيير الصورة الخاطئة عن موقف الشرع الإسلامي من العنف ضد المرأة وقدمن العديد من القراءات والحجج التي تخطئ ما يذهب إليه البعض من أن الشرع الإسلامي أباح ضرب المرأة.
فالعنف الأسري في مجمله ليس مقتصرا على مجتمع من دون آخر، كما أن العنف الموجه للمرأة يكاد يكون منتشرا في معظم دول العالم وإن كان بدرجات متفاوتة بسبب ما تقدم عليه الدول من تشريع يجرم ذلك بغض النظر عن صلة القرابة بين المعتدي والمعتدى عليه.
وكان لمشاركة "أخبار الخليج" في هذا المؤتمر فرصة لإغناء الحوار حول هذه القضية الهامة التي تشغل بال المجتمع الأنثوي أكثر من الذكوري حيث الحديث يدور أكثر عن تعرض المرأة للعنف من جانب الرجل، وأخطر ما في ذلك هو العنف الأسري،
فكان هذا الحوار مع
بالتعاون مع المجلس الأعلى للمرأة استضافت مملكة البحرين "المؤتمر القانوني لمكافحة العنف الأسري" الذي نظمته جمعية كرامة للمحاميات المسلمات ومقرها الولايات المتحدة الأمريكية حيث طرح خلال هذا المؤتمر العديد من الأوراق التي سعى مقدموها إلى تغيير الصورة الخاطئة عن موقف الشرع الإسلامي من العنف ضد المرأة وقدمن العديد من القراءات والحجج التي تخطئ ما يذهب إليه البعض من أن الشرع الإسلامي أباح ضرب المرأة.
فالعنف الأسري في مجمله ليس مقتصرا على مجتمع من دون آخر، كما أن العنف الموجه للمرأة يكاد يكون منتشرا في معظم دول العالم وإن كان بدرجات متفاوتة بسبب ما تقدم عليه الدول من تشريع يجرم ذلك بغض النظر عن صلة القرابة بين المعتدي والمعتدى عليه.
وكان لمشاركة "أخبار الخليج" في هذا المؤتمر فرصة لإغناء الحوار حول هذه القضية الهامة التي تشغل بال المجتمع الأنثوي أكثر من الذكوري حيث الحديث يدور أكثر عن تعرض المرأة للعنف من جانب الرجل، وأخطر ما في ذلك هو العنف الأسري،
فكان هذا الحوار مع
أستاذة الفقه الإسلامي بجامعة الزيتونة بتونس العاصمة الدكتورة منجية السوايجي:
* ما هي قراءتك لتطور الموقف الاجتماعي من سوء معاملة المرأة بل ضربها حيث شاعت هذه الممارسات في المجتمعات العربية الإسلامية منذ زمن طويل بل لاتزال تمارس في بعض المجتمعات حتى الآن وإن بدرجات متفاوتة فيما يبررها البعض على أنها غير مخالفة للتعاليم الدينية؟
تقول أستاذة الفقه الإسلامي بجامعة الزيتونة بتونس العاصمة الدكتورة منجية السوايجي أن الأصوليات الإسلامية المتطرفة لا تمثل استثناء في تاريخ الحركات الدينية إسلامية كانت أو مسيحية أو يهودية أو غيرها، عبر مختلف العصور والمجتمعات والثقافات، إنما جاء اهتمامنا في هذه الفترة من تاريخ مجتمعاتنا العربية بمواقف الأصوليات الإسلامية المتطرفة من قضايا اجتماعية مثل قضية المرأة لما لتلك المواقف من أثر على التقدم الذي أحرزه العديد من المجتمعات العربية في هذا المجال ومحاولة الارتداد بها عن المكاسب التي حققتها في إطار تحرير المرأة والنهوض بأوضاعها وتفعيل مساهمتها في الحياة العامة، ولما تمثله هذه المواقف، من تعسّف على النص الديني الإسلامي والخروج به عن مقاصده في موضوع حقق فيه الإسلام ثورة كبرى على الممارسات التي كانت ترتب مقام المرأة في الدرجة السفلى من البناء الاجتماعي داخل الجزيرة العربية وداخل المجتمعات المجاورة لها.
وتضيف أن العودة إلى النص الديني الإسلامي بقرآنه وسنته ومدونته التفسيرية، الذي تتخذه الحركات الأصولية المتطرفة سندا لتحريم ما لم يحرم وإجازة ما لم تتم إجازته في تنظيم العلاقة مع المرأة، وللعودة بها إلى المرتبة الدنيا التي انتشلها منها الإسلام وذلك لنستقرئ موقف هذا النص من العنف تجاه المرأة بشكليه المادي والرمزي.
الأصولية المتشددة
* يرى المنادون بأفضلية الرجل على المرأة وبحقه في المرتبة العليا أنهم يستندون إلى أحاديث نبوية وآيات قرآنية، في الوقت الذي تقولين فيه إن الدين الإسلامي لم يفرق بين الرجل والمرأة ولم يفضل الرجل على المرأة، فما هي أسانيدك في ذلك؟
تقول الدكتورة منجية السوايجي ان كل التفاسير انطلقت مع أقوال بعض الفقهاء من تفضيل الرجل على المرأة، وبما أنه الأفضل والأقوى ويمتلك سلطة المال، فله حق استعباد المرأة وتأديبها، ولم تتأثر الأصولية المتشددة إلا بهؤلاء، والحال أن بعض المفسرين القدماء فسروا التفضيل على أنّه اتفاق وتبادل، ولا أفضلية للرجل على المرأة.
من هؤلاء الرازي ونص عبارته: "النساء تكلّمن في تفضيل الله الرجال عليهن في الميراث فذكر الله في هذه الآية أنه إنما فضل الرجال على النساء في الميراث، لأن الرجال قوامون على النساء، فإنهما، وإن اشتركا في استمتاع كل واحد منها بالآخر، فقد أمر الله الرجال أن يدفعوا إليهن المهور ويدروا عليهن النفقة، فصارت الزيادة من الجانبين مقابلة بالزيادة من الجانب الآخر فكأنه لا فضل البتة".
وأضافت أن هذا يفرض علينا قراءة تاريخية للآيات نستشفّها من الأخبار التي وصفت الأوضاع يوم نزولها، فلقد مني المسلمون بهزيمة أُحد، وكانت شر هزيمة، فالظرف متأزم، والأمة الناشئة مطوقة بالأعداء بين رافض ومنافق ومترصد، ومثل هذه الظروف التاريخية تحتاج إلى استراتيجية حكيمة يقدم فيها الأهم على المهم، إضافة إلى هذا غضب الرجال من حكم القصاص وخاصة عندما وصل الأمر إلى سعد بن الربيع من كبار الأنصار، وتجاوز النساء حدهن مع الأزواج، كل هذا من شأنه أن يغذي فتيل الفتنة، ويساعد على التفرقة، وتمزيق شمل الجماعة.
وأشارت إلى أن مثل هذه الظروف تستدعي القضاء على الخلافات الداخلية ورأب الصدع، وتهدئة الخواطر، لأن الأمة في حاجة إلى أن تضمد جروحها، وتلملم شتاتها، فتنزل الآية في إطارها التاريخي والاجتماعي والإنساني الذي يحفظ للأمة وحدتها وسلامتها، كما ظهر أن تجربة القصاص والمساواة في المدينة لم تتهيّأ لها النفوس بعد، لأنّها جاءت قبل أوانها، فعادت بالسلب على المجتمع بصفة عامة وعلى المهاجرين بصفة خاصة.
وأكدت أن الحكمة تقتضي تقديم تنازلات أملتها الظروف للحد من الصدام بين النساء والرجال أولا، ولصالح الأمة ثانيا، فكان قول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أراد الله خيرا قولا في مكانه مراعاة للظروف الحاصلة، وحماية للأمة من خطر الانشقاق، وفي نفس الوقت يتم تأكيد حسن معاملة المرأة في قول الرسول صلى الله عليه وسلّم: ولن يضرب خياركم فتكاملت إرادة الرسول مع إرادة الله، وما أراده كان الأصلح في ذلك الزمن.
فهم التاريخ والأحداث.
من هنا، توضح الدكتورة منجية السوايجي نفهم الآية في اللحظة التاريخية التي نزلت أثناءها، وارتباطها بالحدث الزماني، ومراعاتها للحالة النفسية للناس والحالة الاجتماعية، ولا يمكن أن نقف عند ذلك التاريخ لأنه حركة تدفع إلى الأمام، إلى التطور، ولا عكسية فيه، وهذا الفهم هو مفتاح تفسير النص المقدس، لندرك أنه مطابق للواقع في صيرورته الزمنية، ونعتبر إباحة الضرب إباحة ظرفية، ومجرد تنازل عن المهم للأهم، يسقط ذلك التنازل بتغيّر الظروف ومرورها وبزوال أسباب الإباحة، وعندها يصبح المنع هو الأصل، وليس الضرب هو الأصل.
ليس هذا فحسب، تضيف، فإذا عدنا إلى المعاجم اللغوية كلها نجد أن أحد معاني كلمة "الضرب" تعني الإعراض، فيصبح المعنى أعرض عن الزوجة ولا تكلمها، فلماذا لا نترك معنى الضرب الذي يقصد منه التعنيف ونستبدله بمعنى الإعراض والغضب وخاصة أن الآية 35 من سورة النساء تؤيد هذا الاختيار ونصها: "فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، إن الله كان عليا كبيرا، وإن خفتم شقاقَ بينهما فابعثوا حكما من أهله، وحكما من أهلها، إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما"؟
وأوضحت أن التنصيص على الحكمين هنا ينفي وجود الضرب، فعلى الزوج، إن كانت زوجه هي الظالمة، أن يغضب منها وله أن يعظها فإن اشتدّ الخصام يلتجئ للحكمين، ولا يمكن أن يجتمع الضرب والحكمان معا كما أن العقل يرفض الضرب، فهذه المرأة ناشز، والناشز لا يردها الضرب، وإنما اللين وحسن المعاملة.
ولأن العنف يتجاوز الضرب إلى الإكراه على كل ما يخل بالكرامة الإنسانية وعلى كل ما يصادر الحرية الشخصية للإنسان رجلا كان أو امرأة، تقول، فإن قانون الأحوال الشخصية أوقف زواج القاصر على موافقة الأب والأم معا، فإن امتنع أحدهما وتمسكت القاصر برغبتها يرفع الأمر للقاضي والإذن بالزواج لا يقبل الطعن بأي وجه كما ورد في الفصل السادس.
التجربة التونسية
* تعتبر تونس من أوائل الدول العربية التي وضعت قانونا متطورا للأحوال الشخصية وازن بين الخصوصية الدينية للمجتمع التونسي وبين العصرنة وحقوق المرأة، فهل لك أن توجزي لنا مسيرة تطور هذا القانون وخاصة أنه صدر قبل أكثر من خمسين عاما وكيف أمكن الملاءمة بين هذا القانون والشريعة الإسلامية في المجتمع التونسي المسلم؟
تقول الدكتورة منجية السوايجي انه بناء على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة الذي يضمنه دستور الجمهورية التونسية واستنادا إلى قراءة مستنيرة للدين الإسلامي وفهم صحيح لمقاصده الداعية إلى تكريم الإنسان والرقي بمنزلته على أسس قيم الحرية والعدل والتسامح والتضامن، صدرت مجلة (قانون) الأحوال الشخصية في 13 أغسطس 1956 لتمكّن المرأة التونسية من مرجعية تشريعية هامة تعلي من مكانتها وتضمن حقوقها وتدفع بها أشواطا في الحياة العامة.
وأضافت أن تنقيحات عديدة أدخلت على القانون في 12 يوليو 1993 معززة لهذه الحقوق وفاتحة آفاقا جديدة أمام المرأة التونسية من أجل شراكة فاعلة بينها وبين الرجل داخل الأسرة وفي مجالات الحياة العامة وكان من الطبيعي أن تشمل هذه التنقيحات أول ما تشمل الفصول المقننة لعلاقة الرجل والمرأة داخل البيت كزوجين تقوم علاقتهما على الاحترام والشراكة أكثر مما تقوم على الأمر والطاعة، وباعتبارهما أيضا وليين لأطفال لهم عليهما نفس الواجبات والحقوق أي نفس المسؤولية القانونية التي تُسند في أغلب المجتمعات الإسلامية إلى الرجل وحده.
وهكذا، تضيف، بعد أن كان الفصل 23 من مجلة (قانون) الأحوال الشخصية الصادر عام 1956 ينص على واجب طاعة الزوجة لزوجها فيما يأمرها به، استبدلت الطاعة بالاحترام المتبادل وبالمعروف المتوجبين على كل من الزوجين حيث ورد في الفصل الجديد: "على كل واحد من الزوجين أن يعامل الآخر بالمعروف ويحسن عشرته ويتجنب إلحاق الضرر به"، وإذ يكرس الفصل الجديد مبدأ الاحترام وحسن العشرة بين الزوجين، فإنه يدعو إلى تجنب إلحاق الضرر معنويا كان أو ماديا، وهو هنا لا يخص المرأة بوقوع الضرر عليها بل يفترض إمكانية وقوعه على الطرفين بما يستتبع ذلك من استنكار مبدئي وأخلاقي ومنعه قانونيا.
وفي إطار نفس الفصل الثالث والعشرين من قانون الأحوال الشخصية في نسخته المنقحة، تضيف، يأتي تأكيد التعاون على تيسير شؤون الأسرة وحسن تربية الأبناء وتصريف شؤونهم بما في ذلك التعليم والسفر والمعاملات المالية لا فقط لتكريس مبدأ المساواة والشراكة في تحمل مسؤولية الأسرة والأبناء وعدم إقرار علوية أو تفرد الرجل بهذه المسؤولية خاصة في المسائل الهامة والمصيرية التي تهم وضع الأبناء وإنما أيضا لإضفاء صفة الانسجام والتفاهم والتعاون على العلاقة بين الزوجين وهو ما يتنافى مع كلّ مظاهر التوتر والعنف المعنوي والمادي الذي يمكن أن يشوب العلاقة بينهما والذي ذهب بعض المتفقهين الذاهبين عكس حركة نمو المجتمعات بل عكس ما استقر من مبادئ في الحضارة الإسلامية وما نادى به الإسلام من تبجيل للإنسان وصون لحرمة بدنه، ذهبوا إلى إقراره بل تشريعه.
وأكدت أن المشرع التونسي عمل من خلال العديد من القوانين كالقانون الجنائي وقانون الأحوال الشخصية على الحد من ظاهرة العنف ضد المرأة في الأسرة وفي المجتمع وعمل على الإعلاء من منزلة المرأة وحقوقها والحفاظ على كرامتها، وذلك طبقا لروح الشريعة الإسلامية ولكل القوانين الدولية الخاصة بحقوق الإنسان ومناهضة التمييز بين المرأة والرجل التي يعد التوقيع عليها من قبل تونس إحدى مفاخر هذا البلد الذي يمثل فيه الرهان على المرأة والرجل رهانا أوليا وأساسيا.
التزام صحيح الدين
* ينعت البعض مواد قانون الأحوال الشخصية التونسي فيما يتعلق بالطلاق مثلا بأنها لم تلتزم صحيح التعاليم الدينية، فما هو ردك على ذلك؟
هذا قول مغاير للحقيقة، تقول الدكتورة منجية السوايجي، إذ تبدو الفصول الخاصة بالطلاق بقانون الأحوال الشخصية التونسية خاصة في نسختها المنقحة أكثر تطورا مما ساد من أعراف وتقاليد في العديد من المجتمعات الإسلامية في تعاملها مع إنهاء الحياة الزوجية التي كثيرا ما يقررها الزوج بشكل فردي واعتباطي، بل تبدو أشد وفاء لمبادئ الإسلام وقيمه وتعمقا في نصوص الشريعة وفهما لمقاصدها، تلك التي يقف بعض المتاجرين بالدين والجاهلين بالمقاصد النبيلة للشريعة على سطحها، وعلى أسوأ التأويلات، التي تبلغ أحيانا مبلغ العبث بها.
فالقانون التونسي لا يقر الطلاق إلا عن طريق المحكمة، منعا لتحكم المزاج في علاقة يفترض أنها وجدت لتحفظ في كنف الاحترام وتدوم، وبعد أن تجرى محاولات صلح بين الزوجين وبعد أن ينتهى إلى العجز عن الإصلاح بينهما، وتتكرر هذه المحاولات عند وجود أطفال قصر ثلاث مرات، وذلك حفاظا على كيان الأسرة، ومنعا كما أسلفنا لما يمكن أن يتفرد به الزوج من قرار يوقع الضرر على الزوجة وعلى مستقبلها ومستقبل أبنائها، فضلا عما يوفره القانون التونسي من حقوق النفقة على الزوجة والأبناء والسكن حسب شروط معلومة تحول دون إلحاق الأذى بكرامة الزوجة وأبنائها.
وأضافت أن العنف المعنوي يكون أحيانا أشد وطأة من العنف المادي وأكثر أثرا في النفس، واستلهاما من روح العدل والتضامن التي يحث عليها الإسلام، ومن السياسة التونسية التي كرست هذه المبادئ في تشريعاتها الدستورية والقانونية، منح المشرع التونسي لمن ولد خارج تونس من أم تونسية وأب أجنبي حق اكتساب الجنسية التونسية، وذلك تأكيدا لهويته وانتمائه لبلد والدته، وضمانا لحقوقه في العديد من الحالات التي لا توفر فيها جنسية الأب هذه الحقوق أو لصعوبة الحصول عليها.
أستاذة القانون بجامعة محمد الخامس:
آية "الضرب" لا تبرر استخدام العنف ضد المرأة على الإطلاق
أستاذة القانون الخاص بجامعة محمد الخامس الرباط (المغرب) الدكتورة رجاء ناجي المكاوي قالت في ورقة تحت عنوان (العنف الأسري في الشرع الإسلامي) انه في الحقيقة كلما أثير العنف الأسري تبادر إلى الذهن واقع نمطي واحد، تعنيف المرأة من قبل الرجل، لكن المرأة أيضا تمارس العنف الذي تستطيعه أو تتقنه، لكن لا يلتف إليه، ولعله من نافلة البحث الموضوعي أن نشخص كل أشكال العنف الممارس بين الزوجين من دون تحيز أو انسياق مع أيديولوجيا ما.
وحينما يضاف إلى موضوع العنف الأسري موضوع الإسلام، يذهب الناس بوعي أو من دونه، بحسن نية أو سوئها، بمعرفة أو جهل، إلى جعل الموضوعين مترادفين ويجتهدون من أجل إلصاق العنف بالإسلام واتهامه بوضعه المرأة في الدرك الأسفل، لكن البحث الموضوعي يقتضي منا أن نَستجلِيَ واقع المرأة في العالم المتحضر والأقل تحضرا، في العالم الإسلامي وغيره من أجل الوصول إلى جواب مقنع عن سؤال معقد حول ما إذا كان الإسلام بالفعل يكرس العنف ضد المرأة، وسؤال آخر حول ما إذا كان العنف ضد المرأة ظاهرة خاصة بالعالم الإسلامي أم أنها إشكالية عالمية ترتبط بأوضاع وعوامل وأسباب بعينها، بحيث كلما اجتمعت أفرزت سلوكات يعوزها الحس الحضاري.
ونوهت بتشريعات بعض الدول الإسلامية التي تسعى للقطع من الأعراف والتقاليد الظالمة للمرأة، وعن مدى انسجامها مع الشرع ومدى استلهامها منه في مسائل لها علاقة بالعنف عموما والعنف ضد المرأة بشكل أخص.
ولعل الإجابة عن هذه الأسئلة الملحة والمعقدة ستسمح لنا بتقديم أجوبة دقيقة موضوعية ووافية عن مكانة المرأة في الإسلام وأيضا عن واقعها الحقيقي في الدول الإسلامية، وإن من شأن كل ذلك أن يعرف هيئات حقوق الإنسان العالمية وكل المهتمين الذين كونوا صورا نمطية عن مكانة المرأة في الإسلام وخلطوا في كل ذلك بين مكانة المرأة في النصوص وواقعها الذي تحكمه عوامل كثيرة ومعقدة.
وتطرقت إلى العنف الجسدي ومدى تحريم الشرع الإسلامي له فأشارت إلى آية "الضرب" وحجيتها في تبرير العنف ضد المرأة، هذه الآية التي يتخذها البعض دليلا على تبرير ضرب النساء والتي تقول:
"الرجَالُ قَوامُونَ عَلَى النسَاء بِمَا فَضلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ للْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُن فَعِظُوهُن وَاهْجُرُوهُن فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُن فَإنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِن سَبِيلاً إِن اللهَ كَانَ عَلِيا كَبِيرًا* وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا منْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا منْ أَهْلِهَا إن يُرِيدَا إصْلاحًا يُوَفقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِن اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا" (سورة النساء، آية 34 و35).
وقالت إن الآية 34، وكما كان متوقعا جدا، تثير الكثير من الجدال، ولا غرابة في هذا، لأن الناس دأبت على أن تتعامل مع النص الشرعي بانتقائية وتجزيء، بحيث تخفي منه ما تشاء ولا تبرز إلا الذي يلبـي ما في الأنفس من حاجات لم تعد خافية.
فكما استثمرت آية النشوز عبر القرون من أجل تبرير كل أشكال العنف الممارس على المرأة، تشير إلى أنه يتم حاليا استثمارها من أجل شن حملات ضد الإسلام واتهامه بالرجعية والتطرف واللامساواة واحتقاره المرأة، هذا مع أن الآية موضوع النقاش تبدأ بالحث على النصح والوعظ والتوجيه والإرشاد، بالتي هي أحسن: "فَعِظُوهُن"، كل ذلك من أجل إثناء الزوجة الناشز الخارجة عن الشرع واتقاء الفرقة والطلاق.
فآية النشوز (مثل آية القوامة وسواها) من الآيات القليلة التي تُشهَر بمناسبة وبغير مناسبة، بحيث تَجُب وتنسي الناسَ كُل الآيات الضامنة للعدل والمساواة والكرامة والحقوق، ومع أن قراءة مثل هذه لا سند لها في الشرع، مع ذلك نتوقف عندها بتمعن.
وأكدت أن الآية 34 من سورة النساء بالصيغة التي جاءت بها هي نفسها التي تمنع الضرب، خلافاً لما ترسخ في أذهان المسلمين وخلافا للاتهامات التي يوجهها الآخرون للإسلام لهذا السبب، بل إنها لم تشر لكون الضارب هو الزوج من قريب أو بعيد.
فالشرع الإسلامي، كل لا يتجزأ، وأحكامه متكاملة فيما بينها، بينما خصوم الإسلام حتى بعض أبنائه الجاهلين بأحكامه لا يشهرون في كل مرة إلا بضعا أو جزءا من الآيات التي يعتبرونها "مشْكِلَة"، أو مكرسة لبعض السلوكات، ويخفون، عن جهل أو عن مكابرة أو تعمد، الآيات والأحاديث، وما أكثرها! التي تقيم أحكاما عادلة ومنصفة للجهات المعنية بالحماية، وغير خاف أنه إذا ما اعتمدت منهجية التجزيء، فإن أي نظام مهما بلغ كماله سيظهر معيبا وناقصا.
إن الإسلام، توضح الدكتورة رجاء المكاوي، لم يبح ضرب المرأة على الإطلاق. ففي غير سياق هذه الآية، لا نجد في القرآن ولا في السنة أي نص يكرس الضرب أو أي عنف آخر. بل إنهما توجها بالخطاب للرجال والنساء سواسية من دون تمييز أو تفضيل، بل رفعا لكل لبس أو تأويل مجَانِبٍ لمقاصد الشرع، نصا معا بصريح العبارة على أن الكرامة تجب للمرأة كما تجب للرجل، بل زادَا على ذلك قواعد تبين مكانة المرأة وضرورة إحسان معاملتها (طفلة) ويافعة وامرأة، حتى ثبت في الآثار أنه "ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم".
وتناولت الدكتورة رجاء المكاوي الخلط بين العادات والتقاليد وبين تعاليم الإسلام فأكدت ضرورة التمييز بين الطاعة العمياء التي تفرضها الأعراف والتقاليد على الزوجة، فتعتبرها ناشزا حتى لو كان أمر الزوج الموجب للطاعة مخالفا للشرع وتوقع للزوج (على بياض) من أجل إرغام الزوجة بأية وسيلة وتسمح له باستعمال العنف من دون حدود، وبين واجب احترام الالتزامات التي تقع على الزوجين حفظا لحقوق الزوج الآخر وضمانا لاستقرار الأسرة.
وتأثرا بالأعراف والتقاليد، تضيف، يتخذ بعض الحركات والأصوليات مواقف متشددة من قضايا اجتماعية أخرى كبرى مثل قضية المرأة وموقعها في السلم الاجتماعي، ولا يخفى ما لمثل هكذا مواقف من أثر على التنمية وعلى إشراك المرأة في المشاريع التنموية وإسهامها في الحياة العامة، كما لا يخفى ما تحمله هذه المواقف من تعسّف على النص الشرعي وإخراج له عن فلسفته ومقاصده في مسألة كان الإسلام فيها السباق إلى القطع مع الممارسات والذهنيات التي كانت تحبس المرأة في أدنى درجة في مجتمع الجزيرة العربية والمجتمعات المجاورة لها ولدى الشعوب التي دخلها الإسلام.
وأشارت إلى أن كثيرا من الناس (مثقفين وغيرهم) يعتقدون جازمين أنه مادام النص لم يبين من يحق له استعمال الضرب، وبما أن الزوج هو المخول صلاحية التأديب كما رسخ في الأعراف، فهو السيد المطلق في الضرب ولا رقيب عليه في ذلك ولو تعسف وتجاوز ولو هدد حياة الزوجة جديا.
رئيسة "كرامة للمحاميات المسلمات":
حق الزوج في ضرب زوجته
اعتقاد خاطئ ويتعارض مع الشريعة
في ورقتها بعنوان "وجهة نظر إسلامية حول العنف الأسري" أشارت أستاذة القانون بجامعة "رتشموند" بالولايات المتحدة الأمريكية ورئيسة جمعية كرامة للمحاميات المسلمات الدكتورة عزيزة الهيري إلى أن المرأة المسلمة في جميع أنحاء العالم تشكو من العنف المنزلي، بل هو منتشر حتى في الولايات المتحدة الأمريكية، وأن المرأة لم تلق حماية لوقف هذا العنف حتى من بعض شيوخ الدين حيث لا يحثون الرجال على استخدام الرحمة والتسامح مع الزوجات.
وأضافت أن بعض أئمة وشيوخ الدين يضعون اللوم على الزوجات فيما يحدث من عنف داخل الأسرة فكان هناك اعتقاد أن من حق الرجل معاقبة زوجته بالضرب وهذا اعتقاد خاطئ ويتعارض مع نصوص الشريعة الإسلامية التي كرمت المرأة.
وأشارت إلى أن هذا الاعتقاد ليس مقتصرا على شيوخ الدين المسلمين بل ان هناك وسط رجال الدين المسيحيين يوجد مثل هذا الاعتقاد، فالعنف المنزلي غير مقبول أصلا ويجب ألا يوفر له غطاء ديني بأي حال من الأحوال وتحت أي ظروف أو حجج.
وقالت ان هذا الاعتقاد يخول الزوج ممارسة شتى أنواع العنف ضد زوجته على أنه حق إلهي مع أنه غير ذلك، فالدين الإسلامي لا يجيز ممارسة العنف ضد الزوجة، ومهمة ومسئولية شيوخ الدين ليس تبرير هذا العنف وإضفاء الحماية الدينية عليه وإنما مقاومته وتجريده من هذه الحماية.
وتطرقت إلى دور جمعية كرامة للمحاميات المسلمات لحقوق الإنسان في أمريكا فقالت ان الجمعية هي منظمة تركز على القضايا المحلية والعالمية بالنسبة لحقوق الإنسان المسلم في جميع دول العالم وتسعى لمساعدة المجتمعات المسلمة في أمريكا وفي الخارج وتناول المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان والحقوق المدنية ذات الصلة بدستور الولايات المتحدة الأمريكية.
تقول أستاذة الفقه الإسلامي بجامعة الزيتونة بتونس العاصمة الدكتورة منجية السوايجي أن الأصوليات الإسلامية المتطرفة لا تمثل استثناء في تاريخ الحركات الدينية إسلامية كانت أو مسيحية أو يهودية أو غيرها، عبر مختلف العصور والمجتمعات والثقافات، إنما جاء اهتمامنا في هذه الفترة من تاريخ مجتمعاتنا العربية بمواقف الأصوليات الإسلامية المتطرفة من قضايا اجتماعية مثل قضية المرأة لما لتلك المواقف من أثر على التقدم الذي أحرزه العديد من المجتمعات العربية في هذا المجال ومحاولة الارتداد بها عن المكاسب التي حققتها في إطار تحرير المرأة والنهوض بأوضاعها وتفعيل مساهمتها في الحياة العامة، ولما تمثله هذه المواقف، من تعسّف على النص الديني الإسلامي والخروج به عن مقاصده في موضوع حقق فيه الإسلام ثورة كبرى على الممارسات التي كانت ترتب مقام المرأة في الدرجة السفلى من البناء الاجتماعي داخل الجزيرة العربية وداخل المجتمعات المجاورة لها.
وتضيف أن العودة إلى النص الديني الإسلامي بقرآنه وسنته ومدونته التفسيرية، الذي تتخذه الحركات الأصولية المتطرفة سندا لتحريم ما لم يحرم وإجازة ما لم تتم إجازته في تنظيم العلاقة مع المرأة، وللعودة بها إلى المرتبة الدنيا التي انتشلها منها الإسلام وذلك لنستقرئ موقف هذا النص من العنف تجاه المرأة بشكليه المادي والرمزي.
الأصولية المتشددة
* يرى المنادون بأفضلية الرجل على المرأة وبحقه في المرتبة العليا أنهم يستندون إلى أحاديث نبوية وآيات قرآنية، في الوقت الذي تقولين فيه إن الدين الإسلامي لم يفرق بين الرجل والمرأة ولم يفضل الرجل على المرأة، فما هي أسانيدك في ذلك؟
تقول الدكتورة منجية السوايجي ان كل التفاسير انطلقت مع أقوال بعض الفقهاء من تفضيل الرجل على المرأة، وبما أنه الأفضل والأقوى ويمتلك سلطة المال، فله حق استعباد المرأة وتأديبها، ولم تتأثر الأصولية المتشددة إلا بهؤلاء، والحال أن بعض المفسرين القدماء فسروا التفضيل على أنّه اتفاق وتبادل، ولا أفضلية للرجل على المرأة.
من هؤلاء الرازي ونص عبارته: "النساء تكلّمن في تفضيل الله الرجال عليهن في الميراث فذكر الله في هذه الآية أنه إنما فضل الرجال على النساء في الميراث، لأن الرجال قوامون على النساء، فإنهما، وإن اشتركا في استمتاع كل واحد منها بالآخر، فقد أمر الله الرجال أن يدفعوا إليهن المهور ويدروا عليهن النفقة، فصارت الزيادة من الجانبين مقابلة بالزيادة من الجانب الآخر فكأنه لا فضل البتة".
وأضافت أن هذا يفرض علينا قراءة تاريخية للآيات نستشفّها من الأخبار التي وصفت الأوضاع يوم نزولها، فلقد مني المسلمون بهزيمة أُحد، وكانت شر هزيمة، فالظرف متأزم، والأمة الناشئة مطوقة بالأعداء بين رافض ومنافق ومترصد، ومثل هذه الظروف التاريخية تحتاج إلى استراتيجية حكيمة يقدم فيها الأهم على المهم، إضافة إلى هذا غضب الرجال من حكم القصاص وخاصة عندما وصل الأمر إلى سعد بن الربيع من كبار الأنصار، وتجاوز النساء حدهن مع الأزواج، كل هذا من شأنه أن يغذي فتيل الفتنة، ويساعد على التفرقة، وتمزيق شمل الجماعة.
وأشارت إلى أن مثل هذه الظروف تستدعي القضاء على الخلافات الداخلية ورأب الصدع، وتهدئة الخواطر، لأن الأمة في حاجة إلى أن تضمد جروحها، وتلملم شتاتها، فتنزل الآية في إطارها التاريخي والاجتماعي والإنساني الذي يحفظ للأمة وحدتها وسلامتها، كما ظهر أن تجربة القصاص والمساواة في المدينة لم تتهيّأ لها النفوس بعد، لأنّها جاءت قبل أوانها، فعادت بالسلب على المجتمع بصفة عامة وعلى المهاجرين بصفة خاصة.
وأكدت أن الحكمة تقتضي تقديم تنازلات أملتها الظروف للحد من الصدام بين النساء والرجال أولا، ولصالح الأمة ثانيا، فكان قول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أراد الله خيرا قولا في مكانه مراعاة للظروف الحاصلة، وحماية للأمة من خطر الانشقاق، وفي نفس الوقت يتم تأكيد حسن معاملة المرأة في قول الرسول صلى الله عليه وسلّم: ولن يضرب خياركم فتكاملت إرادة الرسول مع إرادة الله، وما أراده كان الأصلح في ذلك الزمن.
فهم التاريخ والأحداث.
من هنا، توضح الدكتورة منجية السوايجي نفهم الآية في اللحظة التاريخية التي نزلت أثناءها، وارتباطها بالحدث الزماني، ومراعاتها للحالة النفسية للناس والحالة الاجتماعية، ولا يمكن أن نقف عند ذلك التاريخ لأنه حركة تدفع إلى الأمام، إلى التطور، ولا عكسية فيه، وهذا الفهم هو مفتاح تفسير النص المقدس، لندرك أنه مطابق للواقع في صيرورته الزمنية، ونعتبر إباحة الضرب إباحة ظرفية، ومجرد تنازل عن المهم للأهم، يسقط ذلك التنازل بتغيّر الظروف ومرورها وبزوال أسباب الإباحة، وعندها يصبح المنع هو الأصل، وليس الضرب هو الأصل.
ليس هذا فحسب، تضيف، فإذا عدنا إلى المعاجم اللغوية كلها نجد أن أحد معاني كلمة "الضرب" تعني الإعراض، فيصبح المعنى أعرض عن الزوجة ولا تكلمها، فلماذا لا نترك معنى الضرب الذي يقصد منه التعنيف ونستبدله بمعنى الإعراض والغضب وخاصة أن الآية 35 من سورة النساء تؤيد هذا الاختيار ونصها: "فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، إن الله كان عليا كبيرا، وإن خفتم شقاقَ بينهما فابعثوا حكما من أهله، وحكما من أهلها، إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما"؟
وأوضحت أن التنصيص على الحكمين هنا ينفي وجود الضرب، فعلى الزوج، إن كانت زوجه هي الظالمة، أن يغضب منها وله أن يعظها فإن اشتدّ الخصام يلتجئ للحكمين، ولا يمكن أن يجتمع الضرب والحكمان معا كما أن العقل يرفض الضرب، فهذه المرأة ناشز، والناشز لا يردها الضرب، وإنما اللين وحسن المعاملة.
ولأن العنف يتجاوز الضرب إلى الإكراه على كل ما يخل بالكرامة الإنسانية وعلى كل ما يصادر الحرية الشخصية للإنسان رجلا كان أو امرأة، تقول، فإن قانون الأحوال الشخصية أوقف زواج القاصر على موافقة الأب والأم معا، فإن امتنع أحدهما وتمسكت القاصر برغبتها يرفع الأمر للقاضي والإذن بالزواج لا يقبل الطعن بأي وجه كما ورد في الفصل السادس.
التجربة التونسية
* تعتبر تونس من أوائل الدول العربية التي وضعت قانونا متطورا للأحوال الشخصية وازن بين الخصوصية الدينية للمجتمع التونسي وبين العصرنة وحقوق المرأة، فهل لك أن توجزي لنا مسيرة تطور هذا القانون وخاصة أنه صدر قبل أكثر من خمسين عاما وكيف أمكن الملاءمة بين هذا القانون والشريعة الإسلامية في المجتمع التونسي المسلم؟
تقول الدكتورة منجية السوايجي انه بناء على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة الذي يضمنه دستور الجمهورية التونسية واستنادا إلى قراءة مستنيرة للدين الإسلامي وفهم صحيح لمقاصده الداعية إلى تكريم الإنسان والرقي بمنزلته على أسس قيم الحرية والعدل والتسامح والتضامن، صدرت مجلة (قانون) الأحوال الشخصية في 13 أغسطس 1956 لتمكّن المرأة التونسية من مرجعية تشريعية هامة تعلي من مكانتها وتضمن حقوقها وتدفع بها أشواطا في الحياة العامة.
وأضافت أن تنقيحات عديدة أدخلت على القانون في 12 يوليو 1993 معززة لهذه الحقوق وفاتحة آفاقا جديدة أمام المرأة التونسية من أجل شراكة فاعلة بينها وبين الرجل داخل الأسرة وفي مجالات الحياة العامة وكان من الطبيعي أن تشمل هذه التنقيحات أول ما تشمل الفصول المقننة لعلاقة الرجل والمرأة داخل البيت كزوجين تقوم علاقتهما على الاحترام والشراكة أكثر مما تقوم على الأمر والطاعة، وباعتبارهما أيضا وليين لأطفال لهم عليهما نفس الواجبات والحقوق أي نفس المسؤولية القانونية التي تُسند في أغلب المجتمعات الإسلامية إلى الرجل وحده.
وهكذا، تضيف، بعد أن كان الفصل 23 من مجلة (قانون) الأحوال الشخصية الصادر عام 1956 ينص على واجب طاعة الزوجة لزوجها فيما يأمرها به، استبدلت الطاعة بالاحترام المتبادل وبالمعروف المتوجبين على كل من الزوجين حيث ورد في الفصل الجديد: "على كل واحد من الزوجين أن يعامل الآخر بالمعروف ويحسن عشرته ويتجنب إلحاق الضرر به"، وإذ يكرس الفصل الجديد مبدأ الاحترام وحسن العشرة بين الزوجين، فإنه يدعو إلى تجنب إلحاق الضرر معنويا كان أو ماديا، وهو هنا لا يخص المرأة بوقوع الضرر عليها بل يفترض إمكانية وقوعه على الطرفين بما يستتبع ذلك من استنكار مبدئي وأخلاقي ومنعه قانونيا.
وفي إطار نفس الفصل الثالث والعشرين من قانون الأحوال الشخصية في نسخته المنقحة، تضيف، يأتي تأكيد التعاون على تيسير شؤون الأسرة وحسن تربية الأبناء وتصريف شؤونهم بما في ذلك التعليم والسفر والمعاملات المالية لا فقط لتكريس مبدأ المساواة والشراكة في تحمل مسؤولية الأسرة والأبناء وعدم إقرار علوية أو تفرد الرجل بهذه المسؤولية خاصة في المسائل الهامة والمصيرية التي تهم وضع الأبناء وإنما أيضا لإضفاء صفة الانسجام والتفاهم والتعاون على العلاقة بين الزوجين وهو ما يتنافى مع كلّ مظاهر التوتر والعنف المعنوي والمادي الذي يمكن أن يشوب العلاقة بينهما والذي ذهب بعض المتفقهين الذاهبين عكس حركة نمو المجتمعات بل عكس ما استقر من مبادئ في الحضارة الإسلامية وما نادى به الإسلام من تبجيل للإنسان وصون لحرمة بدنه، ذهبوا إلى إقراره بل تشريعه.
وأكدت أن المشرع التونسي عمل من خلال العديد من القوانين كالقانون الجنائي وقانون الأحوال الشخصية على الحد من ظاهرة العنف ضد المرأة في الأسرة وفي المجتمع وعمل على الإعلاء من منزلة المرأة وحقوقها والحفاظ على كرامتها، وذلك طبقا لروح الشريعة الإسلامية ولكل القوانين الدولية الخاصة بحقوق الإنسان ومناهضة التمييز بين المرأة والرجل التي يعد التوقيع عليها من قبل تونس إحدى مفاخر هذا البلد الذي يمثل فيه الرهان على المرأة والرجل رهانا أوليا وأساسيا.
التزام صحيح الدين
* ينعت البعض مواد قانون الأحوال الشخصية التونسي فيما يتعلق بالطلاق مثلا بأنها لم تلتزم صحيح التعاليم الدينية، فما هو ردك على ذلك؟
هذا قول مغاير للحقيقة، تقول الدكتورة منجية السوايجي، إذ تبدو الفصول الخاصة بالطلاق بقانون الأحوال الشخصية التونسية خاصة في نسختها المنقحة أكثر تطورا مما ساد من أعراف وتقاليد في العديد من المجتمعات الإسلامية في تعاملها مع إنهاء الحياة الزوجية التي كثيرا ما يقررها الزوج بشكل فردي واعتباطي، بل تبدو أشد وفاء لمبادئ الإسلام وقيمه وتعمقا في نصوص الشريعة وفهما لمقاصدها، تلك التي يقف بعض المتاجرين بالدين والجاهلين بالمقاصد النبيلة للشريعة على سطحها، وعلى أسوأ التأويلات، التي تبلغ أحيانا مبلغ العبث بها.
فالقانون التونسي لا يقر الطلاق إلا عن طريق المحكمة، منعا لتحكم المزاج في علاقة يفترض أنها وجدت لتحفظ في كنف الاحترام وتدوم، وبعد أن تجرى محاولات صلح بين الزوجين وبعد أن ينتهى إلى العجز عن الإصلاح بينهما، وتتكرر هذه المحاولات عند وجود أطفال قصر ثلاث مرات، وذلك حفاظا على كيان الأسرة، ومنعا كما أسلفنا لما يمكن أن يتفرد به الزوج من قرار يوقع الضرر على الزوجة وعلى مستقبلها ومستقبل أبنائها، فضلا عما يوفره القانون التونسي من حقوق النفقة على الزوجة والأبناء والسكن حسب شروط معلومة تحول دون إلحاق الأذى بكرامة الزوجة وأبنائها.
وأضافت أن العنف المعنوي يكون أحيانا أشد وطأة من العنف المادي وأكثر أثرا في النفس، واستلهاما من روح العدل والتضامن التي يحث عليها الإسلام، ومن السياسة التونسية التي كرست هذه المبادئ في تشريعاتها الدستورية والقانونية، منح المشرع التونسي لمن ولد خارج تونس من أم تونسية وأب أجنبي حق اكتساب الجنسية التونسية، وذلك تأكيدا لهويته وانتمائه لبلد والدته، وضمانا لحقوقه في العديد من الحالات التي لا توفر فيها جنسية الأب هذه الحقوق أو لصعوبة الحصول عليها.
أستاذة القانون بجامعة محمد الخامس:
آية "الضرب" لا تبرر استخدام العنف ضد المرأة على الإطلاق
أستاذة القانون الخاص بجامعة محمد الخامس الرباط (المغرب) الدكتورة رجاء ناجي المكاوي قالت في ورقة تحت عنوان (العنف الأسري في الشرع الإسلامي) انه في الحقيقة كلما أثير العنف الأسري تبادر إلى الذهن واقع نمطي واحد، تعنيف المرأة من قبل الرجل، لكن المرأة أيضا تمارس العنف الذي تستطيعه أو تتقنه، لكن لا يلتف إليه، ولعله من نافلة البحث الموضوعي أن نشخص كل أشكال العنف الممارس بين الزوجين من دون تحيز أو انسياق مع أيديولوجيا ما.
وحينما يضاف إلى موضوع العنف الأسري موضوع الإسلام، يذهب الناس بوعي أو من دونه، بحسن نية أو سوئها، بمعرفة أو جهل، إلى جعل الموضوعين مترادفين ويجتهدون من أجل إلصاق العنف بالإسلام واتهامه بوضعه المرأة في الدرك الأسفل، لكن البحث الموضوعي يقتضي منا أن نَستجلِيَ واقع المرأة في العالم المتحضر والأقل تحضرا، في العالم الإسلامي وغيره من أجل الوصول إلى جواب مقنع عن سؤال معقد حول ما إذا كان الإسلام بالفعل يكرس العنف ضد المرأة، وسؤال آخر حول ما إذا كان العنف ضد المرأة ظاهرة خاصة بالعالم الإسلامي أم أنها إشكالية عالمية ترتبط بأوضاع وعوامل وأسباب بعينها، بحيث كلما اجتمعت أفرزت سلوكات يعوزها الحس الحضاري.
ونوهت بتشريعات بعض الدول الإسلامية التي تسعى للقطع من الأعراف والتقاليد الظالمة للمرأة، وعن مدى انسجامها مع الشرع ومدى استلهامها منه في مسائل لها علاقة بالعنف عموما والعنف ضد المرأة بشكل أخص.
ولعل الإجابة عن هذه الأسئلة الملحة والمعقدة ستسمح لنا بتقديم أجوبة دقيقة موضوعية ووافية عن مكانة المرأة في الإسلام وأيضا عن واقعها الحقيقي في الدول الإسلامية، وإن من شأن كل ذلك أن يعرف هيئات حقوق الإنسان العالمية وكل المهتمين الذين كونوا صورا نمطية عن مكانة المرأة في الإسلام وخلطوا في كل ذلك بين مكانة المرأة في النصوص وواقعها الذي تحكمه عوامل كثيرة ومعقدة.
وتطرقت إلى العنف الجسدي ومدى تحريم الشرع الإسلامي له فأشارت إلى آية "الضرب" وحجيتها في تبرير العنف ضد المرأة، هذه الآية التي يتخذها البعض دليلا على تبرير ضرب النساء والتي تقول:
"الرجَالُ قَوامُونَ عَلَى النسَاء بِمَا فَضلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ للْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُن فَعِظُوهُن وَاهْجُرُوهُن فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُن فَإنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِن سَبِيلاً إِن اللهَ كَانَ عَلِيا كَبِيرًا* وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا منْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا منْ أَهْلِهَا إن يُرِيدَا إصْلاحًا يُوَفقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِن اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا" (سورة النساء، آية 34 و35).
وقالت إن الآية 34، وكما كان متوقعا جدا، تثير الكثير من الجدال، ولا غرابة في هذا، لأن الناس دأبت على أن تتعامل مع النص الشرعي بانتقائية وتجزيء، بحيث تخفي منه ما تشاء ولا تبرز إلا الذي يلبـي ما في الأنفس من حاجات لم تعد خافية.
فكما استثمرت آية النشوز عبر القرون من أجل تبرير كل أشكال العنف الممارس على المرأة، تشير إلى أنه يتم حاليا استثمارها من أجل شن حملات ضد الإسلام واتهامه بالرجعية والتطرف واللامساواة واحتقاره المرأة، هذا مع أن الآية موضوع النقاش تبدأ بالحث على النصح والوعظ والتوجيه والإرشاد، بالتي هي أحسن: "فَعِظُوهُن"، كل ذلك من أجل إثناء الزوجة الناشز الخارجة عن الشرع واتقاء الفرقة والطلاق.
فآية النشوز (مثل آية القوامة وسواها) من الآيات القليلة التي تُشهَر بمناسبة وبغير مناسبة، بحيث تَجُب وتنسي الناسَ كُل الآيات الضامنة للعدل والمساواة والكرامة والحقوق، ومع أن قراءة مثل هذه لا سند لها في الشرع، مع ذلك نتوقف عندها بتمعن.
وأكدت أن الآية 34 من سورة النساء بالصيغة التي جاءت بها هي نفسها التي تمنع الضرب، خلافاً لما ترسخ في أذهان المسلمين وخلافا للاتهامات التي يوجهها الآخرون للإسلام لهذا السبب، بل إنها لم تشر لكون الضارب هو الزوج من قريب أو بعيد.
فالشرع الإسلامي، كل لا يتجزأ، وأحكامه متكاملة فيما بينها، بينما خصوم الإسلام حتى بعض أبنائه الجاهلين بأحكامه لا يشهرون في كل مرة إلا بضعا أو جزءا من الآيات التي يعتبرونها "مشْكِلَة"، أو مكرسة لبعض السلوكات، ويخفون، عن جهل أو عن مكابرة أو تعمد، الآيات والأحاديث، وما أكثرها! التي تقيم أحكاما عادلة ومنصفة للجهات المعنية بالحماية، وغير خاف أنه إذا ما اعتمدت منهجية التجزيء، فإن أي نظام مهما بلغ كماله سيظهر معيبا وناقصا.
إن الإسلام، توضح الدكتورة رجاء المكاوي، لم يبح ضرب المرأة على الإطلاق. ففي غير سياق هذه الآية، لا نجد في القرآن ولا في السنة أي نص يكرس الضرب أو أي عنف آخر. بل إنهما توجها بالخطاب للرجال والنساء سواسية من دون تمييز أو تفضيل، بل رفعا لكل لبس أو تأويل مجَانِبٍ لمقاصد الشرع، نصا معا بصريح العبارة على أن الكرامة تجب للمرأة كما تجب للرجل، بل زادَا على ذلك قواعد تبين مكانة المرأة وضرورة إحسان معاملتها (طفلة) ويافعة وامرأة، حتى ثبت في الآثار أنه "ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم".
وتناولت الدكتورة رجاء المكاوي الخلط بين العادات والتقاليد وبين تعاليم الإسلام فأكدت ضرورة التمييز بين الطاعة العمياء التي تفرضها الأعراف والتقاليد على الزوجة، فتعتبرها ناشزا حتى لو كان أمر الزوج الموجب للطاعة مخالفا للشرع وتوقع للزوج (على بياض) من أجل إرغام الزوجة بأية وسيلة وتسمح له باستعمال العنف من دون حدود، وبين واجب احترام الالتزامات التي تقع على الزوجين حفظا لحقوق الزوج الآخر وضمانا لاستقرار الأسرة.
وتأثرا بالأعراف والتقاليد، تضيف، يتخذ بعض الحركات والأصوليات مواقف متشددة من قضايا اجتماعية أخرى كبرى مثل قضية المرأة وموقعها في السلم الاجتماعي، ولا يخفى ما لمثل هكذا مواقف من أثر على التنمية وعلى إشراك المرأة في المشاريع التنموية وإسهامها في الحياة العامة، كما لا يخفى ما تحمله هذه المواقف من تعسّف على النص الشرعي وإخراج له عن فلسفته ومقاصده في مسألة كان الإسلام فيها السباق إلى القطع مع الممارسات والذهنيات التي كانت تحبس المرأة في أدنى درجة في مجتمع الجزيرة العربية والمجتمعات المجاورة لها ولدى الشعوب التي دخلها الإسلام.
وأشارت إلى أن كثيرا من الناس (مثقفين وغيرهم) يعتقدون جازمين أنه مادام النص لم يبين من يحق له استعمال الضرب، وبما أن الزوج هو المخول صلاحية التأديب كما رسخ في الأعراف، فهو السيد المطلق في الضرب ولا رقيب عليه في ذلك ولو تعسف وتجاوز ولو هدد حياة الزوجة جديا.
رئيسة "كرامة للمحاميات المسلمات":
حق الزوج في ضرب زوجته
اعتقاد خاطئ ويتعارض مع الشريعة
في ورقتها بعنوان "وجهة نظر إسلامية حول العنف الأسري" أشارت أستاذة القانون بجامعة "رتشموند" بالولايات المتحدة الأمريكية ورئيسة جمعية كرامة للمحاميات المسلمات الدكتورة عزيزة الهيري إلى أن المرأة المسلمة في جميع أنحاء العالم تشكو من العنف المنزلي، بل هو منتشر حتى في الولايات المتحدة الأمريكية، وأن المرأة لم تلق حماية لوقف هذا العنف حتى من بعض شيوخ الدين حيث لا يحثون الرجال على استخدام الرحمة والتسامح مع الزوجات.
وأضافت أن بعض أئمة وشيوخ الدين يضعون اللوم على الزوجات فيما يحدث من عنف داخل الأسرة فكان هناك اعتقاد أن من حق الرجل معاقبة زوجته بالضرب وهذا اعتقاد خاطئ ويتعارض مع نصوص الشريعة الإسلامية التي كرمت المرأة.
وأشارت إلى أن هذا الاعتقاد ليس مقتصرا على شيوخ الدين المسلمين بل ان هناك وسط رجال الدين المسيحيين يوجد مثل هذا الاعتقاد، فالعنف المنزلي غير مقبول أصلا ويجب ألا يوفر له غطاء ديني بأي حال من الأحوال وتحت أي ظروف أو حجج.
وقالت ان هذا الاعتقاد يخول الزوج ممارسة شتى أنواع العنف ضد زوجته على أنه حق إلهي مع أنه غير ذلك، فالدين الإسلامي لا يجيز ممارسة العنف ضد الزوجة، ومهمة ومسئولية شيوخ الدين ليس تبرير هذا العنف وإضفاء الحماية الدينية عليه وإنما مقاومته وتجريده من هذه الحماية.
وتطرقت إلى دور جمعية كرامة للمحاميات المسلمات لحقوق الإنسان في أمريكا فقالت ان الجمعية هي منظمة تركز على القضايا المحلية والعالمية بالنسبة لحقوق الإنسان المسلم في جميع دول العالم وتسعى لمساعدة المجتمعات المسلمة في أمريكا وفي الخارج وتناول المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان والحقوق المدنية ذات الصلة بدستور الولايات المتحدة الأمريكية.
ليست هناك تعليقات: