مساحة إعلانية

فتح القادسية والتمهيد للدولة العادلة ... الحلقة الثانية

عاطف عبدالعزيز عتمان سبتمبر 21, 2020

 



( فتح القادسية والتمهيد للدولة العادلة )

الحلقة الثانية

الخطوة الرابعة ..

" حرب القادسية أمير يستشير ووزير يُخطط "

إن المسلمين بعد أن خسروا في ( معركة الجسر ) على يد الفرس برز دور سيدنا علي جلياً عبر تقديم خطط مُحكمة ومشورة صائبة ، في الوقت الذي طمع فيه الفرس بإسترجاع المناطق التي فتحها جيش الإسلام ك البصرة والكوفة والمدائن وجلولاء وخانقين ، حيث إستجمعوا قواهم وقاموا بتحشيد مائة وخمسين ألف مقاتل في نهاوند ، و قرروا أجتياح هذه المناطق ثم الزحف الى المدينة المنورة لإستئصال أصل دين العرب ، فهذه المرحلة كانت من أخطر المراحل التي تعرض لها المسلمون بعد رحيل النبي الأكرم ، فقد اشارت الأخبار أن عمر رضي الله عنه خاف خوفاً شديداً على مصير الأمة فعلى أساس ذلك إستشار كبار الصحابة ، وعمل برأي علي عليه السلام وأطلق يده في إدارة الفتح وإرسال القادة الذين يختارهم ، ف أختار النعمان بن مقرن ، فإن قتل فحذيفة ، فإن قتل فجرير بن عبدالله البجلي ، وكانت معركة نهاوند الفاصلة التي قصمت قوة فارس ، والجدير بالذكر إن كل الصحابة كانوا يُدركون صدق علي عليه السلام وأنه لن يخون تلك الثقة و لن يغدر ، فلا غش في نصيحته ولا تحقيق لمآرب أخرى ، فعندما يستشيرونه يطمئنون اولاً لرأيه الصائب وثانياً لنزاهة وصدق النصيحة، وهنا نكتشف الثقة المتبادلة بين الأمير ووزيره ، فعندما يقول عليه السلام " ومكان القيم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه ويضمه " فهو يعني ما يقول ومعنى ذلك أن القائم ب الخلافة ك النظام من الخرز فإن أنقطع النظام تفرق الخرز وهي إشارة واضحة لمحورية الخليفة الثاني بالنسبة للأمة وعليه أن يُحافظ على نفسه لكي لا تنتكس الأمة، هنا نشاهد جمال الروح عند علي عليه السلام وآيثاره وتفانيه من أجل الحفاظ على الاسلام وأبناءه، لذا فقد بالغ في النصيحة بغية الحفاظ على شخص الخليفة الفاتح ، فمن يعترض على هذا الكلام ليرى كيف كان علي عليه السلام مؤيداً لقتال الفرس و مباركا لفتح العراق و يُسدي النصائح للخليفة حتى كانت حرب القادسية تجلي رائع للمشورة العلوية السديدة والقيادة العمرية الحكيمة وبسالة جنود الفتح وتفاني الجميع لنصرة الاسلام.

الرواية الاولى ..

في خضم الحرب الدائرة بين المسلمين والفرس بالعراق يتقدم الخليفة الفاروق في إستشارة الوزير علي المرتضى بالشخوص لقتال الفرس بنفسه فيجيبه سلام الله عليه قائلا:- (( إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلة وهو دينُ الله الذي أظهره وجنده الذي أعده وأمده حتى بلغ مابلغ وطلع حيث طلع ونحن على موعود من الله والله منجز وعده وناصر جنده ومكان القيم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه ويضمه فإن انقطع النظام تفرق الخرز وذهب ، ثم لم يجتمع بحذافيره أبداً والعرب اليوم وأن كانوا قليلا فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالاجتماع فكن قطباً وأستدر الرحا بالعرب وأصلهِم دونك نار الحرب فأنك إن شخصت من هذه الأرض إنتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك ، إن الأعاجم أن ينظروا إليك غداً يقولوا هذا أصلُ العرب فإذا أقتطعتموه إسترحتم فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك وطمعهم فيك ...)) نهج البلاغة ص ٢٥٥ تحقيق الدكتور محمد صبحي

الرواية الثانية .. (( وقعة نهاوند ))

(( وأما الواقعة فهي زمن عبد الله ،فنفرت الأعاجم بكتاب يزدجرد ، فاجتمعوا بنهاوند على الفيرزان في خمسين الفا ومائة ألف مقاتل، وكان سعد كتب إلى عمر بالخبر ثم شافهه به لما قدم عليه وقال له :إن أهل الكوفة يستأذنونك في الانسياح وأن يبدؤوهم بالشدة ليكون أهيب لهم على عدوهم. فجمع عمر الناس واستشارهم ، وقال لهم:هذا يوم له ما بعده ،وقد هممت أن أسير فيمن قبلي ومن قدرت عليه فأنزل منزلا وسطا بين هذين المصرين ثم استنفرهم وأكون لهو ردءاً حتى يفتح الله عليهم ويقضي ما احب ،فإن فتح الله عليهم صببتهم في بلدانهم فقال طلحة بن عبيد الله: يا امير المؤمنين قد أحكمتك الأمور ، وعجمتك البلابل ، واحتنكتك التجارب، وأنت وشانك ورأيك، لا ننبو في يدك ولا نكل عليك ،إليك هذا الأمر، فمرنا نطلع، وادعنا نجب، واحملنا نركب،وقدنا ننقد، فإنك ولي هذا الأمر،وقد بلوت وجربت واحتربت فلم ينكشف شيء من عواقب قضاء الله لك إلا عن خيارهم .ثم جلس . فعاد عمر ،فقام عثمان فقال :أرى يا امير المؤمنين ان تكتب إلى أهل الشام فيسيروا من شامهم، وإلى أهل اليمن فيسيروا من يمنهم ، ثم تسير أنت بأهل الحرمين إلى الكوفة والبصرة، فتلقى جمع المشركين بجمع المسلمين ، فإنك إذا سرت قل عندك ماقد تكاثر من عدد القوم ، وكنت أعز عزا وأكثر. يا أمير المؤمنين إنك لا تستبقي بعد نفسك من العرب باقية ، ولا تمتع من الدنيا بعزيز، ولا تلوذ منها بحريز . إن هذا يوم له ما بعده من الأيام،فاشهده برأيك وأعوانك ولا تغب عنه.وجلس.
فعاد (عمر)، فقام إليه علي بن أبي طالب فقال :أما بعد يا أمير المؤمنين،فإنك إن أشخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم إلى ذراريهم، وإن أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلى ذراريهم،وإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها، حتى يكون ما تدع وراءك أهم إليك مما بين يديك من العورات والعيالات ، اقرر هؤلاء في امصارهم واكتب إلى أهل البصرة فليتفرقوا ثلاث فرق:فرقة في حرمهم وذراريهم، و فرقة في اهل عهدهم حتى لا ينتقضوا ، ولتسر فرقة إلى إخوانهم بالكوفة مددا لهم ؛إن الأعاجم ان ينظروا اليك غدا قالوا :هذا امير المؤمنين أمير العرب واصلها فكان ذلك أشد اكلبهم عليك. وأما ما ذكرت من مسير القوم فإن الله هو أكره لمسيرهم منك .وهو أقدر على تغيير ما يكره وأما عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة ولكن بالنصر.
فقال عمر :هذا هو الرأي، كنت أحب أن أتابع عليه ، فأشيروا علي برجل أُوليه )) الكامل في التاريخ/ ج ٢ / ص ٣٩٢ - ٣٩٣

الرواية الثالثة ..

مشاورة عمر للصحابة فقال: (أيها الناس: هذا يوم غم وحزن فاستمعوا ما ورد عليَّ من العراق ، فقالوا: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ فقال: إن الفرس أمم مختلفة أسماؤها وملوكها وأهواؤها وقد نفخهم الشيطان نفخة فتحزبوا علينا ، وقتلوا من في أرضهم من رجالنا ، وهذا كتاب عمار بن ياسر من الكوفة يخبرني بأنهم قد اجتمعوا بأرض نهاوند ، في خمسين ومائة ألف ، وقد سربوا عسكرهم إلى حلوان وخانقين وجلولاء ، وليست لهم همة إلا المدائن والكوفة ، ولئن وصلوا إلى ذلك فإنها بلية على الإسلام وثلمة لا تسد أبداً ، وهذا يوم له ما بعده من الأيام ، فالله الله يا معشر المسلمين ! أشيروا عليَّ رحمكم الله ، فإني قد رأيت رأياً ، غير أني أحب أن لا أقدم عليه إلا بمشورة منكم ، لأنكم شركائي في المحبوب والمكروه .

ذكر ما أشار به المسلمون على عمر " رض ":
وكان أول من وثب على عمر بن الخطاب وتكلم: طلحة بن عبيد الله فقال: ياأمير المؤمنين ، إنك بحمد الله رجل قد حنكته الدهور وأحكمته الأمور وراضته التجارب في جميع المقانب ، فلم ينكشف لك رأي إلا عن رضى ، وأنت مبارك الأمر ميمون النقيبة ، فنفذنا ننفذ ، واحملنا نركب ، وادعنا نجب .
قال: ثم وثب الزبير بن العوام فقال: يا أمير المؤمنين إن الله تبارك وتعالى قد جعلك عزاً للدين.... وبعد فأنت بالمشورة أبصر من كل من في المسجد ، فاعمل برأيك فرأيك أفضل ، ومرنا بأمرك فها نحن بين يديك .
فقال عمر: أريد غير هذين الرأيين ، قال: فوثب عبد الرحمن بن عوف الزهري فقال: يا أمير المؤمنين ، إن كل متكلم يتكلم برأيه ، ورأيك أفضل من رأينا ، لما قد فضلك الله عز وجل علينا ، وأجرى على يديك من موعود ربنا ، فاعمل برأيك واعتمد على خالقك ، و توكل على رازقك وسر إلى أعداء الله بنفسك ، ونحن معك ، فإن الله عز وجل ناصرك بعزه وسلطانه كما عودك من فضله و إحسانه .
فقال عمر: أريد غير هذا الرأي ، فتكلم عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: ياأمير المؤمنين إنك قد علمت وعلمنا أنا كنا بأجمعنا على شفا حفرة من النار فأنقذنا الله منها بنبيه محمد(ص)، وقد اختارك لنا خليفة نبينا محمد ، وقد رضيك الأخيار وخافك الكفار ، ونفر عنك الأشرار ، وأنا أشير عليك أن تسير أنت بنفسك إلى هؤلاء الفجار بجميع من معك من المهاجرين والأنصار ، فتحصد شوكتهم وتستأصل جرثومتهم . فقال عمر رضي الله عنه: وكيف أسير أنا بنفسي إلى عدوي وليس بالمدينة خيل ولا رجل ، فإنما هم متفرقون في جميع الأمصار ؟
فقال عثمان: صدقت يا أمير المؤمنين ، ولكني أرى أن تكتب إلى أهل الشام فيقبلوا عليك من شامهم ، وإلى أهل اليمن فيقبلوا إليك من يمنهم ، ثم تسير بأهل الحرمين مكة والمدينة إلى أهل المصرين البصرة والكوفة ، فتكون في جمع كثير وجيش كبير ، فتلقى عدوك بالحد والحديد والخيل والجنود .
قال فقال عمر: هذا أيضاً رأي ليس يأخذ بالقلب ، أريد غير هذا الرأي .
قال: فسكت الناس ، والتفت عمر رضي الله عنه إلى علي رضي الله عنه فقال: يا أبا الحسن لم لا تشير بشيء كما أشار غيرك ؟

ذكر مشورة علي بن أبي طالب " رض " :
قال: فقال علي: يا أمير المؤمنين ، إنك قد علمت أن الله تبارك وتعالى بعث نبيه محمداً صلى الله عليه وآله وليس معه ثان ولا له في الأرض من ناصر ولا له من عدوه مانع ، ثم لطف تبارك وتعالى بحوله وقوته وطوله ، فجعل له أعواناً أعز بهم دينه ، وشد أزره وشيد بهم أمره ، وقصم بهم كل جبار عنيد وشيطان مريد ، وأرى موازريه وناصريه من الفتوح والظهور على الاعداء ما دام به سرورهم وقرت به أعينهم ، وقد تكفل الله تبارك وتعالى لاهل هذا الدين بالنصر والظفر والاعزاز . والذي نصرهم مع نبيهم وهم قليلون ، هو الذي ينصرهم اليوم إذ هم كثيرون ، وبعد فقد رأيت قوماً أشاروا عليك بمشورة بعد مشورة فلم تقبل ذلك منهم ، ولم يأخذ بقلبك شئ مما أشاروا به عليك ، لأن كل مشير إنما يشير بما يدركه عقله ، وأُعلمك يا أمير المؤمنين أنك إن كتبت إلى الشام أن يقبلوا إليك من شامهم لم تأمن من أن يأتي هرقل في جميع النصرانية فيغير على بلادهم ، ويهدم مساجدهم ، ويقتل رجالهم ، ويأخذ أموالهم ، ويسبي نساءهم وذريتهم ، وإن كتبت إلى أهل اليمن أن يقبلوا من يمنهم ، أغارت الحبشة أيضاً على ديارهم ونسائهم وأموالهم وأولادهم ! وإن سرت بنفسك مع أهل مكة والمدينة إلى أهل البصرة والكوفة ، ثم قصدت بهم قصد عدوك ، انتقضت عليك الأرض من أقطارها وأطرافها ، حتى إنك تريد بأن يكون من خلفته وراءك أهم إليك مما تريد أن تقصده ، ولا يكون للمسلمين كانفة تكنفهم ، ولا كهف يلجؤون إليه ، وليس بعدك مرجع ولا موئل ، إذ كنت أنت الغاية والمفزع والملجأ . فأقم بالمدينة ولا تبرحها ، فإنه أهيب لك في عدوك ، وأرعب لقلوبهم ، فإنك متى غزوت الأعاجم بنفسك يقول بعضهم لبعض: إن ملك العرب قد غزانا بنفسه ، لقلة أتباعه وأنصاره ، فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك وعلى المسلمين ، فأقم بمكانك الذي أنت فيه ، و أبعث من يكفيك هذا الأمر . والسلام .
قال: فقال عمر رضي الله عنه: يا أبا الحسن فما الحيلة في ذلك وقد اجتمعت الأعاجم عن بكرة أبيها بنهاوند في خمسين ومائة ألف ، يريدون استئصال المسلمين؟
فقال له علي بن أبي طالب: الحيلة أن تبعث إليهم رجلاً مجرباً قد عرفته بالبأس والشدة ، فإنك أبصر بجندك وأعرف برجالك ، واستعن بالله وتوكل عليه واستنصره للمسلمين ، فإن استنصاره لهم خير من فئة عظيمة تمدهم بها ، فإن أظفر الله المسلمين فذلك الذي تحب وتريد ، وإن يكن الأخرى وأعوذ بالله من ذلك ، تكون ردءا للمسلمين وكهفاً يلجؤون إليه وفئة ينحازون إليها .
قال فقال له عمر: نعم ما قلت يا أبا الحسن ! ولكني أحببت أن يكون أهل البصرة وأهل الكوفة هم الذين يتولون حرب هؤلاء الأعاجم ، فإنهم قد ذاقوا حربهم وجربوهم ومارسوهم في غير موطن. قال فقال له علي رضي الله عنه: إن أحببت ذلك فأكتب إلى أهل البصرة أن يفترقوا على ثلاث فرق: فرقة تقيم في ديارهم فيكونوا حرساً لهم يدفعون عن حريمهم . والفرقة الثانية يقيمون في المساجد يعمرونها بالأذان والصلاة لكيلا تعطل الصلاة ، ويأخذون الجزية من أهل العهد لكيلا ينتقضوا عليك . والفرقة الثالثة يسيرون إلى إخوانهم من أهل الكوفة . ويصنع أهل الكوفة أيضاً كصنع أهل البصرة ، ثم يجتمعون ويسيرون إلى عدوهم ، فإن الله عز وجل ناصرهم عليهم ومظفرهم بهم ، فثق بالله ولا تيأس من روح الله إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ .
قال: فلما سمع عمر مقالة علي كرم الله وجهه ومشورته ، أقبل على الناس وقال: ويحكم ! عجزتم كلكم عن آخركم أن تقولوا كما قال أبو الحسن ! والله لقد كان رأيه رأيي الذي رأيته في نفسي ، ثم أقبل عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أبا الحسن ! فأشر عليَّ الآن برجل ترتضيه ويرتضيه المسلمون أجعله أميراً ، وأستكفيه من هؤلاء الفرس .
فقال علي رضي الله عنه: قد أصبته ، قال عمر: ومن هو ؟ قال: النعمان بن مقرن المزني ، فقال عمر وجميع المسلمين: أصبت يا أبا الحسن ! وما لها من سواه . قال: ثم نزل عمر رضي الله عنه عن المنبر ودعا بالسائب بن الأقرع بن عوف الثقفي فقال: يا سائب ! إني أريد أن أوجهك إلى العراق فإن نشطت لذلك فتهيأ ، فقال له السائب: ما أنشطني لذلك...). ابن الأعثم في الفتوح:2/291

من خلال ما جاء في الرواية الثالثة نستنتج عدة أمور :

اولاً :: قال علي عليه السلام ( وبعد فقد رأيت قوماً أشاروا عليك بمشورة بعد مشورة فلم تقبل ذلك منهم ، ولم يأخذ بقلبك شيء منها مما اشاروا به عليك ) .
في هذه الكلمات الخالدة للأمام عليه السلام نستيقن أن الإستشارة كانت منهج وسلوك عند الخليفة الثاني كما إن رجاحة عقله و حنكته تجعل منه رجل حصيف قادر على التمييز بين الآراء السليمة والصائبة من غيرها ، وفي هذه اللحظات التاريخية الحاسمة تتجلى حقائق طالما غُيبت .

منها : حنكة وحكمة الخليفة وقوة التمييز للاراء الناجعة التي من شأنها إدارة الدولة والفتوحات بنجاح .

ومنها : القوة العقلية التي يتمتع بها علي عليه السلام ربيب رسول الله ، حيث أن له قدرة وكفاءة عالية في إسداء النصائح الصائبة التي ترتقي بالدولة الإسلامية وقيادة فتوحاتها ، والجميع يعلم إن علي بن ابي طالب فارس العرب الأول قد خَبِرَ قواعد الحرب وهو من أمهر وأشجع القادة في العالم في قيادة الجيوش ، لذا كان الخليفة الفاتح يُدرك حجم تلك القُدرات الهائلة لدى ابن ابي طالب عليه السلام فكان رضوان الله عليه لا يستقر عقله وقلبه إلا لرأي وزيره .

ثانياً :: علي الوزير يُحذر عمر الأمير من مغبة إستقدام جيش الشام واليمن للمشاركة في معركة القادسية المرتقبة، وأن هذه المشورة ستُصَير الأوضاع الى ما هو أسوء حيث سيقوم النصارى والحبشيون بتسيير جيوشهم لإسترداد الأراضي التي فتحها جيش الإسلام، وتداعي لهذا الاستقدام ستُهدم مساجد المسلمين ويقتل رجالهم وتصادر أموالهم وتسبى نساءهم وذراريهم و هذه الثغرة وأستغلالها من قبل الأعداء ستتسبب بضعف لدولة الخلافة ، وهنا تكمن عبقرية علي عليه السلام في إدراكه العميق للابعاد العسكرية والسياسية للأحداث و تشخيصه الدقيق الذي ساهم في وضع دولة الخلافة على طريق النجاح المُطلق و تحقيق النصر المؤزر .

ثالثاً :: الوزير يُشير إلى الأمير بأن يقوم بتدابير إحترازية لحماية ثغور المسلمين و أرض الخلافة ومقر القيادة لذا قال عليه السلام ( إن كتبت الى الشام أن يقبلوا إليك لم تأمن من أن يأتي هرقل .... فيغير على بلادهم ... ) وقال ايضا ( وإن كتبت الى اهل اليمن ان يقبلوا من يمنهم اغارت الحبشة ايضا على ديارهم ) وقال ( وان سُرت بنفسك...... إلى أهل البصرة والكوفة ثم قصدت بهم عدوك .... ) .
بعد إن أشار وشخص خطأ هذه الخطوات و خطورة تداعياتها قال ناصحاً ( فأقم بالمدينة ولا تبرحها ) مُعلل ذلك بقوله عليه السلام ( أنتقضت عليك الأرض من اقطارها وأطرافها ، حتى إنك تريد بأن يكون لك من خلفته وراءك أهم إليك مما تريد أن تقصده و لا يكون للمسلمين كانفة تكنفهم ولا كهف يلجؤون إليه وليس بعدك مرجع ولا موئل إذ كنت أنت الغاية والمفزع والملجأ ) وهنا يُبين الإمام أهمية الحفاظ على شخص الخليفة و أرض الخلافة وأن تعرض لمكروه سيكون سبب لضياع الأمة وتشرذمها بأعتباره الكهف والمرجع والغاية والملجأ والمفزع ، من هنا نكتشف مقدار الجهل الذي يحمله الطائفيون الذين لم يسمعوا ولم يقرؤا هذه المواقف بل لا يفقهون شيء من ذلك هم فقط يُنفذون إملاءات الغير بشكل أعمى دون تمييز .

رابعاً :: ( عمر كهف المسلمين ومرجع الامة ومفزع الملهوف ) بهذه الصفات الجميلة وصف علي عليه السلام الخليفة بينما من يدعي الاقتداء بعلي كذباً ! يتعدى على مرجع المسلمين عمر الفاروق قد مُلئت عقولهم وقلوبهم غِل ، فأين أنتم من أخلاق علي!!! وجمال روح علي!!! تباً لكم ولأفعالكم القبيحة التي لا تمت لعلي ومنهجه بشيء ! .

خامساً :: بعد الإشارة لأخذ التدابير الأحترازية للحفاظ على كيان الأمة وحدود أراضيها وشخص الخليفة يبدأ الوزير الأمين عليه السلام ببيان خطة إعلامية تمنح دولة الخلافة القوة وتبعث الى العدو رسائل الرعب و تُخذله وتحبط من معنوياته قال عليه السلام ( فأقم بالمدينة ولا تبرحها - السبب والفائدة-
أ = فأنه اهيب لك في عدوك
ب = وأرعب لقلوبهم ) .
وقد وضح سلبية خروج الخليفة بنفسه قائلا عليه السلام ( فأنك متى غزوت الاعاجم بنفسك يقول بعضهم لبعض إن ملك العرب قد غزانا بنفسه لقلة أتباعه وأنصاره ) في هذه الكلمات يُبين الإمام البُعد الإعلامي في حال سار الخليفة بنفسه للحرب وأنعكاساته وترجمته في ذهن الأعداء، وقد أفصح سلام الله عليه عن تداعي هذا الخروج قائلاً : ( فيكون أشد لكلبهم عليك وعلى المسلمين ) بمعنى أن هذا سيكون حافز لأن يستكلبوا عليك ويستقتلوا لإنهاء وجودكم لأنهم سيتيقنون حينها من قلتكم وهو ما سيدعوهم للصبر والمُجالدة حتى يظفروا بكم .

سادساً :: بعد ذلك يطرح الوزير علي عليه السلام البديل لمناجزة العدو بقوله ( فأقم بمكانك الذي أنت عليه فيه وأبعث من يكفيك هذا الأمر والسلام ) .
بهذا البديل العسكري يُجنب عليه السلام الخليفة من الأستهداف والقتل وضياع الأمة وهلاكها وأنهيار الدولة الإسلامية.

سابعاً :: خطة عسكرية للتصدي للعدو مع بيان أبعاد هذه الخطة قال عليه السلام ( الحيلة أن تبعث إليهم رجلا مُجرباً قد عرفته بالبأس والشدة ..... فأن اظفر الله المسلمين فذلك الذي تحب وتريد وان يكن الأخرى واعوذ بالله من ذلك تكون ردءاً للمسلمين وكهفاً يلجؤون إليه وفئة ينحازون إليها ) وهذا الكلام إشارة واضحة الى مركزية وأهمية شخص الخليفة القائد للمسلمين وضرورة الحفاظ على حياته لأن وجوده مصدر قوة للأمة.

ثامناً :: أبدى الخليفة عمر رغبته لعلي بأن يكون اهل البصرة وأهل الكوفة هم الذين يتولون حرب الأعاجم وبأعتبار أنهم قد ذاقوا حربهم وجربوهم ومارسوهم في غير مواطن ، نفهم هنا بأن الخليفة بعبقريته وعظيم حنكته شخص قوة أهل العراق و شدة بأسهم وأهليتهم وصلاحيتهم لمقارعة الفرس ، والملفت للنظر إن علي عليه السلام أشار لهذا المعنى بأنه رضي الله عنه أخبر بجنده قائلا له ( الحيلة أن تبعث إليهم رجلا مجرباً قد عرفته بالبأس والشدة فأنك أبصر بجندك وأعرف برجالك ) .

تاسعاً :: يُجيب الإمام ( إن أحببت فاكتب الى أهل البصرة أن يفترقوا على ثلاث فرق ...... ويصنع أهل الكوفة أيضا كصنع أهل البصرة..... ) أستطاع علي عليه السلام أن يُحدث توازناً بين رغبة وتشخيص الخليفة في إختيار الجُند و واقعية الأحداث وكيفية التعامل معها ، ويُصنف عليه السلام القوات إلى ثلاث فرق لكل واحدة منها مهام خاصة.
أ = فرقة قتالية " وحدة فعالة " .
ب = فرقة لإحياء سُنن الإسلام ومراقبة أهل العهد لكيلا يميلوا فيغدروا .
ج = فرقة لحماية الأوطان والشعوب الإسلامية.
وبدوره سلام الله عليه إستطاع وضع خطة محكمة لتأمين كافة الجبهات الداخلية والخارجية.

عاشراً :: الأمير عمر يطلب من الوزير علي بأن يُشير عليه بإختيار وتنصيب قائد لجيش العراق، فقال رضوان الله عليه ( يا أبا الحسن فأشر عليَّ الآن برجل ترتضيه ويرتضيه المسلمون أجعله أميراً وأستكفيه من هؤلاء الفرس ) يُبادر الإمام ك العادة بالإشارة و يطرح القائد المناسب لتكتمل سلسلة الخطط التي وضعها لتحقيق النصر و تحصين ثغور المسلمين والحفاظ على حياة الخليفة وتأمين كافة الجبهات .

الحادي عشر :: بعد كل هذا هل يُعقل أن عمر الفاروق يُبغض علي المرتضى ويثق به ثقة مطلقة ويبني على مشورته كل التدابير و الخطط ؟!!! 

وهل يُعقل أن علي الإمام يُبغض عمر الخليفة ويصدق معه في النصيحة؟!!! 

مالكم أيها السفهاء كيف تحكمون!!! إن كان هذا التوادد والتعاضد بين عمر وعلي يُسمى تباغض فما أجمله! وما أروع بغضهما لبعضهما!!!

 فأنا أكُن هذا المعنى من البغض لأبناء أمتي ومستعد أن أقدم الغالي و النفيس من أجل أن تستعيد أمتي وحدتها و قوتها !!! .




اقرأ على واحة الأريام 



اقتنوا الآن كتاب «صلاة الإنسانية» للكاتب الدكتور عاطف عبد العزيزمن خلال خدمة التوصيل المتاحة في كل أنحاء الجمهورية، والدفع عند الاستلام، من هنا:https://goo.gl/rQqyL6



مشاركة
مواضيع مقترحة

هناك تعليق واحد:

  1. ما اجملها من كلمات امير يستشير وزير علي وعمر عليهم السلام .

    ردحذف

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام