مساحة إعلانية

الترحم على غير المسلم ما بين المنع والإباحة ج2 مع سماحة العلامة السيد على الأمين



تواصل الأريام رحلتها الإنسانية وهي اليوم مع علامة من نوع مختلف يرتقي سلم المذهب ليستظل بمظلة الدين ويفهم الدين كما أظن فهما يجعله مظلة للإنسانية ،ومع عزوف الأريام عن أفكار وتصرفات رجال الدين بوجه عام إلا أنها عندما تجد هذه النوعية التي تفوح منها الإنسانية وسلامة الفهم وتحرى رؤية مجمل الصورة يعلو سليل الأريام فرحا وخاصة إن كان العالم أصولي ملم بأصول الفقه ومدرس له ومجتهد.
 فكان وما يزال مرمى لسهام المتطرفين من أبناء مذهبه قبل المخالفين.
سماحة العلامة المفتي المجتهد السيد علي الأمين سلام من الله السلام الرحمن الرحيم عليكم ورحمته وبركاته.
الإنسان وما أدراك ما الإنسان ومع كل حالة وفاة لإنسان طيب خدم البشرية والإنسانية أو كان ذا رحم أو جيرة أو صداقة تطل النصوص والفتاوى التي تقتل الإنسانية وتعاند الفطرة وتؤزم المشاعر بين ما هو فطري وما يظن أنه صوت الدين، فما موقف سماحتكم من الترحم على الطيبين المسالمين من غير المسلمين؟
___
عليكم السلام ورحمة الله وبركات
كلمة الإسلام الواردة في قول الله تعالى ( إن الدّين عند الله الإسلام ) يراد بها الإسلام بالمعنى اللّغوي وهو التّسليم والإعتقاد بأن لهذا الكون بكلّ ما فيه خالقاً ومبدعاً وهو الله الذي أخرجه من ظلمة العدم إلى نور الوجود وإليه المصير. وهذا المعنى تشترك فيه كلّ أتباع الرّسالات السماوية وغيرها ممّن يؤمن بهذا المعنى. ولا يقصد بالاسلام هنا المعنى التشريعي الذي يذكره الفقهاء وعلماء الكلام.
وبهذا المعنى اللغوي جاء قوله تعالى لإبراهيم عليه السلام ( إذ قال له ربّه أسلم قال : أسلمت لربّ العالمين) وقوله تعالى ( وله أسلم من في السماوات والأرض) . وعلى هذا المعنى اللغوي المتقدّم يكون المقصود من قوله تعالى ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) غير النصارى وغير اليهود لأنهم وغيرهم ممّن آمن بالله رباً وخالقاً وباليوم الآخر موعداً يكونون مسلمين لله بالمعنى المتقدّم وقد جاء في القرآن الكريم ما يدلّ على أنهم من المؤمنين الرابحين وفي الجنة من الداخلين كما في قوله تعالى ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنّصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) . وعلى هذا فلا يكونون من الخاسرين الذين ورد ذكرهم في الآية ( ومن يبتغ غير الاسلام ديناً ...)
وبهذا المعنى المتقدّم لا تكون الآية المباركة ناظرة إلى فكرة الرسالة الواحدة أو الفكر الواحد الذي يرفض التّعايش مع الفكر الآخر المغاير له، وفي قوله تعالى ( لا إكراه في الدّين) ما يؤيّد الإختيار في الإعتقاد الديني،ولكن هذا لا يتنافى مع وجوب البحث عن الحق،فمن ترك البحث فقد أثم ،ومن تركه بعد إدراكه كان من الجاحدين،ومن لم يصل إليه فهو ليس من المعاندين،وحكمه موكول إلى رب العالمين وهو أرحم الراحمين،وهو القائل (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)فالعذاب إنما يستحقه من وصل إليه البيان وأنكره.
وبهذا تكون الآية السابقة التي تحدثت عن خسران غير المسلمين ناظرة إلى الربح والخسران في عالم الآخرة من الّذين لم يؤمنوا بها من الجاحدين للرّبوبية والمنكرين للخالق،حيث يكون من الطبيعي حينئذ أن لا يكون لمنكر الخالق حقّ في المطالبة بنصيب رابحٍ في آخرة نفاها وأنكر خالقها!
وقد يفهم هذا المعنى من قول الامام علي عليه السلام في دعائه المشهور بدعاء كميل ( ولولا ما حكمت به من إخلاد معانديك وتعذيب جاحديك لجعلت النار كلها برداً وسلاماً وما كانت لأحد فيها مقراً ولا مقاماً ..) .
وقد غفل عن هذا المعنى كثير من الفقهاء و المفسّرين السابقين و المعاصرين من الّذين حكموا بخسران الناس أجمعين في يوم الدّين ما عدا المسلمين، وقد بالغ بعضهم عندما حصر جنة عرضها السموات والأرض بجماعته أو طائفته ومذهبه وضيّق رحمة الله الّتي وسعت كلّ شيء فحكم وأفتى بكفر المخالفين له في فهم الدين أوالمذهب.
ولذلك نحن لا نرى مانعاً شرعياً من طلب الرحمة والمغفرة لغير المعاندين للحق من غير المسلمين من الذين لم يصلهم صوت الحق والذين لم يجحدوه بعد ظهوره لهم،ولعل في قول الله (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ)حكاية عن النبي إبراهيم في استغفاره لأبيه ما يشير إلى جواز ذلك،والله سبحانه وتعالى هو الأعلم.

----
نواصل الرحلة في الحلقة القادمة مع مواقف المذاهب المختلفة من القضية .
مشاركة
مواضيع مقترحة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام