إن نتاج
الدعوة لنشاط عقلي يحركه اتصالنا المباشر بأوضاع الشعوب العربية المسلمة. فإهمال
ملكة العقل بتبرير أن المسلم يطبق الشريعة ليست حجة حاسمة لنقطع مع كل رأي مخالف ومع كل الأبحاث التي
تناولت موضوع الشريعة كميدان عمل فيه الكثير من الدحض لموروث عقائدي لم يخدم المسلمين
و لا الإسلام على مدار قرون لقصوره في اعتماد رؤية معمقة تعتمد الإدراك و الإحساس
بالدور الفعال الذي يلعبه الفكر البشري وإنجازاته. وما أثرى هذا الحراك الفكري هو
أن الموجات التكفيرية متشبثة بظواهر الأشياء و تقطع مع أي منطق أو برهان فجل
التشريعات المندثرة و خاصة منظومة القصاص
لا تزال قائمة ليومنا هذا في دول العالم الثالث و نزعة نظرية التفويض الالاهي
لإقامة العدالة و القضاء على الظلم لازالت متأصلة عند أغلبية المسلمين لتصبح هذه
الرؤيا هي السمة التي طبعت الثورات العربية المسلمة و
الدعوة إليها من قبل أنصار الشريعة.
و من
الملاحظ أن جل التشريعات السماوية منها و الوضعية ابتداء بقوانين اورنمو و هو من
أقدم القوانين في العالم كذلك لبت عشتار وصولا لشريعة حمورابي لا تخلو موادها من
نظرية التفويض الالاهي و هو ما يثير عددًا من التساؤلات الأساسيّة الهامّة خاصة و
أن مادة القصاص الذي ينادي به دعاة إقامة الدولة الإسلامية و الخلافة لتبرير العنف
و القتل تتواجد في كل الكتب السماوية و هي نفسها متواجدة في شريعة حمورابي .جاء في
الانجيل في سفر الخروج 21 "و عينا بعين و يدا بيد و رجلا برجل " ونقرأ
في التوراة "الكسر بالكسر و العين بالعين و السن بالسن" لاويين 24/ وجاء
في الآية 45 من سورة المائدة "و كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس و العين
بالعين و الأنف بالأنف و الأذن بالأذن و السن بالسن" هم يستمدون شرعية
اقامتها من الكتاب الالاهي و هذا يفرز أتباعا يقطعون كل اتصال بالفكر الحداثي و
يتوجهون كالسيل الجارف نحو اله وهمي أوجدوه في مخيلتهم ويمهلون الجوانب الروحية
والحضارية التي تهيأ للفرد
مخرجا من العصبية القبلية وينساقون إلى تأصيل الطقوس و الشعائر و الأعراف التي
نبذها العقل الحضاري المنفتح خاصة تلك التي تتسم بنزعة العنف و الجريمة و المس
بقداسة الحرمة البشرية. و نجد هذا المنهج يستمد شرعيته من جل الكتب السماوية رغم
رجوعها إلى نفس قانون القصاص بشريعة حمورابي الأدمية ببند 197 و 200 .مع الأسف فان
آفة الركود الفكري تمنع المتعصب من
التساؤل عن مشروعية خضوع الإنسان لقانون جاء به بشري مثله و يكون هو نفسه موجودا
في الكتب السماوية. و لو أن الديانات سعت لتبرهن عكس ما جاء في خطابها الالاهي على
أرض الواقع و تدعو للإنسانية التي فيها التحرر من النزعة الدموية و تدعو لتعميم
التواصل بين كافة الأطياف و الألوان و المعتقدات دون التحرج من مخالفتها لكتبها
المقدسة. عدى المسلمين فهم يرون فيه تعديا
على الذات الالاهية و يستمدون من الآية شرعية سفك الدماء حتى و إن كان اقتصاص
الشخص أو المجموعة بأنفسهم من المعتدي يعد باطلا في دولة القانون.
فالنضج
العقلي بذهنية مجردة من قولبة الدين للسير نحو بناء مجتمع متمدن يضخ إنسانية ترى
القتل أبشع جريمة ترتكب ضدها لا نجده عند أنصار الشريعة حيث يرى هؤلاء التكفيريون
أن كل حياد عن الخطاب السماوي و حتى الإنساني الذي يتواجد عند السلف تمردا على
الخالق و ردة لا تغتفر.إضافة إلى أن الرؤية التقليدية المتجذرة في الأخذ بحرفية
النص الديني لا تقمع فقط كل وعي بل ولا تسمح بالإحساس الروحي و الوجداني لنجد كائنا بحواس عضوية فقط تجرد
من إنسانيته ليتحول لحيوان شرس. لذلك يختلف البشر في تكوينهم العقلي لنجد فئتين
الأولى انقيادية و الثانية انفرادية لا تأخذ بمسلمات الأشياء حتى و لو كان الخطاب
الموجه إليها خطابا سماويا بل ويوجهون إليه النقد.
إن
الأسس التي تقوم عليها المجتمعات العربية الإسلامية اليوم تخضع لنسق العداء و
التصدي للاختلاف في حين أن أساس القيم الكونية الاعتراف بالآخر للاندماج في وظيفته
الاجتماعية التي تكفلها الإنسانية لتحقيق التواصل. فالتساؤل و البحث يثري الفكر و
يبني حراكا عقلانيا بنّاء. اذ أن النشاط الدماغي يتجدد بحس السؤال لا بالقطع معه وقيمة الإنسان تتمثل
في سموه فوق كل ما يشوه انفراديته و إنسانيته ليكتشف روحه الإنسانية.إلا أن الشعوب
المسلمة ترى ان كل ما يخالف عادتها يعتبر توحشا و في هذا السياق يقول الفيلسوف
منتاني "يسمي كل واحد منا توحشا ما يراه مخالفا لعاداته" .
زيادة أن أساس القاعدة هنا في الثقافة المهيمنة الآن على المسلمين المتعصبين هو الدفاع عن ثقافتهم
لا تطويرا و تحديثا لها ولا نعثر على النفس المتحررة من كل تأثير مع ما يتعارض مع إنسانيتها
و التي تنصاع للواجب الإنساني لا الانصياع للإنسان . إضافة أن مهمة الوعي إدراك
خبايا الأشياء كالبحث في غائية الرسالة السماوية و تفسيرها تاريخيا بربطها بالفترة
المنزلة فيها قبل أن نربطها بحاضر لا تتماشى معه.
أمسى جليا أن العقل النير يسعى الإيمان فيه إلى الثقة بالعقل حتى يتسع باب
التغيير و القدرة على استيعاب الأفكار التي تعد صادمة عند الجماعات المسلمة لا
المتأسلمة فقط و من مأساة الفكر العربي أن يتحول المفكر فيه لصحافي ينقل الأحداث
ويسرد وقائع خالية من بحث يسعى لاجاد حلول و توالد أفكار و دغدغة حس التفكير و
التساؤل وهو فكر أشبه بلوحة فنية الفرق الوحيد بينهما أن الرسام عن طريق لوحته
أتاح الخيال و ملكة السؤال....أما السرد و النسخ و الرؤية الغير حيادية للمفكر
الذي يكتسي رداء فكرا حداثيا تفضحه انزلاقات خالية من الموضوعية و المنطق كعودة
شعراء المديح برداء المفكر. موروث لم يتححرر منه معظم العقلانيون العرب لتصبح
مقالاتهم ذات غايات نفعية مما يلخص
استفحال التبعية و ضربها للعقل .
إن
هذا الخطر نجده أيضا حين يتحول الفكر العقلاني عند البعض تمجيدا لطغاة أعداء الإنسانية
و المتجسدة في الدكتاتوريات القائمة بالوطن العربي و تبرير استبدادهم و ما يغيب عن
العديد أن من يبرر الطغيان هو مشروع طاغية و الكارثة أن هذا العقلاني ينادي بالإنسانية
وفي الآن ذاته يتبنى النزعة المتأصلة لدى العرب في التغني بالأوطان و الزعماء و
الهويات و الدين الذي يبارك الدماء دون وعي عوض محاولة إيجاد
علاج لجسم الرأس العربي المريض الذي ينخره الجهل كل ثانية فالروح الوطنية الصادقة
و الهوية الثابتة تفرض نفسها من خلال المواطنة و مكانها بين الدول المتحضرة و
استشهادا على ذلك نلاحظ عدم تغني المجتمعات المتقدمة بهذه الأشياء فهي فارضة لنفسها من خلال تطورها العلمي حيث شبه بعض القدامى أن القوانين بمثابة شبكة عنكبوت التي لا تستطيع
أن تسجن سوى الذباب بينما تمزقها الطيور تمزيقا و اختم بقولة لبريس فيان ما يهمني ليس سعادة الجميع إنما تهمني سعادة كل أحد.
بقلم حنان بن عريبية
أختلف معكى جزئيا عزيزتى ..فحكم على الدين عموما مبنى على تصرفات وفهم والمنتسبين وليس على جوهر وحقية فكرة الدين ..أما القصاص والعقاب لمن تتعدى حريته حرية الآخرين فيفسد أو يسرق أو يقتل فهو حق إنسانى فى المقام الأول للحفاظ على الهدف الأسمى للدين وهو الحفاظ على النفس ...
ردحذففى المجتمعات المتمدنة والتى عانت من الحرية العمياء تلك التى قادت بعض الشباب ليقتتلوا بعد إحتساء الخمور حول جسد فتاة عارية والتى قادت مجتمعات ساد الإنحلال فيها حتى كاد يدمرها مما جعل الناس فيها تطالب بسن قوانين قاسية للحفاظ على المجتمع من الإنهيار ....القصاص هو حياة ولكن الخطيئة التى يقع فيها البعض أن يحول نفسه لخصم وجلاد وقاضى فى نفس الوقت ..فتسود الفوضى وتنتشر الدماء ...ليست المشكلة فى مفهوم القصاص ولكن المشكلة فى مفهوم الدولة وفى سيادة القانون ...