مساحة إعلانية

السجن بين مخالب غوريلا اللاوعي

عاطف عبدالعزيز عتمان يونيو 01, 2022

 

13‏/04‏/2021

السجن بين مخالب غوريلا اللاوعي

اسألوا تصحوا

عندما تقترب من المقدس بالسؤال والسؤال عادة متعب ومؤرق وضد حركة غوريلا اللاوعي (حالة في اللاوعي تقاوم أي تغير وخاصة عندما يلامس عادات ومسلمات) التي تبسط سيطرتها في هذه الحالة لتجعل الإنسان في أمان عقائدي وديني عبر الاتباع الأعمى وفق وظيفة اللاوعي .عندما تقترب بسؤال عاقل تنتفض الغوريلا ويستخدم الفرد حالة القنفد لشعوره بالخطر، فيصدر أشواكه ويعلو صوته ويشتت نفسه وإياك بعيدا بالتركيز في أمور أخرى، أو استهداف شخص السائل بدلا من استهداف السؤال، وكلما كان السؤال عاقلا واستهدف  منطقة مظلمة كان رد الفعل قوي وهياج الغوريلا واضح.
الغوريلا تستخدم كل الحيل لتحافظ عليك في وضع الثبات ولا مانع من تبرير جمودك وعصبيتك بالدفاع عن الله أو الدين أو الحق، وكأن حقك هو الحق، ولا يسلم هنا من هذا السجن إلا من يرى نفسه وذاته فيعرفها، ويدرك أن تلك أفكاره ورؤيته وتصوراته وليست عين الحقيقة .
 

الدين علم أم  لا  !

جدلية هل الدين علم أم لا جدلية قديمة لاتزال حاضرة، أعتقد أن الخلل المنهجي هنا هو عدم الاتفاق على تعريف كلمة علم أولا.
وما بين علم ومعرفة، وبين علم تجريبي وعلم إنساني يكمن الحل؛ فإن تم تحديد المصطلحات فمن الممكن فك هذه الإشكالية، مع ذلك سنكمل النقاش عبر فرضية أن الدين علم، وهنا يطل السؤال الأهم، هل علم متاح للجميع، أساس نصوصه لغة من أدرك مفاتيحها له الحق في الإبحار، وعليه البرهان والحجة والدليل على أفكاره، أم هو علم كهنوتي لا يكون فيه الأمر إلا عبر نقل أمين يقره كاهن معترف بكهانته من كاهن آخر وهكذا ؟!
دعنا نفترض أن الدين علم وأنه علم كهنوتي له أناسه ومؤسساته الرسمية( التي تتهم المعارضة وأسهل تهمة في التاريخ الإسلامي للمختلف أنه من الخوارج) أو العرفية، أو المعارضة للرسمية المتهمه للرسمية بخدمة السلطة(ولا أظن هذه النماذج في أي علم تجريبي مثلا) هنا أنا كسني مصري هل الدين عندي ما يقوله الأزهر، وهل لهذا من سند في النقل أو عند العقل؟ 
ماذا عن مؤسسات البلد الذي نزل فيه الوحي؟ 
ماذا عن مؤسسة أقدم وأعرق اسمها الزيتونة إن خالفت الأزهر فأي تدين هنا سيحاسبني ربي عليه؟!
السؤال الأهم أخي الشيعي نفذ هذه القاعدة وترك الدين للمرجعية فهي أهل العلم، فعلام يتم تكفيره وهو سلفي المنهج يقلد ما ورثه حتى يصل نسب التقليد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهل الشيعي مسلم مؤمن أم كافر أو مبتدع ؟
سؤال آخر عن أخي المسيحي أو البوذي أو اليهودي الذي يسير على نفس المنهجية، ما هي جريمته فقد علق دينه في رقبة غيره وطبق بقلب سليم تعاليم مؤسسته الدينية، فعلام نكرهه أو نُكرهه أو حتى نظن بضلاله؟
هل الآخر بالنسبة لي شريك في الحقيقة أم ضال، والآخر بمعنى عام هو كل من ليس أنا؟

التخصص

لاشك أننا أصبحنا في زمن لابد فيه من التخصص، بل أصبح هنك تخصصات فرعية داخل التخصص، وتخصصات دقيقة داخل التخصص الفرعي، حتى في الحكم لم يعد نمط الخليفة الحاكم القاضي الفقيه الخبير، وولي الأمر صاحب طلاقة الأمر في السياسة والإقتصاد والعلوم وكل شؤون الدولة، لم يعد نموذج مقبول بل تبني الدول الحديثة على المؤسسية.
في ألمانيا نموذج ترخيص حتى لأبسط المهن والحرف مبني على التعليم واكتساب المهارات العملية ومن ثم الحصول على الترخيص، ولا ممارسة لمهنة ولا حرفة إلا برخصة يسبقها تدريب وتعليم مدفوع بنصف أجر للمتدرب.
إذا ما هو المانع أن يحصل الدعاة ورجال الدين على رخصة؟!
 
دعونا نفكك هذه الإشكالية بهدوء عبر مجموعة من الأسئلة..
ماذا نريد بالتنظيم، رفع الكفاءة أم السيطرة؟
هل وجود تخصص يمنع من حق السؤال وحق الإلمام المعرفي و الثقافي، وحق مناقشة الإجابة والسعي لأفضل إجابة خاصة أن أجوبة العلوم الإنسانية والدينية فيها من التباين والتضاد ما فيها؟
هل هناك في ألمانيا رخصة لممارسة الفكر؟
هل هناك رخصة للمارسة السياسية مع وجود تخصص العلوم السياسية؟!
لو قلنا بوجوب رخصة لممارسة الافتاء فهل يجب أن تكون هناك رخصة للسؤال ومناقشة الجواب والاختيار ما بين الفتاوى ؟
لماذا تنشط الغوريلا عند أي طرح جديد يخالف قناعات النفس والموروث ولا تتدخل في حالة صدور ما تهواه النفس ويوافق الموروث!
لم أسمع لتابعي الصيدلي د إياد قنيبي من يطالبه بالبقاء في الأدوية وترك الدين للمؤسسة فلماذا ؟
هل لأن قنيبي يخاطب الأمة المهزومة بما يوافق الهوى وما هو معلوم متوارث، أم لأنه يعالج خلل لدى الأمة التي تعاني من الإنهيار والضعف فيزكي نعرة الفخر بالماضي والتقوقع الطائفي لحماية الأمة المستباحة، ويستخدم الفكر الجهادي الذي يمني المظلوم بسيادة الأرض، أم لانه يرد الشبهات من وجهة نظر متابعيه ويعد أسد الاسلام !؟
بغض النظر عن الفكر ذاته لماذا هنا القبول المطلق!
معظم مشايخ ودعاة الجماعات أطباء ومهندسين و صيادلة وزراعيين وتابعيهم لا يسألون عن شيئ ربما بسبب الخطاب العاطفي الذي يلغي العقول ويستوطن القلوب، فلماذا الازدواجية هنا!
نعود لمشايخ ورجال دين من أهل التخصص والشهادات الرسمية بمجرد أن يرفضوا الوصاية، ويرفضوا أن تكون جماجمهم مجرد مقلب للمحتوى الموروث تتم الثورة عليهم، والتحذير منهم، واتهامهم بالفسق والعلمانية والعقلانية والمهلبية، وهنا تسقط حجة التخصص فيصبح البش مهندس محمد عبدالمقصود أو عمر عبدالكافي أو المحاسب وجدي غنيم ذوي لحم مسموم، والشيخ علي عبدالرازق وشيخه الإمام محمد عبده ذوي لحم مباح!
 

الخلاصة

الدين كدين علاقة قلبية بين العبد وربه، وسلوكية بين العبد والعبد، أما الشريعة وقواعدها فلها معارف ضرورية لفهم الدين، ومقصوده وحلاله وحرامه، وعلى كل إنسان أن يطلب هذه المعارف بقدر ما يصلح به من نفسه، ويرفع إيمانه ويعرف ربه، ويسلك الطريق لمولاه حسب مراد مولاه، وحسب مقدرته، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وكل نفس بما كسبت رهينه، ولقد يسر الله القرآن للذكر، ويسر الكون للتدبر وممارسة غيب الاستدلال.
هنا لا مانع بل من الواجب أن تذهب لعلم الفسيولوجي لترى الله في صنعته، وعلم الفلك لتعرف الله من آثار عظمته، وكتابك المقدس لترى غيب الإخبار وتميزه، وما يرضي الله فتأتيه وما يغضبه فتتجنبه، وتذهب لأهل الاختصاص  تسأل وتعرف ولكن....
 
تذهب إنسانا حرا عاقلا ذو إرادة، فتسأل وتناقش وتقبل وترفض. تتلقى كل أمر تلقى العقل الناقد، فأنت تتلقى عن إنسان مثلك مع فضل علمه لكنك لا تتلقى عن الله بل فهم الرجل عن الله.
تذهب إنسانا عاقلا تقارن وتقارب، تقبل وترفض، وبالنهاية كل نفس بما كسبت رهينة، فلن يغني عنك من الله حبر ولا قس ولا شيخ.
 
ليس المطلوب منك أن تستبدل صنم بصنم، وتسمع لطرحي هذا وتقبله كأنه مسلم به، ولا أن ترفضه لمجرد أنه يخالف قناعاتك الموروثة، فالتسرع في الرفض كالتسرع في القبول حماقة.
 
تقبل الأسئلة وابحث عند من شئت عن الإجابة، إجابة لنفسك تنورها بها، لا لجدال أو مغالبة.
إسأل ودعك ممن يرتبكون من السؤال فيخوفنك منه، لكن ليكن السؤال عاقلا له هدف فيكون وسيلة لا غاية وغايته الوصول للحقيقة وتنوير ما أظلم ومراجعة ما تظنه مسلمات.
في النهاية وبعد البيان فلا داعي للخصام ولا الكراهية ولا الإكراه ولتكن سماء الأفكار هي القبلة لا سجون الأشخاص ثم عليك بنفسك لا يضرك من ضل إذا اهتديت، فاللهم نور منك يدلنا عليك وينير القلوب فنحسن إلى صنعتك ونكون من المحسنين.
مشاركة
مواضيع مقترحة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام