حكاية مصرى ..متوفرة بأكشاك ومقار جريدة الجمهورية
إسم الكتاب ..حكاية مصرى
النوع...رواية
المؤلف ..د.عاطف عبدالعزيز عتمان
المقدمة ..الأديبة والشاعرة أميرة الرويقى
الناشر...دار الجندى للطبع والنشر
الطبعة الأولى ...يونيو 2013
.. مصري فى
مواجهة المجهول
توالت الأيام وكانت مقولات العلامة الشيخ محمدالغزالى
وكتبه وفكره المستنير الراقي ومفهومه العميق للدين هم الصيد الثمين الذي خرج به
مصري من عباءة الإخوان
أهتم مصري بالدراسة
وتأثر فى تلك المرحلة بكتب الدكتور مصطفى محمود وكان يتذكر ذلك البرنامج التاريخي
صاحب الصيت الواسع الذى جمع المصريين من مثقفين وعامة وبسطاء حول شاشات التلفاز
ليستمتع العقل وتطرب الأذن بذلك الصوت الرخيم وتلعب موسيقى برنامج العلم والإيمان
الخالدة فى الوجدان على أوتار القلوب
وتنعش العقول.
وكان كتيب عصر القرود مع صغر صفحاته وقلة كلماته وعمق
معانيه غنيمة لمصري
فقد ساعده على كشف الأقنعة عن الكثير من الأمور والشخوص
فى هذا العصر....
العصر الذى تخيل مصري
كثيرا أنه ليس عصره وأنه جاء فى الزمان الخاطئ ..
فما بين الكذب والكراهية والنصب والتملق والظلم
واللؤم
وجد مصري نفسه غريبا فى هذا الزمان
وتمنى لو أن قاطرة التاريخ تعود به إلى هناك حيث المشكاة تنير جنبات الكون ..
حيث الإيثار والحب والحلم والوفاء ومكارم الأخلاق
جاء عصر القرود
للطبيب الفيلسوف مصطفى محمود ليشخص الداء ويكتب الدواء ويرتب أوراق مصري
الذهنية ويتأكد أنه ليس الغريب الأوحد ولكن الغرباء كثر فى هذا الزمان وفى كل زمان
ومكان
وبقى هنالك خياران إما أن تحيى إنسانا أو تعيش قردا تتلاعب على الحبال
وتفضح سؤتك التي سترها الستير الحليم
وجاء يوم الإختيار وما أصعب القرار لأولى العقول
والأفهام
فى ظهر يوم الخميس الأخير قبل إمتحانات الصف الثاني
الثانوى تم توزيع إستمارة ليحدد كل طالب الشعبة التي سيدخلها فى الثانوية العامة
أدبي أم علمي
وإختار مصري الأدبي لأنه كان يرسم لنفسه طريقا فى
الصحافة أو المحاماة ويتخيل ذلك الروب الأسود
وهو واقف يمارس هوايته الخطابية ويستعرض مهاراته اللغوية وقدرته على الإقناع فى نصرة
المظلوم وإحقاق الحق ..
أو هذا القلم السيف بيمينه يحارب به الفساد ويكشف
المستور وينصر المظلوم ويمارس السلطة الرابعة
وكان الصراع أن الطلبة المتفوقون مسارهم الطبيعي هو العلمي
والأدبي فى العادة يكون لكارهي الفيزياء والمرعوبين
من الرياضيات والتائهين فى مركبات الكيمياء العضوية
إختار مصري الأدبي
وجاءت الإجازة الصيفية وكالعادة بدأ الطلاب يستعدون للثانوية العامة قبل
العام الدراسي بشهر .
محمود وعلى
أبناء القرية وزملاء مصري دخلوا العلمي ناظرين إلى كليات القمة من طب
وصيدلة وهندسة
ومصري جلس يطالع كتب المنطق ويغوص فى علم النفس
والفلسفة ولم يجد صعوبة فى استيعابها جميعا قبل بدء الدراسة وجاء العام الدراسي
ودخل مصري الفصل الأدبي الواقع على يمين الفصل العلمي
فكان هناك فصلين أدبي وفصل علمي واحد وكان الفصل العلمي
محل اهتمام المدرسة ففيه الصفوة والنخبة وكل الآمال معلقة بهؤلاء..
بعد أسبوع دخل مدرس الأحياء عبدالحميد على مصري وكان
يحبه
وكان عبدالحميد ذو ملامح أوربية من شعر يميل للصفرة
ناعم كالحرير وبشرة بيضاء ووجه مستطيل تبدو من عينيه الحدة أحيانا
مع أنه يحمل قلبا طيبا
قال عبدالحميد لمصري ماذا تفعل ..؟
علم لا ينفع وجهل لا يضر ..تضيع نفسك.. إقرأ كتب
الفلسفة والمنطق فى الصيف أما الكيمياء والأحياء فلن تستوعبها وحدك ثم إن
تحصيل الدرجات لمثلك فى العلمي أسهل وأدخل ما شئت من الكليات
نزلت تلك الكلمات كالصاعقة على عقل مصري فأربكته برهة
من الوقت ثم خرج بعد نهاية الحصة متوجها للإدارة مغيرا رغبته وأكمل باقى اليوم فى
فصل العلمى ...
الفصل المميز درة تاج المدرسة ومحل نظر الناظرين وشغف
الشغوفين
لم يكن مصري كثير المذاكرة فقد كان عالي التركيز قليل
الجلوس على الكتاب يميز بين التوضيح وبين صلب الموضوع
ومرت الشهور ومصري يدرك أنه فى عنق الزجاجة إما أو
...
وفجاءة فى صبيحة يوم مشرق جميل إستيقظ مصري ليذهب
للمدرسة
ففوجئ بوجهه ساخن جدا وأيقظته قسوة الصداع من النوم
...
قاوم مصري وغسل وجهه وتوضأ وتناول قرص أسبرين الدواء
المتوفر عند البقالين وفى البيوت لعلاج الصداع والآلام وأحد مركبات شجرة الصفصاف.
وكان مصري ملتزم جدا بالدراسة لا يفوت يوما
وتحامل على نفسه وذهب للمدرسة
ولكن الحالة لم تهدأ وبدأت تزداد وبدأ ثقل وتنميل يظهر فى الزراع الأيمن والقدم
اليمنى .
تنميل وألم
لم يكمل مصري اليوم الدراسي
ورجع إلى البيت وبدأت رحلة العلاج المريرة
وكعادة المصريين المضاد الحيوي هو أول ما يكتب
بالروشته قبل التشخيص..
مضادات حيوية ومنشطات للأعصاب ومسكنات
وظل مصري يتردد بين تلك العيادة وهذا الطبيب لمدة شهر
تقريبا ولا فائدة
فى النهاية هدى مصري تفكيره أن يسافر ليعرض نفسه على طبيب مخ وأعصاب كبير
فى الإسكندرية
قام مصرى بإجراء كم من التحاليل والأشعة ورسم مخ
وكانت النتائج السلبية لعينات التحاليل بدلا من أن
تسعد مصري تزيده قلقا وتوترا ..
كلما كانت أشعة سليمة وتحاليل سلبية
والحالة كما هى.
كان مصري يموت من المجهول ..
فمعرفة الداء هي نصف الشفاء
دخل مصري على الأستاذ فى المخ والأعصاب وبمجرد حكاية
الأعراض للطبيب...
قال الطبيب أنت فى الثانوية العامة ..رد مصري نعم..
هزّ الطبيب رأسه وكأنه شخص الداء ..
فإن كانت الثانوية هي الداء فما هو الدواء
تبسم الطبيب وسرى شيء من الطمأنينة فى نفس مصري وتابع
القلم وهو يخط الروشتة ومصري كله أمنيات
أن تكون الروشتة الأخيرة وأن يلحق بالعام الدراسي
فمع مرضه كان
مرور الأيام من غير دراسة هو الأقسى على نفسه
صرف مصري الروشتة من الصيدلية
وبدأ فى تناول الدواء ..
ويا ريت إلى جرى ما كان ...
خمسة عشر يوما مصري فى دنيا غير الدنيا
يستيقظ لينام وحتى وهو مستيقظ نعسان
مهدئات ومنشطات للأعصاب ومنومات
شعر مصري بالدنيا سوداء قاتمة فى عينيه وشعر بالضياع
لا يعرف ماذا أصابه ولا يرى أفق للشفاء
وتمر الأيام .وعنق الزجاجة
إمتحانات الثانوية العامة على الأبواب و حلم الجامعة يكاد يتبخر
إستيقظ مصري ذات صباح فأمسك بكيس الدواء ورماه خارج
المنزل وأقسم أن لا يضع فى فمه قرص دواء منه بعد الأن
ترى كيف حال الحاجة فاطمة فى هذه الحالة وهى ترى مصري ينهار أمام عينها
حالة الحاجة فاطمة عصية على الوصف وتأبى الحروف أن
تصف حال الأم المكلومة فى فلذة كبدها...
حزينة قلقة تتمنى لو يشفى مصرى وتتملكها هى كل
الأسقام ..ولسانها لا يمل له الدعاء
فى هذا اليوم..حدث أمر غريب
بالتحديد بعد صلاة العصر فوجئ مصري بالشيخ إسماعيل
وهو مدرس التربية الرياضية بالمدرسة
يأتي لزيارته بالمنزل
إسماعيل مدرس وشيخ سلفي طويل اللحية مفتول العضلات
عريض المنكبين أسمر اللون رياضي خطيب لأحد
المساجد وأحد المعالجين بالقرآن لأمراض العين والمس والسحر
رحب مصري بأستاذه وكانت تربطهما شبه صداقة لقرب السن
فكان إسماعيل حديث التخرج وينتمي للتيار السلفي الذى بدأ يظهر فى الريف ويقتسم
المساجد مع الإخوان والأوقاف
سمع الشيخ من مصري تفاصيل المرض ونهاية القصة بالتخلص
من الدواء الذي أدى إلى التوهان ....
طلب الشيخ كوب ماء. أحضرت له الحاجة فاطمة كوب من
الماء
فطلب من مصري أن يتذوقه ..
بدأت علامات الدهشة على مصري تظهر ويسأل ما هذا..؟؟
قال إسماعيل تذوق ....
شرب مصري شربة ماء وتعجب أكثر!!!
لا شيء الماء
طعمه طبيعي
أمسك إسماعيل الكوب وقربه من فمه وجعل ينفث فيه ويقرأ
القرآن لبعض الوقت وطلب من مصري أن يشرب ومصري متعجب !!!
بدأ مصري يتذوق بحذر غير مفهوم فإنها نفس الكوب ونفس
الماء
بدأ مصري يشرب فإذا بالماء تحول لطعم الخميرة الحاد
اللاذع وفيه شيء من المرارة مما جعل مصري يوشك على القيء
لفظ مصري ما تبقى فى فمه من الماء
وتغير لون وجهه وعلامات
الدهشة تكسوه وعشرات التساؤلات تجول بخاطره ولا يجد لها جوابا
أخرج إسماعيل من جيبه ورقة مكتوب عليها بلون أحمر
باهت أية الكرسي والمعوذتين وخواتيم البقرة وبعض الآيات القرآنية وطلب حلة ماء
ووضع الورقة وأذابها فيها
وطلب من مصري أن يشرب وأن يغتسل منها وأخرج من جيبه زجاجة مسك حمراء يسمى بالمسك الأصفهاني
وطلب من مصري أن يدهن منها ويستمع لسورة البقرة يوميا ...
وخرج إسماعيل ولم يشف شغف مصري ولم يرد على علامات تعجبه ورغبته فى فهم ما حدث
وترك إسماعيل
مصري عاجز عن الإستيعاب فمع علاقته بإسماعيل لم يكن يعرف عنه ما فعل أو أنه
يمارس هذا العلاج أو الخرافات أو ماذا ...لا يدرى
مصري توصيفا لما حدث ...وماذا فعل ..وكيف تغير الماء ؟؟
مصري قرر أن يخوض التجربة للنهاية فلن يخسر شيء
فجاء بطشت نحاسي فى غرفته وإغتسل من الماء
وشرب ثم ألقى بفضلات الماء فى الطريق بعيد عن الحمام
كما وصى الشيخ إسماعيل
ودهن المسك على جبهته
وغلبه النوم فتغطى ونام نوما عميقا من المغرب حتى
صباح اليوم التالي وكان نوما عميقا بلا كوابيس
وفى الصباح ومع دخول أشعة الشمس من شباك الغرفة التي
فتحته أم مصري ليغير هواء الغرفة
قام مصري وجلس يتمطع على السرير ويحرك رقبته ويفرقع
أصابعه وكأنه قام من نوم أيام متصلة
قام مصري ليدخل الحمام وهو
فى الطريق فوجئ أن ثقل قدمه ويديه قد إنتهى ولا يشعر بصداع ..
حالة غريبة.... أصبحت الصحة حالة غريبة على مصري
بعدما ألف جسده مكبل بقيود لا يدرى
ماهيتها وما نوعها..؟
ماذا حدث وكيف حدث ...؟
إنه الماء والمسك ....
فرح مصري وتهللت أسارير الحاجة فاطمة
وشكرا الله على المن بالشفاء بعد عناء
وكان مصري مشغول بأمرين كيف يعوض ما فاته من الدراسة
وما حكاية الماء والمسك والشيخ ؟؟
عاود مصري حمل سلاحه وهى الكراس والقلم وواصل الذهاب
للمدرسة متمنيا إدارك ما فاته ومستعينا بالله
وهناك قابل إسماعيل وكان يتلهف الجلوس معه
وتواعدا بعد نهاية اليوم الدراسي
وبعد نهاية اليوم التقيا فسأل إسماعيل مصري عن حالته
فأخبره بما حدث فتبسم إسماعيل وشكر الله
وبدأ مصري فى إخراج مكنون نفسه من علامات إستفهام وسأل
هو فيه أيه ؟كان عندي إيه ؟وإيه حكاية الماء ولماذا
تغير طعمه ؟
ضحك إسماعيل مهلا مهلا يا عم مصري
كان عندك سحر .....مصرى يكرر سحر !!!!
سحر إيه الى إنته
جاى تقول عليه..
تعليق ساخر من مصري
تابع إسماعيل نعم سحر فقد شربت الماء بطعمه العادي
وهو هو نفس الماء الذي وجدته مرا وما فعلت سوى قراءة بعض الآيات عليه...
رد مصري بعض الآيات
ولماذا بعض
الآيات دون غيرها
وما الورقة المكتوبة بالأحمر وما هذا اللون الأحمر
على أصابعك يا أستاذ؟
رد اسماعيل هي ورقة مكتوب عليها بعض الآيات بماء الزعفران
وهو المداد الطاهر
وهو ما تظهر آثاره على يدي
فأنا كنت
أكتب وكنت فى جلسة علاج لمريض ممسوس ..
ممسوس !!!علق مصري ...إسماعيل نعم ممسوس نطق الجن على
لسانه وأخبر عن سبب المس
قسمات وجه مصري توضح رفضه التام لما يقوله إسماعيل
وعدم قناعته به
ولما أحس إسماعيل بذلك دعي مصري لحضور حالة علاج
وسماع الجني يتكلم على لسان
المصروع بنفسه
رفض مصري هذا العرض وقال للشيخ آتني سندا من كتاب
الله وسنة رسوله على جواز ما تفعل وطبيعة وجوده أكن من المصدقين أما حكاية أن أرى
..
فخيل إليه من
سحرهم أنها تسعى ومن خيل إليه كان نبي
ومن هنا كانت بداية رحلة جديدة لمصري فى البحث عن
الحقيقة
وكان إسماعيل مفتاحا آخر من مفاتيح شخصية مصري
وبدأ مصري يرى إسلاما آخر غير الإسلام التقليدي لدى
العامة وغير إسلام الإخوان المسلمين
وقف مصرى مع نفسه برهه ..فقد كان مع الإخوان يرى أنهم
هم الإسلام ..واليوم إسلام جديد ..!!
لا ..الإسلام واحد والقرآن واحد والدين واحد
إن شئت إذا فقل فهم جديد للإسلام فهل تكون المحطة الختامية
ليهبط فيها الطائر ويستريح من التحليق والبحث ...ربما
يجد الحقيقة هناك
ولكن من الواضح أن الإسلام يختلف عن الإسلاميين
ليست هناك تعليقات: