مساحة إعلانية

حكاية مصرى .رواية ل.د.عاطف عبدالعزيز عتمان

عاطف عبدالعزيز عتمان يوليو 17, 2021

إسم الكتاب ..حكاية مصرى 
النوع...رواية
المؤلف ..د.عاطف عبدالعزيز عتمان
المقدمة ..الأديبة والشاعرة أميرة الرويقى
الناشر...دار الجندى للطبع والنشر 
الطبعة الأولى ...يونيو 2013
الغلاف..محمد عاطف
رقم الإيداع ..11930
رقم الترقيم الدولى ...0-741-90-977-978
حكاية مصري ..

من ظلال شجرة الصفصاف على ضفاف النيل حتى إشراقة  شمس الحرية و اللقاء مع المحبوب   


الكاتب
د عاطف عبد العزيز عتمان
صيدلي وكاتب ومدون
ولد من رحم الثورة المصرية
نشر ما يقرب من 700مشاركة
ما بين مقال و خاطرة
أنجب مدونة شمس الحرية فى 11/2/2011

                                    إهداء ....
أهدى هذا العمل
لمصر الوطن....للنيل المصري الخالد شريان الحياة في مصر
لكل قطرة دم سالت في سبيل تحرير هذا الوطن من الفساد والإستعباد
لشهداء ومصابي ومشاركي ومؤيدي ثورة 25 يناير المجيدة
للأمهات اللاتي فقدن فلذات أكبادهن فى ملحمة الثورة
لأمي صاحبة الفضل على بعد الله
إهداء إلى ...... شمس الحرية ....



                        الطبعة الأولى

رواية  حكاية مصري 
رواية ناتجة عن لقاح الواقع بالخيال  فى سماء مصر وعلى ضفاف فرع رشيد من نيلها الخالد   وتحت شجرة الصفصاف .....
راودتني فكرتها كثيرا ولكن فجأة وجدت القلم يكتب وإستمر في الكتابة عدة أيام حتى أتم فصول الرواية ووضعها بين يدي القارئ متمنيا أن تكون إضافة وأن تسهم في إثراء المكتبة العربية وأن تكون قد نجحت في توصيل الفكرة ...
الرواية تعالج قضية التعصب الفكري والصراعات الأيديولوجية والبحث عن الحقيقة والمحبوبة
وتعالج هموم الشعب المصري وتحاول التغلغل فى قضاياه
تعيش في الريف المصري وتعايش واقعه  ثم تنطلق للعاصمة  ...قاهرة المعز
تحكى الرواية قصة البطل والذي يمثل مواطن مصري
 تعيش معه طفولته الريفية وتسبر غور مكنونات نفسه وتتجول في أرجاء  القرية المصرية .
ترسم صورة للنيل شريان الحياة والراوي الأقدم والأصدق للتاريخ المصري  عبر السنين...

وتسير الرواية مع البطل في مراحله السنية المختلفة وتقلباته الفكرية المتنوعة ...
وينتقل البطل للقاهرة وتستمر الرواية فى رسم الصورة
ونقل المعاناة  والبحث عن مصرية ...
حتى زئير الأسد وإنفجار البركان ....وبزوغ الشمس  الحرية...
حاولت جاهدا النزول لأرض الواقع وتبسيط الأسلوب والغوص في الأعماق متمنيا أن أكون قد وفقت لتقديم عمل أدبي مميز بين يدي القارئ وأن أكون نجحت في توصيل الرسالة ...
من ضفاف النيل وظل شجرة الصفصاف حتى بزوغ شمس الحرية في الميدان ولقاء المحبوبة

د عاطف عبد العزيز عتمان
الثلاثاء
15/1/2013







المقدمة ....

بقلم ........

الأديبة والشاعرة الإعلاميىة /أميرة عبدالعزيز الرويقى  

 





الرواية الأولى للأديب الكاتب د عاطف عتمان 


ولادة روائي مصري عربي يحمل حكايا وهموم وتطلعات حد السماء 

يبدأ من النهاية ويجعل نهاية روايته (البداية) لحكاية ربما حدثت وربما بعد لم تحدث بعد..
ويترك القراء يتأرجحون بين الخيال والواقع ويحملهم مهمة البحث بين سطور روايته الاولى (حكاية مصري
ربما هي حكاية كل أبناء وطنه مصر
أو ربما هي قد تجاوزت الحدود المحلية , لتصل الى كل العرب 
سيما أن حكايته نستطيع أن نجدها في كل بيت عربي أو قرية عربية 
إنه الخيال الواسع
إنها الحقيقة المجردة من كل خيال
إنها حكاية مصري 
مزيج بين هذا وذاك
إنه الروائي الكاتب العربي د عاطف عتمان
الذي قد حظي بإعجابي وتقديري وأنا أقرا له باكورة أعماله الروائية التي أتنبأ له ولها بالنجاح الكبير ..
كيف لا وهو قد تميز بإتقان السرد والوصف والتشابيه والإنزياح أحيانا في بعض المفردات
وكأني اقرأ قصيدة شعر , وأنا الشاعرة التي بالمقام الأول أهتم بالشعر . ولكن للرواية أيضا إهتمام كبير لدي , وهذا ليس بغريب عني ولا سيما الكتابة الروائية التي يجدها المطلع على كتاباتي تحتل لها مكان لا بأس به
وأقول بأن ديوان العرب هو الشعر الذي منه تنبثق الرواية وكلاهما فن لا يتجزأ وكلاهما ديوان للعرب , ,
نحن أمام رواية تستحق الإهتمام من حيث القراءة وأيضا النقد 
نحن أمام كاتب نقرأ له لأول مرة نعم. ولكنني حين قرأت له أحسست بأني قد قرأت له منذ زمن بعيد , سيما أنه يتقن فن السرد وبالتالي الرواية التي لا بد أن نتدرب على كتابتها كثيرا
وهنا كاتبنا قد تدرب على فن الحياة حياة عاشها هو سواء بالخيال أو الواقع  سيان
الأهم أننا حين نقرأها نعيشها معه
مضت على العرب في صحاريهم دهور طويلة , تقلبت بهم أطوار الحدثان _ حدثان الدهر نوائبه -_

ولعبت بهم صروف الزمان وكانت لديهم شؤون طوتها الأيام وجرت عليها ذيول النسيان ولا يعلمها إلا خالق العباد الذي لا تخفاه خافية , في مكان ولا يعتري علمه سهو ولا نقصان, 

وما وصلنا من أخبار العرب ورواياتهم إلا شذرات لو جمعناها لما وصلت صفحاته عدد البنان قد يعثر عليها المنقب عن آثارهم في تواريخ من سواهم من الأمم بعد عناء شديد وزيادة في الإمعان.
ولم يزل هذا شأن العرب حتى دخلت الكتابة بلادهم في النصف الأخير من القرن السادس للمسيح فبدأوا بتدوين البعض من آثارهم 
وما كاد يظهر الاسلام حتى ضم شملهم , وظهرت طلائع جيوشهم على حدود مملكة الفرس والروم 
ويطول الحديث عن العرب ورواتهم وكيف غدا تدوين سيرهم وتواريخ بطولاتهم أمرا بديهيا ومنتظرا .
و لا يكاد يتسع له مكان مقدمتنا هذه لرواية _الدكتور عاطف عتمان المؤلف _سيما أن الحديث في هذا الباب طويل ومتشعب وذا أمثلة كثيرة وتواريخ متعددة, 
ربما أردتها إستهلالا للمقدمة _
لحكاية مصري _
حتى يعلم قراؤنا أن للرواية تاريخ زاخر وحافل وأن لديه بداية مع نشأة الكتابة لدى العرب
فن الحكي , أو فن السرد _الفداوي عندنا في تونس هو الروائي المتنقل , المتجول 
_____________________________________________________________________

وهنا في تونس كان الأجداد يسمون هذا الراوي ( الفدواي) 

والفداوي هذا كان يتنقل من مدينة إلى أخرى يروي قصصا أحيانا يشيب لها الولدان , من كثرة غرابتها والنقل العجيب الذي كان يتفنن فيه هذا الفداوي .
فهو يروي نعم الأحداث التي ينقلها من بلاد أخرى غريبة عن بلدنا بكل ما في النقل من فن هو الأخر 
الوصف والتشبيه والمفردات الطريفة التي يحشو بها حكيه , قصد جلب المستمعين الذين كانوا يلتفون حوله من صغار وكبار ,
وهكذا نجد أن للحكي والقص والرواية نفس المقومات تقريبا
وما يجمع بينها كلها هو = فن ودراية ودربة الحكي التي لا تتوفر عند كل الناس,
هي أولا موهبة ثم حرفية تاتي بعد صقل لتلك الموهبة , ولا تتحقق الحرفية هنا الا بالدربة والتعود والتكرار.
ولن يحار الفداوي في الوصول إلى الحرفية , سيما أنه قد إتخذ من هذا الفن مهنته ومصدر إرتزاقه,
حكاية مصري والفن الروائي
__________________________________________

لقد قرأت تكرارا هذه الرواية ولم أمل من إعادة القراءة

كأنني حين أعيد قراءتها تكون المرة الأولى, لماذا ؟
لا لشيئ الا لأن كاتبها قد تفوق في فن الحكي و غدا ذلك (الفداوي) المشهور بيننا
لكن مع فوارق عديدة تكمن في إتخاذ الكتاب لحكاية مصري لعناصر مختلفة عن مجرد رواية أحداث ونقلها هنا وهناك عبر بلاد الدنيا.
أولا لأن حكاية مصري نكتشف أنها تدخل تحت مسمى البيبليوغرافيا 
أو السيرة الذاتية رغم أنها لا تستجيب روايتنا هذه كليا الى هذه النوعية من الأدب  ولاسيما الأحداث التي تؤسس لمراحل عمرية محددة وكأن الكاتب هنا أراد أن ينقلنا من حقل الى حقل ومن فصل الى فصل ومن سن معينة إلى سن
لقد حافظ كاتبنا على الخيط الفاصل بين الحقيقة والخيال وجعلنا نعتقد جازمين على أن أحداث( حكاية مصري ) ليست سوي ضرب من خيال
ومن جهة أخرى جعلنا نبحر في حكاية أخرى تنبئنا بأننا ازاء قصة حقيقة فعلا مرت عليه في حياته وما يزال يعيشها بحذافيرها, مما يجعلني وأنا أقرأ وأعيد القراءة أعتقد بأن الرواية ما تزا ل متواصلة الى الأن وأنها بعد لم تكتمل أو قولوا بأنها لن تكتمل أبدا , والحال أن القدر الذي أراده لها كاتبها لن يجعلها تستريح وتصل الى محطة ما,قد تكتب فيها عبارة (النهاية)
لا بل كاتبنا قد جعلنا قسرا أو برغبتنا المطلقة نقتنع أن البداية قد بدات بنهاية الرواية

----------------------------------------------------------------------------------------------


الوصف والتشابيه والإنزياح والغرائبية

----------------------------------------------------

كلها مقومات وجدتها برواية (حكاية مصري)

في الوصف يجعلنا الكاتب الروائي الدكتور عاطف عتمان نرى الأحداث بأم أعيننا,
يجعلنا نشتم رائحة الخبز ورائحة (الفراخ) أي الدجاج الذي كان متراصا في الأطباق الكبيرة وهي تحمل فوق رؤوس النساء,
في يوم الإحتفال السنوي بالقرية , هنا نتعرف على القرية المصرية التي لا تختلف كثيرا عن عادات وتقاليد قرانا هنا في تونس تحديدا ,
وهذا التشابه يجعلنا بالنهاية نتأكد بأن القواسم المشتركة التي بين البلاد العربية مهما تقاربت أو تباعدت كثيرة من حيث الشكل أو المضمون , البناءات تكاد تكون نفسها دائما مع بعض الفوارق , 
ويجعلنا كاتبنا (الناجح في الوصف , ) نرى الدراويش وكيفية التضرع إلى الولي الصالح والتمرغ في الأرض وكل تلك المواقف العجيبة التي رأها كاتبنا وهو بشكل فضولي دخل وشاهد ما لم يستسيغه من تلك الفئة المعينة من البشر الذين يتخذون من هذا الدجل أيضا حرفة يرتزقون بواسطتها.
------------------------------------------------------------------------------------------------------
كل هذه الأحداث والمواقف تجعلني حين أقرأ الرواية أشتم روائح عديدة وأرى وأتفاعل معه وأبكي معه وأضحك معه وأهتز من الداخل معه ,
والمواقف هنا كثيرة ومتعددة وأعنفها لدي (كقارئة محللة للأحداث) ذلك الموقف الذي هزني وزلزل بداخلي قيما مع اللأسف تكاد تندثر عند البعض من الناس الذين طغت عليهم تكنولوجيات هذا العصر , فبات الجماد العنصر المسيطر على المشاعر والمالتيميديا اتخذت لها مكانا بيننا حتى نكاد نفقد تمام ما هو متعارف عليه (بالدفء الانساني , العائلي )
وهي قيم التراحم والأخوة واللحمة العائلية رغم أن أهل الريف معروف عليهم هذه المبادئ التي ربما قد لا نجدها بكثرة في أهل العواصم ولكن أقول بأنها غدت ظاهرة عامة ,بالرغم من أنني لست مقتنعة تماما بأن أهل العواصم أقل تراحما ودفئا عائليا , 
----------------------------------------------
زلزال داخل بيت مصري
------------------------------------------
العائلة التي يتفرع منها بعد الأم والأب ,الإخوة أبناء الخال والخالة وأبناء العم والعمة الخ
زلزال هز قلب وبيت وغرفة بطل الرواية (مصري) وأخ غاضب ساخط كافر بالقضاء والقدر 
ومتسائل ( لماذا ابي تزوج هذه المرأة ولماذا أنجب لنا طفلا كي يقاسمنا الميراث؟؟؟)
إنما يرث الله الأرض ومن عليها ,
مالك الملك ذو الجلال والإكرام
كلها قيم تربينا عليها 
كما تربينا على أن الأخوة هي فرع قائم بذاته في التراحم الأسري
ورب أخ لم تلده أمك ,
لكن هنا نرى ونشاهد وحتى نشتم بأنوفنا قمة اللا إخوة وقمة الظلم وقمة عدم الرضا بما أراده الله و هو الخالق الأوحد وهو الآخذ بكل نواصينا . لما كل هذا يحدث بين الإخوة؟ حتى وان لم يكونوا إخوة أشقاء فهذا لن يبرر كل هذا العنف نعم إنه العنف بكل مقاييسه .

وحتى نترك لقرائنا الرغبة في الإكتشاف والمتابعة لكل محطات وفصول الرواية لن اتوقف كثيرا عند هذه المحطة , ولكن سأواصل في أخذهم الى نفس العنصر

هل الرواية تعالج قضية التعصب الفكري والصراعات الأيديولوجية ؟؟
ومن أي منظور؟
____________________________________________________


الرواية ربما في الظاهر تعالج قضية التعصب الفكري والصراعات الأيديولوجية ؟؟؟وهذا ليس طبعا بمنأ عن مجريات الرواية (حكاية مصري)


حكاية كل مصري عايش حقبة معينة ومعلومة لدى كل المصريين ,

العهد البائد هو الأرضية وإنطلاقة لحقبة زمنية أخرى جديدة بكل ما لها وما عليها؟
-----------------------------------------------------------------------------------------------
ينطلق الكاتب في سرد روايته من طفولته الأولى بقريته وأترك للقارئ إكتشاف هذ ا الجانب الذي أراه مركزيا وأساسيا برواية د عاطف عتمان (الأولى)
لكن كان لابد لي أن اتوقف بكل تركيز و تعمق كي أتعرف أكثر على بطل الراوية الذي أراه مزيجا من الواقع والخيال
_______________________
الطفولة
_______________________
طفولة بها الكثير من الحب والحنان الأبوي , الأم ببساطتها تمثل المرأة الريفية الوفية التي كرست حياتها لعائلتها إبنها وزوجها.
أب متقدم قي السن شديد الحب لإبنه وشديد الخوف عليه من إخوة غير اشقاء 
خوف على مستقبله من بعد رحيله الذي كان يتوقعه في كل لحظة 
الإبن لم يكن يرى في محيطه إلا أبويه وقريته الصغيرة الساكنة فوق قمم أفكاره وقمم عواطفه التي كانت جد عميقة وجد صادقة , طفل يتأرجح بين الطفولة والكهولة المبكرة إن شئنا , لماذا؟ لأنه تحمل مسؤولية جسيمة في سن مبكرة جدا.
الأب يتوفى الإبن تصدمه وقاحة الحياة, ويصطدم بمن كانوا له إخوة غير أشقاء,
وهنا أبان لنا كاتب الرواية شراسة الظلم والإعتداء على مبادئ وقيم إنسانية كان من المفروض أن تكون من دون شك , في عائلة مات الأب فيها وقد كان العمود الفقري لها
وأم استفاقت على ترمل كان متوقعا تحمل في ذراعها اليمين إبنا غضا صغيرا
وفي يدها اليسرى تحمل أتعاب الحياة , ومسؤولية كانت قد تحملتها وأدتها على أحسن وجه كيف لا وهذه الأم تعد أمامي مثالا حيا عظيما في الأمومة والشجاعة في تحمل أعباء الحياة زادها حب إبنها وايمانها بأنه من واجبها المقدس أن تؤدي الرسالة على أحسن وجه
وتطول أو تقصر أحداث الطفولة لدى بطل الرواية (حكاية مصري) والمحطات بها تتعدد وتتلون فيها الفصول .
ومن فصل الى فصل يكبر الطفل رغم أنه كان قد بدا يكبر قبيل وقته, 
وهنا أتوقف لأعود إلى نقطة الإنطلاق إلا وهي 
________________________________________________________
هل الرواية تعالج قضية التعصب الفكري والصراعات الأيديولوجية ؟؟
ومن أي منظور؟
________________________________________________________
هل إقتنع البطل بأنه حين تتدخل الأيديولوجيات في تفكيرنا تصعد إلى السطح مبادئ أخرى تبعدنا عن البراءة الأولى الفطرة الأولى التي تروي طفولتنا فشبابنا فحياتنا؟
انا أرى بأنه حين تدخل قضية الصراعات الأيديولوجية والتعصب الفكري حياتنا لا بد أن تؤثر فينا

فهل أثرت هذه الاشياء في تفكير بطل الرواية؟؟؟


الأهم من هذا هل هذه الصراعات هي جزء لا يتجزا من حياة بطل حكاية مصري؟؟

ربما؟؟
إذ منذ الطفولة والنشأة الاولى جعلت من بطلنا طفلا مفكرا ومحللا ومتأثرا بما هو خارج محيطه وقد إتضح هذا في مرحلة مبكرة من عمره كيف لا وقد تأثر بإتجاهات فكرية متنوعة ..

بدأ ظهور تساؤلات عن كدينونة الوجود والذي أوجد الوجود
وأين اليقين من عدمه؟ أين الحقيقة؟ أين الحل؟

____________________________________________


هل الحقيقة فى أيديولوجية معينة؟ فنراه يدخل حلقات الحوار والنقاش مع ما يسمه بالإخوان و الإسلاميين, هل ألتمس لبطل روايتنا عذرا؟

هل أقول انه كان تائها يبحث عن مرفأ أو وجهة أو رؤيا واضحة وأجوبة صريحة لكل ما يجول بداخله من صراعات فكرية وحتى
______________________________________________
تساؤلات عن كينونة الوجود والذي أوجد الوجود
وأين اليقين من عدمه؟ أين الحقيقة؟ أين الحل؟
_______________________________________________
وأي الديانات الأصدق والتي تقربنا إلى كينونة وجودنا بالحياة؟
وتخبط بطل روايتنا في يم متقلب الأمزجة وإختلط بأناس أراد ربما أن يجد لديهم الملاذ
فهل التمس له العذر؟
سؤال كررته مرتين؟ لما للمحطة هذه تحديدا من أهمية كبيرة أراها جوهرية.
لماذا؟
 ,لأن هذه المرحلة أو هذه المحطة أو لأقل هذه المسألة التي يراها بطلنا عويصة وأراها انا الأساسية ,
ستجعلنا نتعرف على بطلنا أكثر ,
هل هو إنزلق منزلقا خطيرا وإرتمى في أحضان واهم بالأمان ؟
أم تراه قد نجا بكل أفكاره التقدمية رغم أنها في السطح تبدو لنا أفكارا تمتزج بما أرادت تلك الفئة المعينة من الناس ان تقنعه بها؟
أم تراه ظل يراوح مكانه ولم يخط خطوة إلى الامام؟
إلى الخلاص؟؟ إلى التحليق نحو الحياة الأوسع والتحرر من الأمانى الضيقة جدا ؟؟؟
كلها أسئلة أترك للقراء إيجاد أجوبتها من خلال قراءة هذه الرواية التي شدتني شدا اليها
لا لشيئ إلا لأن كاتبها جعلني أتأرجح بين الواقعية وهي السرد الواقعي الذي يتنزل تحت مسمى ( la bibliographie) البيبليوغرافيا, التي أراها وأتلمسها في كثير من الأزمنة والأمكنة بالرواية , حتى أكاد اقول بأن حكاية مصري ليس سوى حكاية الكاتب ذاته
وفي نفس الوقت أراني أقرأ وبعمق محبب رواية قد جنحت بي بعيدا على أجنحة الخيال وأن كل أبطال الرواية الذين كانوا أبطالا يتبعون البطل الرئيسي كظله أينما وجد
ولا أخفي أمرا هاما ألا وهو أن البطل الرئيسي هو المسيطر على كل أطوار الرواية
وأن الرواية هي أصلا لا تستقيم ولا تكتمل جوانبها إلا به , أما باقي الشخصيات فهم من المكملات ومن العناصر التي رغم ذلك لا بد لها أن توجد
في فكر وذهن وحياة البطل اليومية , حتى في أحلامه وصراعاته مع من كانوا أبناء أبيه ,إخوته غير الأشقاء,,,
بروايتنا هذه (حكاية مصري )العديد من المحطات , والحكايات والمواقف والتقلبات الزمنية والمكانية صورها لنا كاتبنا بدقة متناهية حتى خلتني شخصيا قد عشت وتقاسمت معه حكايته بتلك المدن والقرى التي سافرت وتسافرون معه من خلال سرده الدقيق 
رواية تستحق الدراسة من قبل النقاد والدارسين 
رواية تستاهل كل التشجيع والإحترام لما فيها من مقومات الرواية التي تقترب كثيرا من الشعب حتى تلامس البعض من قضاياه ,
وبالتالي لا تقلع في برجها العاجي بل تنزل إلى القرية والمدينة والشارع والقطار وحتى ميدان المعركة ضد الدكتاتورية التي شهدتها مصر والبعض من بلدان إفريقيا الشمالية وتونس في مقدمة من ثار ومن إنقلب على الدكتاتورية تلتها مصر 
كيف لا والهم واحد والمتاعب واحدة والظلم واحد 

لقد تمعن وتعمق كاتبنا ولا سيما في نقل تلك الصور وذلك الوصف بكل هذه الجمالية من حيث اللغة , وخاصة طريقة السرد التي لم تخل من فن الحوار بين أبطال حكاية مصري,

بالرغم من قلة تفعيل الحوار في الكتابة , إلا أن هذا العنصر قد   وجد لا لشيئ إلا كي يجعل الإطار العام للرواية يتنزل في خانة 
الرواية التي تخرج أحيانا عن إطار السرد المهيمن أو السرد الذي قال عنه بعض أدبائنا هنا في تونس.كأديبنا شيخ الأدباء محمد العروسي المطوي الراحل , والتارك خلفه زخما من الروايات والقصص للأطفال والدراسات والبحوث
أديبنا الذي إهتم بالسرد والحوار معا في معظم رواياته التي شهدت نجاحات كبيرة ولا سيما على الصعيد العربي وحتى العالمي حيث حظيت واحدة من رواياته ( التوت المر > على أفضل مائة رواية عربية , وأرى كاتبنا ينسج على نفس منوال أديبنا شيخ الأدباء المطوي , لا لشيئ 
إلا لأنه يصل إلى إتقان ( لابد من تتمة )
ويصل كاتبنا إلى إتقان أيضا فن الحوار الذي أراه من أصعب (الفنون) بالرواية التي لا بد أن تكون زاخرة بكل الفنون منها _الموسيقى الداخلية _ والرسم من خلال الصور الحاملة للمواقف _ الرقص أيضا والشعر وحتى فن السينما الجامع لكل هذه الفنون,
الرواية الفن أو فن الرواية حتى تستقيم كل أضلعها لا بد من توفر كل هذه الأركان الأساسية , العناصر البديهية هذا ما أنا أراه ضروريا , بل إجباريا حتى نقول بأن هذه رواية
وليست مثلا قصة قصيرة , أو خاطرة ولاسيما أدبنا العربي الذي يمر باربعة محطات أي اربعة عناصر
اولها _الشعر بكل مدارسه الحداثية والكلاسيكية 
ثانيها _ الخاطرة _ وهي مجموعة من أفكار متتالية تكتب من دون إطار فني محدد لها او مقنن لطريقة كتابتها, لذا سميت (خواطر)
ثالها_ القصة القصيرة _ أو قصة الومضة أو القصة الحاملة لأحداث كتبت بتركيز شديدوليس من الضروري أن يجد كاتبها نهاية ولا حتى هو مجبر على إتباع المراحل المعروفة 
مقدمة وجوهر وموضوع ونهاية
لأن هذه العناصر غالبا ما نجدها بالرواية
ورابعها_ الرواية
وهي الحاملة لكل هذه العناصر الآنف ذكرها
لذا لا بد أن تكون حمالة لكل الفنون ,
وعودا الى أديبنا شيخ الأدباء محمد العروسي المطوي التونسي العربي العالمي سيما أن أغلب كتاباته قد ترجمت الى عديد اللغات منها الفرنسية والروسية والانجليزية,
أعود اليه حتى يعلم قراؤنا بأن شيخ أدبائنا قد كان له رأي واضح بفن السرد والحوار بالرواية
السرد هو الاساس بكتابة الرواية أما الحوار فهو العنصر الذي لو غاب عنها لما استقامت 
ولكان أي شيئ إلا (رواية)
إن اختياري لأديبنا التونسي العربي محمد العروسي المطوي , لم يكن جزافا لا 
بل لانني وجدت كاتبنا القادم بخطى ثابتة إلى عالم الرواية قد نسج على منوال شيخ أدبائنا وأن أوجه التشابه بين هذا وذاك كثيرة
شيخ أدبائنا المطوي ينحدر من القرية التونسية المسماة (المطوية بالجنوب التونسي من ولاية قابس,
أديبنا الشاب د عاطف عتمان ينحدر هو الأخر من قرية مصرية موغلة في الجمال الريفي قرية جزيرة نكلا على ضفاف النيل - الذي ألحظه لكلتا القريتين, التونسية _المصرية ,
الهموم تكاد تكون واحدة بين الأديبين الشاب, والكهل المتقدم سنا وتجربة في كتابة فن الرواية, وفن الشعر وقصص الأطفال التي شخصيا تربيت على وقعها وقرائتها كثيرا وأنا ما أزال طفلة أبدا أولى خطواتي بالكتابة الأدبية عموما,

العادات تكاد تكون واحدة أيضا مع فوارق بسيطة لن أتطرق إليها كثيرا , 

الألوان واحدة  الأشكال تكاد تكون واحدة 
الروائح والحيطان الأزقة  الطوب الأحمر هنا أو اللبني هناك
كلها اشياء تقرب بين القريتين.
أرى الدكتور عاطف عتمان يصل بعد وقت ومثابرة وإصرار وكتابات اخرى كثيرة , إلى ما وصل اليه شيخ أدبائنا محمد العروسي المطوي , من نجاح ومجد وحتى شهرة , ومن صار على الدرب وصل,
--------------------------------------------------------
الأهم هنا وهذا رأيي, هو الاتقان لكتابة أو ممارسة فن الرواية ,
هذا الفن العصي غير السهل الممتنع , لما به من جهد وترو  وتوتر وتأن أيضا وصبر ,وخاصة صدق,
نقل صادق للأحاسيس والأحداث مع طبعا إتقان فن التخيل أو الخيال ,الذي رأيته خصبا لدى كاتبنا في روايتنا هذه (حكاية مصري),
ولن أغالي أو أبالغ حين أقول بأنني وجدت وأنا أقرأ بتمعن حد التغلغل في كل سطر وفصل بهذه الرواية, وجدت روائيا جد صادق , جد متغلغل في روايته, حتى أكاد أفشل في فصله أو إنتزاعه من أضلعها التي إنصهرت بإتقان وحب وجمالية خاصة , في أضلعه.
فهل الروائي هنا وروايته (واحد لا يتجزا؟),
وأخيرا وليس أخرا لأنني أنتظر روايات أخرى من كاتبي الرائع الحساس الجميل تعابير وأهات وأنات وأوجاعا وأفراحا وإنتصارات وأحيانا حيرة وإنكسارات ,وأضيف تحديات لواقع جد مر في أغلب الأوقات, 
أقول بأنه الأن وحصريا , ولد في كوننا روائيا رقيقا رائعا , وفنان قادم من خلف أسطر روايته الى عالم الكتابة , هذا العالم المتشعب المتقارب المتنافر الصعب والمعاناة لو احترمناه ولو استسهلناه لما قدرنا على تطويعه لنا نحن معشر الشعراء _الأدباء , وأؤكد بأن الكتابة ذاتها معاناة أو لا تكون,
______________________________________________________________________
إن الدكتور عاطف عبد العزيز عتمان أراه روائيا بإمتياز بالرغم من مجيئه الحديث إلى هذا العالم العجيب ,عالم الرواية , عالم الكتابة عموما, ألم يكن للإنسان عموما إنسانيته وشخصيته ووجوده إلا حين بدا يكتب؟ أو يتهجأ الكتابة؟ بدأ بكتابة تاريخه الإنساني , منذ العصور الموغلة في القدم؟؟
ألم نر ونكتشف أن الفراعنة كانوا يرسمون فوق الجدران؟ وتلك كانت بداية التعبير لديهم , بداية الكتابة , والامر لم يقتصر على الفراعنة سيما أنه ومن المؤكد حين نستقرئ التاريخ سنجد الروم والقرطاجيون ساروا على نفس المنهج , رسومات ومخطوط فكك ألغازها المؤرخون فيما بعد ليصلوا بنا الى عرض مفصل لحياة هؤلاء اليومية, من يومياتهم العاطفية الى الإجتماعية وحتى الإقتصادية , والأمكنة التي كانوا يرتادونها, ونوعية الهندسة المعمارية التي اتبعوها في بناء منازلهم وحتى حماماتهم وصولا الى حلبات الفنون المعددة منها الشعر وحلبات الإلقاء فيه عند الرومان , وتلك التي يستعملونها حين يمارسون رياضة الإقتتال وما يسمة بالفرنسية اي اللاتينية بمعنى اصح (LES GLADIATEURS)
بمعنى المقالون اصحاب السواعد المفتولة , وكان الإقتتال انذاك ضربا من ضروب الفن ,.
____________________________________________________________________

_ لقد سعدت كثيرا حين إقترح علي كاتبنا الروائي القادم بخطى واثقة , كتابة مقدمة لعمله الأدبي الأول هذا ,ولم أتردد في تلبية طلبه,

وسافرت من ساعتها إلى دنيا روايته (حكاية مصري) حتى أفاق عالية شاسعة لا تنتهي
وكم كنت جد سعيدة لانني احترمت جدا ما كتب من أول فصل وأول حدث وأول محطة ارتحلت بي إلى قرية بطل الرواية (مصري) الذي وجدته مصري نعم, ولكنه أيضا عربي حد النخاع, وتنقلت بي في كل أمكنتها وأزمنتها ,
إن توقعاتي لنجاح هذا العمل الأدبي (المحترم) كبيرة وأنا واثقة من أن كل من سيقرأ وكل من سيدرس سيشاطرني الرأي.
ومن أقوالي التي أمنت بها ولطالما فعلتها وطبقتها في حياتي الشخصية والأدبية الشعرية ,,,
____________________________________________________________________
(الكتابة لدي هي الهواء الذي به أتنفس ولو إنقطع يوما لكانت نهايتي, الكتابة عندي فعل حياتي لو إنكسر ضلع واحد منه إنكسرت كل أعضاء الجسد برمته)
____________________________________________________________________ هكذا أرى أديبنا محب للكتابة حد النخاع, ولا سيما المقالات السياسية والاجتماعية والأدبية الني نشرها لدينا بجريدتنا اليومية الإخبارية السياسية الثقافية الجامعة  (البرقية التونسية )التي إتخذ كاتبنا فيها مكانا مشرفا وخطة عمل محترمة , ألا وهي (نائب المديرة المسؤولة ورئيسة التحرير ) أي نائب رئيسة مجلس الادارة ورئيسة التحرير 
وهذا ما لمسناه من إتقان لديه أيضا في الكتابة الصحفية وحب فن أخر يتمثل في الصحافة , تلك السلطة الرابعة التي لطالما حلم بها كاتبنا أو قولوا بطل روايتنا هذه (حكاية مصري) الذي تردد كثيرا في قبول مادة لم يكن يرغب بها حين تفوق في دراسته ونجح بكل جدارة, وكم تمنى أن يكون صحفيا , يجوب البلاد باحثا عن آخر الأخبار , ناقلا إياها بكل حب وصدق وامانة,
فهل تحقق حلم كاتبنا أم تراه حلم بطل الرواية هو الذي تحقق؟؟
فغدا الواقع إبن الخيال أو الخيال هو من أنجب الحقيقة لتكون حقيقة؟
كلها تساؤلات وتخمينات سنكتشفها تباعا ونحن نقرأ بكل عمق وإعجاب , لهذا الروائي الذي يخوض مغامرة الكتابة بكل جراءة وثقة في النفس.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------
حكاية مصري عندي هي حكاية كل المصريين وكل العرب ولم تتقوقع في محليتها رغما 
عن أنها انطلقت من قرية مصرية , وما اشبه قرانا العربية ببعضها,
وما أشبه مصري بعلي وبعبد الله التونسي المصري وغيرهما
’إن هذه الرواية الراقية من حيث الطرح الإنساني حد النخاع , لن تتقادم مع مر الأزمنة عليها بل بالعكس سنجدها متجددة مع كل زمان وكل جيل وكل قارئ وحتى كل دارس,.
إلى رواية جديدة أخرى من كتابة وتأليف ونسج كاتبنا الممتاز الدكتور عاطف عبد العزيز عتمان , الذي أراه من الأن أديبا روائيا كبيرا يستحق كل التقدير والتشجيع , من كل من سيقرا باكورة أعماله (حكاية مصري)
الإعلامية الأديبة والشاعرة التونسية أميرة الرويقى 


نبذة عن الإعلامية أالشاعرة التونسية أميرة الرويقي 

___________________________________________________________
عملت كصحفية منذ أكثر من عشرين سنة بصحف كثيرة تونسية أبرزها جريدة الأنوار والعمل _الحرية _ والشروق والمصور وغيرها كثر....
الصحف العربية راسلت الكثير منها كجريدة الشرق الأوسط ومجلة سيدتي والكفاح العربي 

ومجلة فن والقدس العربي والزمان وكان لها عمود قار بجريدة الأضواء التونسية 

أجريت لها أحاديث صحفية كثيرة كشاعرة وإعلامية كجريدة العرب والقدس العربي والزمان وغيرها , كما اجريت لها أحاديث إذاعية وتلفزيونية وأبرز هذه الأحاديث كانت مع إذاعة صوت العرب وكان حديثا أدبيا رائعا ناقشت فيه الأدب النسائي الذي كان ومايزال لها فيه موقفا معروفا برفضها لتصنيف الأدب وأن الأدب فعل إنساني في المطلق,
أسست جريدتان,
البرقية التونسية اليومية الإلكترونية السياسية الثقافية الجامعة وجريدة الموعد الجديد , الورقية الاسبوعية و تشغل بهما _المديرة المؤسسة والمسؤولة ورئيسة التحرير 
_________________________________________________________
الدواوين الشعرية التي صدرت لها
__________________________________
أول من قدم لها ديوانها الأول (اوراق من دفتر العشق ,) كان الأديب شيخ الأدباء الأستاذ محمد العروسي المطوي الذي قال في الشاعرة اميرة الرويقي _لديها معجمها اللغوي الخاص بها حين تكتب الشعر لا تقلد احدا ولا تتبع أحدا بل الادباء هم من يتبعون أديبتنا وشاعرتنا أميرة الرويقي,
_ديوانها الشعري (الانسان الاله ) قدم له الناقد التونسي المعروف الدكتور الاستاذ الجامعي كمال عمران, الذي قال في أهم فقرة بمقدمته لديوانها_ أن الشاعرة المبدعة التونسية( اميرة الرويقي ) تضيف للمدونة الشعرية التونسية وحتى العربية متميزة باسلوبها مؤكدا أنها تثري المدونة الشعرية بكتاباتها الحداثية الرافضة للكتابة النمطية بل هي تخترع لها كتابة خاصة بها وتؤسس لمدرسة شعرية حداثية ,
_(حديث الروح) كتابها الأدبي النثري الذي يرقى الى أرقى درجات الشعر , هكذا قال عنه الدكتور عبد القادر بلحاج نصر في مقدمته له كما أبان قائلا_اميرة الرويقي _( الأديبة 
.الاستثناء), مضيفا _ عندما تؤسس أديبتنا للصراع, تستخدم عبارات من أجمل ما عرفت اللغة العربية ومن أشدها نفاذا الى النفوس , وتاثيرا على المشاعر,.
أميرة الرويقي كاتبة من طينة تختلف عما عرفنا من اللاتي كتبن ونشرن وإشتهرن في الأوساط الادبية والثقافية , إنها أديبة متميزة وقد فرضت نفسها أسلوبا ومحتوى, وإستطاعت أن تتخذ لنفسها منهجا مميزا مكنها من إفتتكاك مكانة مرموقة بين المبدعين وإنها لجديرة بذلك,.
_دمية الشمس _ ديوانها الشعري الذي استهللته ببيتين رائعين للشاعر الفارسي الكبير عمر الخيام _ الدهر ما صافى امرئ كلا وكم اردى من عاشق ومعشوق _ الخ,, وكانت هي المقدمة , أرادت لديوانها أن يقدم نفسه للقراء,
_ديوانها الشعري _ الملحمة_ (حرائق) _قدم له الدكتور توفيق السبعي الباحث والناقد 

والمؤرخ للأدب الأندلسي أدبا وتاريخا,




وها هى تكتب مقدمة لرواية حكاية مصرى  وكما تقول ..قدمت لتلك الرواية  حاملة بين جنباتي حبي الكبير للأدب وإعجابي بهذا الاديب الذي يأتي الساحة الأدبية بخطى ثابتة ويحمل في جرابه الكثير من الأفكار والمعاناة والأمل في غد عساه يكون أفضل.
رواية تبشر بأديب جديد ينضاف إلى قافلة الأدباء العرب, ولكنه يتفرد بمعاناته وبكتابته الشفافة حد الوصول الى حدود الشمس , شمس الحرية الساطعة بالحقيقة.
تونس العاصمة 23مارس 2013











                             الباب الأول

            الفصل الأول  ...تحت شجرة الصفصاف


على ضفاف النيل الخالد وتحديدا على الشاطئ الغربي لفرع رشيد وقبل المصب بحوالي 100 كم وفى مطلع العام 2011 ...
ومع شروق الشمس في يوم سماؤه صافية

تحت ظل شجرة الصفصاف وبعض غصونها يمتد ويتدلى ليشرب من ماء النيل

 ونسمات الصيف البحرية تعزف أنشودة الحياة على أوتار الأشجار ..
تداعب الغصون والأزهار فضلا عن الأوراق.... وتلاعب الخيال والأفكار ..
كانت شجرة الصفصاف تلك الشجرة الكبيرة شاهدة على مكنون صفحات تاريخية عديدة ..
شجرة الصفصاف شجرة عجيبة .
ورقها ليس بالعريض ولا خيطي فهي وسطية... وسر رونقها أنها وسطية..
لونها لون ما بين الخضرة والصفرة فيعطى اللون الأخضر الفاتح  مما يدخل على النفس البهجة والسعادة ..
ظلها ممتد ومع إمتداده لا يحجب ضوء الشمس ولا نسائم الحرية ...شجرة يحتوى لحائها على مسكنات طبيعية تسكن الآلام وتقي من الجلطات الدماغية .....لأنها شجرة أسبرينية


العصافير تغدو خماصا تبحث عن الحب وتسبح بحمد الرزّاق رب البرية ...
تحوم يمينا ويسارا مغازلة سنابل القمح الذهبية تحاور وتناور من أجل حبة قمح شهية تسد جوع الرعية .......

وعلى اليمين النخلة عمة البشرية .
 شامخة أبية وشاهدة على جزء من تاريخ الإنسانية
 وصغيرتها تتمايل لتشرب من ماء النيل شربة  هنيّة ..
وترسل رسالة أن النخلة الشامخة  والممتدة الجذور فى أعماق الأرض   متواضعة  أمام عظمة النيل الخالد..

صوت خرير الماء يحكى جزء من تاريخ النيل الخالد بحنينه وأنينه بأفراحه وأتراحه.
 وموجات الماء صارت مويجات و مويجات من طول المشوار وعناء السفر وكثرة المعوقات الغبية  ....
مويجات تتهاوى يمنة ويسرة تبحث عن الوصول إلى رشيد التاريخية ...
حيث يلتقى البحران عذبه وأجاجه ويتعانقان بحرارة وإشتياق.
 حيث يتلاقى الحبيبان بعد طول فراق وبعد رحلة بحث طويلة .بين هموم وغيوم ..
 بين ألام وآمال ...
سعت الموجات ومن بعدها المويجات أن تجد الطريق حيث أحضان الحبيب المشتاق ...
عانت من سدود وسدود ومرت في الظلمات وفى النور وبحثت في اليمين وفى اليسار ولكنها لم تتوقف يوما عن المسير لتستقى العشق من شفتي  الحبيب المشتاق ...

تاهت فى بعض الأحيان وأبطأت المسير فى أحيان أخرى ولكنها أبدا لم تتوقف عن السير تجاه الأمل المنشود ...

تبكى المويجة النيل العليل من المخلفات  الآدمية  .
وتشكوا للتاريخ وتبكى على الأطلال .
أطلال النيل الذي كان يشفى العليل ويبرئ السقيم ويروى الزرع ويخصّب الأرض ويلون التربة بخضرة نضرة ندية........
كان الماء والسماد والدواء ..... ..
فعكر صفوه أهل الداء ..
فصار يشكوا مظلوميته للقاصي وللداني
ويئن من مخلفات المصانع وصرف المجاري وطغيان ورد النيل الذي أوشك أن يحجب عنه الشمس والهواء ويكتم أنفاسه فى محاولة يائسة بائسة لقتله ولكنه النيل العصي على السنين رغم الأنين  ..
ومع كل هذا مازال النيل واسع الصدر ومازال قادرا على غسل أثار العدوان وإحتواء الإعتداء ..
مازال حلمه سابق لغضبه وصفائه غالب على عكره وقوته مسيطرة على ضعفه ..

هناك على مرمى البصر يقف التاريخ ممثلا فى جسر النيل ذلك الحارس الأمين ....
حارس الموجات وحامى الفلاحين قبل أن يتولى السد العالي مهمة التأمين ...
الجسر الترابي الذي كان الحصن الحصين .
كان يحمى الفلاحين ويحتضن النيل فى الفيضان فيكون الصدر الحنون والحارس الأمين على الموجات والمويجات حتى تصل إلى أحضان الحبيب المشتاق
وفى طريقها تنشر الخير والنماء تسقى وتروى العطشى وتهدى الحيارى وتغير لون الأرض....

وتبدو خيوط الشيخوخة واضحة فى ملامح الجسر ويترك التاريخ بصماته على جبين الجسر المهموم بهموم الموجات وأنين السنين ....
وعلى شاطئ النيل الغربي كانت أشعة الشمس الدافئة تداعب وجه مصري الخمري ..
وتشع الدفء فى قلبه الوردي ..

وكانت خيوط النمل البرى تسير من بين قدميه تحمل هموم العيش وترفع أوزانا أكبر من أوزانها الخفيفة وتعلن التحدي والتصدي لعقبات الأرض ومصاعب المعيشة ...

       مصري ...

شاب من أرض مصر فى منتصف العشرينيات  من العمر ...ملامحه مصرية بامتياز.
 بشرته الخمرية وشعره الأسود المعتدل لا هو الخشن ولا الناعم الذي ينساب على جبه الوجه .
وجسمه المعتدل فى الوزن والطول وعيناه العسليتان  الحانيتان الحالمتان  تنمان عن ذكاء ممزوج  ببحور من الحيرة والقلق.
 وتلك الحسنة السوداء أسفل أنفه جهة اليمين وكأنها شامة الحسن فى وجهه..
وتلك الشفتان الباسمتان فى وجه الغريب قبل القريب ..
قسمات وجهه تعبر عن الطيبة المصرية والحيرة الإنسانية والكرامة المهدرة المنسية ..

يحب الوحدة والتأمل أحيانا كثيرة ..
قاسى على نفسه وأحيانا يجلدها بقوة بسياط الحقيقة ...
يشعر بالغربة أحيانا مع كثرة الخلان والأحبة ومع ميله للوحدة إلا أنه اجتماعي من الطراز الأول ..
كثير الأصحاب متشعب العلاقات وقد ساعده على ذلك مرونته ومقدرته على التعامل إرتفاعا وإنخفاضا مع كافة المستويات الفكرية والإجتماعية ..
هادئ الطباع فى الغالب ولكنه فى أحيان أخرى عصبي المزاج  يثور مع موجات البحر الغاضبة ..

يكره الظلم مع عشقه أحيانا للظلام ..
محب للنور ومرتبط بالنهار
حالم طامح واسع الخيال
يحمل على كتفيه همومه وهموم الأنام..
عاطفي رقيق القلب قريب الدمع ...
ولكنه فى عنده صلب مغوار ...
قمة سعادته فى اللحظات التي يجد فيها نفسه .
 ونفسه عند غيره ......
فدعوة من محتاج تجعله يملك الدنيا وما فيها وكلمة تقدير لمجهوده  تجعله يواصل الليل بالنهار
عيناه دائما ناظرتان للجمال ..
يكره القبح ويعشق الخيال

مصري بإختصار شديد
هو كل الفصول فى وقت واحد..
كل فصل فى أوانه
مع أننا فى زمان تأكل فيه فاكهة الصيف فى الشتاء
 مثقف ..متنوع الفكر والمشارب...
 ضالته الحقيقة ومبدأه الحق...
دائم البحث عن نفسه وعن الحقيقة ..
من أسرة مصرية بسيطة تمتلك قطعة من الأرض ما بين الجسر والنهر ومنزل صغير فى القرية  ...
عاطفي وغارق فى الحب حتى النخاع ...
حبه من نوع  يبدو غريب .
فالحب عنده ليس هذا الشعور الذي يربط ذكر بأنثى ولكن الحب عنده هو الحياة .....
مصري صاحب الكتاب ونادم الصحف والأخبار وعشق الشعر و الخطباء ..

تحت شجرة الصفصاف وفى ظلها الفضفاض الذي يمتد ليشمل القلوب قبل الأجساد..
ومع لونها الأخضر الزاهي الذي يطابق لون هالته المغناطيسية

  داعبت المويجات أحلامه وأيقظت ألامه وأماله من سبات ليس بالعميق لأن نفسه دائما كانت متمردة مغامرة تهوى الإستكشاف والغوص فى الأعماق ...
يعشق الجوهر ولا يلتفت كثيرا للمظهر البراق

أمسك مصري بالقلم بين إصبعيه  لأنه شعر أنه يريد أن يكتب ...
عن أي شيء يكتب ولما يكتب وإلى مدى سيظل يكتب ...؟؟
ملأ  القلم حبر من مداد الذكريات ....
مصري كان يستمع للإذاعة من محموله الصيني الصنع عالي الصوت متعدد الإمكانيات ضعيف الجودة قليل العمر وهو شاهد عيان على الغزو التجاري لوطن محزون و محروم لا يجيد إلا أن يصبح سوق  للغث وللثمين ..
ليس له باع إلا فى الأخذ ويده التي تعطى أصبحت مصابة بالعجز تارة وبالشلل تارة  أخرى ..
مع أن تاريخها مشهود بين أهل المشرق والمغرب ولكن أبنائها  وقفوا عند كتب التاريخ وعجزوا عن تستطير صفحات الحاضر وعن التخطيط للمستقبل ...
كان التليفون الصيني العجيب والتقليد مصدر تقليب المواجع والفواجع  على مصري.
 فتذكر القطن المصري الأصيل فى تاريخ ليس ببعيد...........
وكيف أصبح طويل التيلة منزوع القيمة ..
تقاذفت المويجات ذاكرة مصري وعادت به سنوات وسنوات إلى الطفولة البريئة إلى بداية الرحلة التي لم يختارها ولكنه وجد نفسه يسير فيها ..
صحيح أن السير كان بإرادته الحرة تحت الإرادة العليا لرب البرية ولكن بداية الرحلة لم يكن له بها مشيئة ...إنها رحلة قدرية ..مرسومة ومعلومة الحدود والأبعاد عند من يملك الكتاب
 ومع قدرية الرحلة  يتصفحها ويخط سطورها بإرادته الحرة

بداية رحلة البحث عن المحبوبة .
محبوبة غير كل المحبوبات .محبوبة تشمل حبيبات وحبيبات..
وقبل أن ينفصل مصري عن الواقع ليغوص في بحور الذكريات
وليخرج مكنون نفسه التي ضاقت بما تحوى من أسوار وأسرار ...
نظر مصري فوجد مويجة مرتفعة لبعض الشيء وبطيئة الحركة إلى حد ما كأنها لا تريد أن تغادر من أمام عينيه
وشم لها رائحة غريبة منافية لنواميس الطبيعة التي تقرّ أن الماء لا لون له ولا طعم ولا رائحة .....
رأت عين مصري هذه المويجة غير كل المويجات لها رائحة مميزة وحركاتها غير تقليدية وشكلها مختلف مع إنسيابية طبيعتها التكوينية ...
رآها حائرة هائمة ومع حيرتها تواصل المسير .
.يبدو بصرها زائغ هنا وهناك ولكنها لا تنظر للخلف مطلقا وتواصل المسير ..
رآها حانية عاشقة ومع عشقها تأبى إلا أن تفارق شط المعشوق ...
نظر إليها بعمق فرأى وجهه معكوس على ضفتي خصرها وكأنها مرآة ...
نعم مرآة ولكنها غير كل المرايا فهي لا تعكس المظهر ولكنها تغوص فى الأعماق وترسم صورة صادقة لمكنون النفس وبنات الأفكار..

 رأى مصري فيها ماضية وحاضره وحاول من خلالها إستشراق مستقبله وإستكشاف قابل أيامه ...
كيف لا ولمصري تاريخ مع مويجات النيل وخاصة عندما تعانق الموج فى موعد اللقاء ...
إنها مرآة عجيبة وكل أمرها غريب .
تحتاج لمهارة لسبر غورها وقراءة الصورة التي أظهرتها..
هناك علاقة ما نشأت بين مصري وهذه المويجة بالذات
 علاقة غير معلومة الأبعاد وغير خاضعة لقوانين العقل والمنطق المجردة
قد تبدو علاقة غير منطقية ولكنها حقيقية ..
علاقة الذات بالذات والنفس بالنفس ..
ربما تكون كعلاقة الروح بالجسد...
هل تجمعهما صدفة فى قابل الأيام ....؟
وهل للمصير المشترك بينهما مكان فى دفاتر الزمان ...؟
من شدة إرتباط مصري بالمويجة ورائحتها والتي شم فيها رائحته ورأى فيها نفسه ...
سمى المويجة العجيبة..... مصرية......
لأنه شعر أنها جزء منه وتحمل رائحته ويئن ظهرها بحمل همومه وأحلامه  ويبدو أنها تسير فى نفس الطريق  طريق الوصول ......!!!!!
وذكّرته بمصرية الغائبة الحاضرة ...
تلك الحورية التي سلبت الفؤاد وسكنت الوجدان
أين أراضيك  يا مصرية ....ألم يحن بعد موعد اللقاء ..؟
وجرت على لسانه الحروف وتراقصت الكلمات


طال الفراق....
زاد الهجر عن الحدود......بلغ الشوق مداه...
القلب موجوع.....والنبض مفزوع....
والنوم مهجور....
                       حبيبي
أين أنت.....؟         لن أقبل الأعذار...
لن أرضى بالإعتذار....   ولن تكفيني الأمطار....
جفت العينان...      .ومللت الإنتظار...
وسئمت البعاد..
                    حبيبي
أين أنت.....؟     أعيش على الذكريات....
أتنفس التنهيدات...كاسات وكاسات....
                  حبيبي
والله......تالله وأيم الله....طال الفراق...

 ودّعت مصرية مصري  وواصلت المسير تجاه المصير ..

سارت فى طريقها المحتوم حاولت أن تعاند إتجاه السير وتستدير لترجع تلقى نظرة الوداع على المحبوب  ..
لتعانقه وتودعه ..لتعطيه القبلة الأخيرة لتنظر إليه النظرة الأخيرة ...
ولكن هيهات هيهات ..
فالمصير محتوم والطريق مرسوم والأقدار نافذة ....
ظلت رائحة مصرية وشكلها ومشيتها فى وجدان مصري ...
مسك مصري بالقلم وفتح الدفتر وحاول اللحاق بمصرية من خلال السير للتاريخ ...والغوص فى أعماقه
سافر بعيدا...بعيدا.....بعيدا  ...
ذهب بعيدا حيث عبق التاريخ ورائحة الماضي ....
وبدأ القلم يسطّر أول فصول الملحمة ...
ملحمة مصري من تحت شجرة الصفصاف على ضفاف النيل الخالد ......











                            -2-
                         الفصل الثاني

                         ليلة رعدية
                                  



رجعت الذاكرة بمصري إلى ليلة رعدية من ليالي الشتاء القارص فى بداية التسعينيات  من القرن العشرين ...
فى إحدى قرى الريف المصري المطلة بوجهها الباسم على ضفاف فرع رشيد ..
حيث البيوت إما أنها طينية أو مبنية بالطوب الأحمر ومسقوفة  بالأخشاب والطين ...وقليل منها مسقوف بالأسمنت والحديد..

وحيث الكهرباء فى الشتاء غالبا ما تنقطع باليومين والثلاثة.
 فهم فلاحين بسطاء من ركاب الدرجة الثالثة الترسو
 وليس فيهم ألئك المهمين من أصحاب النفوذ والرنين...

قرية الفردوس
قرية  فى الريف المصري وهى فعلا فردوس بموقعها الذي يطل نهر النيل
 ويكون  سحر النيل هو المنظر الأول التي تراه العيون فى الصباح وخاصة أن الشمس تشرق بأشعتها الذهبية على سطح النيل فى الصباح  فتنعكس الأشعة الشمسية بلونها الذهبي على صفحات الماء فتسحر نظر الناظر وتخلب قلب العاشق وتفتح بحور الخيال ..

الفردوس قرية ريفية تعتمد على الزراعة وتربية الماشية ويعتمد ساكنوها فى  طعامهم على منتجات الألبان ومنتجات  الحقول من حبوب وخضراوات  وعلى الطيور المنزلية التى تربى بكل منزل وتتغذى على الحبوب وبقايا الطعام وما تجود به الأرض من حشائش و عشبيات

خبزها هو الخبز البلدي المخبوز فى هذا الفرن المصنوع من الطين والذى يستخدم الخشب والحطب فى تشغيله  فيعطى للطعام مذاق  خاص ...
ويتنوع الخبز فيها بين ذلك المسمى قديدا أو العيش الناشف  وهو الشعبي والأرخص تكلفة  والأطول عمرا لأنه يحفظ جاف ويستخدم أيضا لعمل الفتة سواء باللبن أو الشوربة تحت طبق الأرز ...
وهناك البكاكيم أو القرص المعمولة من الدقيق الأبيض والسمن الفلاحي وهذه أكثر تكلفة وتعد من الرفاهية وتستخدم فى الإفطار أو فى سحور رمضان إبتهاجا بالشهر الفضيل ..
ناهيك عن الرقاق والفطير المشلتت وهذه أغذية المناسبات .
سكان القرية معظمهم من الفلاحين وقليل من العمال والصيادين
تربطهم علاقات جيرة أو مصاهرة أو قرابة ...

يوم الجمعة هو عيد القرية حيث تجتمع العائلة على الغداء بعد صلاة الجمعة وفى الغالب تكون غدوة دسمة تستضيف إما من اللحوم أو البط أو الدجاج ولربما تجود البنية
-البنية برج صغير منزلي للحمام-
بزوج أو زوجين  من الحمام ....

أفراح القرية مميزة ..يميزها التكافل الإجتماعي وما تسمى بنقطة العريس وهى أموال يتم جمعها من المدعوين وتسجل فى كراس كل حسب المبلغ الذي دفعه وتعتبر دينا يرده العريس للدائن فى مناسباته المختلفة وتميزها الوليمة ويقوم بها طباخ مهنته أكل الأفراح وتركز على اللحوم والحلويات...

الفردوس قرية متدينة فطريا بعيد عن الغلو و الإفراط أو التفريط..
تفرح وتعلو الزغاريد والأغاني
وقلما يقوم أحد بإحضار عوالم لأن ذلك غير مقبول فى عرف الفردوس ومن يفعلها يكون ساقط من نظر الكثيرين
 حتى المقهى الموجود بالبلدة لا يرتاده سوى العاطلين والمنحرفين ..

والكوارث أيضا فى الفردوس لا تخلو من التكافل فأعز ما يملك الفلاح هي جاموسته أو بقرته..
فلو كسرت الجاموسة أو مرضت تذبح ويتم توزيع لحمها على سكان القرية بمقابل مادي حتى يتم جمع ما يعين الفلاح على شراء حيوان جديد .
فالجاموسة هى مصدر للغذاء وللأموال من  ببيع منتجات الألبان ..
هى من تقوم بحرث الأرض وريها ..هى روح الفلاح ...
وفى أخلاقيات الفردوس فى هذا الزمن أنه فى حالة حدوث وفيات
يحضر الجميع الجنازة ويصنع الأقارب والجيران الطعام لأهل الميت وللمعزين الغرباء ويكون العزاء بمنزل المتوفى إلا فى حالات نادرة
فعلية القوم يحضرون  الفراشة  و المقرئ ويقيمون سرادق العزاء

أما العامة فكانوا يكتفون بصوت الشيخ محمد رفعت أو الطبلاوى ليقيمون عليه العزاء فى حوش المنزل وأمامه
وكعادة الدنيا لا تخلو من المنغصات
فالفردوس فيها من الجهل والمشعوذين وفيها خلافات وصراعات بسبب الإنتخابات من أول العمودية حتى مجلس الشعب ..
فهي قرية فى هذا الوقت تعيش إيجابيات وسلبيات المرحلة ......

فى تلك الليلة الرعدية شديدة البرودة والممطرة مطرا ثلجيا كحبات الملح الصافية.
 كان الأطفال يخرجون رافعين أكفهم لينالها شيء من الثلج يتقاذفون به ويلعبون ويمرحون سعداء بالظاهرة قليلة الحدوث ....

أقبل الظلام والكهرباء غائبة والحياة تنتهي فى الريف عقب صلاة العشاء ...
دخل مصري بيته المكون من ثلاث حجرات وصالة .حجرتي نوم وحجرة جلوس بها الكنب العربي وحديقة بها شجرة من العنب تعطى الفاكهة كل عام وتغطى بظلالها الوارفة سطح المنزل فتلطف من حر الصيف ..
وتعطى عش اليمام الذي يتكون كل عام بين فروع وأوراق العنب بعد أن يغزله زوج من اليمام  ليبيض اليمام بيضتين تخرجان يمامتان صغيرتان ..
تنتظرهما الحاجة فاطمة أم مصري من العام للعام حتى يكبرا وقبل الطيران تذبحهما وتضعهما فى برام أرز باللبن فى الفرن البلدي الذى يشتعل بالحطب
 فتختلط عطور وروائح الأخشاب حطب المزروعات الجاف من ذرة وقطن  بالأرز وبداخله اليمام لتكون وجبة سنوية مميزة ...

وإلى جوار شجرة العنب توجد شجرة الجوافة وعن يمينها شجرة الليمون ..
فالليمون ومشروبه بالسكر كان الدواء من نزلات البرد وكان التابل المشهي لطبق الشوربة أو المرق كما يحلو تسميتها وكان العصير الطازج للضيوف الأعزاء فقط .ولغيرهم كوب من الشاي

الحاجة فاطمة
أم مصري سيدة ريفية بسيطة سمراء الملامح متوسطة الطول سوداء الشعر معتدلة القوام متوسطة الجمال فائقة جمال الروح والطباع
 كانت تصغر زوجها بحوالي 40عاما لم تخرج من الحياة سوى بمصري
فهو قرة عينها ولكنها كانت شديدة عليه شدة التربية والحرص على خلق رجولة مكتملة الأركان  ....
كانت أمية ولكنها لم تكن جاهلة..
 كانت تحاول أن تربى مصري على القيم والأخلاق الفطرية بعيدا فلسفة الفلاسفة وكلام المتكلمين التي لا تجيده بكل تأكيد ..
فلم تقرأ فى كتب علم النفس التربوي ولم تستعين بأخصائيه فى التربية.
 إنما تعاملت بالفطرة النقية التي فاقت فى أحيان كثيرة فلسفة المتفلسفين ..

فرد الليل ستارة من الظلام على القرية والمنزل ودخل الحاج منصور
 ذلك الشيخ الكبير صاحب اللحية البيضاء والوجه المستدير والأنف الفرعونية المميزة بكبرها نوعا ما والشعر الذي كساه الشيب  والوقار الفطري والبشرة البيضاء والعكاز الخشبي المطعمة قبضته ببعض العاج.
 ويرتدى على رأسه الطاقية الفلاحي    المصنوعة من الصوف  وفوقها عمامة بيضاء وعلى كتفه عباءة سوداء وهو فى السبعين من العمر وكل حلمه الوصول بمصري لبر الأمان وحمايته من غدر الزمان ..
  فسأل عن اللمبة ولماذا لم توقد ..
فردت الحاجة فاطمة أن الكيروسين والمسمى بالجاز آن ذاك غير موجود .
نادي الحاج منصور على مصري ..وأعطاه خمسون قرش وجركن فارع وقال له أذهب إلى عبدا لرازق البقال.
 وأحضر 2لتر جاز للمبة  ..
وكان البقال فى الريف أحيانا يملك برميل كبيرا ليبيع من خلاله الجاز..
خرج مصري وعلى رأسه  طاقية تحمى رأسه من المطر ويلبس حذاء بلاستيكيا ذو رقبة طويلة كأحذية رجال المطافئ لتحميه من أوحال الطريق كانت تسمى فى الريف بالجزمة الميري ..

الحاج منصور....
 فلاح مصري يمتلك قطعة من الأرض مابين جسر النيل وشاطئه وتزوج ثلاث مرات وله من الأبناء سبعة  .
سابعهم  هو مصري الطفل الصغير الذى أنجبه وهو على مشارف العام السبعين وباقي الأبناء ثلاثة من الذكور وثلاثة من الإناث أصغرهم يكبر مصري عشرون عاما ..
الحاج منصور  كان له الدور الأول فى بناء هذه الشخصية .
شخصية مصري فمع ما يحكى عن شدته وقسوته فى التعامل مع سائر أبنائه كان نبع حنان صافى لمصري ..
ويبدو أن الحاج منصور قد شعر أن رحلته قد أوشكت على النهاية
فحاول تعويض الصغير حرمان اليتم المبكر
 فأغدق عليه من عواطفه وصب عليه الحنان صبا لدرجة أن مصري كان يلازمه كل حالاته .
ومع هذا الفيض من الحنان تعامل الحاج منصور مع مصري على أنه رجل وأكبر من سنه فكان له الأب والأخ المحروم منه مصري بحكم فارق السن على الأقل مع إخوته الذين كان  لدي بعضهم من الأبناء من يكبره  بسنوات.........
كانت الهواجس تملأ وجدان الحاج منصور خوفا على صغيره من ظلمات الحياة ومن بعض من إخوته الذين لا يظهرون به ترحيبا فى حياتهم ...
ربما هي الغيرة من حنان الأب ...
ربما لعبة المواريث.
ربما هي طبيعة غير الأشقاء وتعدد الأرحام يؤدى إلى التنافر  ...
وكان الأب دائما يستحضر قصة يوسف عليه السلام وإخوته .
ويخشى على مصري من المستقبل المجهول .
تأخر مصري فى إحضار الكيروسين والمسمى بالجاز فلبس الأب حذائه وخرج باحثا فى ظلمات الليل عن ضياء عينيه والذى  بدونه تكاد أن تظلم نتيجة المياه البيضاء التي أصابت عينيه    ..
خرج يتحسس فى الظلام ويسأل من يقابله هل رأيت مصري ؟؟
 وإذا به بصوت بكاء طفل  بجوار  أحد جدران المنازل ..!!!
إقترب الحاج منصور من مصدر البكاء فإذا هو مصري وقد أغرقت دموعه ملابسه وطغت ملوحة ماء البكاء على عذوبة ماء الأمطار.....
سأل الرجل إبنه ما يبكيك ولماذا تأخرت؟ فبكى مصري وأخبر والده أن الخمسون قرشا  قد وقعت منه وأنه خاف أن يعود للمنزل بدون الجاز ..
إحتضن الأب مصري وذهب للبقال  وأحضر الجاز وعاد لبيته هو ومصري والأم قلبها ينفطر قلقا على تأخر الصغير ...
فلما رأته نزلت عليه ضربا بالمقشة ..
والمقشة هي الأعواد الفارغة مكان بلح النخل وكانت تستخدم فى النظافة المنزلية  وفى الضرب أحيانا وتأديب الصغار
وتعتبر صائدا جيدا للفئران .فبسبب تعدد أفرعها تؤدى ضربة واحدة لشل حركة الفأر ويسهل القضاء عليه بضربات متتالية ....
الحاج منصور دافع عن صغيره ونهر الأم ودخل بمصري الغرفة
وأشعلت الأم اللمبة الجاز نمرة عشرة وكان هناك لمبة أصغر نمرة خمسة وكانت هناك الساهرية .
تلك اللمبة الصغيرة جدا التي تضاء أثناء النوم  وتظل ساهرة تضيء المكان ..

كان مصري مرتبط بالأب بشعور غريب
 كان يستغنى عن أي أحد أو أي  شيء إلا الأب ..
هل كان ذلك إحساسا بأن الأب قد إقترب موعد سفره النهائي ..؟؟
أم بسبب حنان الأب الذى غمر به صغيرة أم بسبب الصداقة التي صارت بين الأب وإبنه ربما كل هذا ..!!!!
والأهم أن مصري منذ طفولته كان يحب أن يجالس الكبار وينادم من هم أكبر منه سنا ...

زاد هطول الأمطار وإشتد البرد فى جوف الليل وبدأ سقف البيت يتشبع بالمياه وبدأت بعض القطرات تسقط من السقف داخل البيت
فقال الحاج منصور
يا فاطمة ضعى بعض الأوانى مكان القطرات التى تسقط من السقف
فقامت أم مصري بإحضار بعض الأواني ووضعها مكان سقوط القطرات حتى تحمى الأساس البسيط من التلف بسبب القطرات المتسربة من السقف الخشبي ....
وأوقدت موقد للتدفئة وهو عبارة عن قطعة من الفخار بداخلها بعض الكوالح وهى الفارغ من أكواز الذرة .
وتشتعل الكوالح حتى تتفحم وتكون مصدر لمحاربة قسوة البرودة وتصبح دفاية بدائية صنعتها أيادي مصرية .
ومرت الليلة ببطيء كحال ليالي الشتاء المظلمة الباردة
ونامت الأسرة فى أمان
وأسدل التاريخ ستارة على تلك الليلة ....والجو ساكن فى القرية لا يعكر سكونه سوى صوت الأمطار وضجيج الرعد وأضواء البرق الذي تكاد تخطف الأبصار...........





                              



                               
                       الفصل الثالث

                         .الرحيل

                            
بدأ الليل يجر ستائر الظلام ..
وبدأ الخيط الأبيض يمارس السيطرة على الخيط الأسود لينبئ بقرب حلول الدفء النسبي من أشعة الشمس الشتوية ..
وها هو الديك يصيح ليكتب بداية صفحة جديدة فى كتاب الحياة وينهى صفحة مضت وأصبحت رقما فى سجل التاريخ الحافل بالصفحات ........
الحاجة فاطمة هي أول من يستيقظ فى البيت مع آذان الفجر وظهور الخيط الأبيض الأول للنهار.
تجلس على السرير وتوقظ الحاج منصور ..
الفجر يا حاج ..
وتبدأ الحياة تدب فى المنزل ومن ثم فى  القرية ..
يذهب الحاج منصور للجامع ليصلى الفجر فى المسجد بعد أن توضأ بالماء الذي  سخنته له زوجته  على وابور الجاز ....
تتوضأ الحاجة فاطمة مما تبقى من ماء وضوء زوجها ..
تصلى الفجر وتكنس البيت وتفرغ الأواني من آثار ماء المطر المتسرب من سقف المنزل
 وتخرج لحظيرة الطيور فتطعم الطير ثم تدخل حظيرة الماشية فتحلب الجاموسة وينهمر اللبن  فى الطاجن الفخاري  ثم تأخذ من الحليب ما يكفي الإفطار ويبقى طاجن اللبن ليوضع فى الغرفة الطينية الصغيرة المحكمة الغلق والمخصصة لحفظ اللبن  حتى يتحول للبن الرايب
 وتطفو القشطة على سطح الطاجن ويتم نزعها ..يحتفظ بجزء منها  ويتم تحويل الباقي إلى زبد فلاحى طازج  ..
وتشرق الشمس بأشعتها الذهبية ويعم شيء من الدفء فى أعقاب ليلة باردة شديدة البرودة....
توقظ فاطمة مصري وتدعوا زوجها لتناول الفطور
تضع الفطور على الطبلية الخشبية المستديرة
- ويبدوا أن عبقرية الفلاح المصري هي من إخترعت الطاولة المستديرة -
والفطور عبارة عن كوب من اللبن الطازج و طبق من القشطة وطبق من المش والجبن القديم الذى أكله الملح فى الزلعة
.-والزعلة هي ذلك الإناء الفخاري الذى يتم وضع الجبن فى المش بداخله -
وبعض أرغفة من العيش المخبوز يدويا فى ذلك الفرن الطيني العجيب الذى يضفى مذاقا على الطعام لا يوصف بالكلمات ولا تجد إلا كلمة اااااااالله تجرى على لسانك وأنت تلتهم ما يخرج من هذا الفرن .
تلك الكلمة التي تنطلق تلقائيا عقب تزوق أي طعم مميز أو عند رؤية جميل  اااااااالله ..

  وتبدأ مشكلة كل يوم  فمصري لا يحب اللبن والأم تصر على تناول كوب اللبن وتكره سماع كلمة لا أحب  اللبن.. تخشى على حد فهمها زوال النعمة وتطالب صغيرها أن يقول بدلا من ذلك اللبن هو الذي  لا يحبني ....
لم تكن هناك ألفة بين مصري وبين كوب اللبن سواء كان اللبن هو السبب أو مصري هو المسؤول ..

يلبس مصري ملابسه ويأخذ عشرة قروش ويذهب لكتاب الشيخ حسن ليسير خطوة فى سبيل تحقيق حلم والديه بحفظ القرآن ...
وكعادة أهل الريف فى هذا الوقت يعتبر الكتاب هو الخطوة الأولى للتعليم ويعتبر القرآن هو الدرة التي تزين جبين العائلة التي يوجد فيها حافظ للقرآن ..

الشيخ حسن ...
صاحب الوجه النحيف والقامة القصيرة واللحية الخفيفة البيضاء والملامح الصارمة ..
شيخ كتاب القرية ومحفظ القرآن يبلغ من العمر ما يقارب عمر والد مصري ...
كان مشايخ الكتاب والمدرسين فى ذلك الوقت يعتمدون على العصي والتخويف والفلكة ..
و الفلكة قطعة أسطوانية من الخشب مربوط حبل فى طرفيها يتم إدخال رجل المذنب مابين الحبل والخشبة ويتم لي الحبل حتى يحكم القبضة على الرجل وتعتصر الرجل بين الحبل والخشبة ويبدأ الضرب بالعصي .....
والحبل حبل تيلي خشن. ربطه على القدم عقابا فى حد ذاته .
الشيخ حسن كان يملك فلكة كبيرة وعصى غليظة ...
وكانت العشرة قروش  تشترى قرطاس من لب عباد الشمس أو قطعتي حلوى أو إصبعي طباشير للكتابة على سبورة الكتاب ...
حفظ مصري قدر كبيرا من القرآن قد يصل للنصف أو يزيد...
وكان أجر الشيخ حسن خمسون قرشا  فى الأسبوع تسمى الخميس نسبة ليوم الخميس الذى يحصل فيها الشيخ على  الأجر ..
وفى يوم من أيام الخميس  أخذ مصري الخمسون قرشا.. خميس سيدنا ..-وسيدنا لقب يلقب به الشيخ المحفظ - ولم يذهب للكتاب وظل يلعب حوله ويركب المراجيح  حتى أنفق الخميس
وأخبر بعض الأطفال الشيخ حسن بما يفعله مصري فأرسل كتيبة من الأطفال حملوه عنوة على الأعناق  إلى الشيخ الذي أعد العصي الغليظة والفلكة وتم لف الحبل حول قدم مصري وأكل علقة لم يأكلها حرامي فى مولد لدرجة أن أقدامه لم تعد قادرة أن تطأ الأرض من التورم والألم ..
وكان هذا اليوم يوم قطيعة مع الكتّاب لسنوات وسنوات.
أخطأ مصري ولكن العقاب كان مؤلم وقاسى بدرجة كبيرة  ....

كان مجتمع القرية فى ذلك الوقت مازال متمسك بالتقاليد الريفية والتواصل المجتمعي والتكافل و التراحم فى الكوارث والنوازل وكان أيضا يعانى من الجهل والسحر والشعوذة والعصبية وهضم حقوق النساء وخاصة فى المواريث ...

مرت ليالي وأيام وجاء العيد الأضحى المبارك وكان الحاج منصور حريص على ذبح الأضحية عقب صلاة العيد وأن الفطور يكون بعد الإنتهاء من توزيع اللحم على  الفقراء والأقارب والجيران وأن يكون بجزء من كبد الأضحية ...
لبس مصري لبس العيد الجديد وكان فى غاية السعادة وأخذ يحوش  فى العيدية من الأهل والأقارب ..
ونقود العيد من الربع والنصف جنيه والجنيه و  كانت جديدة ومغرية ....
إصطحب الحاج منصور مصري لزيارة الجيران والأقارب والتهنئة بالعيد
 وإشترى مصري الحلوى والبالونات وكان يوما سعيدا زار خلاله إخوته و أعمامه و أخواله و كل الجيران و الأقارب ....
وفى عصر يوم العيد توفى أحد الفلاحين وكان هناك مسعود 
مسعود...
 شخص نحيف بارز عظام الوجه خفيف شعر الرأس ولكنه يملك حنجرة خصائصها لا تتناسب مع مظهره إطلاقا كل طموحة شيء مفقود أو مناسبة عامة أو حالة وفاة ينال من خلالها عملا يدر عليه بعض المال ليسد به إحتياجاته اليومية ..

مسعود هو منادى القرية يمر فى شوارعها بصوته الجهوري راكبا حماره الأبيض النحيف ويضع يده اليمنى على أذنيه لربما ليضبط إيقاع الصوت ليخبر أهل القرية بميعاد أو وفاة أحد أو شيئا مفقودا ....
جاء عصر يوم العيد لينادى مسعود على وفاة أحد أهل القرية وأن الجنازة ستكون بعد صلاة المغرب ......
وكعادة الريف آنذاك تجمع كل أهالي القرية عقب صلاة المغرب لدفن المتوفى وكل يحمل لمبة جاز أو كلوب وهو جهاز إضاءة يعمل بالجاز أيضا ...
وبعد صلاة العشاء إصطحب الحاج منصور مصري معه للعزاء مع كونه طفلا فى الثامنة ولكنه كان يعامله على أنه رجل ويريده أن يقتحم الحياة ....
مرت أيام وليالي وكان مصري يتمنى لو يكون عندهم تلفزيون بالبيت فكان عدد أجهزة التلفزيون  بالقرية معدود على أصابع اليد الواحدة ...
وبعد إلحاح  إشترى الحاج منصور جهاز تلفزيون أربعة عشر بوصه أحمر اللون  وكان بالنسبة لمصري ذلك اليوم هو يوم العيد الحقيقي ....
يتابع من خلاله مسلسل السابعة وبرامج الأطفال
مرت الأيام والليالي بحلوها ومرها ..بحنينها وأنينها
وجاء يوم فارق فى تاريخ مصري ....!!!!


إستيقظ مصري على صوت منزعج من أمه وفتح عينيه على حالة من القلق والحزن تكسو أرجاء البيت. وإخوته وبعض الأقارب موجودين ..
علامات الدهشة والإستغراب كست قسمات وجه مصري وأسرع إلى أمه متسائلا  فيه إيه ؟
أجابت الأم أبوك تعبان  والدكتور عنده فى الغرفة ...
نزلت الكلمات كالصاعقة على نفس مصري وسبب الصاعقة ليست كلمات الأم ولكنه القلق والحزن الذى يطل من وجوه من بالمنزل وكأن الأمر خطير وليس مجرد عرض بسيط
خرج الطبيب من الغرفة وإصطحبه خالد الأخ الأكبر لمصري وخرج معه ودخل مصري الغرفة فى لهفة وشوق يسارع الأنفاس
فالنائم على السرير بالداخل ليس الأب بالنسبة لمصري لكنه الحياة بكل معانيها ...
تلقف الأب صغيره بنظرة حانية وهو نائم  على السرير وعلامات التعب والإرهاق ظاهرة على وجهه
جلس مصري إلى جوار رأس أبيه يقبله وتدمع عيناه ويرى شبح الفراق يراود خياله ويتذكر مداعبة أبيه له عندما كان يذكر أنه سيموت ويتركه كان مصري يصرخ سأمسك بخشبة النعش وسأدخل القبر معك .........ياااااااااااااالله
 ما أقساها من لحظات لا تمر ...
وما أشد إعتصار القلب من شدة الألم ..
خلا  البيت من الناس بعد أن رجع خالد بالدواء ولم يتبقى فى البيت سوى الأب الذى أوشك الرحيل والطفل الذى يفوق الحدث قدرته على التحمل والإستيعاب  ..
والأم الباكية على الحائط الذى يوشك أن يهدم ..
تبكى على من ينوى الرحيل وتبكى الصغير ومستقبله الملغوم ..
ونادي الحاج منصور على مصري فجاءت الزوجة فطلب منها أن تحضر مصري وفقط ...
جاء الجسد ممثلا فى مصري مسرعا لتلبية نداء روحه الممثلة فى أبيه ..
نعم روحه فقد كان أبيه كل شيء بالنسبة له
طلب منصور من مصري أن يسنده حتى يدخل الحمام ..
سند مصري أباه وكان له السند الأخير فى اللحظات الأخيرة  حتى دخل الحمام وتبول وهو واقف وأرجله لا تكاد تحمله ويداه ترتعشان وجسده ينتفض ووجهه مصفر ويكسوه العرق ..
بكى مصري على حال أبيه وإشتد البكاء وعلا النحيب .
نظر الأب لصغيره بحنان المهاجر قهرا وقسرا  عن الأحبة وطبطب عليه بحنان لو وزع على الخلائق لكفاهم ونطق كلمته الأخيرة ...
أبى اللسان بعدها إلا أن ينعقد ويسكت عن الكلام ...
قال لا تبكى فأنت رجل وخلى بالك من أمك ..
كانت الكلمات الأخيرة فى عمر تجاوز الرابعة والسبعون عاما
كانت الوصية والنهاية وعقد اللسان بعدها وتوقف عن الكلام وكانت الجملة الأخيرة بمثابة كل الكلمات
 وكانت تلك الكلمات هي نهاية مرحلة طفولة مصري  ...
مكث الحاج منصور ثلاثة أيام معقود اللسان على فراش الموت يصارع الرحيل ..
يطلبه عزرائيل ويلح عليه ويقول حان وقت الرحيل والأب يتشبث بالحياة من أجل صغير يهواه
ويخشى عليه الأمواج فى بحر الظلمات ويخاف الذئاب فى  ليل الغيطان..
روح الأب تنزع شيئا فشيئا والقلب ينبض متمسكا بالحياة  ..
ولكن هيهات هيهات....
فعزرائيل لا يقبل الأعذار ولا يرق قلبه للأطفال وليس بإستطاعته تأخير ما كان قد قدر على العباد ...
أشفقت الأم والأقارب على الصغير من هول الفاجعة فنقلوه لبيت أحد إخوته بعيدا عن حالة أبيه ...
مرت ليلة طويلة على الحاج منصور وأطول على مصري وأشرقت الشمس من يوم الجمعة الأخيرة من شهر سبتمبر سنة 1991 .
أشرقت حمراء باكية تتساقط  دموعها على جنبات الكون ويسمع أنينها القاصي والداني أو هكذا رآها مصري ...
كان هذا اليوم يومه هو
وكانت الشمس شمسه هو وكان كل الحزن والألم ملكه هو .
وفجاءة ظهر صوت مسعود وما هو بمسعود
 بل هو فى هذا اليوم متعوس بتعاسة ألحقها بالقلب الأخضر الذى إصفر وشاخ قبل الأوان بأوان ...
نادي مسعود بوفاة الحاج منصور ..
وتحجرت الدموع فى عيني مصري ووقف متصلبا حيران ما بين نفسه التي تئن و تصرخ .
وقلبه الذى يقطر الدم وينفطر من الحزن  وأوصاله التي ترتعد و  ترتجف
وما بين الوصية والجملة الأخيرة لأبيه الراحل الباقي ..
الراحل من دنيا الراحلين الباقي فى نفوس العاشقين وأولهم وأولاهم مصري
--قال لا تبكى فأنت رجل --
تلك الجملة المفتاحية التي شيبت قبل المشيب وأنهت مرحلة قبل أوانها وبدأت بأخرى مبكرا عن موعدها ...
وقفت الدمعة حائرة فى عين مصري تأبى النزول فتخالف الوصية
وتأبى الرجوع للعين فتزيد سخونة مشاعره التي تكاد  تكوى قلبه ...
ويتحرك اللسان ليحل الإشكالية وينطق مصري
 الله يرحمك قلت خليك راجل ولا تبكى فلن أبكيك وسأكون كما عهدت إلى...
 الله يرحمك ...
وفاضت العيون المجاورة لمصري من زوجة أخيه والتي سمعت كلماته فهزت القلوب وزلزلت الأرض من تحت الأقدام ودارت الأرض بالجميع 
 النحيب يعلو والنواح يزداد والأرض تبكى هزة والسماء تظلم فجأة  والشمس فى كبدها تنتحب  وزادت الشمس من بكائها المكتوم ...
ولكنه القدر المحتوم .
وتابع مصري نعش أبيه من بعيد وهو محمول على الأكتاف ومتجه للسفر الأخير ..سفر بلا عوده ...
وفراق بلا لقاء
والناس ملتفة حول النعش وروح مصري الممثلة فى والده بداخل النعش والمشهد الأخير ونظرة الوداع الأخيرة
 لم يتحكم مصري فى عينه ففاضت بالبكاء وإنهمرت الدموع  وعلا الأنين وأوشكت الشمس على الغروب وفى عينيها الدمع يسيل ويسيل
ولكنها نهاية كل شروق ...لابد  من الغرووووووب
ومن بعد الغروب شروووووووق

                             الباب الثاني

                         الفصل الأول  ..

                       صراعات عائلية


أشرقت الشمس من جديد فى يوم جديد.
وهذا ديدنها قد تغيب وقد تحجبها السحب وتعاندها الغيوم وقد تعانى الكسوف للحظات أو الإحتجاب لساعات ولكنها أبدا لن تغيب لا ليلا ولا نهار...إلا فى اليوم الموعود
فهي باقية بقاء الحياة
 صامدة صمود الجبال الرواسي .
فهي السراج المنير ومصدر الدفء الأمين لا تختفي ولا تخفت جذوتها حتى اليوم الموعود يهرب منها جزء من الأرض أحيانا ولكنه ما يلبس أن يشتاق إليها  بعد سويعات قليلة . ..

مرت ليالي وأيام ومصري يحاول أن يتغلب على أحزانه وإنهمك فى الدراسة وكان الأستاذ أحمد مدرس الابتدائي شبه متبني لمصري ويجعله يحضر دروسه مع التلاميذ الأعلى منه فى المرحلة السنية.
الأستاذ أحمد ...
 كان شخصية طيبة حنونة كان ممتلئ الجسد ومميز بنظارته  الكبيرة والتي يطلق عليها قعر الكوب من باب الدعابة ..
 وكانت قسمات وجهه القمحية تبشر دائما بالأمل ..
الأمل المقترن بالعمل والإصرار على النجاح .
وكانت تربطه صلة قرابة بعائلة مصري وكان معجب بذكاء مصري الواضح وتفوقه فى دراسته ...
وساهم كثيرا فى تنمية مهارات مصري اللغوية  وكان أهم ما يميزه الحنان الأبوي الذى نقله لوجدان مصري فى مرحلة كان فى أمس الحاجة لذلك..
وكان له أثر ملموس فى وضع اللبنة الأولى فى شخصية مصرى
لأنه كان شمعة مضيئة فى ظلمات الدنيا الكثيرة ....
الأستاذ أحمد يقول لمصرى ..
يا مصرى  حدد هدفك وإرسم طريقك وإعلم أن المشوار طويل وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا ...
كانت تلك الكلمات هى الطاقة التى تشحن بطارية مصرى كلما إنخفض مخزون الطاقة لديه ...
 الحاجة فاطمة تغيرت كثيرا بعد وفاة الحاج منصور فأصبحت الأم والأب فى آن واحد وحاولت المزج بميزان حساس بين الحنان والعطف والشدة المطلوبة لإحسان التربية
 وإنتهجت منهج المشاركة فجعلت من مصري زوجها وإبنها وأخيها ..
أصبح بالبلدي راجلها...
 بل أصبح الماء الذى تحيى به فلم تخرج من الدنيا التي عاندتها كثيرا إلا بمصري فلذة كبدها ومهجة فؤادها ونور عينيها......
لا تشبع حتى يشبع ولا يغمض لها جفن حتى ينام وتستيقظ من الليل لتغطيه بعد أن تتعارك قدماه مع الغطاء فتطيح به بعيدا ..
جعلت من حضنها الدافئ سريرا ومن رموش عينيها الحانيتان غطاء ..
ومع كل هذا الحنان وهذه العين الزمزمية التي تضخ الحب بلا إنقطاع ولا تنتظر مقابل ولا تحسن ولا تجيد سوى العطاء ...
كانت حاسمة قاسية أحيانا أو هكذا تحاول أن تبدوا حتى تقوّم السلوك وتصلح الإعوجاج وتضع العلامات الإرشادية الفسفورية على الطريق حتى لا يضل مصري أو يتوه ..
كانت إذا قست عليه يوما تحبس دموعها حتى تختلي بنفسها فتسح الدمعة وراء الدمعة.
 وتلوم نفسها على ما كان يبدو وكأنه قسوة ولكنه حزم التربية لامرأة أضحت بين ليلة وضحاها الحامي والعائل والأب والأم  ..
نعم كان حنانها وقسوتها عينا زمزمية ..
نبع فطرى صافى .
رحمة من فيض الرحمن ..كان نبع حبها لما شرب له .
.حب يربى ويهذب السلوك ..حب يحث على التدين والأخلاق  حب يقوم ويقسو أحيانا ....
ولما لا وقد كانت عينا زمزمية .....
تختلى الحاجة فاطمة بنفسها ...وتفكر فى واقعها ومسؤوليتها تجاه ولدها وتقلق على المستقبل التى تصارع أمواجه وحدها دون دعم أو سند إلا من الله
تفرج همها بدمعة أو صرخة فى سجدة يا الله ....

فى تلك الفترة ..
حدثت صراعات أسرية وحدث ما كان يخشى منه المرحوم منصور وتصارع الإخوة الغير أشقاء حول الميراث وأمور أخرى من صراعات نفسية ومشاعر كراهية لا يجد لها مصري مبرر أحيانا فهو الطرف الأضعف  ولا يملك من مفاتيح القوة هو وأمه سوى الحق والرغبة فى الإستمرار ...

كان المرحوم منصور دائما ما يحذر مصري أن يتناول شيء من أي من إخوته خوفا عليه منهم أو أن يستمع لأحدهم أو أن يختلي به أحدهم
فكان يخاف عليه سما فى طعام ..أو غدر فى خلوة  وهذه الأمور تركت  أثرا فى مصري لبعض الوقت وإستغرق بعض الوقت حتى ينفك من قيودها
 فكان لا يأكل خارج المنزل ودائما فى نفسه هواجس وخوف وقلق وخاصة من بعض إخوته ..

إنقسم إخوة مصري لمحايد حيادا سلبيا  ولمعادي شديد العداء
وكانت قمة الصراع هو ما فعله شديد  أحد إخوة مصري الكبار
شديد ..
الثلاثيني العمر الشاحب الوجه غليظ الحاجبين الأصفر اللون صفار باهتا كمن يعانى مرض الصفراء
كان عنيفا حاد الملامح وجهه متجهم
عصبي المزاج لدرجة تفوق أي إحتمال طويل نحيف تبرز عظام وجنتيه و يطل العنف والكراهية من خلال شهيقه وزفيره بإختصار كان كاره لنفسه  ..
كان يجلس ليحدث نفسه ..لماذا تزوج أبى وأنجب هذا الطفل ؟وما سر حنانه المفرط والذي لم أشعر به يوما ما ؟
لماذا كان قاسيا على ..وجاء هذا الطفل ليشاركنا الميراث ....

وفى ليلة من ليالي الشتاء الباردة ومصري على السرير غارق فى النوم إذا به يفزع نتيجة صوت إنفجار عالي إتضح أنه صوت كسر باب المنزل فزعت الحاجة فاطمة وتصلبت رقبتها من الفاجعة وفقدت النطق لبعض الوقت ..
وإذا بشديد يدخل المنزل ويصعد بآلة حادة على السطح ويحاول هدم السقف على رأس مصري وأمه
ويعلو الغبار وتتطاير الشظايا هنا وهناك  وبعض الإخوة الآخرون والجيران يحاولون اللحاق به وإنزاله وينزل شديد وهو فى حالة هياج ويدخل غرفة مصري وهو جالس على السرير ويشعل النار فى السرير و يطفئ باقي الإخوة النار من خلفه ويحاولون السيطرة عليه
 وكانت هذه إحدى حلقات مسلسل تهجمات شديد
التي إستمرت مناوشاته إلى أن جاء يوما حاول ضرب أرملة أبيه

وأمام هذا المشهد وإهانة الأم أمام نظر مصري لم يتمالك نفسه وثار الدم فى عروقه وحمل سكينا وحاول الدفاع عن عرينه وكرامته وكانت المرة الأولى التي يتواجه فيها مصري مع أحد إخوته وكان عمره آنذاك الثانية عشر تقريبا وكانت نقطة فاصلة فى حياة مصرى  تحول فيها مصري لبطل مسرح الأحداث ونحى أمه جانبا ليحميها من غدارات الزمان ومكر اللئام  فى زمان صار الظالم ضحية والمظلوم جاني  ...
وجلس مصرى يتأمل السكين ويبكى الأخوة الضائعة  والكراهية التى لا يفهم  مصدرها فى ألم وحنين ...وبكت الحروف والكلمات مع أنينه
فقال ...
تلقيت الخنجر فى ظهري..خنجر مسموم يا قلبي ..
خنجر تلو خنجر..مات الألم يا نفسي ..
وما أشد الطعنة فى ظهري..
نظرت إلى السماء...فإذا قمري بالغيم محجوب..
وإذا نجمى بالهم محزون ..تراقص أمام عيني خنجر..
إلتوى حتى أوهمني أنه قمري...
خدعت  منه   ....خدعت فيه..
فيا بصري ..أمن سراب تهوى وترتشف....
الحب كاسات وأوهاما ...
بحت له وهمست فى أذنيه..وتركت الدنيا ونمت على ضفتيه...
حكيت ...  بكيت  ..   شكيت ..
همي وآلامي ..
وبحت فى أذنيه بكل أحلامي ....عشت الوهم ..
بين معسول الكلام ..وإبتسامات ظننتها صادقة ...
ومن سويداء القلب منبتها....فإذا بها غدرات وحسرات...أعطيت الأمان ..وغفت العينان..
ونام القلب على الأغصان..وإذا بالقمر المزعوم يطعنني...
طعنة فى الخصر آذتني ..وأخرى فى العين أبكتني..
والثالثة فى القلب أدمتني..سرى السم فى جسدي ..
سريان النشوة فى الحب..فأنساني السم أنساني ..
طعنات الغدر والحقد..وألام الطعن واللعن....
تمدد الجسد ...وسرى السم فى الأحشاء
قطعها ....ورأت العينان قاتلها..
وظهر الخنجر الدامي..
ورأت الروح ما عجزت.....عن إدراكه العينان..
رأت تاريخا أسود الصفحات..أقنعة الغش فى خريفها تتهاوى...
كسقوط الورق عن الشجر...ويظهر الوجه القبيح بأمه..
وينكشف زيف القول والكلم..ويظهر الخنجر المسموم ..
منقوع فى السم بالعسل ....لا هو قمر ولا بالحب مغمور....
هو خنجر أسود وإن حاول الكذب..
وفاضت الروح إلى باريها..فاضت مجروحة بطعنات..
ومدرجة بالجراحات...تعانى السم فى العسل...
فاضت إلى الرحمن تشكوا...خناجر السم والحقد....
فيا روحي إهدائي....و يا روحي إسكنى ..
فعدل الله لن يغب...ونامى قريرة العين....
فرب العرش غضبان...وأسمع قسم الجبار...
من علياء..
لأنصرنك يا روح المظلوم...فإسكنى الجنات....
ولو بعد حين...
فعدل الله آتى...فعدل الله آت آتى....



                    

                          الفصل الثاني ..

                   ناصر وحلم الوطن الكبير


    فى هذه الفترة كان مصري بطبيعته محبا للخطابة والقراءة وهاويا لمتابعة السياسة
 وساهم حفظه لقدر من القرآن فى طلاقة لسانه وبلاغة بيانه ...عشق الكتب وتابع الجرائد وخاصة المعارضة منها
حفظ مصري خطب الزعيم الراحل جمال عبدالناصر منذ الصغر وكان متيما بجمال وبحلم الوطن العربي الكبير وفكرة القومية مع أنه لم يعاصر عبدالناصر ولا الإتحاد الإشتراكي ولم يكن عضوا فى التنظيم الطليعي ولكنه عايش حب عبدالناصر فى قلوب الفلاحين الذين تملكوا أراضى من الإصلاح الزراعي  وتخلصوا من سطوة الإقطاع وسيطرة رأس المال وذل الإستعباد فكان ناصر لهم هو المخلص ...
فعاش ناصر فى قلوبهم ومات وهو فى قلوبهم .
مات جسدا وما زال يعيش روحا وفكرا ومشروعا

عايش حب عبدالناصر فى قلب جلال ..
 العامل بمحلج القطن القريب من القرية وكان جلال ناصريا حتى النخاع وكان شخصا يمتلك قدرا من الثقافة ومؤمن إيمان عميق بالتجربة الناصرية وعاشق لجمال عبدالناصر حتى التطرف أحيانا فكان لا يسمح بحرف يسيء لناصر فى وجوده..
جلال.....
 ذلك البنيان الضخم وصاحب هذا الشارب الأسود المميز والذي يعتني به عناية خاصة
ومع وجود الشعر الأبيض متناثرا فى شعر رأسه إلا أن شاربه كان شديد السواد ...
كان شاربه على شكل جناحان عن اليمين واليسار من الأنف كأنها خريطة الوطن العربي من محيطه إلى خليجه .
كان حلم جلال هو حلم ناصر... الوطن الكبير لكل أبنائه
كان مصري يستمع لجلال وهو يحكى عن مجانية التعليم وعن بناء السد العالي وعن حرب ستة وخمسون ودور جمال فى حرب ثمانية وأربعون وكرامة المصري التي كانت مصانة فى العالم الخارجي
وعن مساكن الإسكان الشعبي وعن إنحياز جمال للفقراء والمهشمين
ومشروع الدولة التي بدا ظاهرا فى المصانع والمشروع النووي وحلم الوحدة العربية
وعن إغتيال جمال عبدالناصر  إن لم يكن بالسم فبالحسرة وإحتراق القلب
 وعن وفاته فقيرا لا يملك إلا الكفاف وعن جنازته المهيبة التي بكاه فيها المصريين بصدق وحرقة
جلال حزين على عدم إكتمال مشروع عبدالناصر وضياع الحلم ..ويعتصر قلبه من الألم كثيرا عندما يشاهد ما يعتقد أنه تزوير للتاريخ وتشويه للحقائق
وتنكر لناصر وفكرته ..بل أحيانا عداوته وعدم رؤية سوى عيوب مرحلته ..جلال يحلم بإعادة إنتاج المشروع القومى والسير على خطى ناصر ..

ربطت الصداقة وصلة القرابة بين جلال ومصري مع فارق السن بينهما فكان مصري فى الثالثة عشرة وجلال فى الأربعينيات
ولكن مصري كان يملك عقلا يفوق سنه وجسمه ويستمتع بمجالسة الكبار ....
وجمعهما حب جمال عبدالناصر..وحب مصر ..
                                                  
فى الريف لا توجد فسح ولا أماكن ترفيه ويكاد يكون لعب الكرة فى الشارع هو المتنفس الوحيد
وتوجد مناسبة سنوية تستمر حوالي الأسبوعين وتنتهي بالليلة الكبيرة  تعتبر فسحة العام
وترفيه من السنة للسنة
هذه المناسبة مرتبطة بتلك المساحة الشاسعة المحيطة بهذا المقام التاريخي على أطراف القرية  الذى ينسب لأحد الصحابة ممن هاجروا وإستوطنوا مصر ويقام له إحتفال سنوي
تكون فيه حلقات الذكر  وألعاب الأثقال  والنيشان والمراجيح
والدراويش ومظاهرهم الغير معهودة بالقرية إلا فى ميعاد المولد وفى هذه المناسبة
..وتوجد الألعاب السحرية والحاوي بالإضافة للحلويات والحمص والهريسة ..
وها هي صواني الطعام تخرج من البيوت لتذهب إلى أرض المولد ليأكل الدراويش وعابري السبيل
صواني مستديرة من الألمونيوم تعلوها أبرمة الأرز وتحملها النساء فوق الرؤوس ويظهر الدجاج المحمر أو ذكر البط من أعلى الصينية تراه العين بوضوح وتشم الأنف الرائحة التي يسيل من حلاوتها اللعاب وتشعر الشبعان بالجوع .
أجواء إحتفالية تكسوها الفرحة وتسرى عن الفلاحين فى سهرات مبهجة عناء العام من زراعة وحصاد وحرث وري ...
مصري كان يذهب للمولد ويدخل يستكشف تلك القبة الأرابيسك .داخل قبة المقام والتي من المفترض أن جثمان الولي يرقد فيها
جلس مصري يراقب ما يحدث داخل المقام
هناك من يهمس للخشب الأرابيسك وكأنه يناجى الولي الصالح ويبثه همومه ويتمنى أمنياته وفى النهاية يلقى بقطعة من النقود فى صندوق النذور...

وهذه المحرومة من الإنجاب تأتى للولي لتنذر النذر وتطلب الولد .
وهذا طالب جاء يطلب النجاح وهذه عانس جاءت تشكو العنوسة
وهناك ذلك الرجل العجوز صاحب اللحية البيضاء الطويلة والوجه ذو البشرة شديدة البياض المختلط بالحمرة
 والتي لا يكاد يظهر منه شيء بسبب كثافة شعر اللحية والرداء الأخضر والشال الأخضر والمسبحة الخشبية الغريبة من حيث الشكل وعدد حباتها والناس يلقبونه بالخليفة ويسعون لنيل البركة بلمسة و تقبيل يديه .
وهذه المجذوبة التي تتمرغ فى أرضية المقام وتتمتم بكلمات غير مفهومة وحركات غير مألوفة
مصري لم يتقبل هذا المنظر ولم تألفه نفسه فخرج من المقام ليتجول فى المولد فقابل إثنين من  زملائه محمود وعلىّ
محمود الفتى الأسمر خفيف الظل نحيف الجسد طيب القلب هو صديق لمصري ويجلس جواره فى المدرسة
وعلى ذو البشرة البيضاء والجسم الممتلئ وصاحب القفشات والهزار العنيف أحيانا  يجلس بجوارهما ويأخذ نصف المقعد وحده ..
وتبدو بشرة مصري وجسمه هو الحالة الوسط بين محمود وعلى ..
أخذ الأصدقاء يتجولون فى المولد وبدأوا يتسابقون فى لعبة النيشان وفاز مصري وجاء عليه الدور حتى يختار هديته وهى صورة من مجموعة من الصور للمشاهير ولاعبي الكرة والفنانين
عيني مصري تقلب فى الصور وتمسك يده واحدة بعد واحدة وعيناه حائرتان وكأنهما تبحثان عن ضالة ...؟
وبعد عناء فى البحث إلتقطت أصابع مصري صورة مختفية بين صور المشاهير والمطربين ..
أمسك مصري بالصورة وتفحص ملامح وجه صاحبها وعاش مصري لحظة داخل شموخ الصورة
أمسك مصري بالصورة وإختارها من بين كل الصور وأصدقائه ينظرون إليه فى تعجب وحيرة !!!!
ويسألون ما هذه الصورة التي  إخترتها  ...!!؟
يرد مصرى ..

إنها صورة الهرم الرابع ....
إنها صورة النيل المتدفق عبر الأراضي والعصور..
إنها صورة جمال عبدالناصر ...
نعم جمال عبدالناصر الذى كان يراه مصري أنه هو الحلم والأمل..
كان يرى مصر مكتوبة بين عينة والأمة العربية مطبوعة على جبينه
كان يحلم بجواز سفر عربى يركب القطار من القاهرة فيذهب ليغسل قدميه فى المحيط ويعاود الكرّة فى القطار ليصل للخليج فيسبح على شاطئه ...
يأكل اللحم من السودان ويأخذ الغاز من قطر ويرسل القطن والقمح  للسعودية ..

تعجب الأصدقاء لإختيار صديقهم بل سخروا منه مداعبين ...ماشى يا عم السياسي الكبير
وإنتهت السهرة بنصف كيلو هريسة أكله الأصدقاء وظلوا يتعاركوا على الفوز بنصيب الأسد من الهريسة وأوشك الليل على الإنتصاف وتفرق الجمع كل إلى بيته ...

دخل مصري بيته يحمل الصورة وهو سعيد بها وبحث عن مسمار وشاكوش وثبتها فى غرفته فكانت صورة جمال عبدالناصر التي يراها مصري صورة وطن هي أول ما تراه عينيه كل يوم ...
جمال عبدالناصر كان صاحب كاريزما وكان يجيد الخطابة لفظا ونبرة وتعبيرا وإحساسا...
كان يمثل لمصري ..الرجولة والشهامة والإنتصار للفقراء والمهمشين ..
جلس مصرى يحلم بتلك المهرة العربية ..التى يركبها ويزور بها كل البلاد العربية ..رسمها فى خياله وأخذ يحدثها




مهرة عربية  مهرة سمرا...مهرة بيضا...مهرة حمرا...
ولا صفرا  كأشعة الشمس الذهبية..الأكيد إني مهرة عربية..فأصلى عربية..
عزيزة وأبية...بالحسن موصوفة...وبجمالي مغرية...سبحانه من صورني..
ومن جماله إدانى..وبعشقي خلاني..
تموت النفوس فيا..وزيني لخلقه....
وللنفوس حببني..وجعلني فى السلم زينة..
وفى الحرب جنية..والنبي سليمان ..
من حسنى حياني..ده أنا مهرة عربية..
لا شرقية ولا غربية...عزيزة وأبية ..
كرامتي تاج رأسي..وعن الذل مستغنية..
وبالحرية معنية..لا سلاسل تقيدني ..
ولا قيود تحددني ..ده أنا مهرة عربية..
عزيزة وأبية..أنا شرف العربي..
وهو ناسى وكل إلى ليه....
عروسة مستنيا.....ومهري هو الحرية....
لا حدود بتمنعنى..ولا تأشيرة يعنيا..
جواز سفري عربي...وتأشيرتي مهرة عربية...
فى المحيط أبل رجليا..وفى الخليج أعوم أنا يا عنيا..
ده أنا مهرة عربية..عزيزة وأبية..
من فاس أنادى..فين هوه خيّالى..
وأعدى وأنا جيّه..على بلد المليون هدية...
مليون شهيد للحرية...وبعدها على الجنّة المنسية..
على تونس..على سوسه...وعلى الجبين أديها بوسة...
ومن طرابلس لبنغازي....طريقي لإسكندرية.....
وأقول وأنادى .....يا  قلعة  .. يا  متحف...
يا مرسى  يا شط إسكندرية...
وألف وأدور ..وأروح وأجي ..
أدور على الفارس ..أدور على خيّالي..
فين هوه يا خالى ..فين هوه خيّالى..
وجانى حنين..وكان الأنين....
وفى مكة ناداني ..حنيني وأشواقي ..
وطفت بالبيت..ولبيت ودعيت....
ودرت ولفيت....وعلى حالي بكيت...
وإشتقت للزيارة.....طيرت بجناحاتى....
على مدينة محبوبي....حطيت أنا رحالي...
وسلمت على سيدي....ورد الحبيب التحية ..
وبلغني السلام والتحية لخيّالى إلى مستنياه عنيه...
ومن الرطب كلت ودعيت...ونسيت..ونسيت....
 إني من زمزم ما إرتويت....رجعت تاني على مكة....
ومن زمزم رويت ...عطش السنين والحنين..
وعلى بغداد أنا جيت...وعلى الرشيد بكيت...
وعلى المعتصم ناديت..وصهيلي رجع تاني..
صدى أنين فى ودانى..وعلى دمشق أنا عديت..
وصهيلي على وناديت...فينك يا خامس الخلفاء...
فينك يا عمر ...فينك يا ريحة الفاروق...
العدل بعدك غاب..والناس عايشه فى غاب...
ده أنا مهرة عربية ...عزيزة و أبية..
آه يا حمص آه يا حماه....
آآآآآآه دم ولادك  ....طرطش  على توبى..
هزّ قلوبي..ده أنا مهرة عربية
عزيزة و أبية..
فينك يا صلاح الدين..فينك يا سيف الدين..
فينك يا خيّالى.....
ونهاية المشوار.....بعد هنا وهناك....
هتكون هناك ....على عتبات القدس..
سير وأنا أسير ...على الأقصى الأسير..

لما يجى خيّالى ....فينك يا خيّالى...
فينك يا إلى فبالى..دا أنا مهرة  عربية ..
عزيزة  وأبية...

كان ناصر حلما جميلا لم يكتمل
ولكن جثمان ناصر رحل عنا وبقى ناصر فى قلوب عاشقيه  وفى ذاكرة التاريخ ..
بقيت مدرسة فكرية تسمى الناصرية وهكذا أصحاب الفكر تموت أجسادهم وتبقى الأفكار والأعمال فيخلدون عبر التاريخ



























                      الفصل الثالث

                     .....مصرية .....



فى هذه المرحلة تفوق مصري فى الدراسة وكانت الجائزة هي معسكر لمدة أسبوع بمدينة رشيد وفى البداية رفضت الأم هذا المعسكر خوفا على مصري وخاصة من البحر وبعد إلحاح من مصري وأصدقائه محمود وعلى اللذان سيذهبان معه فى نفس المعسكر وافقت الأم على مضض...

وكانت المرة الأولى التي يبتعد فيها مصري عن عيون الحاجة فاطمة لمدة أسبوع كامل ..
إستلف مصري حقيبة  سفر من أحد أقاربه وبدأ يرتب أغراضه ..
ملابسه    فرشاة الأسنان .. شبشب
 بعض قصص رجل المستحيل التي كان يحب قراءتها
 كوب وملعقة وطبق...
مصري طالما حلم بهذا اليوم
حلم  برؤية اللقاء   لقاء  النهر بالبحر...
أتم مصري ترتيب الحقيبة  وهو سعيد ويحلم بيوم السفر ويحلم برشيد التي سمع عنها فى كتب التاريخ ورأى اللقاء الرائع للحبيبين النيل والمتوسط على الخرائط فقط ..
حان الوقت ليرى القبلات والأحضان بين النيل والبحر ويسمع التنهيدات ويشعر بالأشواق بعيدا عن الخرائط والخيال
جاء يوم السفر
 وإستيقظ مصري فى الفجر حتى يلحق بالأوتوبيس مبكرا  ...
وحانت اللحظة الفارقة التي لم تحدث من قبل ...
لحظة فراق السمكة لبحرها ولمدة أسبوع كامل.
 كانت لحظة صعبة تنم عن عمق الإرتباط بين الأم ومصري وكاد يضيع الحلم وتتراجع الأم عن موافقتها بسفر مصري لولا طرقات الباب من محمود وعلى يستعجلان مصري ..

خرج مصري مع أصدقاء الدراسة وخرج قلب الحاجة فاطمة من بين أضلعها وظل على تلك الحالة طيلة الأسبوع


كان أوتوبيس الرحلة يجمع المكرمين من كل مدارس الإدارة وكانت فرصة للتعارف وخلق علاقات جديدة .
وما بين تبادل الحديث والمداعبات والتعرف على بعض  مرّ الطريق ووصل الأوتوبيس إلى المدرسة مقر المعسكر مدرسة أم المحسنين  والتي تطل على فرع رشيد أحد مصبي النيل فى المتوسط
توجد مدرستين متجاورتين إحداهما للبنين والأخرى للبنات
وفصول المعيشة كل فصل به ثلاثة من الأسرة لثلاثة طلاب وعلم مصر يرفرف عاليا فوق المدرستين تارة بهواء النيل
 وتارة برياح البحر والمحصلة أن العلم يرفرف شامخا على أهم ثغر تاريخي لمصر المحروسة

وبدأ أسبوع المعسكر بتناول طعام الغداء ثم الراحة
وبالليل كانت ندوة دينية بمسجد المدرسة بدأت بشيخ من مشايخ الأوقاف يحدثنا عن سيدنا إسماعيل وأمه هاجر المصرية وكان الشيخ نموذج لحالة التردي التي تعيشها الأوقاف والتي تسيطر عليها الأجهزة الأمنية وتستبعد كل المخلصين والمثقفين وأصحاب المنهج وتحتفظ بالتائهين والمتلعثمين والمنفّرين حتى ينفض الناس من حولهم ..
كان أشبه بمشايخ الدراما وأطيعوا الله والرسول وأولى الأمر منكم ..
كان مصري يشعر بالملل من كلام الشيخ الجاف وخطابه الغير ممتع وفى نهاية الندوة وقبل سرد برنامج المعسكر من قبل المشرفين ترك فضيلة الشيخ فرصة لطرح الأسئلة وبدأ زملاء مصري  يسألون فى أمور يراها مصري نمطية وجافة من قبيل كيف ضرب إسماعيل الأرض لينفجر زمزم هل ضرب بالقدم اليسرى أم اليمنى وجاء الدور على مصري ليفجر القنبلة !!

نعم فجر قنبلة غيرت مسار برنامج المعسكر وتسببت فى إلغاء الندوة الدينية التي كان من المقرر أن تعقد ثلاثة أيام  فى هذا الأسبوع عقب صلاة العشاء ...
ما هي هذه القنبلة التي فجرها مصري؟؟

 هي سؤال للشيخ عن حكم الإسلام فى مواقف الحكام العرب تجاه المسجد الأقصى وفلسطين ...طين....
 ومع خروج حرف النون وقبل إنتهائه إنتفض الشيخ وطوي صفحات الكتاب التي كان يتلجلج وهو يقرأ منه ولم يعلق بحرف وإنصرف وحوله مشرفي الرحلة وإنفض الجمع ومصري يراقب فى ذهول ما يحدث
 وبدأ القلق يتسرب رويدا رويدا إلى نفسه وهو جالس مكانه يحاول أن يستوعب ما حدث
 وفجأة نادي عليه أحد المشرفين وأدخله غرفة مغلقة فيها مجموعة من المشرفين وبدأ إستجواب أشبه بالتوبيخ والإستنكار من ورائك ؟؟
 تبع جماعة إيه ؟
 مين قلك قول الكلام ده الله يخرب بيتك ...!!!!
مصري فى حالة من الخوف والإرتباك وتصلب اللسان وتغير لون الوجه وكانت ليلة ليلاء ...
حل فيها على قلب مصري من البلاء ما حل ...
مرت الليلة بمرارتها وكانت صعبة على مصري
ومع صباح اليوم التالي وطابور الصباح فى السادسة ومع التمارين الرياضية والجري بدأ التوتر يزول شيء فشئ ويتساقط من على أكتاف مصري مع تساقط حبات العرق على الأرض.
وبعد طابور الصباح والإفطار كان موعد البحر...
البحر الأبيض المتوسط ومن خلفه من بعيد أوربا..
 الشاطئ الذهبي برماله الدافئة  والسماء الصافية التي إذا أردت أن تراها فلا تنظر إليها بل إنظر لماء البحر تجد السماء صافية بكل تفاصيلها ...
والنسيم العليل يهب عليك يحكى فصولا من التاريخ ...هواء بيظنتى تارة وعثماني تارة أخرى ...
وحملة فريزر حاضرة فى ذاكرة رشيد
 وبما أن مصري لا يجيد السباحة كان يكتفي بالنزول إلى مستوى من الماء يغطى ثلثي جسده تقريبا دون أن يتعمق ....
ويجلس على الرمل يرسم الأحلام ويكتب الأمنيات وتأتى الأمواج فتحمل معها الأحلام والأمنيات ....
وتذهب بها بعيدا ..
هل تحملها لتساعد على تحقيقها أما أنها تسرقها لتتلاشى وتتوه بين الأمواج ....؟؟؟
وإلى أين تحمل الموجات الأحلام والآمال ..؟
إلى الشاطئ الآخر حيث أوروبا والإتحاد الأورو متوسطى ..؟
أم إلى تركيا الأتاتوركية تغازل فيها الخلافة العثمانية ...؟
أم تتسلل خفية بعيدا عن الأنظار ليصل جزء منها  للخليج العربي
وجزء يواصل المسير لطنجة ؟؟
وبعد البحر تناول مصري ورفاقه الغداء ثم الراحة وبعد العصر كان اليوم الرياضي .
من مسابقات وجرى وغيره ومرت الأيام على هذه الوتيرة
وكانت أهم معالم البرنامج الترفيهي وأحبها لقلب  مصري تلك الساعة الحرة
 والتي تحررت أكثر بفضل قنبلة مصري وإلغاء الندوة الدينية وأصبحت ساعتين يوميا زيارة لمعلم فى رشيد وترك الحرية للأفراد للتجول فيه  وحوله ....
وكانت الزيارة ...
زيارة مكان اللقاء لقاء النيل والبحر
 كانت أهم ما يشغل بال مصري ولحسن حظه كانت تلك الزيارة فى ثاني أيام المعسكر
نقل الأتوبيس الرفاق إلى المصب وبدأ الرفاق يتوزعون على جماعات
 مجموعة تلعب الراكت ومجموعة تتمشى فى محيط المنطقة ...
وجنح مصري للإنفراد بنفسه فى منطقة نائية عن الجميع ونظر إلى أضواء أعمدة الكهرباء وهى تنعكس على صفحات ماء النيل
وظل يتابع مويجات النيل وهى قادمة من بعيد وسرح خياله حتى وصل الشجرة ..
شجرة الصفصاف فى قريته التي تطل على هذا الفرع من النيل فرع رشيد ..
وشم مصري رائحة موطنه قادمة مع المويجات
وزاد حنينه لأمه التي يبتعد عنها للمرة الأولى وكان عزاؤه تلك القبلات والأشواق التي حملتها إليه المويجات ..
ظل بصره يتابع تلك المويجات التي حملت له التنهيدات والقبلات
وهى تسير .. تعلو وتنخفض... تتمايل فى رشاقة ناحية اليمين تارة وناحية الشمال تارة أخرى وأضواء المصابيح تغازل سطحها اللامع حتى بدت كلؤلؤ يسير فى مجرى النهر
تتابع المويجات السير وتوشك الرحلة على النهاية ....
وعلى الناحية الأخرى على مد البصر تظهر موجة البحر وهى تفتح أحضانها وتنتظر مويجتها بعد طول سفر وتبتسم الموجة بعد أن رأت طلة المحبوب  من بعيد..
 وتمهدت الأجواء للقاء وتتحول المسافة  بين المويجة العذبة التي تبغي كسر ملوحة الموجة وبين الموجة المالحة التي تريد حفظ المويجة بين جنباتها وإن كلفها ذلك فقدان شيئا من خصائصها  إلى مجال مغناطيسي يجذب كل منهما ليسارع الخطوات ويختصر الدقائق ...
وتحين اللحظة الفارقة ..
لحظة اللقاء... لحظة الإحتواء والإنصهار والتكامل
تلمع النجوم فى السماء ويبتسم القمر ..
أين المويجة العذباء ؟
أين الموجة المالحة ؟؟
لم يعد بالإمكان رؤية أي منهما فقد إحتوى كل منهما الآخر وذابا ونتج كيان جديد بملامح جديدة ......
مرت الأيام وزار مصري هذا الحصن الحصين الحامي لشواطئ المدينة التاريخية رشيد
 إنها جزء من تاريخ الصراع بين قوى البغي والعدوان وقوة الحق والدفاع عن المقدسات والأعراض إنها قلعة قايتباي التاريخية وهى إحدى العلامات المضيئة فى تاريخ النضال الإنساني من أجل الحق ...
وهى إحدى شهود العيان على بطولة المصريين وبغى المعتدين من كافة الملل والنحل
وهناك فى رشيد
مسجد أبو مندور ويقع على شبه جزيرة تسمى تل أبو مندور
وهى ربوة عالية  شامخة شموخ المصريين على نيل رشيد ويعرف المسجد باسم العارف
بالله أبو النضر وهو من كربلاء من نسل على بن أبى طالب كرم الله وجهه.
فالمصريون وإن كانوا سنّة فى مذاهبهم ولكنهم شيعة فى هواهم لآل البيت وأي من روائحهم العطرة
 يعتبر مسجد أبو مندور من أجمل معالم المدينة حيث تكتحل عيني المسجد من ماء النيل وتتوضأ مئذنته خمس مرات من مائه العذب الزلال
وتوشك الرحلة على النهاية وتكون زيارة متحف رشيد

هو من أشهر منازل رشيد وأكبرها  ويتكون المتحف من أربعة طوابق تبرز خصائص العمارة والفنون الإسلامية في هذه الفترة.
 يضم المتحف مقتنيات ونماذج تبرز كفاح شعب رشيد والمعارك التي خاضها ضد المستعمر الفرنسي والإنجليزي وتتضمن نماذج وصور للمعارك وللحياة الأسرية في رشيد والصناعات الحرفية الشعبية ومخطوطات وأدوات للحياة اليومية بالإضافة إلى نسخة من حجر رشيد الذي كشف عنه عام 1799
 ويعرض ملامح عن تاريخ رشيد الوطني ويشتمل على ثلاثة طوابق.
 الأرضي : لبيع الهدايا والنماذج الأثرية ذات الطابع الخاص برشيد.
الثاني  نموذج لحجر رشيد وصور ونموذج لقلعة رشيد وتماثيل ولوحات لشخصيات مهمة ومجموعة من البنادق والسيوف.
الثالث  يشتمل على مجموعة من الآثار الإسلامية المكتشفة بمدينة رشيد منها أوان فخارية وعملات إسلامية...وتشم فيه رائحة التاريخ وتسمع صوت محمد كريّم ...

ويأتي اليوم الختامي مسرعا ليكتب النهاية ولكنها كانت البداية ..
بداية الحب فى حياة مصري .....
اليوم الختامي مهرجان إحتفالى وجوائز وهدايا تذكارية ومسابقة ثقافية بين معسكر البنين ومعسكر البنات فى المدرسة المجاورة
وتم إستبعاد مصري من المسابقة الثقافية على خلفية ما حدث فى الندوة الدينية وقلق المشرفين منه
وجلس فى مقاعد المتفرجين ويبدو أن القدر قد رسم له ذلك حتى يتفرغ لرسم صورة عمره ..
وبدأت المسابقة فى أجواء من الحماس والتصفيق كل يشجع فريقه
وفجاءة نظر مصري فى المتسابقين من البنات
فإذا بقشعريرة تسرى فى جسده وزيادة ملحوظة فى ضربات القلب وسرعة فى النفس وأخد يدلك عينيه بأصابعه ويمعن النظر فى هذا الوجه الذي طالما راود خياله وحلق معه وطارا معا إلى سطح القمر وجلسا يتبادلان أطراف الحديث على سطح القمر
من هذه ..؟
 حقيقة أم خيال ..؟
حورية أم جنية ...؟
خداع بصري أم واقع حقيقي ..؟
وجه منير كنور البدر فى يوم تمامه ...
بشرة بيضاء صافية كالحليب الطازج الدافئ ...
حمرة فى الوجنتين كتفاحتين تتدليان من غصنيهما
 ثغر باسم يغطى صفين من اللؤلؤ
خصلات الشعر الذهبي تتدليان على خدها الأيمن وتحركهما النسمات من حين لآخر ليخطف بريقهما بالأبصار...
والقرط الهلالي الشكل يتدلى وكأن القمر على شكل هلال  أبى إلا أن يزين هاتان الأذنان ...
والعقد على صدرها معقود من حبات من النجوم تتلألأ
عاكسة نور وجهها الوضّاء..
والمسك يفوح من أنفاسها فيعطر الأجواء
عيناها ..أه من تلك العينان  ..عيون المها واسعتان
 واللون السماوي يكسو تلك العينان ...
عيناها محيط مترامي الأطراف
موجاته فى عيناها تخبر عن مكنون الأعماق
 ...جميلة هي ..!!مثل القمر !!!
إنها هي الجمال..
وينسب الحسن إليها وتشبه بها الفاتنات
ترك مصري الدنيا وراح يسبح فى الأعماق ..
أعماق عيني الفاتنة التي سلبت اللب والفؤاد....
تلاقت العينان وزاد الخفقان وإحمر الوجهان وأدعى كل منهما تجاهل الآخر ولكن الواقع أن كلاهما وقع فى أسر هوى الآخر
وفجاءة علا التصفيق وفازت مدرسة البنات ووقف الجميع وعيني مصري زائغتان .
عن الحبيب تبحثان بين الهامات التي ارتفعت والحركات التي زادت
 وجاء زملاء مصري ليودعوه فكان يسلم عليهم جسده معهم وروحه هناك ..
وعيناه تتصفح الوجوه وتبحث عن .....؟من هي ....ما إسمها..؟
 أين عنوانها  ما هي خريطة الوصول إليها ؟؟
بدأ الجمع يتفرق وكل يحمل حقيبته ويستعد للرحيل ولكن قلب مصري قد رحل مع الراحلة المجهولة ....
باءت محاولات البحث عنها بالفشل وكأنها تبخرت أو بالتعبير الدارج فص ملح وداب.....
وطوال رحلة العودة ومصري سارح فى الخيال يبحث عن قلبه الذي غادر ضلوعه وذهب حيث اللا زمان واللا مكان....
من هي ...؟ ما إسمها ...؟           
كيف الوصول إليها .......؟
وهداه تفكيره أن يسميها هو حتى يحين موعد اللقاء ويكشف القدر عن إسمها الحقيقي ...
شعر مصري بأن هذه الحورية هي هدية السماء للأرض ...
هبة القدر إليه ..
شعر أنها جزء منه بل هي الدماء التي تسرى فى عروقه وكان على يقين لا يعرف مصدره أنه سيلقاها ..متى ؟
 كيف ؟
لا يدرى
ومن هنا إشتق لها إسما من إسمه لقبها بمصرية وكانت هي الحب والعشق
هي الأمل والرجاء........... أمل اللقاء
ولم يشعر مصري بنبضه الذي كان إلا وهو بين أحضان أمه وعلى عتبات منزله..
استقبلت الحاجة فاطمة مصري إستقبالا حارا وفاضت عيناها بدموع الفرح ...
فرح اللقاء بعد الغياب الذى وإن قيس بمقياس الزمان فهو أيام قليلة ولكنه بالنسبة لها دهرا طويلا...
وسألت الحاجة فاطمة عن الرحلة فجلس معها ونام على رجلها وأصابعها تغوص فى شعره وحكي لها ما كان
وأسدل الليل ستائر الظلام ودخل مصري إلى سريره ومازال خيال الحورية مصرية يداعب مشاعره ويناوش قلبه من حين لأخر ...
نام مصري بين زراعي مصرية مشتاقا للقاء الموعود
وقاطعا على نفسه العهود والوعود أن  يواصل البحث عن المحبوب










                       الفصل الرابع .

                         أين الحقيقة ..؟
       
توالت الأيام وأعقبتها الليالي وصورة مصرية لا تفارق خيال مصري ورائحة أنفاسها تغازل أنفه
 وإنهمك مصري فى الدراسة وأصبح بالمدرسة الثانوية وتقدم لمسابقات الإلقاء الشعري ونال مراكز متقدمة
 فقد كان يلقى القصائد بإحساس عالي ويجيد التعبير عبر طبقات الصوت ومن خلال الحركة الجسدية ..
وكانت تعابير وجهه تعبر عن كل حرف ينطق به ..
لم يكتفي مصري بالإلقاء الشعري فقد كان مغرما بالخطابة ومقدما للإذاعة المدرسية وحاذقا للمناظرات ساعده فى ذلك طلاقة اللسان ومخزونه من القرآن وهو مكمن البلاغة ونبع الفصاحة ..
وحبه للكتاب ومنادمته لأخلاء يكبرونه فى السن ويسبقونه فى المعرفة ..
.ووصل مصري إلى مسرح المدرسة وقدم البطولة فى مسرحية الناظر التي قدمت على مسرح المدرسة
..
وكانت مسرحية ساخرة تعالج بعض سلبيات العملية التعليمية وتقمص مصري صورة الفنان  ولبس بدلة واسعة يسبح جسده بداخلها  والمنديل تحت الطربوش والحركات الفكاهية وكان يؤدى دور الناظر
وأدى دورا مميزا وكان مدير المدرسة كلما قابله فى الطرقات حياه بأهلا بالفنان ...
أثناء تلك الفترة حدثت حادثة أثرت فى المسار الفكري لمصري ذلك العاشق المتيم بناصر والناصرية ......

توفى علاء......!!!
فجأة ضرب جرس التليفون الأرضي ومصري يستريح بعض الوقت فى وقت الظهيرة وجاءه الخبر الذى نزل عليه كالصاعقة فقد كان مع علاء أمس ..أمس ...كيف ....؟
علاء هذا الشاب العشريني النحيف ..الباسم الوجه صاحب الشارب الخفيف التي تغلب عليه الصفرة والعينان الضيقتان والأنف الطويل ...
صاحب القلب الصافي الذي لا يعرف حقدا ولا كرها والذى كان طالبا فى كلية الشريعة بجامعة الأزهر
والذي دائما ما حلم بالهجرة لبلاد العم سام هربا من قسوة الأيام فى وطن أسير للظلم والطغيان
وكانت تربطه صداقة وصلة قرابة بمصري
نزل الخبر على مصري كالصاعقة ...
كان هذا الخبر أشد وقعا على مصري من خبر وفاة أبيه الذى توفى منذ سنوات ..
هل لأنه أصبح أكثر نضوجا ومستوعبا لحقيقة الموت ....؟
أم لصغر سن علاء وفجأة  موته دون سابق إنذار من مرض ....؟
الواضح أن هذا الحادث أثر تأثيرا نفسيا عميقا فى مصري ..
وزلزل كيانه الداخلي وبدأ يكره الموت ..
وبدأ يخشاه ويتخيل نفسه هو من يزف خبر وفاته فى المرة القادمة ..
رد فعل مصري لم يكتفي بدمعات أو لحظات حزينة ..
خرج مصري إلى النيل وإلى شجرة الصفصاف التي تمثل توأمه
وجلس تحتها ونظر للسماء وأخذ يناجى  ..
ويصرخ لماذا ...؟
هل يناجى السماء أم يحدث الشمس أم يناجى من فوقهما ....؟
تخلق ترزق  تمرض ..تتوفى  لماذا ....؟
تعطى الصحة وتمنح القوة وتحلم على الجبار  لماذا .....؟
يموت الأخيار ويبقى الأشرار ويبكى الضعفاء ويمرض المظلوم لماذا ....؟
لماذا الحياة؟
 ولماذا الموت؟
 ولماذا الدين ؟
ولماذا الإسلام دون غيره من أديان ...؟
لماذا ولماذا ولماذا ....
بكى بكاء شديدا على نفسه ..
شيء بداخله يؤنبه إستغفر الله ...إستغفر الله
وهواجس أخرى تؤجج الصراع داخله  وماذا بعد الموت
هل جنة أم نار ....؟
هل هناك ظالم ومظلوم وهل الجنة حكرا على المسلمين ؟
وهل يتلذذ القوى بعذاب الضعيف ..؟
وماذا لو رحم الله كل الخلائق فهل ينقص ذلك من ملكه شيء ...؟
تيه وتوهان ..
حقيقة غائبة ..حقيقة مشكوك فى كنهها ..
لم تتبقى حقيقة مسلم بها لدى مصري سوى المووووت....

دارت السماء ومارت الأرض وعجز عقل مصري عن الإدارك
وتيقن أن العجز عن الإدراك إدراك ...
وإستغفر الله بلسانه ولكن قلبه لم يهدأ بعد...
وبدأ يحدث نفسه هل يحرمه الموت من مصرية قبل اللقاء ....؟
رجع مصري للمنزل وهو عازم على البحث عن الحقيقة ..
حقيقة ماذا..؟ حقيقة الحقيقة ..
فى اليوم التالي قابل مصري صديقه أسامة الطالب بكلية الشريعة والقانون  والذي كان يجلس معه مصري ويذاكر معه أحيانا ويطالع بعض كتبه
أسامه شخص يميل للسمرة معتدل القوام  خشن الشعر يميل للقصر ذو شارب خفيف ..
أسامة متدين بالفطرة وبحكم الدراسة
أزهري المرجعية منفتح على الآخر هادئ الطباع بجيد الحوار ..
ويحلم بكرسي القضاء ليقيم العدل وينصف المظلوم ولكن شبح الواسطة يجعله دوما مهموم
كان أسامة فى طريقه للسفر للقاهرة وفوجئ بطلب من مصري أن يحضر له إنجيلا ....إنجيلا ...!!!
نزلت الكلمة على مسامح أسامة ومع الحرف الأخير بدت علامات الدهشة والتعجب على أسامة وقال لمصري لماذا ؟؟
ونظرا لأن أسامة كان على موعد مع القطار ولم يكن هناك وقت للنقاش ودّع أسامة صديقه ووعده بمحاولة تلبية طلبه وأن الموضوع بحاجة لكوبان من الشاي يغلى  على الأخشاب المحترقة المسماة راكية
تحت شجرة الصفصاف ومع جريان النيل عسى أن يغسل النيل المتدفق هواجس وهموم مصري ويطفئ جذوة الصراع  النفسي الذي يعيشه ....
بدأ مصري رحلة البحث عن الحقيقة
 وماذا بعد الموت ؟؟
ومن يملك الحقيقة ...؟؟
بدأ البحث من مكتبة قصر الثقافة ومن خلال كتب الأديان المقارنة وبعض شرائط لمسيحيين أسلموا وأهم ما إعتمد عليه بعد القراءة كان حديث النفس...وإستفتاء القلب ومناجاة العقل ...
رجع أسامة من السفر والمفجاءة أنه أحضر نسخة من الإنجيل لمصري بعد أن نسى مصري هذا الأمر
وتقابل الصديقان فى الموعد هناك تحت ظلال شجرة الصفصاف
 على شاطئ النيل
 وأحضر أسامة معه الإنجيل ...
كانت نظرة مصري للأوقاف وللأزهر سلبية إلى حد ماء بسبب النوعيات التي قابلها من بعض المنتسبين للأزهر والتي تميزت بجمود الخطاب وضعف المضمون وقلة العلم وعادت للذاكرة صورة الشيخ الذي كان يحاضر بمعسكر رشيد ....
وتذكر تسييس الفتوى أحيانا وظهور ما يسمون بعلماء السلطان
وسيطرة الأمن وخاصة جهاز أمن الدولة على مجريات الأمور فى تلك المؤسسة العريقة
ولكن أسامة كان يحظى بقدر من التقدير والإحترام لدى مصري .
جاء موعد اللقاء وتقابل الصديقان على ضفاف النيل وتحت شجرة الصفصاف ..
شاهد العيان على تاريخ مصري هي وشريان النيل الخالد...
قام مصري بجمع مجموعة من أعواد الأشجار الجافة وأشعلها وأحضر البراد والشاي والسكر وكان الشاي الزرده بطريقة وضع  الشاي والسكر على البارد ووضع البراد على الخشب المشتعل ليغلى
بعد غليان الشاي وما إن بدأ فى الفوران حتى رفع مصري البراد من على النار وصب الشاي فى الأكواب
وبدأ الصديقان يشربان الشاي وسط نسمات هواء بحرية ويتبادلان أطراف الحديث ...
أعطى أسامة مصري الإنجيل وسأله إيه الحكاية ؟؟
حكي مصري لأسامة ما يجول بخاطره وتفهم أسامة حالة الصراع النفسي التي يحيياها مصري وحاول تبصيره ببعض الأمور وأن الدنيا دار إبتلاء وأن الله سبحانه مدبر الكون بحكمته يحيى ويميت بحكمة يعلمها من علم ويجهلها من جهل...
 وتبادل الصديقان أطراف الحديث وهدّأ كلام أسامة من روع مصري إلى حد كبير وبدأ صوت الضفادع يشاركهما الحديث ولدغات البعوض تفقدهما التركيز
 وكان هذا إيذانا بدخول الليل وحان وقت الرحيل تصافح الصديقان ورجع كل منهم إلى منزله وحمل مصري الإنجيل وهو ينوي قراءة جزء كبير منه هذه الليلة
قرأ مصري جزء من الإنجيل وأثناء قراءته جال بخاطره خاطر آخر وهو لماذا لا تكون التوراة هي الحقيقة ....؟ ولماذا لا يكون الإلحاد هو الحل ...بسرعة إستغفر مصرى وشهد لله بالوحدانية وإستعان به على الشيطان..

تعب عقل مصري وعجز عن الإستيعاب  وأحس برأسه تكاد تنفجر فإستسلم للنوم

وكانت رؤية المنام  تلك الرؤية العجيبة التي هزته وأرشدته إلى الطريق
مصري مستغرق فى النوم وبدأ يرى فى المنام زلزالا كبيرا ..
الأرض تميد وتهتز بشدة وهو يتأرجح معها و يمور من فوقها يمينا ويسار
 وفجأة ترعد السماء بصوت قوى يزيد من زلزلة الأرض وتبرق السماء وينزل المطر وتبتل ملابس مصري ويحس ببرودة ماء المطر على جدار قلبه  وتنزل لوحة كبيرة بعرض السماء نورها يكاد يذهب بالأبصار  مكتوب عليها
- آمن الرسول  بما أنزل  إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ..لا نفرق بين أحد من رسله .. وظلت تتنزل تلك اللوحة وتقترب من الأرض وتقترب من مصري حتى دخلت صدره.
وإستيقظ مصري من النوم وفتح عينيه وجعل يحسس على صدره ويشعر ببرودة  فيه
 ويشعر بزلزال الحلم ويسترجع الحلم  وكأنه للمرة الأولى التي  يسمع فيها  تلك الآية مع أنه يحفظها
قرآن يؤمن بإنجيل عيسى  وتوراة موسى  ويسوى بين الأنبياء والرسل فى الإعتقاد والإيمان
ويجعل من الإيمان  بصحيح كل الأديان السماوية والرسل شرطا لصحة الإيمان بالإسلام
هنا الحقيقة ....هنا الحقيقة
فكّت هذه الرؤية جزأ كبيرا من تعقيدات نفس مصري وكانت هذه الآية سراجا منيرا يساعد مصري على المضي قدما فى رحلته
رحلة البحث عن المحبوبة




                           الفصل الخامس

                      ..مصري والإخوان

فى هذه الفترة بدأ مصري يقترب من المساجد ويحاول أن يفهم صحيح الدين ويبحث عن منبع صافى  يقنعه بعد أن فقد المصداقية فى الخطاب التقليدي الجامد الذى يسمعه على المنابر أو فى كتب الدين المدرسية العقيمة

 وكانت هناك ندوة دينية تقام كل ثلاثاء عقب صلاة العشاء فى المسجد الكبير ينظمها الإخوان المسلمين وكان أشرف مدرس اللغة العربية  لمصري هو من دعاه لحضور تلك الندوة وإلقاء بعض الأبيات الشعرية
أشرف....
 مدرس للغة العربية وأحد كوادر جماعة الإخوان ومن القلائل الملتحين داخل الجماعة ...
أشرف طويل شديد البياض أصلع الشعر جميل الطلعة هادئ الطباع باسم الوجه مخلص فى عمله كان أشرف يحلم بعودة المسجد الأقصى حاله حال معظم إن لم يكن كل المسلمين ..
والخلافة على يد الإخوان هى السبيل لعز الأمة ولتحرير المقدسات
حضر مصري للمرة الأولى ندوة الثلاثاء
فبعد صلاة العشاء والنافلة تم عمل حلقة دائرية من الموجودين وتم توزيع المصاحف على الحضور وبدأت الندوة بآيات من الذكر الحكيم يقرآها كل واحد من المشاركين بالتوالي
ثم حديث شريف  ثم قدّم أشرف مصري
 فألقى بعض الأبيات التي
تحكى مأساة الأفغان إبّان الإحتلال السوفيتي للمجاهد الأفغانى  عبد رب الرسول سيّاف
 ونال إلقاء مصري إستحسان الجميع وإنهالت عبارات الثناء والترحيب بالوافد الجديد
إستمع مصري لخطاب ديني مختلف وحيوي ويمس صميم المشاعر...
وللمرة الأولى يسمع مصري كلام حي عن الأقصى الأسير وعن فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر .
إستمع للمرة الأولى عن مجد الخلافة وعدل عمر الفاروق وورع حفيده عمر بن عبد العزيز و عزة المعتصم الذي جيش الجيوش من أجل إمرأة إستغاثت وقالت واااا  معتصماه.
إنبهر مصري بلغة الخطاب الجديدة ولامس الخطاب أوتار قلبه
وتم إهدائه الوصايا العشر للإمام الشهيد البنّا من أستاذه أشرف .
ولامست عبارات الثناء والإعجاب بمواهب مصري شيء فى نفسه
وانتهت الندوة ووعد مصري الحضور بالمداومة على الحضور فى قابل الأيام
وكان فى هذا الوقت الشيخ محمد الغزالي يكتب فى جريدة الشعب الناطقة بإسم حزب العمل الإشتراكى الذي مال كثيرا تجاه الإخوان المسلمين  إلى أن صار حزبا إسلاميا.
كان يكتب مقالا بعنوان هذا دينا
 وكان هذا المقال محور حديث مصري  فى لقاء الثلاثاء من كل أسبوع ...

إقترب الإخوان من مصري وإقترب مصري من الإخوان وغاص فى كتبهم وفقهم بداية من فقه السنة للشيخ سيد سابق مرورا بالظلال للشهيد سيد قطب عروجا على أيام من حيات زينب الغزالي وغوصا فى أعماق الفيلسوف العالم المجدد محمد الغزالي
غاص مصري فى الوصايا العشر للإمام البنّا ووقف برهة أمام الوصية القائلة لا تمزح فإن الأمة المجاهدة لا تعرف إلا الجد..
الجهاد ..ذروة سنام الدين والذي تم تجاهله فى الخطب الرسمية والخطاب التقليدي وكان للكلمة مردود فى نفس مصري قبل آذانه .
ونظرا لأن مصري عاشق للخطابة فقد هوى فارس المنبر الشيخ كشك وهو لم يكن مصنفا على الجماعات الإسلامية.
كان خطيبا أزهريا بارعا في الخطابة ..
وآمن مصري بالشعار الأول للإخوان والذي كانوا يستخدمونه فى الإنتخابات والهتافات  وهو.. الإسلام هو الحل ...
سأل مصرى الأستاذ أشرف عن معنى الإسلام هو الحل ...
قال أشرف ..
نعم الإسلام هو الحل أليس هو هدية السماء للأرض؟
 وشريعته هي منهاج الرب العلى الخالق لإصلاح شؤون خلقه ؟
وفيه الدنيا والآخرة...طريقه هو الطريق المسقيم وهو ديسن شامل لمناحى الحياة فهو سياسة وإقتصاد ومهج حياة متكامل ..
فى هذه الفترة 
لعب أشرف دور مهم  فى حياة مصري وتعددت الندوات واللقاءات والأفراح الإخوانية
والتي كان مصري بطل فيها
فها هو  المسرح وهو عبارة عن مقطورة جرار زراعي مزينة بالأضواء وجريد النخيل وبعض البالونات
 وها هو الدف والأغاني الإسلامية سواء من الفرقة أو من شريط الكاسيت ويتخلل الحفل المسابقات الثقافية والألعاب المبهجة والفوازير ..
جو كرنفالى جميل وفقرات مسرحية وتعريف بالإخوان ومنهجهم
الوسطى المعتدل الذى يسعى لإحياء الدين فى النفوس وتخليص الإسلام من الشوائب التي علقت به فى فترات الضعف ..والبناء من أجل إقامة خلافة راشدة على منهاج النبوة ...دون غلو ولا تعصب
فى تلك المرحلة
حدث تطور مهم وخطير فى تفكير مصري وقناعاته
مصري العاشق لجمال عبدالناصر والمؤمن بالقومية العربية
والفخور بسعد زغلول ومصطفى كامل
بدأ يكره جمال عبدالناصر بالذات ..
كراهية متطرفة كما كان حبه له  متطرفا..
فدم سيد قطب وعبدالقادر عوده وعذاب زيب الغزالي وتشريد الإخوان وحربه معهم لا لشيء إلا لقناعتهم بأن الإسلام هو الحل ..
فالإخوان لا يذكرون لعبدالناصر سوى مذابحهم وتمثيلية المنشية ونكسة سبعة وستون وتمثيلية التنحي
كره مصري ناصر معشوقه الأول السابق مع كل قصة تعذيب ومع كل قطرة دم سالت ومع كل أنّة من معتقل   ولم يقف عند هذا الحد بل كفر ...!!!!

نعم  كفر بالقومية العربية.
فالقومية مخالفة للإسلام وهى فى صراع معه .مؤسسها ومؤسس بعثها ميشيل عفلق النصراني
والعرب بطبيعتهم رعاة متناحرون لم يعرفوا الدولة ولا الوحدة ولم يجمعهم سوى الإسلام
والإسلام لا قومية فيه ولو وطن
 فبلاد الإسلام أوطاني
وسعد زغلول الليبرالي المستغرب الذى دعي لمقولة  إن الدين لله و للجميع وهذا لا يصح فالدين لله والوطن لله ..قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين
هذا هو مصري فى ثوبه الجديد يرى البنّا مجدد القرن وقدره يفوق غيره ويحب الجماعة ورايتها أكثر من نفسه ولما لا ورايتها هي راية التوحيد ..
راية محمد بن عبدالله .
ويرى أعداء الجماعة ومنتقديها ما هم إلا كارهي الإسلام من العلمانيين والليبراليين وأن مشكلتهم ليست مع الإخوان إنما مع نهج الإخوان ومع الإسلام فهم يرفضون حاكمية الشريعة ويريدون اختزال الإسلام لمجرد شعائر وعبادات .
فى هذه الفترة كان مصري يمنى نفسه بالشهادة هناك على عتبات الأقصى المبارك حتى يزف للجنة شهيدا
وكان خطاب الإخوان لمصري وغيره يعتمد على العاطفة ولا يخاطب العقل وكان الإهتمام بالسياسة يطغى على تأصيل العلوم الشرعية من فقه وعقيدة وتجويد وسيرة
مصري فى هذه الفترة يعيش حالة وجدانية خاصة ويشعر براحة نفسية ويعتقد أنه وجد ضالته وعرف الحقيقة وكلما جال بخاطره طيف مصرية وضع الحجاب على رأسها ووجدها بحجابها أجمل وأروع بكثير من سفورها
أزاح مصرى صورة جمال عبدالناصر وحل محلها صورة الإمام البنّا الذى يرى مصرى فكره ومنهجه وجماعته هى الحل وهى الحقيقة ...

ظل مصري على هذه الحالة ما يقرب من العام ما بين قراءة فى فكر الإخوان وحضور الندوات والأفراح
ثم بدأ الأخ عبدالله
يقترب من مصري أكثر فأكثر ويزوره فى المنزل وهو ما يعرف بمرحلة التجنيد  ..
التي لم يكن يعي مصري عنها شيء حتى الآن ..
 فهو غارق فى الأدبيات والكتب
والغريب فى الأمر أن من كلف بتجنيده ليس هو الأستاذ أشرف
بل الأستاذ عبدالله!!!!!
الأستاذ عبد الله مدرس اللغة الإنجليزية قصير القامة حليق اللحية ولكن شعر لحيته حينما تطول قليلا كثيف يغطى معظم وجهه جامد الملامح صارم حازم ..
ومع زيارات الأستاذ عبدالله لمصري فى البيت بدأ قلق الحاجة فاطمة يزداد على إبنها وتحارب هذا التدين التي كثيرا ما دفعت مصري إليه
ولكن ملف فى أمن الدولة كان كفيلا بالقضاء على مستقبل مصري
وهو أمل الحاجة فاطمة ...
الحاجة فاطمة قلقة ..وتخشى على مصرى وترغب أن يؤدى الصلاة فى البيت ويقطع صلته بالإخوان
وكم فاتحت مصرى وتكلمت معه وكان منها الرجاء تلو الرجاء
ولكن مصرى كان إنتماءه للإخوان إنتماءا عقائديا
فهو يتمنى للإسلام الغائب الذى طال غيابه وخاصة مع سقوط الخلافة العثمانية وإنتشار الورم الصهيونى فكان يقاوم أمه بالحسنى والمراوغة أحيانا ..

جاءت قصة التجنيد والتي أقلقت مصري فهو يحب أن يحلق فى السماء حر الجناحين ويكره القيود    ولا يمكنه أن يبايع على السمع والطاعة المطلقة
بالإضافة لضغوط الحاجة فاطمة وإلحاح عبدالله على مصري
جاء القرار بالإبتعاد عن الإخوان
...قلق ..خوف ..قيود ..ربما
والمؤكد أن مصري إصطدم بمغالاة الجماعة فى التعصب لقادتها
وتغليب رايتها على راية الوطن أحيانا فهم يرون رايتهم هي راية الإسلام ...
والجماعة كانت تصرّ أن تجعل منتسبيها مقيدين سواء بالبيعة والتجنيد داخل صفوفها أو بوحدة مصدر التلقي  والتعامل على أنهم لا يملكون إلا أذن واحدة يمنى فقط واليسرى من الشيطان ...
كل تلك الأمور ساهمت فى هروب مصري من قبضة الإخوان .
و الواقع أن مصري فرد جناحيه وطار من قبضة الإخوان
وأهم ما حمل معه فكر الغزالي رحمه الله
ومدرسة الأفغاني ورشيد رضا وروائع الكواكبي
طار مصري وحلق فى السماء ثانية بعد مرحلة من السكون
إلى أين يطير مصري هذه المرة  وأين يجد الحقيقة ...؟؟


                          



             
                      الفصل السادس

              .. مصري فى مواجهة المجهول

         
توالت الأيام وكانت مقولات العلامة الشيخ محمدالغزالى وكتبه وفكره المستنير الراقي ومفهومه العميق للدين هم الصيد الثمين الذي خرج به مصري من عباءة الإخوان
أهتم مصري بالدراسة  وتأثر فى تلك المرحلة بكتب الدكتور مصطفى محمود وكان يتذكر ذلك البرنامج التاريخي صاحب الصيت الواسع الذى جمع المصريين من مثقفين وعامة وبسطاء حول شاشات التلفاز ليستمتع العقل وتطرب الأذن بذلك الصوت الرخيم وتلعب موسيقى برنامج العلم والإيمان الخالدة فى الوجدان  على أوتار القلوب وتنعش العقول.
وكان كتيب عصر القرود مع صغر صفحاته وقلة كلماته وعمق معانيه غنيمة لمصري
فقد ساعده على كشف الأقنعة عن الكثير من الأمور والشخوص فى هذا  العصر....
 العصر الذى تخيل مصري كثيرا أنه ليس عصره وأنه جاء فى الزمان الخاطئ ..
فما بين الكذب والكراهية والنصب والتملق والظلم واللؤم
وجد مصري نفسه غريبا فى هذا الزمان
وتمنى لو أن قاطرة التاريخ تعود به إلى هناك  حيث المشكاة تنير جنبات الكون ..
حيث الإيثار والحب والحلم والوفاء ومكارم الأخلاق
جاء عصر القرود  للطبيب الفيلسوف مصطفى محمود ليشخص الداء ويكتب الدواء ويرتب أوراق مصري الذهنية ويتأكد أنه ليس الغريب الأوحد ولكن الغرباء كثر فى هذا الزمان وفى كل زمان ومكان
وبقى هنالك خياران إما أن  تحيى إنسانا أو تعيش قردا تتلاعب على الحبال وتفضح سؤتك التي سترها الستير الحليم
وجاء يوم الإختيار وما أصعب القرار لأولى العقول والأفهام
فى ظهر يوم الخميس الأخير قبل إمتحانات الصف الثاني الثانوى تم توزيع إستمارة ليحدد كل طالب الشعبة التي سيدخلها فى الثانوية العامة
أدبي أم علمي
وإختار مصري الأدبي لأنه كان يرسم لنفسه طريقا فى الصحافة أو المحاماة ويتخيل ذلك الروب الأسود
وهو واقف يمارس هوايته الخطابية ويستعرض  مهاراته اللغوية وقدرته على الإقناع فى نصرة المظلوم وإحقاق الحق ..
أو هذا القلم السيف بيمينه يحارب به الفساد ويكشف المستور وينصر المظلوم ويمارس السلطة الرابعة
وكان الصراع أن الطلبة المتفوقون مسارهم الطبيعي هو العلمي
والأدبي فى العادة يكون لكارهي الفيزياء والمرعوبين من الرياضيات والتائهين فى مركبات الكيمياء العضوية
إختار مصري الأدبي  وجاءت الإجازة الصيفية وكالعادة بدأ الطلاب يستعدون للثانوية العامة قبل العام الدراسي بشهر .
محمود وعلى  أبناء القرية وزملاء مصري دخلوا العلمي ناظرين إلى كليات القمة من طب وصيدلة وهندسة
ومصري جلس يطالع كتب المنطق ويغوص فى علم النفس والفلسفة ولم يجد صعوبة فى استيعابها جميعا قبل بدء الدراسة وجاء العام الدراسي
ودخل مصري الفصل الأدبي الواقع على يمين الفصل العلمي
فكان هناك فصلين أدبي وفصل علمي واحد وكان الفصل العلمي محل اهتمام المدرسة ففيه الصفوة والنخبة وكل الآمال معلقة بهؤلاء..
بعد أسبوع دخل مدرس الأحياء عبدالحميد على مصري وكان يحبه
وكان عبدالحميد ذو ملامح أوربية من شعر يميل للصفرة ناعم كالحرير وبشرة بيضاء ووجه مستطيل تبدو من عينيه الحدة أحيانا
مع أنه يحمل قلبا طيبا

قال عبدالحميد لمصري ماذا تفعل ..؟
علم لا ينفع وجهل لا يضر ..تضيع نفسك.. إقرأ كتب الفلسفة والمنطق فى الصيف أما الكيمياء والأحياء فلن تستوعبها وحدك  ثم إن  تحصيل الدرجات لمثلك فى العلمي أسهل وأدخل ما شئت من الكليات
نزلت تلك الكلمات كالصاعقة على عقل مصري فأربكته برهة من الوقت ثم خرج بعد نهاية الحصة متوجها للإدارة مغيرا رغبته وأكمل باقى اليوم فى فصل العلمى ...
الفصل المميز درة تاج المدرسة ومحل نظر الناظرين وشغف الشغوفين
لم يكن مصري كثير المذاكرة فقد كان عالي التركيز قليل الجلوس على الكتاب يميز بين التوضيح وبين صلب الموضوع
ومرت الشهور ومصري يدرك أنه فى عنق الزجاجة إما أو ...
وفجاءة فى صبيحة يوم مشرق جميل إستيقظ مصري ليذهب للمدرسة
ففوجئ بوجهه ساخن جدا وأيقظته قسوة الصداع من النوم ...
قاوم مصري وغسل وجهه وتوضأ وتناول قرص أسبرين الدواء المتوفر عند البقالين وفى البيوت لعلاج  الصداع والآلام وأحد مركبات شجرة الصفصاف.
وكان مصري ملتزم جدا بالدراسة لا يفوت يوما
وتحامل على نفسه وذهب للمدرسة
ولكن الحالة لم تهدأ وبدأت تزداد وبدأ  ثقل وتنميل يظهر فى الزراع الأيمن والقدم اليمنى .
تنميل وألم
لم يكمل مصري اليوم الدراسي
ورجع إلى البيت وبدأت رحلة العلاج المريرة
وكعادة المصريين المضاد الحيوي هو أول ما يكتب بالروشته قبل التشخيص..
مضادات حيوية ومنشطات للأعصاب ومسكنات
وظل مصري يتردد بين تلك العيادة وهذا الطبيب لمدة شهر تقريبا ولا فائدة
فى النهاية هدى مصري تفكيره  أن يسافر ليعرض نفسه على طبيب مخ وأعصاب كبير فى الإسكندرية
قام مصرى بإجراء كم من التحاليل والأشعة ورسم مخ
وكانت النتائج السلبية لعينات التحاليل بدلا من أن تسعد مصري تزيده قلقا وتوترا ..
كلما كانت أشعة سليمة وتحاليل سلبية
والحالة كما هى.
كان مصري يموت من المجهول ..
فمعرفة الداء هي نصف الشفاء
دخل مصري على الأستاذ فى المخ والأعصاب وبمجرد حكاية الأعراض للطبيب...
قال الطبيب أنت فى الثانوية العامة ..رد مصري نعم..
هزّ الطبيب رأسه وكأنه شخص الداء ..
فإن كانت الثانوية هي الداء فما هو الدواء
تبسم الطبيب وسرى شيء من الطمأنينة فى نفس مصري وتابع القلم  وهو يخط الروشتة ومصري كله أمنيات أن تكون الروشتة الأخيرة وأن يلحق بالعام الدراسي
 فمع مرضه كان مرور الأيام من غير دراسة هو الأقسى على نفسه
صرف مصري الروشتة من الصيدلية
وبدأ فى تناول الدواء ..
ويا ريت إلى جرى ما كان ...
خمسة عشر يوما مصري فى دنيا غير الدنيا
يستيقظ لينام وحتى وهو مستيقظ نعسان
مهدئات ومنشطات للأعصاب ومنومات
شعر مصري بالدنيا سوداء قاتمة فى عينيه وشعر بالضياع لا يعرف ماذا أصابه ولا يرى أفق للشفاء
 وتمر الأيام .وعنق الزجاجة إمتحانات الثانوية العامة على الأبواب و حلم الجامعة يكاد يتبخر
إستيقظ مصري ذات صباح فأمسك بكيس الدواء ورماه خارج المنزل وأقسم أن لا يضع فى فمه قرص دواء منه بعد الأن
ترى كيف حال الحاجة فاطمة فى هذه الحالة  وهى ترى مصري ينهار أمام عينها
حالة الحاجة فاطمة عصية على الوصف وتأبى الحروف أن تصف حال الأم المكلومة  فى فلذة كبدها...
حزينة قلقة تتمنى لو يشفى مصرى وتتملكها هى كل الأسقام ..ولسانها لا يمل له الدعاء

فى هذا اليوم..حدث أمر غريب
بالتحديد بعد صلاة العصر فوجئ مصري بالشيخ إسماعيل وهو مدرس التربية الرياضية بالمدرسة
 يأتي لزيارته بالمنزل
إسماعيل مدرس وشيخ سلفي طويل اللحية مفتول العضلات عريض المنكبين أسمر اللون رياضي  خطيب لأحد المساجد وأحد المعالجين بالقرآن لأمراض العين والمس والسحر

رحب مصري بأستاذه وكانت تربطهما شبه صداقة لقرب السن فكان إسماعيل حديث التخرج وينتمي للتيار السلفي الذى بدأ يظهر فى الريف ويقتسم المساجد  مع الإخوان والأوقاف
سمع الشيخ من مصري تفاصيل المرض ونهاية القصة بالتخلص من الدواء الذي أدى إلى التوهان ....
طلب الشيخ كوب ماء. أحضرت له الحاجة فاطمة كوب من الماء
فطلب من مصري أن يتذوقه ..
بدأت علامات الدهشة على مصري تظهر ويسأل ما هذا..؟؟
 قال إسماعيل تذوق ....
شرب مصري شربة ماء وتعجب أكثر!!!
 لا شيء الماء طعمه طبيعي
أمسك إسماعيل الكوب وقربه من فمه وجعل ينفث فيه ويقرأ القرآن لبعض الوقت وطلب من مصري أن يشرب ومصري متعجب !!!
بدأ مصري يتذوق بحذر غير مفهوم فإنها نفس الكوب ونفس الماء
بدأ مصري يشرب فإذا بالماء تحول لطعم الخميرة الحاد اللاذع وفيه شيء من المرارة مما جعل مصري يوشك على القيء
لفظ مصري ما تبقى فى فمه من الماء
 وتغير لون وجهه وعلامات الدهشة تكسوه وعشرات التساؤلات تجول بخاطره ولا يجد لها جوابا
أخرج إسماعيل من جيبه ورقة مكتوب عليها بلون أحمر باهت أية الكرسي والمعوذتين وخواتيم البقرة وبعض الآيات القرآنية وطلب حلة ماء
 ووضع الورقة وأذابها فيها وطلب من مصري أن يشرب وأن يغتسل منها وأخرج من جيبه زجاجة مسك حمراء يسمى بالمسك الأصفهاني وطلب من مصري أن يدهن منها ويستمع لسورة البقرة يوميا ...
وخرج إسماعيل ولم يشف شغف مصري  ولم يرد على علامات تعجبه ورغبته فى فهم   ما حدث
وترك إسماعيل  مصري عاجز عن الإستيعاب فمع علاقته بإسماعيل لم يكن يعرف عنه ما فعل أو أنه يمارس هذا العلاج أو الخرافات أو ماذا ...لا يدرى  مصري توصيفا لما حدث ...وماذا فعل ..وكيف تغير الماء ؟؟
مصري قرر أن يخوض التجربة للنهاية فلن يخسر شيء
فجاء بطشت نحاسي فى غرفته وإغتسل من الماء
وشرب ثم ألقى بفضلات الماء فى الطريق بعيد عن الحمام كما وصى الشيخ إسماعيل
ودهن المسك على جبهته 
وغلبه النوم فتغطى ونام نوما عميقا من المغرب حتى صباح اليوم التالي وكان نوما عميقا بلا كوابيس
وفى الصباح ومع دخول أشعة الشمس من شباك الغرفة التي فتحته أم مصري ليغير هواء الغرفة
قام مصري وجلس يتمطع على السرير ويحرك رقبته ويفرقع أصابعه وكأنه قام من نوم أيام متصلة
 قام مصري ليدخل الحمام وهو فى الطريق فوجئ أن ثقل قدمه ويديه قد إنتهى ولا يشعر بصداع ..
حالة غريبة.... أصبحت الصحة حالة غريبة على مصري بعدما  ألف جسده مكبل بقيود لا يدرى ماهيتها وما نوعها..؟
ماذا حدث وكيف حدث ...؟
إنه الماء والمسك ....
فرح مصري وتهللت أسارير الحاجة فاطمة
وشكرا الله على المن بالشفاء بعد عناء
وكان مصري مشغول بأمرين كيف يعوض ما فاته من الدراسة
وما حكاية الماء والمسك والشيخ ؟؟
عاود مصري حمل سلاحه وهى الكراس والقلم وواصل الذهاب للمدرسة متمنيا إدارك ما فاته ومستعينا بالله
وهناك قابل إسماعيل وكان يتلهف الجلوس معه
وتواعدا بعد نهاية اليوم الدراسي
وبعد نهاية اليوم التقيا فسأل إسماعيل مصري عن حالته فأخبره بما حدث فتبسم إسماعيل وشكر الله
وبدأ مصري فى إخراج مكنون نفسه من علامات إستفهام وسأل
هو فيه أيه ؟كان عندي إيه ؟وإيه حكاية الماء ولماذا تغير طعمه ؟
ضحك إسماعيل مهلا مهلا يا عم مصري
كان عندك سحر .....مصرى يكرر سحر !!!!
سحر إيه الى إنته  جاى تقول عليه..
 تعليق ساخر من مصري
تابع إسماعيل نعم سحر فقد شربت الماء بطعمه العادي وهو هو نفس الماء الذي وجدته مرا وما فعلت سوى قراءة بعض الآيات عليه...
رد مصري بعض الآيات
 ولماذا بعض الآيات دون غيرها
وما الورقة المكتوبة بالأحمر وما هذا اللون الأحمر على أصابعك يا أستاذ؟
رد اسماعيل هي ورقة مكتوب عليها بعض الآيات بماء الزعفران وهو المداد الطاهر
وهو ما تظهر آثاره على يدي
 فأنا كنت أكتب وكنت فى جلسة علاج لمريض ممسوس ..
ممسوس !!!علق مصري ...إسماعيل نعم ممسوس نطق الجن على لسانه وأخبر عن سبب المس
قسمات وجه مصري توضح رفضه التام لما يقوله إسماعيل وعدم قناعته به
ولما أحس إسماعيل بذلك دعي مصري لحضور حالة علاج وسماع الجني يتكلم على لسان
المصروع  بنفسه
رفض مصري هذا العرض وقال للشيخ آتني سندا من كتاب الله وسنة رسوله على جواز ما تفعل وطبيعة وجوده أكن من المصدقين أما حكاية أن أرى ..
 فخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ومن خيل إليه كان  نبي
ومن هنا كانت بداية رحلة جديدة لمصري فى البحث عن الحقيقة
وكان إسماعيل مفتاحا آخر من مفاتيح شخصية مصري
وبدأ مصري يرى إسلاما آخر غير الإسلام التقليدي لدى العامة وغير إسلام الإخوان المسلمين

وقف مصرى مع نفسه برهه ..فقد كان مع الإخوان يرى أنهم هم الإسلام ..واليوم إسلام جديد ..!!
لا ..الإسلام واحد والقرآن واحد والدين واحد
إن شئت إذا  فقل فهم جديد للإسلام فهل تكون المحطة الختامية

ليهبط فيها الطائر ويستريح من التحليق والبحث ...ربما يجد الحقيقة هناك
ولكن من الواضح أن الإسلام يختلف عن الإسلاميين

















                         الفصل السابع ...

                       مصري والسلفية
هذا الحبيب محمد يا محب ..
الكتاب الأول الذى أقرضه  إسماعيل لمصري
 وهو كتاب سيرة يتناول الشيخ أبو بكر الجزائري فيه قضية السحر والمس والعلاج بالرقى وجواز إستخدام بعض الآيات للعلاج
 وتوالت الكتب وإستمر النقاش الفكري لشهور
وإقترب مصري  من المدرسة السلفية ووجد  مدرسة تنأى بنفسها عن السياسة وتهتم بالعقيدة وتصويب مسارها الذي أصابه كثيرا من الإعوجاج
وجد مدرسة ترجع إلى هناك حيث خير القرون والذي يليه
وتهرب من الفرقة والاختلافات فى طيات الماضي ونصرة للنقل على العقل وكبح جماح الهوى بتقييد دور العقل وحصره فى النقل وتدقيقه وتصنيفه ..

وجد مدرسة مهتمة بالتجويد والعقائد ومنابع الفقه ومهتمة بظاهر العبادات وباطنها
كان العلاج بالقرآن وقضية المس والسحر مدخلا مهما من مداخل هذه المدرسة على العامة وحاربوا كثيرا السحرة المشعوذين ..
وفى يوم من الأيام ..حدثت مفاجأة..!!!

من غريب ما هال مصري فى هذا اليوم  أنه وجدت الشيخ إسماعيل يهديه كتاب معالم فى الطريق للقطب الإخوانى سيد قطب
وذالك الكتاب كان له صيت خاص وكان يعتبر بمثابة التهمة لمن يوجد فى حوزته ولكن لم يكن هذا مكمن العجب ..كان مكمن التعجب أن مصرى بدأ يلاحظ المسافة الشاسعة بين المدرستين السلفية والإخوانية  وسيد قطب علم من اعلام مدرسة الإخوان وخاصة بعد إنضمامه وسيطرة أتباعه على مفاصل الجماعة
فسأل مصرى  الشيخ إسماعيل  لماذا أنتم جماعتان ولماذا لا تتحدان وتوحدوا الصف وتعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ..؟
وكانت حالة الكراهية بين إسماعيل السلفي وأشرف الإخوانى واضحة
وكان الجواب القاسي الذي نزل على مسامع مصري كالصاعقة إنهم عقيدة فاسدة ..
يا إلاهى عقيدة فاسدة ..!!!!!
وكيف تتبع سيد قطب وهو منهم  فكان الرد لقد تخلوا عن سيد قطب إرجع فراجع كلام سيد قطب فى مجلس الشعب والحكم بغير ما أنزل الله
لقد خانوا الدين وباعوا العقيدة
كانت كلمات صادمة وتذكر مصري  وقتها أن بأس هذه الأمة بينها شديد
قال مصري يا شيخي الكريم هو من يصلى الفجر ويلتزم المظاهر ويعى حمل للواء الشريعة  ويجمعك به هدف واحد  فاسد العقيدة فما بال العامة !!!
والمفارقة أن علاقة الإخوان والسلفيين بالعامة كانت أفضل من علاقتهم يبعضهم البعض
ووجد مصري فارق كبير بين أدبيات الدعوة سواء فى الإخوان أو السلفيين وما بين المنتسبين أنفسهم وكانت الطامة الكبرى أن كل منهم يرى نفسه الإسلام ويظن أنه يحتكر الحقيقة المطلقة

فى هذه الفترة كان مصري مسار همز وسخرية من الإخوان حتى قابله أحدهم يوما وداعبه ساخرا ما أخبار العفاريت
رميا بالكلام على السلفيين

عاش مصري مع الأدبيات السلفية فترة من الروحانية والقرب من الله وصفاء الروح والغوص فى حقيقة التوحيد وجال بخاطره منظر القبة الأرابيسك التي يرقد بها الولي فى القرية وما كان يحدث فيها من بدع وشركيات ونذر وإستعانة بغير الله
عاش مع بن القيم وفى ربوع بن تيمية وفى كلمات التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب
ولكن الإهتمام بالمظاهر والتشبث بالماضي وتغييب دور العقل إلى حد كبير والظن لدى البعض أنهم بشر من عجينة خاصة  واصطناع هالة مزيفة من الورع والتقى والتمسك بشكليات والتشدد فى فرعيات والتهاون فى أصول كمجابهة الظالمين والاعتقاد لدى البعض  أن التدين تقعر فى اللغة وأن الدين عبادات ومظاهر وتقليد ومبالغة أحيانا فى العبادات
جعل مصري يفرد جناحيه ويهرب من قفص السلفيين ويحلق بعيدا فى السماء ويبحث عن المحبوبة ..
ويهفوا قلبه للقاء مصرية التي تخيلها فى الفترة الأخيرة بالنقاب وإن كان النقاب لم ينجح فى إخفاء سحر عينيها .....
أين هي ؟؟ ومتى اللقاء .؟؟
                 













مشاركة
مواضيع مقترحة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام