مساحة إعلانية

د. عاطف عبدالعزيز عتمان يكتب ...دعارة ودعارة ومشهد من ثورة الياسمين ..من أريام أفكاري

عاطف عبدالعزيز عتمان مارس 17, 2018
24 فبراير، 2013
لقاء مثير لأحد المشايخ في الشارع ينادى على بائعات الهوى ويذكرهم بالله ، وتأتى أصوات استغاثة من داخل بيوت بيع الهوى والله لا تخرج تلك الأصوات إلا من مؤمنات ، نعم من مؤمنات  رغم أنف من يغضب ورغم أنف من يتطاول وينصب نفسه إله .

قال رسول الله صل الله عليه وسلم فيما معناه
لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يزني الزاني حين يزنى وهو مؤمن ، فنفى الإيمان لحظة وقوع المعصية ولم ينف الإيمان عن العاصي بالكلية وإلا لكفرت البشرية إلا من عصم الله.
ما الإيمان وما حقيته ؟
ما هو الإيمان سوى صراخ واستنجاد بصاحب الأمر ، سوى خفقة من قلب تناجى العلي القدير يا الله يا الله .
سوى الإدراك واليقين بأن هناك للأمر صاحب وهناك حساب وعقاب وجنة ونار ولقاء يوم اللقاء .
أصوات استغاثة تستغيث بالله من ضمائر قد ماتت وذمم قد خربت وجهال قد استفحل أمرهم.
استغاثة بالرحمن الرحيم من جبروت وقسوة بني البشر .
تذكرت موقف شيخي الغزالي رحمه الله من مدمن الخمر 
يقول: 
قلت لرجل تعوّد شرب الخمر: ألا تتوب إلى الله؟
فنظر إلىّ بإنكسار ودمعت عيناه، وقال: 
 ادع الله لي.
تأملت في حال الرجل ، ورقّ قلبي . 
إن بكاءه شعور بمدى تفريطه في جنب الله ، وحزنه على مخالفته ورغبته في الاصطلاح معه ، إنه مؤمن يقينا ولكنه مبتلى!
وهو ينشد العافية ويستعين بي على تقريبها.
قلت لنفسي (الغزالي ):
قد تكون حالي مثل حال هذا الرجل أو أسوأ صحيح أنني لم أذق الخمر قط فإن البيئة التي عشت فيها لا تعرفها ، لكنّي ربما تعاطيت من خمر الغفلة ما جعلني أذهل عن ربي كثيرا وأنسى حقوقه ، إنه يبكي لتقصيره وأنا وأمثالي لا نبكي على تقصيرنا
فقد نكون بأنفسنا مخدوعين.
وأقبلت على الرجل الذي يطلب مني الدعاء ليترك الخمر، قلت له تعال ندع لأنفسنا معا:

"ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين"

نعم شاهدت الحلقة التي أذيعت من بلاد الياسمين والقيروان والزيتونة عقب ثورة الياسمين وكلى أسى على جلد المظلوم وممالأة الظالم وامتهان الإنسان لأخيه الإنسان . 
الدعارة وبيع الأجساد ليس قاصرا على عالمنا العربي والإسلامي ولكنه ممتد وله أسباب عديدة منها الأخلاقي والثقافي وأخطرها المادي والفقر والحاجة .
لا أبرر بيع الأجساد للحاجة ولكنى ألوم أولا العهر السياسي والأخلاقي لمعظم إن لم يكن كل الحكام والسياسيين ولكثير من المتدينين ، الذين دفعوا هؤلاء لهذا المصير وهذا المستنقع 
وألوم على ألئك الذين ذهبوا لتلك البيوت لهدمها على ساكنيها بحجة أمر بمعروف ونهى عن منكر وألئك هم المنكر ذاته.
أين أمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر للساسة والحكام الذين جوعوا هؤلاء وغيرهم وامتهنوا إنسانيتهم وماذا لوكان منكم أحد رواد المكان التائبين فهل جعلتكم توبتكم ملائكة وحكمتم على الناس بالجحيم .
أين رجولتكم تلك على من هتكوا الأعراض وسرقوا الأموال وتلاعبوا بالكلمات وتاجروا بشعوب كاملة بأجسادها وأخلاقها ومصائرها ؟
أكرر لا أبرر بيع الأجساد للحاجة ولكن أدعوا للعدل والإنصاف 
فمن باعت جسدها ليست بأقبح ممن باعوا الضمائر وباعوا وتاجروا بكل شيء بالأوطان والأعراض والمقدسات والإنسان  وإن إدعوا شرفا وفرشت لهم البسط وقبلت أياديهم.

بيع الأجساد دعارة وبيع الأوطان والشعوب والأخلاق دعارة أقبح 
، فهناك من تبيع جسدها من أجل علبة حليب لرضيع ضاقت به الدولة وهجره المجتمع ، وهناك من يبيع كل شيء ويبيع جسد تلك التي باعت جسدها ثانية من أجل السيطرة والتسلط فأيهما أقبح؟

مشكلة الإزدواجية في مجتمعاتنا هي الدعارة الحقيقية ، فالضعيف يجلد ويهان والقوى يكرم ويصان وإن ظلم وبغى.
من المسؤول عن هؤلاء اللائى يبعن أجسادهن من العوذ والحاجة؟
من المجرم الحقيقي والجاني الفعلي على هؤلاء وعلى المجتمع؟
أم أننا تعودنا في محاكمنا على براءة الجناة وعقاب الأبرياء!
لا أجد من قول لهؤلاء اللائى أرى البعض منهن على الأقل ضحايا إلا أن أقول لهن تعالوا معي ندعواالرحمن .

"ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين"

مشاركة
مواضيع مقترحة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام