مساحة إعلانية

سوق النخاسة ..من أريام أفكاري



9 فبراير، 2017


لا تزال الأريام تمارس إرهاقي وتحملني إلى السفينة لتروي لي الحكاية وكانت معها الصديقة العزيزة سهى الطوكي بعد أن هلت نسماتها العطرة من بين جراح العراق النازفة لتشارك الأريام الرحلة وتطفي رونقا رائعا بجميل حرفها وعمق قراءتها في حالة نادرة من لقاء النيل بالفرات .
------
الليلة غائمة تكسوها الهموم والسوق مضطرب شحا في المعروض، وغيابا للقانون في ظل تحكم أيادي خفية في المشهد لتضبط الحركة لصالح تضخم الكروش المنتفخة بلحم من لم يعد لعظامهم من كسوة سوى رحمة السماء.

هياج للأمواج وبحر غاضب والسفينة يصيبها الدوار مع أنها من مواليد البحار في ظل غياب الدرامينكس (مضاد للدوار) خلف الأسوار، فسعره رخيص وحمولة المركب لا تروي ظمأ طاقم الإبحار.

الركاب قلقون غاضبون مضطربون والأيادي الخفية تواصل العبث وتحريك العرائس من خارج السفينة، تدخلت صديقتي في الحوار وقالت :

ما حدث؛ يا سيدي أن الذئب افترس ليلى وجدّتها، ونجا بفعلته، ثم أعاد كتابة القصة، بما يتيح له التهام المزيد، ولكن لا شيء يبدّد عتمة الليل البهيم سوى شروق الشمس، أما الشموع فهي أعجز من أن تفعل، وإن كان في وسعها أن تؤنس وحشة المقهورين، ريثما يطلع الفجر.
ما من طاغية إلا توهم ، نعم توهم ، بأنه يستطيع أن يثقب عجلة التاريخ، أو يعرقل دورانها، قبل أن تسحق عنقه. 


دامت طلتلك شقيقة الأريام.
هيا بنا إلى غرفة ربان السفينة فهي على صفيح ساخن، فقد سيطرت الأيادي الخفية على مفاتيح القرار، وأخرجوا من غرفة القيادة العامة على الأرض كل مساعدي الربان، والموسم موسم انتخابات والربان يرغب في مزيد من المخالب المستأنسة ليحكم بها السيطرة ويعود لغرفة القيادة من أي باب، أو حتى قفزا من الشباك، ففي ليل الشتاء ما أشد الحاجة إلى لحم النعام والثريد للوقاية من برد العظام.

غرفة القيادة وفيها الكبار، تدبر بليل كيف ترفع نصيبها من مص دماء الفقير المعدوم، وفي الوقت ذاته تشغلهم بإخماد نار مفتعلة وتلهيهم عن القضية، وفي الوقت المناسب ترسل لهم فرق الإطفاء والإنقاذ. 

الصراع على أجزاء الغنيمة مشتعل، جسد الغزال فيه نصيب للأسود، وجوارح الطيور تنتظر النصيب المقسوم، وما أن ينفض الكبار حتى تحضر القطط والكلاب لتنهش ما تبقى من عظام الغزال، تدخلت شقيقة الأريام قائلة :

طبائع الخنوع والخضوع يا سيدي مازالت تقودنا بعد ولائم الخيانة ؛ يضرم الطاغية النار في الحقول والغابات، من دون أن يكفّ عن التغني بحب الشجر، فيعلو هتاف الرعية، مرحبا بقدوم النطيحة والمتردية !

ما أعمق وأروع سبر غورك لعمق الأريام يا بنت العراق 
فربان السفينة قلق حيران، عين على مركز صنع القرار الذي أخرج له اللسان حيث لبلب يدير بإحكام، وعين على جماهير السفينة الذين جعلوا منه ربان، وعيونهم معلقة عليه ليقود الدفة لبر الأمان في ظل عواصف وأمواج وبوادر هطول الأمطار.

فجأة يخرج عليهم الربان بعباءة من ريش النعام ويخطب في الجموع أنه رب المجموع، وقيادته ليست للسفينة فقط بل هو صوت الجماهير المنتظرة على الشاطيء الحزين، وأنه لن يسمح بالاحتكار ولا لمس أسبرين الغلبان، وأنه سيف على رقبة أهل الاحتكار والحيتان .
حاولت ريمي عبثا أن تهمس في أذنه أنه ربان السفينة وحسب وليس عمدة الشاطئ الحزين، ولكن هيهات فهو بحاجة لسواعد الجميع لتحمله بقوة إلى غرفة القرار حيث التكييف يغنيه عن دفء ريش النعام، ويعلو الهتاف ويسود الضجيج فيخفي صوت هادر الأمواج، ومع صوت الأمواج يغرد شارع المتنبي على لسان صديقة الأريام :

يا لــ أريامك سيدي مازالت تستنجد الغير! 
في الزمن الخادع، لا يعرف الأعماق إلا من اختبر الغوص في لجّتها، لكنك ستصادف دوما من يعوم على شبر ماء، فيتوهم نفسه بحّارا، ويحدّث الناس عن درّر يراها هناك بأم عينه.

 تابعت الأريام قص روايتها وقالت :
لم يدرك الربان حقيقة لبلب المكار، وأصر على دور عنتر بكل تأكيد ليس بن شداد، وصرخ في جماهير السفينة يطلبهم في الزمان والمكان ليرفعوا صوتهم بالفضيلة مطالبين بالحقوق وقبلهم حق المسكين الغلبان، ورتب الأمر بليل واستدعى كل قرود الجبلاية وكلف كل منهم بدوره بإحكام، ورسم الخطة ليرهب لبلب حتى يكون له على مائدته مكان، ويخطب في السفينة منتفخ الأوداج فيحصد من قلوب الحاضرين مكان، وينتهي الأمر بتهديد بلا عنوان لينتظر الجزرة بعد الذي كان، هكذا رسم السيناريو بإحكام ولكن بعض الحضور من الظبيان تعاف نفوسهم خمور المكان كانوا له بالمرصاد، وحدث ما لم يكن بالحسبان وخرج الأمر عن السيطرة وعلا صوت ركاب السفينة رافضين التلاعب بمصير الأهل والأحباب، فماذا أنت فاعل يا عنتر فالأمر غلب جده الترتيب الذي كان؟
قالت صوت بغداد :

وقود الثورة موجود على كل رصيف، ووسط كل حي فقير، لكن الحكّام الطغاة تعمى قلوبهم، فلا يرونه ، ولا يكفون عن اللعب بإشعال أعواد الثقاب.

شعر عنتر بحجم المأزق وأدرك أنه ليس بن شداد، وإذا اقتضى الأمر ترك عبلة لتحرش الغربان، فلا ضير مادام الغشاء سليم، وإن أصابه مكروه فالبركة في الصين، فعندها البديل أو قل المثيل التمام.

في لمح البصر وعقارب الساعة قد أصابها الشلل للحظات، رفع الجلسة وخرج هربا من سطح السفينة معلنا في السرداب توافق الجميع على رؤية المنام، ومد المهلة للبلب ليفسح له جزء من المائدة، وترك سطح السفينة يموج بالغاضبين غضب قليل الحيلة الذي لا يجيد السباحة، وينتظر الغرق بأياد عاجزة مرفوعة للسماء، وبدأ كل من الحضور يبحث عن طوق للنجاة صعودا لقمة السفينة عساه أن يكون أخر الغارقين، أو لحاقا بلوح خشبي يصل به لبر الأمان غير مدرك لانتظار أهل الشاطيء وصول الغزاة من أهل الفرنجة والتتار .

لبلب لم يهتز من عنتر الهجاص، ولم ينسى له طول لسان الأوباش وبدأ يواصل القفيان، وينزع من عنتر مزيدا من ريش النعام لينشغل بالريش من فوق كبري أبو الريش وينسى كل ما كان.

بدأت مخالب لبلب تشوه السفينة وأهلها وتظهرهم بمظهر الأعداء الغزاة الأشرار، وتنسب لهم شح السمك ورفع أسعار التونة، واستعدت عليهم أهل الشاطيء من الطيبين الأطهار، واختفى عن الصورة الكبار وأهل المصالح والأهواء، وتركوا الساحة لصراع المفاعيل بهمالموهومين بأنهم فاعلين، وبدأ عنتر يهدد ويتوعد ولكن بعد أن انفض عنه أهل السفينة مشغولين بقوارب الإنقاذ وتدخل في الأمر أولاد الحلال !

نجح أولاد الحلال في تصفية الأجواء وإنهاء خصومة عنتر ولبلب بعد أن اعتذر الأول عن كل ما كان، وأدرك طبيعة الأمور فأعاد له لبلب الريش الذي كان، وقبل عنتر بكل أوامر لبلب ومن خلفه ولكنه استسمحه أن يخرج لأهل السفينة فيبشرهم بالانتصار، ولا داعي لإشاعة خبر الاعتذار، لكن هيهات فأهل السفينة كل منهم في واد يبحث عن خشبة يتعلق بها ما بين الخوف من الغرق والخوف من أهل الشاطيء المخدوعين، وإلى هنا أسدل الستار ودفع الغلابة ضريبة عناد عنتر وعاد عنتر ولبلب إخوة وأصحاب والغالبية يغيب عنها أنها تحت بصر رب العباد .
وكان مسك الختام لبغداد حيث أفاضت :

كان الله في عون أريامك سيدي..
أحياناً يُصاب المرء بالغثيان والحزن ؛ وبالهلع ؛ إن دبَّ المرض في بعض جسده ، تراه يذهب هنا وهناك بحثاً عن علاج  ؛ غير أنه يفرح حين تتورم ذاته ، وبأورامها يُباهي ويفخر، إلى أن تقضي عليه. 
هكذا هو لبلب !! ومن يعمل معه
ياترى هل تُلقي   باللائمة على لبلب أم على عنتر أم نسأل عبلة ؟ 
نعم..  فـــ لنسأل عبلة ؟ 
هل نُلقي باللوم على ركبتي عنتر أم ماذا ؟
تجيب عبلة ..
 إن جثوتَ أمام الآخرين روحك تقودك، فإن كانت عموديةً صلبةً، وغير قابلة للطيّ ، تظل هامتك مرفوعةً ، حتى لو بتروا ساقيك من أعلى الفخذ، وإلا فلا.
يعود لبلب لمساره المعتاد !! 
ويكمل الكذب بالألوان والأقوال ..
الحرية والديمقراطية ..
الثورات البرتقالية ..
الذهب الاسود ..نحن العرب ..نعم للوحدة ..أنا معكم ..
إياك وتجاوز الخطوط الحمراء !!!  
وفي لحظة كذبه تعاودك الصور فترى الواقع أمام عينيك ، فعند أبواب المخابز يموت العربي ، لا من الجوع ، بل من عطش الحرية المزمن للدم ، ليس هذا فحسب  بل ضجيج يملىء آذاننا صراخ الاطفال ، وعويل الثكالى ، وكل هذا لايصل الى أسماع الضمير الانساني .
هي الجريمة ياسيدي لازالت وستظل تلازمنا وستبقى  حدثاً لاحقاً ومعطوفاً على حدث سابق هو الخيانة .
ايها العربي أرهقتنا أريامك ، ولكن لنا رب يحمينا وينجينا 
ربنا ماخلقت هذا باطلاً سبحانك .
احترامي وأخائي وجزيل شكري وأمتناني لطيب كلامكم وجميل ردكم

********
لله درك يا بغداد، لله درك يا نهر الفرات فقد أعجزتني عن الكلام وضاق الحرف بي زرعا وأصبح الصمت لي عنوان، وبكت الأريام وهي تسند ظهرها لنخيل العراق نخيلا من النون والخاء والياء واللام والألف شهودا للغة الضاد ضد كل شهود الزور والبهتان.

اقرأ على واحة الأريام 



اقتنوا الآن كتاب «صلاة الإنسانية» للكاتب الدكتور عاطف عبد العزيزمن خلال خدمة التوصيل المتاحة في كل أنحاء الجمهورية، والدفع عند الاستلام، من هنا:https://goo.gl/rQqyL6



مشاركة
مواضيع مقترحة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام