الأبوة والبنوة في المسيحية مع الدكتور يوسف قدو في ظلال صلاة الإنسانية ثورة حالم في واحة في الحلقة 2 من الحوار ال 18 من الرحلة.
الابوة في الكتاب المقدس
سؤال يجول بخاطرنا هل هناك إشكالية في أن يخلق الله السيد المسيح بلا أب ويكون آية منه ، كيف تنظر المسيحية لوحدانية الله وصفاته وحقيقة وكنه السيد المسيح عليه السلام.
ــ من أدق المسائل عندنا هي مسألة الأبوة والبنوة، وقد تعددت الأفهام المسيحية حول هذه المسألة، فضلاً عن أفهام غير المسيحيين من يهود ومسلمين، وأستطيع أن أشبهها لك بقضية الاستواء الواردة عندكم في القرآن ((واستوى على العرش))، هل هو استواء مادي أو معنوي، فقد تفرّق المسلمون شيعاً في فهم معناها وتفسيرها، فالقضية تتعلق بالفهم وبمستوى الفهم وإدراك طبيعة الدلالة، فضلاً عن الاسترزاق غير المشروع بها من قبل البعض.
ــ الأصل في قضية (البنوة) هو إعطاء الصلة المعنوية بين المسيح والله، وليست الصلة المادية كما يُفهم، هي من أجل إعطاء صفة السماوية لمعجزات المسيح، هي من أجل نسبة معجزاته إلى الرب، فالمراد بكلمة (الابن) أن تدل دلالة (إنية) على المعجزات، فكل المعجزات هي من الرب، مثلما يكون الابن من الأب ويدل عليه إنياً، وهذا ما أورده يوحنا: ((ونحن أنفسنا نشهد أن الآب قد أرسل الابن مخلصاً للعالم، لأننا رأيناه بعيوننا، من يعترف بأن يسوع هو ابن الله، فإنّ الله يثبت فيه، وهو يثبت في الله))، فالمسيح هو ابن الله، لكن ليست البنوة البشرية، إذ ورد في إنجيل لوقا: ((سلام، أيتها المنعم عليها! الرب معك: مباركة أنت بين النساء، فاضطربت لكلام الملاك، وساءلت نفسها: ما عسى أن تكون هذه التحية؟!
فقال لها الملاك: لا تخافِ يا مريم، فإنك قد نلت نعمة عند الله! وها أنتِ ستحبلين وتلدين ابناً، وتسمينه يسوع، إنه يكون عظيماً، وابن العلي يدعى))، فكان الملاك هو المرسَل إلى مريم من الرب، وطمئنها بأنّ الرب معها في أمرها.
ــ إنّ القضية الأولى في عقيدتنا هي التوحيد، كما أورد مرقس: ((أولى الوصايا جميعاً هي: اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد، فأحبْ الرب إلهك، بكل قلبك، وبكل نفسك، وبكل فكرك، وبكل قوتك، هذه هي الوصية الأولى))، ولكي أقرب لك المعنى أضرب لك مثالاً من عقائدكم الدينية، ففي دينكم الأصل هو التوحيد، وما الصفات الإلهية من عدل وحياة وعلم وقدرة وإرادة إلاّ مظهر من مظاهر التوحيد، مع أنها صفات ذات، بل كل شيء في الوجود هو مظهر للوحدانية، وما المسيح وروح القدس إلاّ مظهر من مظاهر الوحدانية، فالمسيح هو فكر الله، وقد ناداه الرب بقوله: ((أنا هو الرّب إلهك، ولا يكون لك إله غيري))، وقد أقر المسيح بهذه الربوبية والوحدانية بقوله: ((الربّ إلهنا ربّ واحد، ولا آخر سواه))، فعلاقة المسيح بالرب يُنظر إليها من جانبين، الأول هو الجانب الإلهي، باعتبار صلة المسيح بالرب، وإنه فكر الرب، والجانب الثاني هو الجانب المادي باعتبار صلة المسيح بالعالم المادي الذي يتعالى الرب عنه مطلقاً، فالمسألة تكون أوضح إذا رجعنا قليلاً إلى الحكمة عند أرسطو إلى نظرية العقل والعاقل والمعقول التي فيما بعد أخذ بها حكماء الإسلام كابن سينا وابن رشد لتفسير كيفية نشوء الموجودات عن الله، أيضاً المسألة ستكون واضحة عندكم إذا رجعتم إلى نظرية الإنسان الكامل عند المتصوفة ونظرية الحقيقة المحمدية والنور المحمدي وأنّ الله أول ما خلق نور محمد ومنه خلق الخير كله، فالنور المحمدي هو مظهر من مظاهر التوحيد لأنّ الواحد لا يصدر منه إلاّ واحد، وإذا تعمقنا في نظرية الحلاج والسهروردي المقتول ورابعة العدوية شهيدة العشق الإلهي وابن عربي، نجد أنّ نظرياتهم تعبر عن تجسّد الرب بالعالم والعالم المادي حتى، وكل هذا هو رمز، وإلاّ ما معنى أن يقول أحدهم ((ما في هذه الجبة إلاّ الله)؟!
وما معنى نظرية وحدة الوجود؟!
فالقضية أعمق ولا يمكن تناولها بالبساطة المعهودة عند العامة
ليست هناك تعليقات: