مقدمة
مسحراتي التعايش مبادرة إنسانية لكل إنسان
شلاما عليخن بالآشورية ، شالوم عليخم بالعبرية ،سلام ونعمة لقاء تحية الشرق بالغرب، السلام عليكم بالعربية ، هي تحية السماء منذ آدم عليه السلام ،فيقول خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام لأبيه (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47)مريم
ويقول السيد المسيح عليه السلام (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) (33) مريم
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الإنسان هو خليفة الله في أرضه، فكل بني آدم لهم رحم حواء صلة باقية مهما اختلفت الأعراق والأديان والأفكار، وهو من سجدت له الملائكة وكُرم بالعقل، وهو محور الكون وسيد المخلوقات والتي أجمعت الشرائع السماوية والقوانين الوضعية على كرامته وحريته وحرمة دمه وماله وعرضه ، هو سيد الكون ذو الأصل الواحد
يقول تعالى :
(يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثىٰ وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ۚ إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم ۚ إنّ اللّه عليم خبير ) (13)الحجرات
الاختلاف سنة كونية وحقيقة واقعة وحالة باقية حتى يرث الله الأرض ومن عليها، نتيجة لاختلاف العقول والبيئات وزوايا الرؤية وطبيعة الأنفس، وما يكشف لها من العلم، ولأن تشريف الإنسان وتكريمه استوجب أن يعقل وأن يملك حرية القرار والإختيار، فيأتي الفضيلة طوعا ويزهد الرذيلة اختيارا، ومن هنا تمايز على غيره من المخلوقات ، وأصبح سيدا حتى على أجناس لا تعرف الرذيلة، ولما كان الإنسان كائنا فاعلا ذو إرادة وكان الاختلاف أمرا منطقيا وطبيعيا، فإن تقبل الآخر المختلف - والذي لا يعنى إقراره على الأمور محل الاختلاف- أمر حتمي لتحقيق صلة الرحم الواحد ،وتجنب الصراعات التي لم ولن تفضي إلا إلى مزيد الدمار والظلم وانتهاك الحرمات .
في التوأم المتشابه والذي نتج من بويضة واحدة وحيوان منوي واحد ورحم واحدة ،وربما بيئة وتربية وغذاء واحد لا يحدث تطابق جيني كامل ، ولا يوجد تناسخ عقلي!
إذا تختلف العقول البشرية جميعا فتلك سنة الله في خلقه، وإدارة الاختلاف هي فن الحياة، فقد اختلفت أصابع اليد فتكاملت واختلفت العقول فأبدعت واختلف الجهلاء فتقاتلوا!
في ظل حالة الصراع المشتعل الذي يجتاح العالم عموما وأمتنا العربية والإسلامية بوجه خاص، واتساع رقعة هذا الصراع من صراع ديني لصراع مذهبي وعرقي وحتى فكري، بصورة أصبحت تمثل منحنى خطير على مستقبل الأوطان، فضلا عن الأمة والبشرية، فبعد أن كنا نتمنى وحدة تؤسس لبناء حضاري جديد ، أصبحنا نتمنى حماية الأوطان القطرية من مزيد من التفتت والانقسام، وانطلاقا من المسؤولية تجاه الإنسانية بوجه عام وتجاه أمتنا وأوطاننا بوجه خاص، وفي ظل خيار نكون أو لا نكون الذي يضعنا في مسؤولية أمام التاريخ والأجيال القادمة، وفي ظل غياب حقيقة نور السماء عن السواد الأعظم من البشر، مما جعل البشرية تغرق في الظلم والظلام .
كان لا بدّ من طرح مبادرة ليست مبادرة بالشكل التقليدي، ولكنها حلم بالبدء في تدشين فكرمؤسسي يؤسس لثقافة الحوار والاختلاف، ويدعم قيم التعايش والسماحة وقبول الآخر، ويجعل الحقيقة هي المذهب، هذا الحلم أكبر من شخص أو قلم أو مجموعة أشخاص أو أقلام، فهو بحاجة لكل إنسان يؤمن بحرية الإنسان وكرامته، وحكمة الاختلاف وكونه سنّة باقية لن تنتهي، وبأن الصراع لن يقضي على الاختلاف، ولكنه سيصيب الجميع بمزيد من الجراح والكل فيه خاسر، إلا عدو متربص ينتظر الجسد المنهك لينقض عليه.
فقراءة التاريخ تخبر بالحقيقة ولكننا غافلون ، والرهان الحقيقي هو نقل هذا الحلم من اطار التنظير لأرض الواقع .
إن المعالجات السطحية وكلمات المجاملات التي تعقب كل حادث إرهابي لا تنير ظلاما ولا تعالج تطرفا، فالمصارحة والتعارف ومعالجة جذور الفكر الظلامي تحتاج إعلام وتعليم يتسم بالعلم والوعي والحرفية ، تحتاج مخاطبة العقل والوجدان الإنساني، خطابا للفطرة يزيل عنها الغبار، وخطابا للعقل يؤصل لقبول الآخر ويفند الأفكار الظلامية، وخطابا دينيا يوضح حقيقة الدين ودوره في حياة الإنسان ويفض إشكالات الفهم المجتزء والخاطئ لبعض النصوص.
من هو اللاآخر ومن هو الآخر
اللاآخر:هو من يندرج في خانة نحن، كأن يكون من عائلتي أو من بلدتي أو من بلدي أو من ديني أو من مذهبي أو من لغتي أو من أية جماعة ننتمي إليها معا.
أما الآخر: فهو من كان خارج هذه التصنيفات ، فلا هو من عائلتي، ولا من بلدتي، ولا من بلدي، ولا من ديني، ولا من مذهبي، ولا من لغتي، ولا تجمعني به أيةُ رابطة عملية الآخر .
لاحظت اختزال البعض مفهوم الآخر في صاحب العقيدة المختلفة عند ذوي المرجعيات الدينية، والعرق المختلف عند ذوي المرجعيات القومية، وصاحب جواز السفر المختلف عند ذوي المرجعيات القطرية والوطنية، ولكن الحقيقة تختلف عن هذا المفهوم الضيق فكل عقل غير عقلي ينتج عنه آخر، مهما تشابهنا سنختلف ، وقضية التعايش وقبول الآخر تتجاوز الآخر العقائدي والدليل أن التعصب ورفض الآخر ينسحب تدريجيا لدائرة أضيق، فبعد رفض الآخر العقائدي ننجر لرفض الآخر المذهبي وما كان بين الكاثوليك والأرثوذكس وما بينهما وبين البروتستانت، وما بين السنة والشيعة والإباضية حقيقة كاشفة لانتقال الصراع حتى داخل الدين الواحد ، ثم داخل المذهب الواحد ثم تضيق الدائرة ليصبح رفض الآخر يشمل أي فكر أو فهم أو تفسير مختلف، وما العداء والرفض بين السلفية الوهابية وما يطلق عليه السلفية الإصلاحية، وبين السلفية والأشاعرة وما بينهم وبين الصوفية إلا نموذج كاشف، لأن منهج التطرف والتعصب ورفض الآخر لن يقف عند حد دين أو مذهب أو فكر بل سيمتد ليرفض كل عقل يفكر بطريقة مختلفة ويشتعل صراع عبثي لا يثمر إلا الدمار والخراب ،ولن يجتمع الناس وسيظلون مختلفين حتى يفصل الله بينهم يوم الفصل تلك سنّة وحقيقة لو عقلها الفرقاء لتعاملوا برفق مع الآخر.
بنظرة أعمق لمعنى الآخر يمكننا أن نعبر عنه بوصفه أنه هو كل من ليس بأنا .
فلسفة التعايش
حسب أقرب تعريف شامل للتعايش يعرف بأنه علاقة تفاعلية في بيئة مشتركة بين فئات مختلفة، بغرض تحقيق استفادة أو تبادل منافع في ظل جو من الاحترام والمودة .
حتى نحقق قيمة التعايش في الواقع علينا إدراك أن الأرض ملك للجميع وتسع الجميع، وأن الاختلاف سيظل قائما لا محالة بين فئات مختلفة تشترك في بيئة واحدة، ويجمعها مصير واحد،وأن تقوم العلاقة بين الفئات المختلفة على الاستفادة المتبادلة والمنافع المشتركة ، في ظل إعلاء قيمة العدل ،وسيادة قيم المودة والألفة ،واحترام حق الآخر في الاختلاف .
إن القيم المشتركة هي النقطة المحورية لبناء التعايش ،والأليات التنفيذية هي جوهر عملية التعايش لأنها غير مقدسة وبالتالي قابلة للنقاش والوصول لحول وسط ،أما العقيدة فهي ليست أرضية للتعايش، لذلك يجب تفعيلها في هيئة آليات ونظم قابلة للنقد ، فعلى كل تيار يحمل أفكارا مقدسة تحويل تلك الأفكار لآليات تنفيذية غير مقدسة تحقق قيما مشتركة في المجتمع، حينها يصبح التعايش واقعا وليس حلما .
قبول الآخر
قبول الآخر هو احترام للذات وللآخر
هوية البشر الواحدة والأصل الواحد هي نقطة البداية لتأصيل قبول الآخر والتعايش بين بني آدم ، فبداية قبول الآخر تبدأ من معرفة الذات وقبولها، معرفتها بواقعية تتضمن الاعتراف بالعيوب والمميزات، مواطن الضعف وأماكن القوة وقصورها المرتبط ببشريتها، وقبول ذلك والعمل على تطوير الذات.
قبول الآخر ينبغي أن ينطلق من أرضية المساواة والتي تعني المواطنة داخل حدود الوطن ، والمساواة الإنسانية في الإطار الأعم للأرض، وليس من منطلق تقبل عنصري يؤمن بأفضلية الأنا والتفضل بقبول الآخر (الهو)، وقبوله يعنى الحفاظ على حريته وكرامته وحقه في الاختلاف ورعاية حقوقه لرحم واحد لنا ومصير مشترك يجمعنا .
مع وحدة الأصل وهو آدم وحواء إلا أننا كبشر مختلفين، عقولا وأشكالا وألوانا وطباعا وأديانا ومذاهبا وأفكارا، فإذا تأملنا بصمة الإصبع وبصمة العين وبصمة الصوت والحمض النووي، لوقف العقل النابه عند صاحب هذه الصنعة وطبيعة هذه الصنعة وحتمية الاختلاف والتنوع ، فتبدر وأدرك الحقيقة ورضي بها .
فحتى التوأم المتماثل الذي ربما تعجز العين عن التمييز بينها مختلفان بصمة وعقلا وفكرا وطباعا.
كيف يقبل الإنسان أخيه الإنسان ؟
قبول الآخر الديني على سيبل المثال يكون غالبا على نمطين حسب الفيلسوف اللبناني أديب صعب :
الأول قبوله كآخر على الرغم من آخريته بنظرة فوقية، إذ نعتقد أننا أصح أو أكمل منه دينا، وأن قبولنا إياه هو من قبيل الشهامة أو العفو عند المقدرة أو تحت حمايتنا!
النمط الثاني للقبول يتجاوز تلك العقلية، وبالتالي العلاقة الفوقية لأنه ينطلق من أن الاختلاف بين إيمان وإيمان قد يكون اختلافا محضا، لا يشير إلى أعلى وأدنى، أو صحيح وغير صحيح، أو أكثر صحة وأقل صحة، بل يذهب إلى أني مقتنع شخصيا بهذا الدين الذي تسلمته من أسلافي، أو ربما تحولت إليه، وإلى أن ما أستطيع بلوغه عبر ديني يجب أن يستطيع الآخر بلوغه عبر دينه هو، لأننا إذا درسنا الأديان وجدناها متشابهة وظيفيا. انتهى
عادة لا تبدأ المشاكل بين الأنا والآخر في حال اختلافهما، وإنما تبدأ في حال سعي أحدهما إلى تغيير الآخر أو ما يمكن التعبير عنه بسعي أحدهما إلى إقناع الآخر بشيء ما.
إن نجح هذا السعي وأقنع الأنا الآخر، عندها ينتهي الاختلاف، ويصبح الآخر أنا.
أما في حال عدم نجاح فعل الإقناع، فإن العلاقة بين الأنا والآخر في طريقها للإقصاء أبسطه المعنوي والرمزي وأخطره تحول الأمر لصراع دموي ينتهي بالقتل .
هل نجح الإقصاء المعنوي منه والمادي في إنهاء الآخر؟
هل ينهي القتل وجود الآخر فعلا أم تظل بصماته وآثاره كالوشم في الجسد الإنساني؟
بعد بحور الدماء هل طمس أثر هابيل؟
هل وحدت الصراعات البشر وقضت على الاختلاف؟
هل دورك في الأرض تركيع ساكنيها لمفاهيمك؟
إن الإقصاء الواقعي نفسه لا يمكن أن يلغي الآخر.
ذلك أن قتل الآخر يلغي وجوده المادي في الحياة، ولكنه لا يمكن أن يلغي أثره.
وهذا ما حصل من أول جريمة في تاريخ البشر إلى اليوم، إن قتل الآخر لا يمكن أن ينفي أنه يبقى ذكرى .
إن القبول بصفته خلوا من الأحكام يخرج بالعلاقة بين الأنا والآخر من مجال النفي إلى مجال الإيجاب، ويقيم العلاقات البشرية على التكامل والتآزر لا على الصراع والتنافي، ويذكرنا بأن الاختلاف هو أساس الحياة.
يقول الله تعالى: «ولو شاء ربّك لجعل النّاس أمّة واحدة ولا يزالون مختلفين» (هود، 118).
في رحاب الآخر
كنت أسمع عن الفرقة الناجية ، فتصيبني الحيرة والارتباك ،فأين هي والكل يدعى النجاة !
كنت مشغولا بالآخر ولم يستسلم عقلي للقبول بما يشيعه الخصوم عن الآخر ، بل خضت رحلة البحث أمد يدي إليه لأعرفه من خلاله ، حاورت أستاذ مقارنة الأديان العربي العراقي اللبناني المسيحي الأستاذ الدكتور يوسف قدو، وما تزال كلمته المحورية أمام عيني إذا قال (لولا الآخر لما تأتى لنا الحوار، لولا الآخر لما تحددت معالم الأنا، الآخر هو الذي يرد على الأنا وحشتها) ، وما زلت أتذكر طلبه مني أن أصلي من أجله وكيف جمعتني الإنسانية والإيمان بهذه الشخصية الكريمة وأقف في حواره المطول عند الآخر إذ سألته :
د.عتمان:
المسيحية والآخر ، كيف تنظر المسيحية للآخر المختلف عقائديا وما هي أطر التعايش والتعامل بينهم ؟
د.قدو:
المسيحية هي رسالة إلى الآخر، مثلما يعتبر الآخر نفسه رسالة إلى المسيحية، لولا الآخر لما تأتى لنا الحوار، لولا الآخر لما تحددت معالم الأنا، الآخر هو الذي يرد على الأنا وحشتها، والمسيحية مأمورة بالتعايش السلمي مع الآخر، لأنّ رسالتها رسالة محبة، حتى وإن كان هذا الآخر عدواً، إذ أورد متي:
((وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعدائكم))، أيضاً أورد متي: ((طوبى للرحماء، لأنهم يرحمون))، والرحمة هنا تكون للآخر، حتى مواساة الآخر قد أمرت بها المسيحية: ((الذي يعزينا في كل ضيقتنا حتى نستطيع أن نعزي الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزى نحن بها من الله)).
د.عتمان
الحضارة العربية الإسلامية شارك فيها يهود ومسيحيين وعرب وأكراد وأما زيغ و ربما أطلق أحيانا على مسيحي الشرق أنهم مسلمي الأوطان والحضارة مسيحي العقيدة كيف نعود لتلك الحالة ؟
د.قدو
سأقول لك شيئاً: إننا لو خيرونا بين المسيحية والوطن، لما عدونا الوطن، فالوطن هو الذي يحفظ لنا كرامتنا وقيمتنا وعزتنا، فإنني أرى الوطن أوسع من الدين، خذ مثلاً الأخوة الشيعة النازحين، كم هي معاناتهم حين تركوا منازلهم في المناطق السنية، مع أنهم الآن يعيشون في مناطق هي منبع التشيع في كربلاء والنجف، وكذلك الحال بالنسبة للأخوة السنة النازحين من البصرة والناصرية، هكذا هي معاناة المسيحيين النازحين من نينوى، لا يعوضهم شيء سوى الرجوع إلى حيث ولدوا وترعرعوا، فالوطن هو الكفيل بعودتنا إلى طبيعتنا السليمة، فالوطن أكبر من المذهب والدين والقومية، وعنده تنصهر كل المسميات.انتهى
ذهبت إلى الآخر المذهبي وحاورت سماحة مفتي لبنان وعضو مجلس حكماء المسلمين الذي يترأسه فضيلة الإمام شيخ الأزهر ، وسماحة المفتي ضيف دائم على مشيخة الأزهر يصلي خلف إمامه وهو الإمامي الجعفري .
حاورته حوارا مطولا يغطى جزاء مهما في سبيل معرفة الآخر المذهبي ، نشر في كتاب زبدة التفكير في رفض السب والتكفير ، وأهم ما استوقفني في الحوار جوابه عن الفرقة الناجية إذ قال:
نحن نفهم حديث الفرقة الناجية من باب التحذير من الإفتراق والدعوة إلى الإتحاد كما جاء في آيات عديدة ، منها قول الله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)
فالفرقة الناجية هي التي تعمل على نجاة الأمّة بأسرها من الفرقة والفتة، وليست الفرقة الناجية هي التي تحتكر النجاة لنفسها وأتباعها،فكيف تزكي فرقة نفسها بدون العمل على إرساء قواعد الأخوّة في أمتها وإخراجها من النزاعات والصراعات التي تعصف بها والله يقول (فلا تزكّوا أنفسكم هو أعلم بمن اتّقى) و(إن هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربكم فاعبدون).
وسألت سماحته كآخر عن فهمه الإسلامي للعلاقة مع الآخر
د.عتمان
الآخر سواء كان عقائديا أو مذهبيا ، الإنسان بمعنى أشمل ..أين يقع الآخر في فكر سماحتكم ؟
كيف نتعايش مع الآخر ونقبله دون تفريط في ثوابتنا ؟
كيف نحقق خلافة الله في أرضه ونعطي رحم حواء صلته ؟
العلامة الأمين :
إن الناظر في حياة الأمم والشعوب والمجتمعات يدرك ان الاختلاف حقيقة قائمة في لغاتها وعاداتها وتقاليدها وفي اشكالها وألوانها وهذا الاختلاف هنا بمعنى المغاير الشامل للافراد ايضاً حيث ان لكل فرد وجوداً خاصاً به يمتاز به عن غيره وهذه الوجودات المتعددة هي التي يعبر عنها في اللغة بـ(انا وانت وهو وهي وهم وهن) وغير ذلك من الالفاظ التي وضعت في اللغة للدلالة على هذه الوجودات المتعددة والتي يختلف بعضها عن البعض الآخر وكل واحد منها يشكل معنى جزئياً حقيقياً كما يقول علماء المنطق في تعريفه بأنه (المعنى الجزئي الذي يمتنع انطباقه على اكثر من فرد).
وقد عبّر القرآن الكريم عن هذا الاختلاف بمعنى التعدد والتغاير بأنه من آيات الله سبحانه وتعالى
(ومن آياته خلق السماوات والأرض وإختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين) الروم: 32.
ومن خلال ما تقدم يتبين لنا ان هذا الاختلاف بالمعنى المتقدم هو سنّة من سنن الخلق والتكوين فهو بمعنى الاختلاف عن الآخر وهو لا يعني بالضرورة الخلاف والاختلاف مع الآخر فقد تجتمع الافراد والجماعات على قواسم مشتركة وعلى قواعد عامة في قضايا الفكر والسلوك والنظام العام رغم وجود الاختلافات الكثيرة بينهم في عالم الآراء والأفكار والارادات والمعتقدات حيث لا وجود للاستنساخ في عالم العقل الانساني وما ينتج عن إعماله في حقول العلم والمعرفة.
وفي القرآن الكريم ايضاً اشارة جلية الى حقيقة الاختلاف الفكري بين بني البشر كما جاء في قوله تعالى:
(ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يونس: 99.
وقوله تعالى :
(ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين الا مَن رحِم ربك ولذلك خلقهم..) هود: 118.
وقوله تعالى:
(لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما أتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فننبئكم بما كنتم فيه تختلفون) المائدة: 48.
والمستفاد من هذه النماذج من الآيات المباركات ان الاختلاف في الآراء والمعتقدات هو حقيقة قائمة ايضاً وباقية الى يوم القيامة ولكن الحياة الدنيا هي المجال لاستباق الخيرات والتنافس عليها رغم تعدد آرائنا واختلاف افكارنا ومعتقداتنا، وبفعل الخيرات والسعي إليها يجسّد الإنسان أسمى المعاني لخلافة الله في الأرض.
وقد تحصّل ان الفكرة التي ترمي اليها الآيات وهي الواقع الذي نشاهده ونعيشه في حياتنا ان الاختلاف بين الافراد والجماعات والأمم والشعوب لا يقتصر على الاختلاف التكويني بينهم الذي يستلزم التعدد والتكاثر بل هو يشمل عالم الفكر ايضاً وما يتفرع عنه وهذه الحقيقة يجب القبول بها والانطلاق منها في عالم العلاقات التي نبنيها مع الآخر سواء كانت بين فرد وآخر وجماعة مع جماعة اخرى في الامة الواحدة او بين امة وأخرى على قاعدة قوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) الحجرات: 13.
هذا هو الآخر، وهذه هي موازين التعايش معه وإن كان مختلفاً في الدين والمذهب واللغة والعرق واللون، فهو يشكل جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الداخلي الذي نعيش معه داخل الوطن أو من المجتمع الدولي الذي لا بد من التواصل معه، وعلى كلا التقديرين لا يكون هناك مجتمع بدون الآخر، وهو في كلتا الحالتين فرد من العائلة البشرية الواحدة كما ورد في الحديث (الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله) وعن الإمام علي (الناس صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق). انتهى
في الدير
ذهبت إلى الدير تلبية لدعوة إفطار في ليلة السابع والعشرين من رمضان الماضي ،ومن مصر صلينا المغرب بإمامة أحد أئمة الأوقاف من دير العجايبي ببرج العرب ويعلونا الصليب في مشهد إنساني وطني رائع .
عرفت الآخر عن قرب وتأملت تجربة الرهبنة من الناحية الإنسانية وتعارفت مع إخوتي في الإنسانية والوطن ومازال وسيظل الود مستمرا قائما على الإحترام والقبول والتعايش كنسيج واحد لوطن واحد .
دين الفطرة وروسو
ذهبت للآخر أرى دين الفطرة بفكره وأنا تربية دين الوحي ، ذهبت لدين الفطرة عند الفيلسوف جان جاك روسو ،فأدركت عظمة الخالق وسيادة هذا المخلوق وقدره .
شريعتي ونقد الأنا
ذهبت للآخر لأرى كيف ينتقد الأنا فتعلمت من الدكتور علي شريعتي كيف ننتقد الأنا وأنها السبيل الأول لتقبل الهو في رائعته التشيع العلوي والتشيع الصفوي .
جمعت واحتي واحة الأريام (الأريام جمع ريم ) كل ألوان الطيف البشري من المسالمين يجمعنا قول الشاعر :
ما دمت محترما حقي فانت اخي امنت بالله ام امنت بالحجر
----
أول رفض للآخر
أول تعالي ورفض للآخر كان من الشيطان إذ رفض أن يشاركه جنس آخر التكليف أو أن يقاسمه الجنة، والمتأمل يجد أن الشيطان تعايش مع الملائكة المسيرة، وأعلن رفض الآخر المكلف المختار، وأعلن صراحة العداء لهذا الجنس وسخر كل قوته لفتنة هذا الجنس.
فالإنسان ممثل في أبيه آدم عليه السلام هو أول آخر بالنسبة للجن المكلف، والشيطان من الجن هو أول من رفض الآخر وأعلن العداء له.
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12)
من قال أن النار أفضل من الطين ووفق أي منهج بنى إبليس قناعته تلك؟
إنها العنصرية الأولى وأساس كل أفكار عنصرية ظهرت في الجنس البشري ،فكل رافض للآخر شيطان في سبيل إبليس الأكبر.
إنها الأنا العالية وعدم معرفة الذات بواقعية وعدم قبول الآخر ، لو نظر لذاته بموضوعية لعلم أنه لا يوجد دليل على أفضليته، ولو نظر لحقيقة الأمر وأنه من صاحب الإمتياز الوحيد الذي منحه الوجود ومنح الآخر هنا حق الوجود لأعلن بدلا من العصيان قبول الآخر وإطاعة صاحب الأمر .
هنا بعد رفض الآخر يتم تسخير كل القوة لهدم الآخر وهنا تتضح خطورة العنصرية والتعصب ورفض الآخر حيث يبدأ صراع لا ينتهي
( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)ص
وقفة تحتاج التأمل
القصة التي رواها يسوع لأحد علماء الشريعة سأله عمَّا يعنيه بـ"القريب"، وهي الآتية (لوقا 10: 30-37):
إنسانٌ كان نازلاً من أورشليم إلى أريحا، فوَقَع بين أيدي لصوص. فعَرَّوه وجرحوه ومضوا وتركوه بين حيٍّ وميت.
فعَرَضَ أنَّ كاهنًا نزل في تلك الطريق، فرآه وجاز مقابله. وكذلك لاويٌّ أيضًا، إذْ صار عند المكان، جاء ونظر وجاز مقابله. ولكن سامريًّا مسافرًا جاء إليه، ولما رآه تَحنَّن عليه [علمًا أن السامريين كانوا أغرابًا عن تلك المنطقة ومختلفين عرقيًّا وأعداء لأهلها]، فتَقدَّم وضَمَد جراحاته وصبَّ عليها زيتًا وخمرًا، وأركبه على دابَّته، وأتى به إلى فندق واعتنى به. وفي الغد لما مضى أخرج دينارين وأعطاهما لصاحب الفندق، وقال له: اعتَنِ به، ومهما أنفقتَ أكثر فعند رجوعي أُوفيك.
فأيُّ هؤلاء الثلاثة صار قريبًا للَّذي وقع بين اللصوص؟" فقال: "الذي صنع معه الرحمة."
فقال له يسوع: "اذهبْ أنتَ أيضًا واصنع هكذا."
في الإنجيل أنَّ "كل واحد منا سيعطي عن نفسه حسابًا لله" (رومية 14: 12)؛
وفي القرآن: "يا أيُّها الناس اتَّقوا ربَّكم واخشَوْا يومًا لا يَجْزي والدٌ عن وَلَدِه ولا مولودٌ هو جازٍ عن والده شيئًا" (لقمان 31: 33).
أن تحب الرب إلهك من كل عقلك وقلبك وإرادتك، مبرهنًا عن هذا الأمر بمحبة قريبك – وهو الآخر، كائنًا مَن يكون – كما تحب نفسَك (لوقا 10: 25-28)
التعايش منهج السماء
إن التعايش هو منهج الرسالات السماوية وضرورة منطقية توجبها القوانين الوضعية، فلا تختلف في هذا اليهودية عن المسيحية عن الإسلام، فنحن نجد في العهد القديم الذي يعد الكتاب الأساسي لليهودية
(لا تسع في الوشاية بين شعبك لا تقف على دم قريبك أنا الرب) (17) (لا تبغض أخاك في قلبك، إنذارا تنذر صاحبك ولا تحمل لأجل خطيئة) (18) (لا تنتقم ولا تحقد على أبناء شعبك بل تحب قريبك كنفسك أنا الرب). (سفر اللاويين 19)
وفي "سفر الخروج" نقرأ (9) (ولا تضايق الغريب فإنكم عارفون نفس الغريب لأنكم كنتكم غرباء في أرض مصر) (سفر الخروج 23).
وفي "إنجيل متى" نجد
(وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم باركو لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لإجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم)) (الإصحاح الخامس أية 44).
ونجد أيضا
(إن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضا زلاتكم) (الإصحاح السادس أية 166).
كما نجد في آيات الكتاب المقدس
(المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وللناس المسرّة)
وفي القرآن الكريم يجعل الله الفصل في الاختلاف بين الأديان له وحده لا لأحد غيره؛ إذ يقول:
"إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئين والنّصارى والمجوس والّذين أشركوا إنّ اللّه يفصل بينهم يوم القيامة إنّ اللّه على كلّ شيء شهيد" (الحج أية 17).
ويقول
"لكلّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء اللّه لجعلكم أمّة واحدة ولـكن لّيبلوكم في مآ آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاا فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون" (المائدة 48).
ويعلي حرية المعتقد بقوله سبحانه :
"لا إكراه في الدّين قد تّبيّن الرّشد من الغيّ فمن يكفر بالطّاغوت ويؤمن باللّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها واللّه سميعع عليم" (البقرة 256).
ويؤكد على بقاء الاختلاف :
"ولو شاء ربّك لجعل النّاس أمّة واحدة ولا يزالون مختلفين" (هود 118)
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما))؛ رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم:
((ألا من ظلم معاهدا، أو انتقصه، أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس؛ فأنا حجيجه - أي: أنا الذي أخاصمه وأحاجّه - يوم القيامة))؛ رواه أبو داود.
مسحراتي التعايش مبادرة إنسانية تجاه الآخر تعلى من القيم الإنسانية والعيش المشترك، وتعيد الرحم لأصلها صلة لرحم حواء، هي صوت سلام ومحبة وإخاء لتنعم البشرية بالسلام، هي مبادرة تركز على المشتركات الإنسانية من أرضية ثابته، فدعوتنا وحدة المعتقدين للعقائد والأفكار، وليس توحد المعتقدات والأفكار مؤمنين بأن الاختلاف بين البشر أمر طبيعي وسيظل مستمرا ما دامت الحياة، نحمل الخير للناس جميعا منطلقين من أسس متينة نعرف أنفسنا دون مغالطة وبوضوح ونقد ذاتي منصف ، ونسعى للآخر لمعرفته دون تعالي بأخوة ومحبة واضعين الحقيقة هدفا وقبول الاختلاف منهجا .
نعرفه بأنفسنا بطريقة محببة له ونرسم أوضح وأجمل صورة توضح حقيقة رسالتنا.
مبادرتنا إنسانية ليست لها أية إرتباطات حزبية أو طائفية وهي تدشين لنهج فكري جديد نتمنى أن يسود كل مناحي الحياة، الدعوة لكل المفكرين والكتاب والشعراء والفنانين ليحملوا تلك الرسالة للناس والدعوة مفتوحة لكل رحم حواء إخوة الإنسانية ليشعلوا شمعة لتنير جزءا من الظلام وترفع قدرا من الظلم وترتكز المبادرة على مباديء وأليات تتمثل في :
1- ميثاق الشرف الإنساني الأسمى التي أقره أمير المؤمنين الراشد على بن أبي طالب رضي الله عنه والذي اعتمد في الأمم المتحدة كونه من أوائل المواثيق الحقوقية :
(واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق )
2-حرية الإنسان مصانة وأسماها حرية المعتقد والفكر
3-حرمات الإنسان مصانة بغض النظر عن العرق أو الدين أو الفكر
4-احترام الآخر ومقدساته وأفكاره والإهتمام بطرح أفكارك بمنطقية ولين
5-الاحترام المتبادل وبناء الثقة والتركيز على الإهتمام بالمشتركات والتعاون من أجل خير الإنسانية
6- إدراك طبيعة سنّة الاختلاف وحمل رسالتك للآخر بالحسنى وتقبل ما عنده بعقل منفتح، وتقبل الاختلاف وعدم تحويله لصراع
7- الجريمة تنسب لمرتكبها ولا تنسحب على عرقه أو دينه أو فكره ،ولا تعميم لأي حكم من الأحكام
8- دعوتنا لوحدة المعتقِدين وليس توحد المعتقدات
9-فهم الآخر والتعايش معه لا يعني الإقرار بمواطن الاختلاف
10- الحوار لمعرفة الآخر والبحث عن المشتركات وليس لإلزامه بما أنت عليه
11- حسن الظن وعدم التصيد والانتباه لقضية المصطلح فليس بالضروري ما يعنيه لك هو ما يعنيه لي
12-أنا وأنت وليس أنا أو أنت فالحياة تسعنا جميعا وحقيقة الاختلاف تكامل
13- الآخر هو مرآتي وهو الذي يرد على الأنا وحشتها
14-العمل على تجريم التمييز الطائفي ثقافيا وقانونيا وتحقيق المواطنة الكاملة
15-العمل على محاربة الإحتراب الطائفي والمذهبي
16- سحب السجالات والنقاشات العقائدية لمعامل البحث بين المختصين وتجنيب العامة ما يساء فهمه ويزكي الكراهية والتطرف
17- التماس العذر في الاختلاف والتعاون في المشتركات
18-الاستفادة من ثراء الاختلاف وعدم تحويله إلى خلاف .
الأليات المقترحة
1-برنامج تلفزيوني بعنوان الآخر هدفه معرفة الآخر من خلاله ونشر قيم التعايش وقبول الآخر والبناء على المشتركات
2- منهج إنساني يرتكزعلى القيم المشتركة للأديان ومفهوم المواطنة وحقوق الإنسان يدرس في مراحل التعليم الأساسي
3-دراسة الشريحة الأكبر الغير مسيسة والغير مؤدلجة وتوجيه خطاب علمي منهجي لتحصين هذه الفئة الأهم والأكبر ضد التطرف والتعصب
4-المشاريع الخدمية المشتركة بين أطياف المجتمع والتي تؤدي لوحدة نسيجه
5- دعوة الكتاب والمفكرين والشعراء والفنانين لتبنى رسالة الإنسانية وقبول الآخر والعيش المشترك في أعمالهم
6-دعوة مونديال الإعلام العربي وشخص رئيسه الدكتور إبراهيم أبو ذكرى وشخص الدكتور سمير عبدالرازق الأمين العام لشعبة المبدعين العرب لتبني مسحراتي التعايش كمبادرة العام
ليست هناك تعليقات: