مساحة إعلانية

الآخر والتعايش في في فكر السيد علي الأمين الفقيه الجعفري



كل من هو ليس بأنا فهو آخر ،فكيف نتعامل مع الآخر نواصل الرحلة مع السيد علي الأمين 
د.عتمان 
الآخر سواء كان عقائديا أو مذهبيا ، الإنسان بمعنى أشمل ..أين يقع الآخر في فكر سماحتكم ؟
كيف نتعايش مع الآخر ونقبله دون تفريط في ثوابتنا ؟
كيف نحقق خلافة الله في أرضه ونعطي رحم حواء صلته ؟

العلامة الأمين :

إن الناظر في حياة الأمم والشعوب والمجتمعات يدرك ان الاختلاف حقيقة قائمة في لغاتها وعاداتها وتقاليدها وفي اشكالها وألوانها وهذا الاختلاف هنا بمعنى المغاير الشامل للافراد ايضاً حيث ان لكل فرد وجوداً خاصاً به يمتاز به عن غيره وهذه الوجودات المتعددة هي التي يعبر عنها في اللغة بـ(انا وانت وهو وهي وهم وهن) وغير ذلك من الالفاظ التي وضعت في اللغة للدلالة على هذه الوجودات المتعددة والتي يختلف بعضها عن البعض الآخر وكل واحد منها يشكل معنى جزئياً حقيقياً كما يقول علماء المنطق في تعريفه بأنه (المعنى الجزئي الذي يمتنع انطباقه على اكثر من فرد).
وقد عبّر القرآن الكريم عن هذا الاختلاف بمعنى التعدد والتغاير بأنه من آيات الله سبحانه وتعالى 

(ومن آياته خلق السماوات والارض واختلاف ألسنتكم وألوانكم ان في ذلك لآيات للعالمين) الروم: 32.

ومن خلال ما تقدم يتبين لنا ان هذا الاختلاف بالمعنى المتقدم هو سنّة من سنن الخلق والتكوين فهو بمعنى الاختلاف عن الآخر وهو لا يعني بالضرورة الخلاف والاختلاف مع الآخر فقد تجتمع الافراد والجماعات على قواسم مشتركة وعلى قواعد عامة في قضايا الفكر والسلوك والنظام العام رغم وجود الاختلافات الكثيرة بينهم في عالم الآراء والأفكار والارادات والمعتقدات حيث لا وجود للاستنساخ في عالم العقل الانساني وما ينتج عن إعماله في حقول العلم والمعرفة.
وفي القرآن الكريم ايضاً اشارة جلية الى حقيقة الاختلاف الفكري بين بني البشر كما جاء في قوله تعالى:

 (ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يونس: 99.
وقوله تعالى :
 (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين الا مَن رحِم ربك ولذلك خلقهم..) هود: 118.
وقوله تعالى:
 (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن ليبلوكم في ما أتاكم فاستبقوا الخيرات الى الله مرجعكم جميعاً فننبئكم بما كنتم فيه تختلفون) المائدة: 48.

والمستفاد من هذه النماذج من الآيات المباركات ان الاختلاف في الآراء والمعتقدات هو حقيقة قائمة ايضاً وباقية الى يوم القيامة ولكن الحياة الدنيا هي المجال لاستباق الخيرات والتنافس عليها رغم تعدد آرائنا واختلاف افكارنا ومعتقداتنا، وبفعل الخيرات والسعي إليها يجسّد الإنسان أسمى المعاني لخلافة الله في الأرض.
وقد تحصّل ان الفكرة التي ترمي اليها الآيات وهي الواقع الذي نشاهده ونعيشه في حياتنا ان الاختلاف بين الافراد والجماعات والأمم والشعوب لا يقتصر على الاختلاف التكويني بينهم الذي يستلزم التعدد والتكاثر بل هو يشمل عالم الفكر ايضاً وما يتفرع عنه وهذه الحقيقة يجب القبول بها والانطلاق منها في عالم العلاقات التي نبنيها مع الآخر سواء كانت بين فرد وآخر وجماعة مع جماعة اخرى في الامة الواحدة او بين امة وأخرى على قاعدة قوله تعالى:
 (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) الحجرات: 13.
هذا هو الآخر، وهذه هي موازين التعايش معه وإن كان مختلفاً في الدين والمذهب واللغة والعرق واللون، فهو يشكل جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الداخلي الذي نعيش معه داخل الوطن أو من المجتمع الدولي الذي لا بد من التواصل معه، وعلى كلا التقديرين لا يكون هناك مجتمع بدون الآخر، وهو في كلتا الحالتين فرد من العائلة البشرية الواحدة كما ورد في الحديث (الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله) وعن الإمام علي  (الناس صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).


مشاركة
مواضيع مقترحة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام