مساحة إعلانية

لو خيرونا بين المسيحية والوطن في نهاية حوار الأريام مع الدكتور يوسف قدو


نواصل الرحلة وتحاور الأريام الأستاذ الدكتور يوسف قدو العربي المسيحي وأستاذ مقارنة الأديان بجامعة بغداد لنعرف المسيحية من خلاله 
د.عتمان :
مورثا لدي المسلمين أن المسيحيين أقرب لهم من اليهود حتى على مستوى قبول الدعوة للإسلام هم أقرب لقبولها وكانت العلاقة في بدايتها باقرار نبي المسلمين بعدل النجاشي المسيحي والذي حمى الآخر المستضعف والمخالف في العقيدة ، ثم كانت هزيمة الروم أهل الدين على الفرس عباد النار فحزن المسلمون وشمت وفرح عبدة الأصنام ،  وحتى على مستوى الردود على الدعوة للإسلام كان رد الفرس إجراما وتمزيقا للرسالة وكان رد المقوقس بالهدايا ومنها مارية القبطية المصرية أم إبراهيم بن النبي عليه الصلاة والسلام وتاريخنا التعايشي مليء بنماذج الحب والتعايش وقبول الأخر فالإسلام دين دعوي ولكن تقف حدود دعوته عند توصيل الرسالة للأخر من قبلها قبل ومن رفضها فله ما لنا وعليه ما علينا ويفصل الله بيننا ، والمسيحية دين تبشري
في مرحلة ما رفع الإستعمار الغربي شعار الصليب في حروبه على الشرق وكان فيها من المآسي ما فيها ، وفي الحرب العالمية حارب الصليب الصليب بلا شفقة ولا رحمة ، وهناك أيضا من رفع راية الإسلام وقتل تحتها الأبرياء ، وأباد الأمريكان الهنود الحمر ومع ذلك تهمة الإرهاب والدموية دائما ما تلصق بالإسلام مع أنه بالأرقام سنجد نتائج مختلفة ، من يقود تلك الحملة ولماذا التحامل على الإسلام ، وهل الدين مسئول عن من يمتطونه لتحقيق أغراضهم ، وما دور رجال الدين في تلك الأزمة ؟ والتفسيرات اللئيمة إن جاز التعبير للنص الديني ؟

* لماذا نشأ ما يسمي صراع الحضارات ؟
*ما الذي أفسد علاقة المودة والعدل بين المسيحيين والمسلمين ، هل للساسة والسياسة دور ؟
*ما حدود التبشير في المسيحية بمعني ماذا لو رفضت التبشير وتمسكت بمعتقدي أي ما كان ؟

ــد.قدو:
قبل قليل ذكرت لك أنّ الآخر هو أساس وجود الأنا، وعليه تتوق الأنا إلى الحوار معه، وما مواقف المسيحيين من المسلمين في بداية الديانة الإسلامية إلاّ جزء يسير من مبادئ التعايش السلمي ورسالة المسيحية في المحبة، والتبشير هو نموج للحوار والتواصل، وهذا الحوار مشروع حتى من الناحية المنطيقة، وهو ليس معارك فتوحات، لكن الصراع مع الآخر في حقيقته هو تصدير لصراع الأنا مع نفسها، فتعارض سلطة الدين مع سلطة الدولة جعل السياسيين يخففون من حدته بأن يكونوا العدو الخارجي الذي هو الآخر، فظهر عندنا صراع الحضارات، فكانت السياسة الانتهازية سبب رئيس لخلق صراع الحضارات، فليس للدين أية علاقة بهذه الصراعات، كذلك الشعوب هي بريئة من هذه الصراعات.
د.عتمان :
الدعوة والتبشير حقيقتان يهرب منهما رجال الدين أمام الكاميرات وهما ربما أهم شوكة في العلاقة المسيحية الإسلامية
والهروب لا يحل أزمة بل المصارحة والمكاشفة ، أنا عن نفسي ليست لدي مشكلة مع التبشير شريطة أن يكون وفق قانون الدولة ويتجنب القصر والمال ويعرض رسالته دون التجريح فالآخر وإن كنت أرى الأولى في تلك المرحلة أن يوجه المسلمون والمسيحيون طاقاتهم الدعوية والتبشيرية إلى الملحدين والتائهين ، ما موقفك من الدعوة للإسلام وهل ما ذهبت إليه أن المسيحية دين تبشيري صحيح ؟
من أصول الإسلام أن نؤمن بالمسيح كمحمد ونؤمن بطهارة مريم العذراء وأفضليتها لدرجة أن لها سورة في القرآن باسم مريم وهو مكان لها وحدها تكريما وتشريفا ، ألا يكفي هذا كميثاق تعايش وحب بين المسلمين والمسيحيين حتى لو إختلفنا حول نبوة محمد عليه الصلاة والسلام وكنه سيدنا المسيح عليه الصلاة والسلام ألا يمكن أن نحترم معتقد الآخر ونتعاون في الإختلاف ؟

د.قدو:
أنا أرحب بكل دعوة، لأنّ الدعوة تعني لي الحوار، ومن ثم التوصل إلى المشتركات التي من شأنها أن تذيب التباعد والقطيعة، أما التبشير فانا أحبذه كمنهج للحوار، أما من ناحية النتائج والكسب العقائدي، فلا أحبذه، لأنني حين أحاور الآخر فإنني محتاج إلى الآخر ليقف إلى جانبي، فأنا أريد الآخر بوصفه آخراً لا بوصفه أنا، فإذا كان الأنا مأزوم، فما هي العبرة من تحويل الآخر إلى أنا؟!
هذا التحويل غير منطقي، لأنه يؤدي إلى توسعة ما هو مأزوم، في حين أنّ الغاية من الحوار هي تضييق الأزمة، خذ مثلاً لماذا أنا أتواصل مع العراقيين العرب من الأخوة السنة والأخوة الصرخيين، ليس لأنني أطلب منهم التنصّر، بل لأنني محتاج إليهم في المحافظة على وجودي كعراقي عربي، فقد تيقنت أنّ مشروع الأخوة الصرخيين في العروبة والوطنية هو المشروع الذي يحفظ لنا كياننا كمسيحيين، فلو تسلموا زمام الأمور لضمنا حقوقنا ما دارت الأيام، فهم يدافعون عنا حتى وإن لم ندافع عن أنفسنا، وأقول لك شيئاً إنّ كثيراً من المسيحيين لم يفهموا سر تواصلي مع هؤلاء الوطنيين، وأنا على يقين أنّ دفاع الدكتور عاطف عتمان عن الأقباط يكون أبلغ من دفاع يوسف قدو، لأنّ الدكتور عاطف هو الآخر، في حين أنّ يوسف قدو هو الأنا، ودفاع الآخر أبلغ، عموماً لا قدح في أصل التبشير، مثلما هو الإسلام دين دعوة ((وأدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة))، فالأساس هي الحكمة والموعظة الحسنة وليس الدعوة.

د.عتمان:
الحضارة العربية الإسلامية شارك فيها يهود ومسيحيين وعرب وأكراد وأما زيغ و ربما أطلق أحيانا على مسيحي الشرق أنهم مسلمي الأوطان والحضارة مسيحي العقيدة كيف نعود لتلك الحالة ؟
د.قدو :
سأقول لك شيئاً: إننا لو خيرونا بين المسيحية والوطن، لما عدونا الوطن، فالوطن هو الذي يحفظ لنا كرامتنا وقيمتنا وعزتنا، فإنني أرى الوطن أوسع من الدين، خذ مثلاً الأخوة الشيعة النازحين، كم هي معاناتهم حين تركوا منازلهم في المناطق السنية، مع أنهم الآن يعيشون في مناطق هي منبع التشيع في كربلاء والنجف، وكذلك الحال بالنسبة للأخوة السنة النازحين من البصرة والناصرية، هكذا هي معاناة المسيحيين النازحين من نينوى، لا يعوضهم شيء سوى الرجوع إلى حيث ولدوا وترعرعوا، فالوطن هو الكفيل بعودتنا إلى طبيعتنا السليمة، فالوطن أكبر من المذهب والدين والقومية، وعنده تنصهر كل المسميات.
------------------
د.عتمان :
ونحن نحاور مسيحي وعربي لا يمكن أن نتجاهل كنيسة المهد والمسجد الأقصي ، هل هناك من عودة لنا للمسجد والكنيسة من وجهة نظر دينية ؟
بمعنى آخر هرمجدون ونهاية العالم والصهيونية واليمين المسيحي المتصهين ما هو موقفكم من تلك القضايا ؟
وهل المطلوب أن نقود راية الإصلاح والعدل حتى عودة المسيح أم ندفع العالم للهاوية إستعجالا للنهاية ؟

دعتمان :
أعتبر أنّ من الانحراف الفكري ومن الشطط ومن الشطح أن ندفع العالم للهاوية من أجل اعتقاد معين، فرسالتنا السلام والمحبة، وبها تتحقق الغايات مهما بعدت، وفي أدبيات المسيحية والإسلام توجد عودة في النهاية، وما التسريع إلاّ استغلال لظرف يرى فيه  الاستعمار نفسه أنه قوي فلا يريد تضييع الفرصة، والتناقض الذي وقعوا فيه هو أنهم يريدون تحقيق عقيدة من العقائد بمخالفتهم للعقيدة.

د.عتمان :
سؤال ربما يبدو طرح ساذج ولكنه يراودني
إن كان اليهود ينتظرون المسيح والمسيحيين ينتظرون المسيح والمسلمين ينتظرون المسيح مع إختلافهم حوله وظن كل منهم أنه سيقودهم ، ألا يمكن أن نتفق أن نتجنب الصراع وعندما يظهر المسيح نتبعه وهو من سيحل الخلاف ؟

د.قدو :
كلام في غاية الروعة كلامك، في بداية الحوار قلت لك أنّ المسيحية هي حلقة الوصل المضطهدة بين اليهودية والإسلام، وهذا هو ما ينطبق مع كلامك، فبدل من أن يكون المسيح  هو الوصي على العالم، جعلوا من العالم وصياً على المسيح.

د.عتمان :
العراق وسوريا والشرق عموما ، مظلومية للمسيحيين ومظلومية للسنة وللشيعة  ومظلومية للعرب ومظلومية للشعوب وللآخر عموما
ما هي رسالتك للعراقيين خاصة وللعرب عامة بمختلف ألوانهم ؟

د.قدو :
أقول للعراقيين والعرب لهم تمسكوا بأوطانكم، تمسكوا بعروبتكم، تمسكوا بفطرتكم وطيبتكم المعهودة، لا تأمنوا جانب السياسة، فالسياسة الرعناء هي يد الاستعمار الضاربة، هي من تفرقكم وتفعل فعلتها بكم، أبعدوا كل فاسد من السياسيين، وأبعدوا كل وافد من رجال الدين، وقوتكم في وحدتكم، والخطر قد أحدق بنا وليس لنا إلاّ بعضنا.

د. عتمان :
الإساءة للمعتقد الآخر وجر البشرية لصراع مدمر ، هل تستفيد المسيحية من الإساءة للإسلام ورموزه ؟
كلمة من أستاذ مقارنة الأديان والعربي المسيحي العراقي الأستاذ الدكتور يوسف قدو عن الإسلام ونبيه نختم بها حوارنا ؟

د.عتمان:
 أنا أسخط أيما سخط على كل من يسيء للإسلام ونبي الإسلام، ذلك الدين وذلك النبي اللذان آويناهما في الحبشة، ذلك النبي الصادق الذي لم يطعن بصدقه حتى أعداؤه من مشركي مكة، وأنا أحبه لأنه عربي، وأحب كل العرب، وأحب مصر العروبة، وأحب نيلها الذي تتخطفه عيون الحاقدين.
-------------------
د. عتمان :
سؤال لم أسأله وتود الإجابة عليه ؟
د.قدو :
بما أنك حاورت الشيخ علي الأمين وهو من الشيعة، وحاورتني أنا المسيحي، كنت أتمنى عليك أن تحاور شخصية أكاديمية عراقية سنية، وهو الأخ والصديق العزيز الدكتور فواز الفواز، الذي عرف بوطنيته وعروبته ونزاهته وروعته وطيب حواره.
ــ شكراً لك دكتور عاطف عتمان الأخ والصديق الحبيب على كل ما بذلته من جهد وتواصل في هذا الحوار، أسأل الرب أن يحفظك ويحفظ أهلنا في مصر.

أعتبر هذا كارت توصية لقيمة كبيرة كالدكتور فواز الفواز ليقبل إجراء حوار معي فبالتأكيد هذا شرف أفخر به .

في نهاية حواري مع أخ لي من رحم حواء ولسان عربي كلساني ورفيق نضال وصاحب مصير مشترك أتقدم بكل الشكر للدكتور يوسف قدو على ما أفاض علينا من فكره وعلمه

حفظكم الله وحفظ العراق والأمة العربية والإسلامية بمكوناتها والإنسانية
مشاركة
مواضيع مقترحة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام