مساحة إعلانية

كيف تحافظ على صحتك النفسية

عاطف عبدالعزيز عتمان مارس 21, 2021


كيف تحافظ على صحتك العقلية من كتاب شفاء النفس للدكتور يوسف مراد

 إذا كانت الوقاية خير من العلاج، يجدر بنا أن نختتم هذا الكتاب بذكر أهمِّ المبادئ والوصايا التي يضمن تطبيقها المحافظة على الصحة العقلية ودعم التوازن النفسي، ولا بد من أن يحاول الشخص تطبيق هذه المبادئ بكل شجاعة ومثابرة حتى تصبح من سَدى حياته اليومية ولُحْمَتها، وتكون الأساس الذي تقوم عليه مختلف عاداته من وجدانية وفكرية وتنفيذية، وسنسترشد بما قلناه في الفقرة السابقة عن تكامل الشخصية لوضع هذه المبادئ بحيث تشمل جميع النواحي من بيولوجية وسيكولوجية واجتماعية.
حافظ على صحتك البدنية
البدن آلة النفس وسلامة البدن من شروط سلامة وظائف النفس، والعادات الصحية التي تكوِّنها للمحافظة على صحتك تقوِّي فيك العزيمة والإرادة، وتساعدك على اكتساب العادات الفكرية التي توفِّر لك مجهودًا كبيرًا في تنظيم حياتك العملية.


اعرف نفسك.
معرفة الإنسان نفسه هي لبُّ الحكمة ومفتاح السعادة الحقَّة. درِّب نفسك على التحليل الذاتي والتأمُّل ولكن بدون إسراف، وحاول دائمًا أن تكشف في نفسك حقيقة الحوافز التي تدفعك إلى العمل وقيمة الأغراض التي تغريك وتبعثك إلى النشاط. اختبر ممكناتك مميزًا نواحي النقص التي يمكن إصلاحها من النواحي التي لا بد من قبولها كما هي، محاولًا التعويض عنها في دائرة النشاط الفعلي التي في مقدورك أن تفوز فيها بالنجاح.


اعرف غيرك.
لا تتخذ من نفسك مقياسًا للحكم على غيرك، فعلى الرغم من وحدة الطبيعة البشرية فهناك فوارق فردية عدة ترجع إلى العوامل الوراثية وخاصة إلى تأثير البيئة. تذكَّر أن السلوك الظاهر لا يعبِّر دائمًا عن سريرة غيرك، وأن هذا التباين بين الظاهر والباطن قد يرجع إلى التصنُّع، كما أنه قد يرجع إلى قلة الحذق في التعبير، فعلِّق حكمك حتى تتأكَّد من صحة الفروض التي تفترضها أو من عدم صحتها، فالتفاهم أمر شاق ولكن لا بد من بذل المجهود للوصول إليه لكي تضمن الانسجام مع الغير وراحة البال.


واجه الواقع ونمِّ في نفسك الاتجاه الموضوعي.
على هذا المبدأ يتوقَّف نجاحك في محاولتك معرفة نفسك ومعرفة غيرك، كثيرًا ما تكون مطالب الواقع مفروضة عليك من الخارج فلا بد من مواجهتها على حقيقتها، وإذا كان حل المشكلة التي تعترضك عسيرًا متعذِّرًا أرجئ الحل حتى تتوافر لك وسائله، فإن إرجاء الحل إلى حين أفضل من تجاهل المشكلة أو الفرار منها، ومما يساعدك على إيجاد الحل الملائم أن تنظر إليها كظاهرة موضوعية خارجية يجب ملاحظتها وفهمها بدون أن تتقيَّد بفكرة سابقة تحكمية، واحذر دائمًا الحل الذي يتراءى لك وأنت في حالة انفعالية عنيفة؛ لأن من أثر الانفعال تشويه التفكير وإعاقة الاستدلال السليم، والارتداد بالسلوك إلى طور الآلية العمياء أو الاندفاع البهيمي.


ضع خطة لنشاطك في المستقبل.
لا تعتقد أن التدريب على مواجهة الواقع وعلى تنمية الاتجاه الموضوعي يؤدي إلى إماتة المخيِّلة وخنق روح الابتكار، بل الصحيح هو عكس ذلك، ليس الواقع أمرًا مستقلًّا عما يحيط به من ملابسات وعما سبقه من ظروف وعما سيتبعه من أحوال، وكذلك ليست اللحظة الحاضرة التي تحياها الآن سوى حلقة اتصال بين الماضي والمستقبل، فلا بد من أن تستعين بماضيك، وأن تُسْقِطَ على ستار المستقبل ما تعتقد أن في تحقيقه إثراءً لشخصيتك وازدهارًا لها، ولكن يجب أن تختار من ذكرياتك ما يلائم الواقع وما يمكن صبُّه في قالبه، وأن تضع خطة نشاطك بحيث يكون المستقبل ثمرة الماضي، لا أوهامًا تتركك مخدوعًا مخذولًا.
 

وفِّق بين الراحة والعمل.
لا تَنْسَ أنك جزء من الطبيعة، وأنك كالطبيعة التي تعيش في أكنافها خاضع لإيقاع معين يتمثَّل في تعاقب الليل والنهار، الراحة والنشاط، النوم واليقظة، ولا يمكنك أن تسيطر على الطبيعة إلا بالخضوع لقوانينها، فاحترم نظام إيقاعاتك العضوية من تنفُّس وهضم ونشاط عضلي ونوم، واتخذ من هذه الأنظمة العضوية نموذجًا وضابطًا لنشاطك الفكري، ولا تَنْسَ أن التنويع في النشاط من عوامل الراحة؛ ولهذا السبب تعتبر الهوايات على اختلاف أنواعها من رياضة بدنية وفنون جميلة من مقتضيات الحياة المتزنة المنسجمة.


ثقِّف نفسك .

لا تَنْسَ أيضًا أنك لست جزءًا من الطبيعة فحسب، بل عضو في مجتمع إنساني له تراثه الثقافي، وأن من حقوقك أن تتمتَّع بهذا التراث، ولا يتمثَّل هذا التراث في الحضارة المادية فحسب، بل في الحضارة الروحية أيضًا، بل إن الثانية أعلى قدرًا من الأولى؛ لأنها ثمرة مجهود الإنسانية في كشف أسرار الطبيعة وأسرار النفس الإنسانية والتعبير عن نواحي الجمال فيهما. ولا تعتقد أن الإنسانية قد وصلت عفوًا إلى المُثُل العليا من تعاون وتسامح وحرية ومساواة وإخاء، وأنها ليست جادَّة في اكتمال تحقيق هذه المثل العليا وغيرها، على الرغم مما قد يُظْلِم الأفق أحيانًا من أشباح القسوة والظلم والاستعباد، فعليك أن توسِّع آفاق عقلك، وأن تتمثَّل نصيبك من الثقافة العامة؛ لأن فخر الإنسان ليس فيما تملكه يده بل فيما يعيه عقله من علم ومعرفة وفيما يحويه قلبه من محبة وتسامح.


ربِّ في نفسك روح الفكاهة والمزاح البريء.
حاذر أن تكون مسرفًا في نظرتك الجدية إلى شئون حياتك المادية والروحية، وإلَّا تحول الجد إلى عبوس، فليس أقرب إلى القنوط من الأمل الأعمى، وإلى التشاؤم من التفاؤل المفرط، اتخذ من هفوات نفسك موضوعًا لفكاهتك، ففي هذا ترويح للنفس وتقويم لها، وإذا مازحت غيرك فليكن الغرض من مزاحك إصلاحه لا النيل من كرامته. تعلَّم فن الضحك الذي هو أقرب إلى الابتسامة الرشيقة منها إلى القهقهة الغليظة، إن الضحك من خصائص الإنسان وحده دون سائر الحيوانات.


ليكن لك أصدقاء أوفياء.
ويلٌ للمرء المنفرد المنعزل الذي لا يحاول فهم غيره، والذي يفتخر بأن الآخرين لا يفهمونه، ليكن لك أصدقاء أوفياء تلجأ إليهم عند الضرورة للاسترشاد برأيهم وللإسرار إليهم بمتاعبك وبما يخالج قلبك من قلق وخوف، ولا تَنْسَ أن للصداقة درجات وللأصدقاء مراتب، فلا تكلِّف صديقك فوق طاقته، وتذكَّر أنه في حاجة إلى صداقتك كما أنك في حاجة إلى صداقته، وروح الصداقة أنْفَس من أي صداقة معينة، ودع هذه الروح تشمل سلوكك في المنزل والمعبد والمدرسة والنادي والشارع ومحل عملك، وفي جميع الظروف التي تلاقي فيها أخاك الإنسان.


اشترك في النشاط الاجتماعي.
لا يمكن أن تكتمل شخصيتك إلا إذا شعرت فعلًا بأنك عضو عامل في مجتمع، تسعى دائمًا لخدمته مهما كانت طبيعة عملك، دعِّم الأواصر التي تربطك بأفراد أسرتك ومهنتك وقريتك ووطنك بل بأفراد الإنسانية جمعاء، ألم يتبيَّن لك في خلال هذا الكتاب أن الأمراض النفسية لا تبعد أن تكون أمراضًا خُلُقية، وأن أساس الصحة العقلية هو في جوهره تغلُّب الغيرية على الأنانية، والتعاون على المنافسة، والتسامح على الحقد والبغضاء؟

مشاركة
مواضيع مقترحة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام