مساحة إعلانية

بنوة المسيح ما بين المادية والمعنوية ..الجزء الأول من حواري مع الآخر مستضيفا الدكتور يوسف قدو

عاطف عبدالعزيز عتمان سبتمبر 08, 2020

15 فبراير، 2015 
الخلل يكمن في لغة التخاطب المتبعة من قبل الباحثين وليس في العقيدة.
-----------------
 العقيدة المسيحية هي امتداد للعقيدة الإبراهيمية في التوحيد
-----------------
أنّ المسيحية تمثل حلقة وصل بين اليهودية والإسلام


أجرى الحوار الكاتب د.عاطف عبدالعزيز عتمان 




حوار اليوم مع الدكتور يوسف قدو الأستاذ في مقارنة الأديان بجامعة بغداد بوصفه الأكاديمي وبوصفه مسيحي عربي وصوت مميز له مواقف واضحة وإن خالفت التيار ، حاولت أن أسمع الصوت المسيحي العربي ، وكان للدكتور يوسف وجهة نظر أن يكون الحوار مع رجل دين مسيحي كما استضفت رجل دين شيعي حتى لا يتم الإتهام أنني حاورت علماني .

وجهة نظر محترمة ولكني إختلفت معها لأسباب موضوعية أهمها أنني لا أكتب عملا تحقيقيا أو نقديا للعقائد والمذاهب ولا أسعى لنقل كلام رجال الدين الرسمي والذي أحملهم معظم المسئولية عما يحدث لنا .
أنا أكتب لأبحث عن الآخر وأسمع صوته من خلاله وليس من خلال وسيط ، أبحث عن المشتركات وكيفية تجاوز الإختلافات
أبحث عن أصوات من نوع فريد تفهم حقيقة الدين سواء كانت ممن يتزيون بزي رجال الدين أم لا .

أيها الأخر المختلف أين أنا منك ؟
أين أنت ؟
فأنت تسكنني وأرى نفسي من خلالك .

شكرا للدكتور يوسف قدو على قبوله حواري هذا وأحييه بتحية الإسلام
 السلام عليكم
نتمنى حوار بطعم مختلف نسمع فيه منك وبكل وضوح وصراحة دون خطوط حمراء مالم يسمعه الكثيرين .
-----------------
من هو الدكتور يوسف قدو الإنسان والأكاديمي ؟

ــ تحية إكرام وإجلال لك دكتور عاطف عتمان، منك السلام وإليك السلام، أيها الصديق الذي طالما كنت أتوق لصحبة نموذجه النادر.
ــ أنا عراقي مسيحي من مواليد بغداد، الدورة، في سنة 1980، من أب عراقي وأم لبنانية، متزوج ورزقت بابنتين هما جيهان وسمر، درست في مدارس الجذب الجيد في بغداد، وأكملت دراستي الجامعية الأولية والعليا في بيروت، إذ اشتغلت على موضوعة
 (الأثر السياسي في تمذهب الأديان- دراسة مقارنة بين الديانات الرئيسة الثلاث)
، وكان هذا الموضوع من نتاج مراسلاتي مع أستاذ نقد التراث العربي في جامعة بغداد البروفيسور حسام الدين الآلوسي، وبعد إكمال دراستي العليا عدت إلى بغداد وفي جامعتها العريقة.
------------------
العقائد ليست محل تقريب وما يجوز تناوله داخل أروقة البحث لا يجوز التنابذ به أمام العامة فنخلق حالة من الصراع الكل فيها خاسر .
 مع أننا شركاء أوطان مع المسيحيين إلا أننا نجهل الكثير عن المسيحية ، أريد أن نعرف المسيحية من خلالكم
ما هي العقيدة المسيحية وما هو جوهر الخلاف بين الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس وغيرهم ؟

ــ يقال في فلسفة الجمال إنّ الرمز لغة الفن، فلو استعملنا هذه اللغة بلحاظ أثر الدين في نشأة الفن، لأمكننا أن نجعل من العقائد محلاً للتقريب، متخذين من التأويل منهجاً لتفسير العقيدة على طريقة ابن رشد، وبهذا سنرى الجميع يتسابق للبوح بنتائج بحوثه العقائدية، متجاوزين حالة الجذب والاستقطاب التي يدعو لها التمذهب على لسان اللاهوتيين والمتكلمين والسياسيين، فالخلل يكمن في لغة التخاطب المتبعة من قبل الباحثين وليس في العقيدة.
ــ إنّ الذهنية العقائدية التقليدية كانت سبباً رئيساً في التقوقع الذي أصاب الديانات على السواء، فهذه الذهنية تعاني من أزمة ثقة بالنفس، بدلالة أنها تخشى الانفتاح على الآخر، فسمة الانغلاق التي تتسم بها هذه الذهنية المهزومة التي سادت المجتمع من حيث لا يشعر ولـّدت جهل الذات بالآخر، فأصبحت الذات فاقدة لأي سبب من أسباب التوجه نحو الآخر الذي أعتبره ضروري المعرفة، فهذه الذهنية أغلقت المذهب وأغلقت الدين وأغلقت الوطن أيضاً، حتى أنني أكاد أجزم- في الإسلام مثلاً- أنّ السني لا يدرك إلاّ قشور المذهب الشيعي، والشيعي لا يدرك إلاّ قشور المذهب السني، مع أنّ كلا المذهبين ينتمي إلى الدين نفسه وهو الإسلام، فما بالك والحال مع دين آخر كالمسيحية؟!
 وربما البعض يخشى من فتح الإنجيل، أو يخشى حتى من لمس الصليب، كما هو حاصل مع بعض رجال ديننا الذين يخشون من (ألم) (ألف لام ميم) القرآن!
والطريف في الموضوع هو أنني هنا لا أتحدث عن جهل العامة، بل أتحدث عن جهل المختصين بالعقائد والمثقفين وأصحاب الشهادات العليا، بل وأتحدث عن العلماء أنفسهم.
ــ العقيدة المسيحية هي امتداد للعقيدة الإبراهيمية في التوحيد، وهي تتمحور حول الكتاب المقدس واليسوع، وبداية الخلاف بين الطوائف المسيحية الرئيسة الثلاث خلاف فكري بحت، وهو خلاف مشروع، هو خلاف (التراث والتجديد)، خلاف (الانفتاح والانغلاق)، خلاف (النص والاجتهاد)، خلاف (القديم والجديد)، ودليلي على هذا هو أنّ كل طائفة قد ولدت من رحم الأخرى، فالكاثوليكية ولدت من رحم الأرثوذكسية، والبروتستانتية ولدت من رحم الكاثوليكية، ولكن الخلاف الفكري انجر إلى صراع غير مشروع حين دخلت السياسة على الخط ، فأفقد الصراع هذا التعدد الجمالية والمشروعية ، تماماً مثلما حصل في الإسلام كلامياً، حيث ولدت عقائد الشيخ واصل بن عطاء المعتزلي من رحم عقائد الشيخ الحسن البصري، ومن ثم ولدت عقائد الأشاعرة من رحم عقائد الاعتزال ، فهذا التوالد الفكري توالد مشروع وممدوح ، لكن تحول إلى خانة النقد والنقد اللاذع حين تدخلت الخلافة (السياسة) في وسط المتكلمين، وأصبحت تقرب هذا المتكلم على حساب هذا، ومن ثم جاء خليفة آخر قرب المبعد وأبعد المقرب، مع أنهار من الدماء، وكما يحصل الآن من احتراب طائفي دموي مقيت في العراق بين أبناء الدين الواحد من السنة والشيعة، مع أنّ أصل الخلاف بين هذين المذهبين الكبيرين هو خلاف عقائدي فكري، لكن حين تتدخل السياسة وتستغل الظرف العقائدي وتفعل فعلتها يحصل المحذور، هذا الذي حصل عندنا.
----------------
باختصار من مفهوم أستاذ مقارنة الأديان ما هو مفهومك للمسيحية وما يميزها عن غيرها من ديانات ؟

ــ أنا إنسان أتعامل مع المعطيات الملموسة المتحصلة التي يفرضها عليّ الواقع، فالديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام هي ديانات كبيرة، وعليه أرى (أنّ المسيحية تمثل حلقة وصل بين اليهودية والإسلام)، (المسيحية هي التواصلية المضطهدة)، فلا يمكن لليهودية أن تفهم الإسلام إلاّ من خلال المسيحية، وكذلك لا يمكن أن يتواصل الإسلام مع اليهودية إلاّ من خلال المسيحية، ولو تجاوزا المسيحية لأصبحت هناك حلقة مفقودة، هذا هو ما يميز المسيحية عن بقية الطرفين، وللأسف الشديد قد تم بالفعل تغافل هذه الحلقة الضرورية، فحصلت القطيعة بين الطرفين على أبعد مدى.
--------------
سؤال يجول بخاطرنا هل هناك إشكالية في أن يخلق الله السيد المسيح بلا أب ويكون آية منه ، كيف تنظر المسيحية لوحدانية الله وصفاته وحقيقة وكنه السيد المسيح عليه السلام. 

ــ من أدق المسائل عندنا هي مسألة الأبوة والبنوة، وقد تعددت الأفهام المسيحية حول هذه المسألة، فضلاً عن أفهام غير المسيحيين من يهود ومسلمين، وأستطيع أن أشبهها لك بقضية الاستواء الواردة عندكم في القرآن ((واستوى على العرش))، هل هو استواء مادي أو معنوي، فقد تفرّق المسلمون شيعاً في فهم معناها وتفسيرها، فالقضية تتعلق بالفهم وبمستوى الفهم وإداك طبيعة الدلالة، فضلاً عن الاسترزاق غير المشروع بها من قبل البعض.
ــ الأصل في قضية (البنوة) هو إعطاء الصلة المعنوية بين المسيح والله، وليست الصلة المادية كما يُفهم، هي من أجل إعطاء صفة السماوية لمعجزات المسيح، هي من أجل نسبة معاجزه إلى الرب، فالمراد بكلمة (الابن) أن تدل دلالة (إنية) على المعجزات، فكل المعجزات هي من الرب، مثلما يكون الابن من الأب ويدل عليه إنياً، وهذا ما أورده يوحنا: ((ونحن أنفسنا نشهد أن الآب قد أرسل الابن مخلصاً للعالم، لأننا رأيناه بعيوننا، من يعترف بأن يسوع هو ابن الله، فإنّ الله يثبت فيه، وهو يثبت في الله))، فالمسيح هو ابن الله، لكن ليست البنوة البشرية، إذ ورد في إنجيل لوقا: ((سلام، أيتها المنعم عليها! الرب معك: مباركة أنت بين النساء، فاضطربت لكلام الملاك، وساءلت نفسها: ما عسى أن تكون هذه التحية؟!
 فقال لها الملاك: لا تخافِ يا مريم، فإنك قد نلت نعمة عند الله! وها أنتِ ستحبلين وتلدين ابناً، وتسمينه يسوع، إنه يكون عظيماً، وابن العلي يدعى))، فكان الملاك هو المرسَل إلى مريم من الرب، وطمئنها بأنّ الرب معها في أمرها.
ــ إنّ القضية الأولى في عقيدتنا هي التوحيد، كما أورد مرقس: ((أولى الوصايا جميعاً هي: اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد، فأحبْ الرب إلهك، بكل قلبك، وبكل نفسك، وبكل فكرك، وبكل قوتك، هذه هي الوصية الأولى))، ولكي أقرب لك المعنى أضرب لك مثالاً من عقائدكم الدينية، ففي دينكم الأصل هو التوحيد، وما الصفات الإلهية من عدل وحياة وعلم وقدرة وإرادة إلاّ مظهر من مظاهر التوحيد، مع أنها صفات ذات، بل كل شيء في الوجود هو مظهر للوحدانية، وما المسيح وروح القدس إلاّ مظهر من مظاهر الوحدانية، فالمسيح هو فكر الله، وقد ناداه الرب بقوله: ((أنا هو الرّب إلهك، ولا يكون لك إله غيري))، وقد أقر المسيح بهذه الربوبية والوحدانية بقوله: ((الربّ إلهنا ربّ واحد، ولا آخر سواه))، فعلاقة المسيح بالرب يُنظر إليها من جانبين، الأول هو الجانب الإلهي، باعتبار صلة المسيح بالرب، وإنه فكر الرب، والجانب الثاني هو الجانب المادي باعتبار صلة المسيح بالعالم المادي الذي يتعالى الرب عنه مطلقاً، فالمسألة تكون أوضح إذا رجعنا قليلاً إلى الحكمة عند أرسطو إلى نظرية العقل والعاقل والمعقول التي فيما بعد أخذ بها حكماء الإسلام كابن سينا وابن رشد لتفسير كيفية نشوء الموجودات عن الله، أيضاً المسألة ستكون واضحة عندكم إذا رجعتم إلى نظرية الإنسان الكامل عند المتصوفة ونظرية الحقيقة المحمدية والنور المحمدي وأنّ الله أول ما خلق نور محمد ومنه خلق الخير كله، فالنور المحمدي هو مظهر من مظاهر التوحيد لأنّ الواحد لا يصدر منه إلاّ واحد، وإذا تعمقنا في نظرية الحلاج والسهروردي المقتول ورابعة العدوية شهيدة العشق الإلهي وابن عربي، نجد أنّ نظرياتهم تعبر عن تجسّد الرب بالعالم والعالم المادي حتى، وكل هذا هو رمز، وإلاّ ما معنى أن يقول أحدهم ((ما في هذه الجبة إلاّ الله)؟!
 وما معنى نظرية وحدة الوجود؟!
فالقضية أعمق ولا يمكن تناولها بالبساطة المعهودة عند العامة.
---------------
الدين عموما ، دوره في الحياة وهل هو ثورة أم أفيون للشعوب؟

ــ الدين في وجوده ثورة، وفي بقائه أفيون، وهذا لا يعني أنّ الذنب هو ذنب الدين، بل الذنب يقع على عاتق رجالاته الذين يسترزقون باسم الدين وعلى حساب الدين، وأنا كثيراً ما أشبه الدين بالعقار الطبي، فالعقار الطبي في بدايته يكون علاجاً، لكن كثرة استعماله يسبب الإدمان، مما يتولد عنه أضرار جانبية ومضاعفات، حتى الرب يغير في الدين، فإرادته تقتضي تغيير الدين من أجل مصلحة البشرية، فلا ينبغي الوقوف عند اليهودية أو المسيحية أو الإسلام، لأنّ هذا يؤدي إلى إيقاف المسيرة الإنسانية، فإذا قلتَ لي إنّ الإسلام هو الدين الخاتم، قلتُ لك لماذا لا تكون النصرانية هي الخاتمة ما دام يجوز أن يكون دين خاتم؟! ومن ثم يحتج عليّ اليهودي فيقول لي: لماذا لا تكون اليهودية هي الديانة الخاتمة ما دمتم تعترفون بوجود دين خاتم؟!
 طبعاً هذا الحوار بهذه الطريقة يكون بين رجال الدين، أما المثقف فلا يؤمن بحدود تقـيّد فكر الإنسان.
---------------
حكمة الله في إختلاف البشر عقائديا وعرقيا وفكريا وحرية الإختيار ألا نتدبر تلك الحكمة ونتقبلها .من منظور مسيحي كيف ترى الإنسان وهل هو مخير أم مسير وكيف نتعامل مع الإختلاف ؟
ــ الاختلاف هو سر التواصل، لولا الاختلاف لما كان هناك تواصل بين الأمم، خذ مثلاً حوارك الكريم هذا معي، أهم أسبابه هو الاختلاف، لولا الاختلاف فيما بيننا لما كان لنا كل هذا الشوق لعقد هذا الحوار الفكري، لكن للأسف الشديد يوجد مَن يتخذ من الخلاف ذريعة للقطيعة واللاتواصل.
ــ  الإنسان من منظورنا مخير وليس مسير، لأنّ الرب خلقه على صورته، والرب مريد، وقد أورد متى: ((أشهد عليكم اليوم السماء والأرض قد جعلت قدامك الحياة والموت البركة واللعنة فاختر الحياة لكي تحيا أنت و نسلك)).
ــ إذن مع وجود هذا الاختلاف بين بني الإنسان، ووجود الحرية للإنسان، أصبح من الممكن أن يختار الإنسان من يواصله ويتواصل معه، فهذه هدية ثمينة من الرب يمنحها للإنسان، إذ منحه الاختلاف والحرية والتواصل، فالاختلاف والحرية ركنا التواصل. 
--------------

هل هناك شريعة مسيحية ؟
ما هو الإنجيل ؟ 
أين الآخر من المسيحية ؟
صراع الحضارات ؟
إنتظروا الحلقة الثانية والأخيرة من حواري مع الدكتور يوسف قدو الأستاذ في مقارنة الأديان بجامعة بغداد ..


اقرأ على واحة الأريام 


اقتنوا الآن كتاب «صلاة الإنسانية» للكاتب الدكتور عاطف عبد العزيزمن خلال خدمة التوصيل المتاحة في كل أنحاء الجمهورية، والدفع عند الاستلام، من هنا:https://goo.gl/rQqyL6



مشاركة
مواضيع مقترحة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام