✦ حياد المشاعر والأحكام: أن ترى الظلم ولا تُدين، أن ترفض الشرّ دون أن تكره ✦
🔸في عالمٍ يتسارع فيه كل شيء، وتعلو فيه أصوات الانفعال فوق همسات التأمل، يصبح الحُكم السريع على الآخرين أشبه بردّ فعل غريزي… نُسارع إلى تصنيف الناس: هذا ظالم، ذاك أناني، تلك قاسية، وهؤلاء سيئون.
لكن… هل هذه أحكام عادلة؟
وهل نحن منصفون أصلًا عندما نُدين الآخرين من أبراج وعينا المحدود؟!
سؤال خطير 🙋
👈 هل إذا توقفنا عن إصدار الأحكام، سنصبح سلبيين، لا نحرك ساكنًا أمام الخطأ والظلم؟
فلنفتح هذه العقدة... بهدوء وصدق ووعي.
الإدانة تنبع من مركز الأنا، حين تجلس داخليًا في مقعد القاضي الأخلاقي، وتقول: "أنا أعلم ما هو الحق، وما دونه باطل، وهؤلاء مذنبون... كم مرة وقعت في هذا الفخ؟
لكن التمييز شيء آخر.
التمييز فعل وعي، لا حُكم.
هو القدرة على رؤية الخطأ، فهمه، تسميته، ولكن دون أن نحشر الشخص الذي ارتكبه في قفصٍ أبدي من اللوم.
الإدانة تحكم على الجوهر.
التمييز يصف السلوك دون أن يصادر جوهر الإنسان.
🦌افصل الفعل عن الفاعل… فإن رفضت الفعل، فلا ترفض الإنسان.
مبدأ روحي متجذر في التعاليم المسيحية والبوذية والإسلامية.
---
❖ هل الحياد الشعوري سلبية؟
أبدًا.
الحياد الشعوري ليس خيانة للقيم، بل تحرر من الانفعال.
أن تكون محايدًا شعوريًا لا يعني أنك بارد أو عديم الإحساس، بل أنك لا تُعطي لأهوائك القيادة.
حين ترى ظلمًا… تشعر بالغضب، نعم.
لكنك لا تسمح للغضب أن يُعمي بصيرتك أو يُسقطك في كراهية الآخر.
الحياد هنا يعني أن تتجاوز ردّ الفعل العاطفي الغريزي، وتدخل في منطقة الفعل الواعي.
هذا هو الحياد الناضج: أن ترى دون أن تُظلم، أن تقول رأيك دون أن تُجرّح، أن تواجه دون أن تَكره.
---
❖ هل يعني ذلك ألا أتكلم؟ ألا أقاوم الظلم؟
بالعكس.
الوعي لا يعني الصمت، بل يعني أن تعرف متى تتكلم، وكيف، وبأي نية.
تقول: هذا الفعل لا أخلاقي.
تقاوم القمع، وتواجه الفساد، وتُعبّر عن موقفك.
ترفض أن تكون شريكًا في سكوتٍ يمنح الباطل شرعية.
لكنك تفعل هذا كله وأنت تعلم أن الآخر ليس شرًّا مطلقًا، بل إنسانًا تصرّف من داخل ألمه، أو جهله، أو خوفه.
قال ابن القيم:
انظر إلى الفعل، لا إلى الفاعل… فكم من مخطئٍ لو علم ما تعلم ما فعل ما فعل.
---
❖ رفض الفعل ≠ رفض الإنسان
هذه معادلة تُحرر القلب.
حين تفصل بين الفعل والفاعل، بين الظلم والظالم ، تُصبح قادرًا على:
🔸تسمية الخطأ دون حقد
🔸مقاومة الظلم دون كراهية الظالم
🔸توجيه رسالة دون أن تسقط في دور المُخلّص أو القاضي.
🔸الإنسان ليس خطأه، حتى وإن تكررت زلّاته.
وربما – فقط ربما – كانت صرخة الظلم التي أطلقها، نابعة من جُرحٍ لم يُعالَج بعد. وهذا لا يُبرر ما فعل، لكنه يُفسّر، ويُمهد طريق الرحمة جنبًا إلى جنب مع الحق... تفسير الفاعل لا يبرره بل يفتح أفق في تناوله برحمة.
---
❖ الإدانة تقتل التواصل، والوعي يُحييه
حين تُدين الآخر، تقطع بينك وبينه جسور التفاهم.
تغلق قلبك.
تُصبح مشغولًا بعيوبه لا بإنسانيته.
أما حين تُبصر بوعي، تُصبح قادرًا على أن تفهم، وتحتضن، وتُوجّه، دون أن تفقد صلتك بالقيم.
---
❖ خلاصة: كيف أعيش الوعي دون سلبية؟
1. ارفض الخطأ، بوضوح.
لا تنكر الألم، ولا تُزيّف الواقع.
2. افصل بين الفعل والفاعل.
لا تُسقِط على الناس أبدية الذنب.
3. افهم قبل أن تحكم.
ما لا تعرفه عن حياة الآخر أكثر بكثير مما تراه.
4. اختر الاستجابة الواعية، لا ردّ الفعل.
الصمت أحيانًا قوة، والصوت أحيانًا شفاء.
5. لا تنسَ نفسك.
كما تُخفّف الأحكام على الآخرين، خفّفها على ذاتك أيضًا.
6.الخطأ ليس وصمة عار ،انتقد لتحسن لا لتدين
7. احترم بشريتك
---
✦ الختام: كن كما النور ✦
النور لا يُدِين الظلمة، بل يكشفها.
لا يصرخ فيها، بل يتسلل، فيُبددها بهدوء.
كن هذا النور.
قف مع الحق، وقل كلمتك، وكن حازمًا… لكن لا تفقد رِقّة قلبك.
لأن من فقد قلبه أثناء محاربة الظلم، صار امتدادًا له دون أن يدري... من فقد قلبه أثناء محاربة الظلم، صار امتدادًا له دون أن يدري.
ليست هناك تعليقات: