مساحة إعلانية

مع الآخر من العداء إلى المحبة

عاطف عبدالعزيز عتمان أكتوبر 16, 2021
 


2020
الجمعة، 13 نوفمبر

مع الآخر من العداء إلى المحبة 

الآخر.

الآخر بتعريف أن كل من ليس بأنا فهو آخر، أي كل شخص غير نفسي هو آخر بالنسبة لي، وأنا آخر بالنسبة له، أو بتعريفه أنه الآخر المذهبي أو الديني أو العرقي، فمادام الآخر غامضا ولا تمتد بيننا جسور التعارف والحوار، فيظل هو العدو الأول والأخطر لأنني رهين أفكاري عنه، وأفكاري هنا رهينة الجهل نتيجة ضعف أو قلة التواصل، ورهينة ما تغذت عليه من أنوية الأنا ونظرتها للآخر.
المعلومة والفكرة لم يكن الآخر حاضرا فيها بذاته ليعلن عن نفسه، بل تولت الأنا التي تعيش خصومة وعداءا ورفضا للآخر، تولت شيطنة صورته ورسم معالم خطورته، بل الأخطر من ذلك الزعم باختراق الآخر ومعرفة ما يضمره من عداء تجاهي وإقامة المحاكمة على النوايا أو تحميل المجموع خطأ الأفراد.

القطيعة والانعزال خلف الأسوار.

هذه القطيعة وتلك الأسوار والحواجز التي تبنيها الأنا تجاه الآخر ناتجة عن حالة خوف وفزع ومسببة لحالة الكراهية ستظل وقودا لصراع لا ينتهي وإن اختفت معالمه نتيجة طبيعة موازين القوى.
فكرة محاسبة النوايا وإسقاط عمل الفرد أو الأفراد على فكر الآخر أو دينه كارثة كبرى من حيث النتائج ومن حيث عدم استنادها على دليل من عقل أو نقل، أو قاعدة تمكن الأنا من الحكم على نوايا وباطن الآخر.

صوت الأنا.

قالت الأنا انظر إلى الحقد والكراهية التي تملأ صدورهم أيها المخدوع فهم يعطونك من طرف اللسان حلاوة وقلوبهم متفحمة، ثم قفزت لنص ديني، وقامت بتفريغه من مضمونه وإخراجه من سياقه لتسترهب بالنص الديني العقل، وتخاطب العاطفة، وتؤصل للكراهية المقدسة.
مادامت حالة الخوف من الآخر قائمة، والأسوار والحواجز تتضخم، وفي الظلام تبث السموم باسم الله من مجرمي الأديان في كل دين ومذهب (فالمحرض على الكراهية والمحرف لحقيقة الأديان شيطان مهما ارتدى من ثياب الكهانة) فسنظل في دائرة صراعية مميتة وإن خفتت نارها ستظل تحت الرماد نتظر الفرصة.
معضلة أخرى بين الأنا والآخر عندما يصبح أحدنا أقلية والآخر أكثرية، أو يحكم أحدنا ويستبعد الآخر، أو حتى يحسن إليه ليس من باب الحق والمساواة بل من باب التفضل من الأعلى على الأدنى.
دائما الطرف الضعيف أو الأقلية ما تكون لديها حساسية مفرطة لشعورها بالظلم، هذه المظلومية بغض النظر عن حقيقتها وحجمها تؤثر على رؤية هذا الطرف وحكمه على الأمور، ونتيجة ذلك تظهر التقية الدينية ويظهر النفاق المجتمعي.

التقية الدينية والنفاق المجتمعي.

في فئة الساسة ومتصدري العمل العام والذين يحتاجون للإنتخابات
، وفئة أصحاب الأموال والتجارات، يكثر النفاق المجتمعي وإعلان المحبة الزائفة والتهاني اللسانية وتجنب أي منطقة من الممكن أن تؤثر سلبا على الوضع الإجتماعي والمصالح .
أما التقية الدينية فيمارسها كل مستضعف خوفا على نفسه لعدم شعوره بالأمان والعدل نتيجة أنه آخر ديني أو مذهبي.
للتقية المذهبية مثلا تاريخ يسب بها غلاة المذهب السني الطائفة الشيعية وينكرون عليهم أي خير بحجة أنه من باب التقية، ولم يسأل هؤلاء أنفسهم لماذا يتقي أناس في أديانهم ومذاهبهم وأفكارهم؟!
من المجرم الذي يدفع الناس لكتم أفكارهم وعقائدهم؟
لماذا تغيب التقية في بلاد المواطنة والعدالة والقانون والدولة العلمانية التي تساوي بين جميع مواطنيها في الحقوق والواجبات؟!

أفق الحل.

من الاستعراض السابق لمشاكل الأنا مع الآخر نلاحظ أنها مرتبطة بالقطيعة والتقوقع والخوف من الآخر، وتكوين فكرة مسبقة عن الآخر عادة ما يؤسسها خصومه.
مرتبطة بغياب الحوار العاقل الراشد الذي هدفه التعارف لا حوار لإثبات صوابي وخطأ الآخر، ولا لتحويله من آخر إلى أنا، ولا لأذكي نفسي عليه ولا لأتفاخر عليه وأحتقره، بل لنتعارف ويقبل كل منا الآخر على ما هو عليه.
مرتبطة أيضا بالتخلي عن تعميم الحكم والخلط بين السلوك والفكر أو المتدين والدين.
مرتبطة بإلغاء فكرة الأقليات لتصبح المواطنة علاقة مساواة بين كل مواطن ودولته التي تقف على مسافة واحدة من كل مكوناتها العرقية والدينية والفكرية.
مرتبطة بتعارف حقيقى ومكاشفة وطرح المخاوف والهواجس لأعرف نفسي في مرآتك وتعرف نفسك في مرآتي، وإزالة اللبس عما يلتبس عليا فيما عندك، وما يلتبس عليك فيما عندي .
مرتبطة بقبول الآخر برضا، والإيمان بحقه المناظر لحقي، واحترام الاختلاف وان لم نقبل به، واحترام مقدسات الآخر وإن لم تكن مقدسة عندي.
محبة حقيقية للآخر الذي يبدأ من كونه أخ دم مباشر وربما توأم حتى تنتهي عند أنه نظير لي في الخلق.
الأنا هنا لا تمثل دين أو مذهب معين كما لا يمثل الأخر دين أو فكر معين فهو آخر بالنسبة لي وأنا آخر بالنسبة له.

الدواء

إن الدواء الحقيقي والواضح والوحيد ما ذكره مولانا الرومي بقوله : 
هذا العالم غارق في الآلام والمآسي من رأسه إلى قدميه، وﻻ أمل له في الشفاء إﻻ بيد الحب.

الحقيقة كانت مرآه بيد الله وقعت وتشظت، كل فرد أخذ قطعة منها، نظر إليها وخال إنه يملكها كاملة.
جلال الدين الرومي.
---
وكما يرى صاحب الفتوحات المكية بقوله ..

“الطريق إلى الحقيقة تتعدد بتعدد السالكين.
بن عربي.
----
وكما تأمل بوذا..
عليكم أن تبحثوا عن الحقيقة، لا أن تعبدوا أولئك الذين اكتشفوها.
أعبد حجراً لو شئت، لكن لا تقذفني به.

اسع للوصول إلى خلاصك بنفسك، لا تعتمد على الآخرين

مهما كان عدد الايات المقدسه التي تقرأ والتي تعظ بها , ما قيمتها ان كنت انت لا تعمل بها.
----
وبلسم الدواء في رشفه من نورانيات الحلاج..
الناس موتى وأهل الحب أحياء.
 ----
وفي الإنجيل..
أن تحب الرب إلهك من كل عقلك وقلبك وإرادتك، مبرهنًا عن هذا الأمر بمحبة قريبك – وهو الآخر، كائنًا مَن يكون – كما تحب نفسَك (لوقا 10: 25-28)
 -----
وفي القرآن الكريم..
"لكلّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء اللّه لجعلكم أمّة واحدة ولـكن لّيبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون" (‏المائدة ‏48).
ويعلي حرية المعتقد بقوله سبحانه :
"لا إكراه في الدّين قد تّبيّن الرّشد من الغيّ فمن يكفر بالطّاغوت ويؤمن باللّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها واللّه سميع عليم" (‏البقرة ‏256).
ويؤكد على بقاء الاختلاف :
"ولو شاء ربّك لجعل النّاس أمّة واحدة ولا يزالون مختلفين" (هود 118)

ميثاق التعايش الذي أؤمن به..

لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)


أختم بكلمات القمص المصري سرجيوس رحمه الله خطيب الأزهر ورفيق جهاد الشيخ محمود أبوالعيون ..

بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الآب والابن والروح القدس، أنا مصري أولا وثانيا وثالثا وهو من قال لو أن الإنجليز هنا لحماية الأقباط فليمت كل الأقباط ليحيا كل المسلمين أحرار .


اقرأ على واحة الأريام 


اقتنوا الآن كتاب «صلاة الإنسانية» للكاتب الدكتور عاطف عبد العزيزمن خلال خدمة التوصيل المتاحة في كل أنحاء الجمهورية، والدفع عند الاستلام، من هنا:https://goo.gl/rQqyL6


مشاركة
مواضيع مقترحة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام