علمتني أمي قبل أن ترحل عني ولن ترحل مني
لمْ تكنْ علاقتي بأميِ علاقةٍ تقليديةٍ بلْ كانتْ الأمُ والأبُ والابنةُ وكانتْ تتبادلُ معي دورَ الأبوةِ والأمومةِ والبنوةِ ؛ فتارةِ هيَ أمي وأبي وتارةَ ابنتي . لمْ نفترقْ قطُ فكانتْ غرفتها في جواري وهذا اليومِ دخلتْ غرفتها فلمَ أجدها . ياءُ الله . علمتني الحلالَ والحرامَ الفطريَ وأنَ أصلَ الرحمِ عشانِ عضمْ التربةِ بأسلوبها .
علمتني أنْ أعيشَ رجلاً وأقولُ كلمةَ الحقِ وألا أظلمَ وألا أستدينَ وأعيشُ في حدودِ المتاحِ . في عنفوانِ الصبا ومعَ الالترامْ الدينيَ التمايزي كنتَ كثيرا ما أصححُ لها وأظنُ أنني بلغتْ العلا بسلامةِ الحروفِ فإذا بها تعلمني أنَ المعانيَ وسلامةِ القلبِ تسبقُ سلامةَ الحروفِ وأنها وأمثالها بصدقهمْ وسلامةِ قلوبهمْ وفطرتهمْ السليمةِ خيرَ منْ أمثالي بحروفهمْ .
علمتني أنْ أحبَ وأسامحُ وأمدُ يدُ العونِ .
كانتْ تنظرُ لعيني فتعرفَ همي وتكشفُ سريٌ وكنتَ منْ نبرةِ صوتها أعرفُ ما بداخلها . عندما كنتُ أعاملها كأميِ أخضعَ وألينَ وأعليَ لها المقامُ وعندما كنتُ أعملها كابنتيَ كنتَ أدللُ وأداعبُ . ماذا بينكَ وبينَ ربكَ حتى ترفعَ لكَ الدعواتُ في الحسينياتِ ويشغلُ لكَ الشمعُ في كنيسةٍ ويصلى عليكَ في المسجدِ .
غرفتكَ خاليةً ولا أجدكُ حتى أقبلَ يديكَ ونادى الملكُ ماتتْ منْ كنتَ تكرمُ لأجلها .
إنا للهِ وإنا إليهِ راجعونَ اللهمَ أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها .
الله يرحمها ويغفر لها
ردحذف