مساحة إعلانية

الترحم على غير المسلم ما بين المنع والإباحة ج5..بحث يستحق التأمل لعبدالرزاق كابا



بحث يستحق التأمل
_____________
هذا وبعد قراءة للأدلة ووقوف على المرجحات والإستدلالات انتهى بي الرأي إلى جواز الترحّم على غير المسلم المسالم المتصالح مع المسلمين، والذي عرف منه حسن المعاملة والإتيان بالخيرات وعدم معاداة المسلمين وعدله وإنصافه وبعده عن الظلم معهم، وذلك لما يلي:
الدليل الأول: أن البر بالأحياء منهم جائز بالنص القرآني فكذلك البر بأمواتهم. فقد قال تعالى" (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم ...) ودعوى التفريق بين الأحياء والأموات تحتاج إلى دليل. وقد قال النووي معلقا على حديث إذن الله للنبي يزياة قبر أمه (وفيه جواز زيارة المشركين في الحياة وقبورهم بعد الوفاة لأنه إذا جازت زيارتهم بعد الوفاة ففي الحياة أولى" انظر النووي على مسلم. دار إحياء التراث العربي. 7/45.
وهذا الكلام من الإمام النووي يدل على أن لا شيئ يحرم في حق الميت مما كان يجوز في حقه في حياته إلا ما كان لدليل خاص، ولا دليل هنا. ولفظ (الأولى) الوارد في كلام النووي لا يشكل فرقا كبيرا. ولا شك أن مفهوم البر يشمل الدعاء لهم والإحسان إليهم وخاصة إذا كانوا أقرباء أو زوجات أو أصدقاء.
الدليل الثاني: أن المنهي عنه هو خصوص الإستغفار لغير المسلمين وليس عموم الترحم عليهم، فالقارئ المدقق للنصوص التي جاءت في هذا الصدد يجد لفظ (الإستغفار) بارزا بكل ثقله. فاقرأ معي قول البارئ جل جلاله ( ما كان للنبي والذين آمنوا معه أن يستغفروا للمشركين...) وقال تعالى: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) وفي الحديث الذي جاء في هذا الصدد والذي هو نهي النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الإستغفار لأمه حيث حدث أبو هريرة رضي الله عنه قال: (زار النبي (صلى الله عليه وسلم) قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: (استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت) فواضح من الحديث أن النبي (صلى الله عليه وسلم) نهي عن الإستغفار وليس عن غيره وعليه فلا يجوز تعميم هذا الحكم هنا ليشمل الترحم على أقربائنا وأصدقائنا الكفار من الذين لم يعرفوا بعداوة لنا. والإستغفار هو الميزة الكبيرة التي للمسلم الميت على غيره، ولذلك نجده يحتل موقع الصدارة في أدعية النبي لأموات المسلمين (اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) (اللهم اغفر لحينا وميتنا...) (اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه) فبدأ بالإستغفار له لأنه أخص خصوصيات الميت المسلم.
وقد يقول قائل: وما الفرق بين الإستغفار للميت والترحم عليه؟ فأقول:
إن الإستغفار يتضمن طلب إدخال المستغفر له الجنة، وغفران الله للعبد يستلزم إدخاله الجنة، وليس الأمر كذلك في الترحم، فيمكن أن يرحم الله العبد وإن لم يدخله الجنة، كأن يخفف عنه العذاب مثلا، فالعلاقة بين الترحم والإستغفار علاقة عموم وخصوص مطلق. فالرحمة أعم من الغفران. فكل غفران رحمة، وليس كل رحمة غفران، وإذا استثني بعض أفراد العام يبقى الحكم ساريا على الأفراد الأخرى، وهذا يعني أنه يجوز الترحم على الكافر مع اعتقاد طلب أصناف الرحمة الأخرى له غير الإستغفار كتخفيف العذاب عنه مثلا مما لا يتضمن طلب إدخاله الجنة.
الدليل الثالث: أن الراجح هو تخفيف العذاب على الكفار الذين عرفوا بخيراتهم وبعض الأعمال الصالحة، وتشديد العذاب على من عرف بشره وبطشه وجبروتيته، وإذا جاز تخفيف العذاب عليهم بهذه الأعمال جاز الدعاء لهم والترحم عليهم بأن يرحمهم الله عز وجل بذلك التخفيف، فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام البيهقي في البعث والنشور والإمام الحاكم في المستدرك (عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا أَحْسَنَ مُحْسِنٌ مِنْ مُسْلِمٍ وَلَا كَافِرٍ إِلَّا أَثَابَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا إِثَابَةُ اللَّهِ لِلْكَافِرِ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ قَدْ وَصَلَ رَحِمًا أَوْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ أَوْ عَمِلَ حَسَنَةً، أَثَابَهُ اللَّهُ الْمَالَ وَالْوَلَدَ وَالصِّحَّةَ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ» ، قَالَ: فَقُلْنَا: وَمَا إِثَابَتُهُ فِي الْآخِرَةِ؟ فَقَالَ: «عَذَابًا دُونَ الْعِقَابِ» قَالَ: وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ»
قال الإمام الحاكم في المستدرك ( هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه) راجع المستدرك. دار الكتب العلمية. 2/278. وقال البيقهي: (وروي عن عروة بن الزبير بإسناد صحيح ما يؤكد هذه الطريقة) البعث والنشور للبيهقي. مركز الخدمات والأبحاث الثقافية. 1/62.
ويبدو أن هناك اختلافا في عتبة ابن يقظان أحد رواة الحديث، فقد وثقه ابن حبان في الثقات، وقال عنه الذهبي (واه جدا) وضعفه النسائي ، وقد حكم الألباني على الحديث بأنه منكر بمرة. انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة. 14/441. وهم يقصدون بالإنكار هنا إنكار المتن.
ونحن نقول سواء ثبت الحديث أو لم يثبت فإن تشديد العذاب على الكافر لإجرامه وبعده عن الخيرات وتخفيف العذاب عنه لفعله الخيرات وقلة اجرامه وحسن تعامله مع الناس هو ما يترجح إن شاء الله، وسنزيد هذه النقطة إيضاحا عند مناقشة الإشكالات.
الدليل الرابع: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) دعا لعمه أبي طالب أن يخفف الله عليه العذاب وذلك بسبب ذبه عن حياض المصطفى ووقوفه معه ليحصل على حق حرية التعبير لإبلاغ دعوته، فصار أخف أهل النار عذابا،وهذا يجوز لنا الدعاء لآبائنا واخواننا وأصدقائنا ورموز العدالة ومحاربي العنصرية ودعاة الإنصاف ومناهضي الظلم بتخفيف العذاب عنهم إذا ماتوا على الكفر، وأن ندعو الله أن يرحمهم بمنحهم ذلك بفضله عز وجل. ودعوى التخصيص هنا بأبي طالب الذي ذكره بعض علمائنا الأجلاء يحتاج إلى دليل. والفرق الوحيد بين أبي طالب وبين غيره من المعذبين في النار أنه أخفهم عذابا، وليس المعنى أن غيره لا يخفف عليه العذاب، وقد قال تعالى: (ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) فدلت الآية أن هناك أشد العذاب، ودل حديث أبي طالب أن هناك أخف العذاب، والناس الآخرون بين هاتين الدائرتين، درجاتهم متفاوتة فيها حسب أعمالهم. بل ورد في حديث مسلم أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال في شأن أهل النار: (إن منهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حجزته، ومنهم من تأخذه إلى ترقوته إلى عنقه)
ويرد على هذه الأدلة وعلى هذا القول ثلاثة إشكالات:
الإشكال الأول: أن أمنا عائشة رضي الله عنها سألت النبي (صلى الله عليه وسلم) عن ابن جدعان، هل ينفعه أعماله التي اشتهر بها في الجاهلية من صلة الرحم وإطعام المساكين وإكرام الضيف؟ فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) أنها لا تنفعه. ثم علل النبي (صلى الله عليه وسلم) ذلك بقوله: (إنه لم يقل يوما ربي اغفر لي خطيئتي يوم الدين) والحديث وارد عند الإمام مسلم.
والجواب عن هذا الإشكال كالتالي: يمكن أن يقال أن قصد النبي (صلى الله عليه وسلم) بقوله (لا ينفعه) أي لا ينفعه بأن يؤهّله لدخول الجنة، وليس أنه لا ينفعه في تخفيف العذاب عليه. والدليل على ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم) في الأخير (إنه لم يقل يوما ربي اغفر لي خطيئتي يوما الدين) ومعروف أن النبي (صلى الله عليه وسلم) يقصد بهذا أنه لم يكن موحدا ولا مؤمنا بالله عز وجل، ولا يقصد أنه لم يقل مجرد هذا الكلام فقط، فهذا تعبير عن الملزوم باللازم، فالملزوم هو الإيمان بالله وتوحيده، ولازمه طلب المغفرة منه تعالى، ولا وجود للازم دون وجود الملزوم، فالنبي يشير هنا بأنه لم يوجد عنده الإيمان والتوحيد ولذلك لم يوجد عنده الإستغفار، فبناء على هذا التخريج نصل إلى نتيجة أنه إذا كان النبي (صلى الله عليه وسلم) أراد أنه لا ينفعه لأنه لم يكن مؤمنا بالله، علمنا من باب اللزوم أن الإنتفاع المنفي هو الإنتفاع الذي ينتج عنه دخول الجنة، لأن الذي يؤمن بالله واليوم الآخر وبالرسل ويستغفر على ذنوبه ولا يشرك بالله شيئا لا ينتفع بهذه الأشياء انتفاعا أوليا بتخفيف العذاب عليه،وإنما ينتفع بها من باب ثقل ميزانه وبالتالي دخوله الجنة دون عذاب أو رفع درجاته في العليين.
وقد قال الإمام البيهقي بعد روايته للحديث المذكور: ( وهذا لا ينفي تحقيق أبي طالب بأنه ينفعه ما صنع إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) في التخفيف عنه من عذابه. وقد يجوز أن يكون الحديث ما ورد من الآيات والأخبار في بطلان خيرات الكافر إذا مات على كفره، ورد في أنه لا يكون لها موقع التخليص من النار وإدخال الجنة، لكن يخفف عنه من عذابه الذي يستوجبه على جنايات ارتكبها سوى الكفر بما فعل من الخيرات والله أعلم) انظر البعث والنشور للإمام البيهقي ص 62. مركز الخدمات والأبحاث الثقافية. بيروت.
وذكر ابن رجب هذا الحديث عن طريق آخر فقال: (وروى الأسود بن شيبان، عن أبي نوفل، قال: قالت عائشة: يا رسول الله، أين عبد الله بن جدعان؟ قال: في النار، فجزعت عائشة، واشتد عليها، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك، قال: يا عائشة، ما يشتد عليك من هذا؟ قالت بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ! إنه كان يطعم الطعام ويصل الرحم، قال: إنه يهون عليه بما قلت» ثم قال ابن رجب: "خرجه الخرائطي في كتاب مكارم الأخلاق وهو مرسل" انتهى كلام ابن رجب. راجع التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار) مكتبة المؤيد. ط2. 1/184.
أقول: قد بحثت عن الحديث في كتاب الإمام الخرائطي في الطبعات التي حصلت عليها فلم أعثر عليه، ولعله متوفر في طبعات أخرى، لأن كتاب الخرائطي سقط منه عدد كبير من الأحاديث في أكثر الطبعات. والله أعلم.

الإشكال الثاني: : قول الله عز وجل (نَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ) فهذه آية صريحة أن العذاب لا يخفف على الكافر.
والجواب عن هذا الإشكال من وجهين:
الوجه الأول: أن هذه الآية من قبيل ما يصطلح عليه عند المناطقة بالقضية المبهمة، أو عند الأصوليين بالعام الذي أريد به الخصوص، وهو أن يطلق المتكلم لفظا أو حكما عاما ويكون مراده بعض أفراد العام وليس كلهم، وقد ذهب بعض الأصوليين أن مثل هذا العام يكون مراد المتكلم منه أقل مما ليس بمراده، ولعله يصدق على قول الله تعالى (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم) فهذا عام أريد به الخصوص، ومراد المتكلم أقل من غير مراده، فمراده هو شخص واحد فقط وهو نعيم بن مسعود. وهذا بخلاف العام المخصوص الذي يكون مراد المتكلم فيه أكثر مما ليس بمراده فيخرج بعض أفراد العام ويبقى الأكثر. وهذا يقودنا أن نقول بأن الحكم المذكور في الآية أن العذاب لا يخفف على أهل النار إنما المراد به بعض أهل النار وهم أقل من غيرهم، وهذا صار لهم لما عرفوا به من الكفر الشديد والعداوة الشديدة لأهل الخير والدعوة والإصلاح. ثم ذكر بعض الأصوليين نقطة مهمة جدا في التفريق بين العام الذي أريد به الخصوص والعام المخصوص، فقالوا بأن الأول لا يصح الإحتجاج بظاهره لأن المراد منه أقل، بينما الثاني يصح الإحتجاج بظاهره لأن المراد منه أكثر، وهذا يمهد لنا القول بأنه لا يجوز أن نطلق الحكم على أهل النار جميعا بأنه لا يخفف عليهم العقوبة لأنه المراد منهم أقل ممن ليس بمراد.
وكما تفهم أن الله لم يقصد بقوله (والناس أجمعين) جميع الناس بجميع أفرادهم، فكذالك يجب أن تفهم أن قوله (فلا يخفف عنهم العذاب) لا يقصد به جميع الكفار بجميع أفرادهم. فأعتقد أنه لا يصعب عليك أن تفهم أنه ليس كل الكفار مشمول بعدم تخفيف العذاب ، كما لم يصعب عليك أن تفهم أنه ليس كل الناس يلعن كل الكفار, فالكافر لا يلعن نفسه، والمشركون والمسيحيون واليهود لا يلعنون أنفسهم، فهذا أيضا من باب العام الذي أريد به الخصوص.
الوجه الثاني: أن المقصود من الآية هو أنه لا يخفف على هؤلاء الكفار العذاب الذي يستحقه كل واحد منهم، يعني بعد أن يقدر الله عذاب كل واحد منهم وأعطاهم التخفيف والمقدار الذين يستحقه كل واحد بعد حساب خيراته وأعماله الإنسانية وأخلاقه وخدماته فإن العذاب المقدر له بعد ذلك لا يخفف عنه، وليس المراد أنهم كلهم متساوون في العقوبة ولا يوجد تخفيف نسبي بينهم في العذاب. فلا شك أن بعضهم أشد عذابا من بعض كما هو ثابت في النصوص الأخرى.
الإشكال الثالث: أن القاضي عياض نقل الإجماع على أن الكفار لا ينتفعون في الآخرة بالخيرات التي عملوها في الدنيا. فقد قال نقل عنه النووي في شرح مسلم قوله: (وقد انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ، ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب ، لكن بعضهم أشد عذابا من بعض بحسب جرائمهم) انظر شرح النووي على مسلم. دار إحياء التراث العربي. 3/87.
ويرد على هذا بجوابين:
الجواب الأول: أن الإجماع المحكي من القاضي غير مسلم، فقد نقل ابن رجب الخلاف في هذه المسألة في كتابه (التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار) مكتبة المؤيد. ط2. 1/182 فقال رحمه الله: (وأما الكفار، إذا كان لهم حسنات في الدنيا، من العدل والإحسان إلى الخلق، فهل يخفف عنهم بذلك من العذاب في النار أو لا؟ هذا فيه قولان للسلف وغيرهم. أحدهما: أنه يخفف عنهم بذلك أيضاً، وروى ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير، معنى هذا القول، واختاره ابن جرير الطبري وغيره) ثم ساق الإمام ابن رجب بعض الأدلة للفريقين.
وإن كنت أر – حسب ما وقفت عليه من كلام ابن جرير الطبري في تفسيره- أن هناك فرقا بين ما قاله ابن جرير الطبري وبين هذه المسألة، فابن جرير يقول بأن الكفار يرون أعمالهم السيئة والخيرة في الآخرة، استدلالا بقوله تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) ولكن لم يصرح بأنه سينتفعون به.بل ظاهر كلامه ينفي ذلك، فالظاهر أنه يرى أنهم يرون أعمالهم كلها ثم يرد عنهم خيراتها. راجع التفسير طبعة مؤسسة الرسالة. 24/550.
ولكن الإمام البيهقي الذي هو أقدم من القاضي عياض ذكر في كتابه ( البعث والنشور) ص62. ما يدل على عدم وجود هذا الإجماع، حيث قال: (وقد يجوز أن يكون الحديث ما ورد من الآيات والأخبار في بطلان خيرات الكافر إذا مات على كفره، ورد في أنه لا يكون لها موقع التخليص من النار وإدخال الجنة، لكن يخفف عنه من عذابه الذي يستوجبه على جنايات ارتكبها سوى الكفر بما فعل من الخيرات والله أعلم) فإذا كان الإمام البيهقي يقول هذا الكلام فمتى حصل الإجماع إذا؟!!!

الجواب الثاني: أن في كلام القاضي ما يرد على مذهبه، وبيان ذلك أن أهل النار إذا كانوا يثابون على الترك فلماذا لا يثابون على الفعل؟ وللتوضيح أكثر أقول بأن القاضي عياض رحمه الله أقر بأن بعض أهل النار يكون أقل عذابا من غيرهم لكونهم تركوا ارتكاب بعض الجرائم، فإذا كان هؤلاء خفف عنهم بمجرد الترك فلماذا لا يخفف عنهم بسبب خيرات فعلوها؟!! بل إننا نعتبر تركهم فعلا، ولكنه فعل امتناعي، يعني نحن هنا لا نسلم للقاضي أن أهل النار لم يثيبوا على خيرات فعلوها حتى على كلامه هو، لأن مجرد الإمساك عن إتيان الشر والجرائم فعل، وهو ما يمكن أن نصطلح عليه بالفعل الإمتناعي، والشخص الذي يفعل بعض الخيرات لا شك أنه قد صدر منه هذا الفعل الإمتناعي لأنه امتنع عن فعل الجرائم أولا، ثم صدر منه الفعل الإتياني وهو أنه فعل الخيرات، فكيف يفضل القاضي عياض الكافر الذي صدر منه الفعل الإمتناعي فقط، على الكافر الذي صدر منه الفعل الإمتناعي وزيادة، وهو الفعل الإتياني الخيري. أليس الفعل الإتياني أبلغ من الفعل الإمتناعي؟!!
هذا ما تيسر لي كتابته في هذه الورقات، فإن صوابا فمن الله وإن خطأ فمني ومن الشيطان والله منه بريئ.
أسأل الله أن ينفعنا بما علمنا وأن يجعل أعمالنا خالصا لوجه الكريم.
كتبه العبد الفقير إلى ربه: عبد الرزاق كابا. كولالمبور. ماليزيا.
15/12/2013 الموافق 15/صفر/1435ه
مشاركة
مواضيع مقترحة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام