مساحة إعلانية

يزيد يصرخ ...الحسين ظالما !

عاطف عبدالعزيز عتمان أغسطس 19, 2021




عاطف عتمان يكتب .. يزيد يصرخ ... الحسين ظالما !

أبدأ من حيث انتهى الكاتب الصحفي محمد الباز في مقاله ومن النتيجة التي وصل إليها عبر خلط للأوراق فيصل بنهاية مقاله لهذه النتيجة الكارثية من وجهة نظري فيقول: (احبوا الحسين، اعشقوه، علقوا صوره على حوائط بيوتكم، اذهبوا إلى ضريحه، اطلبوا شفاعته، واصلوا تعظيم أسطورته.. لكن أنصحكم وأنتم فى حربكم مع الحياة، لا تتعاملوا بمنطقه، فمنطق يزيد هو الأجدى.) يريد الباز بكائية أو جدارية أو مقاما يمتص المشاعر ويعلنها أن منطق يزيد هو الأجدى، وتركض الأريام عبر عجلة الزمن لتشاهد المشهد الحسيني وتحصى كم واحد من الشهود كان لهم السبق فيما وصل إليه الكاتب ورأوا النور فأغمضوا عنه وعلموا الحق فزهدوه خوفا أو طمعا. يٌنَظر الكاتب لدنيا بلا قيم، ومنطق المصلحة، ونظرية الحاكم المتغلب، والدين اللايت الفلكلوري، فيعلنها أن منطق يزيد هو الأجدى، وللكاتب هنا وجهة نظر تستحق النقاش بعيدا عن الغضب والانفعال، فالرجل عبر عن مفهومه بجملة في حربكم مع الحياة، فلدينا منطق الحسين ومن سلفه أو خلفه ومنطق يزيد ومن سلفه أو خلفه، ولا شك أنه بالنظر للتاريخ الإنساني سنجد الغلبة لمنطق يزيد منذ آدم عليه السلام إلى يومنا وحتى قيام الساعة . الصراع بين الفكرتين قديم ومستمر وما تلبث الأرض أن تخضع لمنطق يمثله الحسين في فترات على استحياء حتى يعود منطق يزيد ليسيطر، فما أن ينتصر النبي أو المصلح ويقيم أركان العدل حتى تتهدم برحيله وتسرق رسالته وتحرف، ويتحول الدين من ثورة عدل على أيدي الأنبياء والمصلحين إلى سوط في يد الجلاد برعاية الكهنة، ويبدأ صراع الدين ضد الدين، دين الثورة ضد دين الأفيون، دين الأنبياء ضد دين الكهنة . نعم يا أستاذ باز من هذا المنطلق فمنطق يزيد هو الأجدى ولولا أنني أؤمن باليوم الآخر وميزان عدل ينصب ونهاية رحلة بجنة أو نار، وحالة فطرية إنسانية تستقبح منطقه هذا، وضمير مؤرق، لصرخت معك بصوت يزيد ...الحسين ظالما، ولرددت قولتك منطق يزيد أجدى. وقفت عند قول ربي الذي أؤمن به (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) فأدركت كيف فكر الحسين ومن هنا كان منطق الحسين أجدى وكان الحسين رسالة (وليس مجرد شخص) سبقه بها من سبق ولحق به من لحق، وهذا هو الفرق بين المنطقين وأهل المنطقين وإن غلب منطق منهما على الآخر إلا أن القضية الحقيقية للإنسان هي مع أي المنطقين يعيش ومع أيهما ينهي الرحلة .
من الأقوال المشهورة للنفري الذي ظلمه الصحفي محمد الباز بتصدير مقولته الشهيرة (كلما اتسعت الرؤية، ضاقت العبارة) مقاله المعوج منطقا وعقلا وفطرة والمسمى الحسين ظالما قول النفري في المخاطبة : يا عبدُ، من صبر عن سواي أبصر نعمتي، وإلا فلا. وفي الموقف التاسع قال: وقال لي: سدَّ باب قلبك الذي يدخل منه سواي، لأن قلبك بيتي.
وقال أيضا في الموقف الحادي والعشرين:أوقفني في ما يبدو فرأيته لا يبدو فيخفى ولا يخفى فيبدو ولا معنى فيكون معنى.
ترى هل سبر الكاتب أغوار العبارة ووعى عمق فكر الشخص المنسوبة إليه أم اعتمد عليها كجملة مفتاحية تساعد على رواج المحتوى وفق أبجديات السيو ؟
بدأ الباز المقال بدغدغة المشاعر وذكر فضل الحسين وجهاد الحسين والقلة التي نصرته ووضوح معالم رسالته ولم يغفل ذكر معاوية ووصيته ليزيد وكيف انتهك هذا الشقي أشرف الحرمات حتى أنك تظن أن للعنوان مغزى خفي عن معنى ظاهر! ثم يذهب الباز ليستحضر صلح الحديبية ويطالب رواد راية الحسين أن يذلوا كما فهم هو من صلح الحديبية، ويبدأ الكاتب في ترويج سيناريو فضل استسلام الحسين وبيعته ليزيد لو تم ليتفرغ لنشر الإسلام الكيوت أو الدايت . يكتب محمد الباز الحسين ظالما وبدهاء ومكر يصوغ العبارات بمنطق معوج في ثوب المنطق السليم وتقف الأريام عند مقال الباز وعند ردود فعل الغاضبين ! المشكلة الأكبر ليست في طرح الباز المدخلي بل في كثير من الغاضبين الذين لم يغضبوا من مشايخ همزوا ولمزوا الحسين عليه السلام وساووا بين أبيه والباغي عليه، ونصروا وريثه الباغي بغي أوضح من بغي أبيه في معركة كان الحق فيها أبلج. ليست القضية شخص الحسين ورجاله رضي الله عنهم ولا في شخص أبيه الإمام العلم ولا شخص أخيه الإمام الصابر بل هي قضية حق وباطل، دين ودنيا، فالحسين رسالة إنسانية ولا عجب أن تجد من النصارى من أنصف الحسين أكثر من بعض المسلمين لأنهم فطنوا لإنسانية الإمام فكتب السوري انطوان بارا الحسين في الفكر المسيحي . تعلمت من أمير المؤمنين علي أن الفكرة هي القبلة وليس الشخص ولذا علي والحسن والحسين عندي فكرة مع كرامة وفضل الأشخاص . إذا نحينا الأشخاص ونظرنا للفكرة وجدنا أن موقف الحسين لا يختلف عن موقف أخيه أو أبيه أو منهج جده وليس كما ينظر الباز وسلفه من مشايخ وفقهاء للأمر، ونهاية الثلاثة كانت متشابهة وتشبه أسلافهم من حملة راية الأنبياء ورسالاتهم. الصراع في حقيقته كما فطن أستاذنا العقاد رحمه الله لم يكن صراع ملك ولا حكم ولا سيطرة من جانب العترة الطيبة، بل كان صراع دين تتهدم أركانه ودنيا تعلن سطوتها وسيطرتها وتحريفها للكلم عن مواضعه، فما كان منهم إلا أن يدافعوا عن الحق. ما لم يفطن إليه الباز وسلفه أن الإمام الحسن قبل الصلح على أن تحقن الدماء ويعود الأمر من بعد معاوية شورى أو إليه إدراكا منه لطبيعة المشهد وأبعاده فماذا كان من خصومه؟ هل أوفوا العهود أم قتلوه غدرا؟ نسي الباز أو تناسى أن الحسين خرج من الحرم حتى لا تنتهك حرمة الحرم بسببه وهو يدرك أن القوم يطلبون إذلاله وإقراره بالباطل أو رأسه وهم لا حرم لهم ولا حرمة. لم يطلب الحسين القتال وطلب منهم خيارات تحقن الدماء لكنهم أبوا عليه إلا تسليما بذل وإقرارا وتسليما لباطل ولكن هيهات هيهات الذلة من ربيب بيت النبوة. لقد فرض القتال على مسيح الأمة فرضا ولم يكن أمامه والقلة المؤمنة معه إلا أن يدافع عن شرف الرسالة حتى يلقى الله ويرتفع ذكره بين الناس ويعلو منطقه في نفوس المؤمنين الطيبين ولو كانوا قلة . ذهبت الأريام لترى المشهد الحسيني، الإمام الحسن خامس الراشدين يرى الصلح مع معاوية إدراكا منه لطبيعة المشهد ويجمع الصف في عام الجماعة، ثم تكون ولاية يزيد وتنفك عرى الدين وتتحول الرسالة إلى كسراوية وسلطة، ويقرأ القرآن إما منافق هو به كافر أو فاجر يستأكل به أو مؤمن يقيم حدوده، وتتحول الأمانة إلي غنيمة فتضيع الأمانات، والصدقة تتحول إلى عبء وغرامة وتكثر شهادة الزور ويحكم الهوى وصدق من لا ينطق عن الهوى، وهنا تختلف الصورة عن تلك التي صالح عليها الإمام الحسن معاوية، فلا يزيد هو معاوية ولا حال الناس مع يزيد هو حالهم مع معاوية ورسالة الإسلام الحقيقية تتوارى خلف الدنيا ومطامعها وملكها، وتنتهك كل المقدسات، وهنا يعلنها الإمام الحسين ثورة ليست من أجل إمارة ولا سلطة ولا إمامة سياسية بل كما قال هو رضي الله عنه وعليه السلام :إني لم أخرج أشراً ، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي .
إنه الحسين يا سادة كأخيه وأبيه يحملون الرسالة وفضلا عن النسب الشريف، فالنسب وحده في الإسلام لا يقيم وزنا ولا يكتب أفضلية بل الإنسان هو من يكتب مكانه، وها هو سيد الشهداء بدمه الطاهر ينتصر وفق موعود الله، فالنصر وفق مراد الله يختلف عن الإنتصار بالمفهوم البشري، دم حسين بث الحياة في الراية المحمدية من جديد ولقى ربه شهيدا مع خيرة أهل بيته وظلت دعوته ورايته مرفوعه، وستظل هي راية الإصلاح مهما حاول اللصوص والمدلسين والمغفلين هدمها بالحقد والبدع والكراهية. الإمام الحسين الذي أعرفه يحمل الطعام ويمد يد العون ويعلن الحب ويطلب الدين ولم يطلب الدنيا . وقفت الأريام لتشهد ماء النهر يتطهر من دنس تلك المرحلة بفيض دماء سيدنا الحسين وآل بيته ومن ثبت معه من الأطهار الذين أدركوا أنها مصارعهم تناديهم فلم يجبنوا، وحملوا الراية بدمائهم الطاهرة، لم تتمالك الأريام نفسها وانفطرت من البكاء على عجزها عن نصرة راية الحق.
أرى حسينا يرفض التواكل والظلم والجور ولا يركن لنسبه ولا لفضله فيخرج طلبا للإصلاح ولإستعادة جوهر الدين وحقيقة الرسالة ويخذله المتخاذلون بعد أن قطعوا العهود وبعد مقتله عليه يتباكون ويلطمون الخدود ويشقون الجيوب وما لطم الحسين ولا شق الجيوب.
أرى حسينا ما سفك دما حراما وحاول جاهدا تجنب إراقة الدماء ولكن الظالمين كانوا يدركون أن صوت الحسين لن يترك عروشهم تستقر فقتلوه أسدا شامخا يزأر بالحق . عادت الأريام للحاضر لترى كاتب يكتب عن السيناريو الأفضل للإمام الحسين وهو الإستسلام والإقرار بالظلم وأن الحياة غابة لا تصلح إلا بمنطق يزيد ويتهمه أنه ظالم !
استمرت أريامي في البكاء على راية سيدنا الحسين المسروقة والتي ترتكب تحتها الموبقات، فقد مات شهيدا مظلوما على الحق، وغدر به من بايعوه، ويبدو أنه قدرا أن يغدر برايته أحفاد من باعوه، هنا لا أعني أحفاد النسب بل أحفاد المنهج، علا سليل الأريام بكاء مرددة، اللهم صل على محمد وآل محمد وعليك بكل من كذب ودلس عليهم أو أهان مكانتهم والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده كما أفهمها من إنسانية الحسين. كنت أشم رائحة دماء الحسين الذي خرج بنفسه وسيفه وصبر وسط قسوة الخيانة والغدر ولم يهرب لضريح جده ليستغيث به أن يرسل الله الطير الأبابيل لأن حسين يدرك حقيقة دعوة جده فلم يكن رضي الله عنه متواكلا ولا متزهدا ولا مبتدعا ولا مفرقا بل كان رسالة عدل وحب وتسامح .
أيقظتني أحد أريامي بسؤال لم أجد له جواب ماذا لو حضرت كربلاء هل ستكون مع الخائفين أم مع الغادرين أم تنحاز لجيش السبعين؟
وماذا عن هؤلاء الزوار وأهل الهتاف ومدعي المحبة هل حالهم حال المعاهدين فإن اشتد البلاء كانوا من الهاربين ؟؟
سؤال ما أصبعه وأمره وليس له عندي من جواب .
مات الحسين جسدا وظلت رسالته التي سلفه في حملها رجال وخلفه رجال ويستمر الصراع بين منطقي يزيد والحسين ولكن حتى صناديد معسكر منطق يزيد المنصفين ما قالوا أن الحسين ظالم !
اقرأ أيضا على واحة الأريام
مشاركة
مواضيع مقترحة

هناك تعليقان (2):

  1. بوركت دكتور على منطقك وتحليل وردك على وعاظ ومتملقة السلاطين

    ردحذف

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام