في واحة الأريام
منذ اخترت زاوية رؤية خاصة، وواحة خاصة بأريامها المتنوعة والمتمردة، بعد عمر من التقلب بين المدارس الفكرية، من أقصى اليمين لأقصى اليسار، اخترت الطريق الأصعب رافعا شعار لتعارفوا، محترما حرية وحق الاختلاف والاعتقاد والعبادة ، مؤمنا بنسبية الأحكام، وأن الحقيقة في الأشياء وليست في حكمي عليها، وأن الحق إن كان مطلقا؛ فالوصول إليه نسبي، داعيا أخي الإنسان للقاء على المشترك الإنساني، انطلاقا من قيم قرآنية تدعوا للتعايش والتعارف والجدال بالحسنى، وبر المختلف مادام مسالما.
منذ بدأت رحلات الأريام وحوارتها مع الآخر المذهبي، والعقائدي، و الفكري، وأنا أدرك أنني اخترت السير على الأشواك، لكنها رسالة ألقى الله بها، فليس لي من عمل أظنه صالحا يشفع لي سواها.
مذهب الحقيقة لا يجعل لك من صديق؛ فالريم تبحر في كل البساتين تبحث عن رائحة الحقيقة، وغالب أهل كل بستان يفرحون بك بينهم، ثم ينقمون عليك حال المغادرة؛ فعادة لا يجتمع الخصوم إلا على أهل الاعتدال والانصاف، فآفة التطرف تجعل من القبول إجمالا أو الرفض إجمالا آفة الآفات.
تظهر أمامي آخر كلمات الشهيد بإذن ربه محمد سعيد البوطي رحمه الله فألتمس نورها .(اللهم لا تحرم من خاض في اجتهادا أجر الاجتهاد).
جميلة تلك الأدبيات والنصوص التي نتغنى بها، لكن القبح عندما يقع المتغني بها في الاختبار فيسقط، ويا ليته سقوط ضعف وطمع في ظل نفس لوامة، لكن الأقبح هو تبرير السقوط وصبغه بصبغة الحق، تارة بالتبرير بسقطات الآخر، وتارة بتحميل الأحفاد جرائم الأجداد، وتارة بازدواجية غريبة نعاني ونشكوا منها.
السؤال الصعب لألتراس التكفير والسبب الشرعي، والكراهية والحقد المقدس، في ظل حضارة مادية مشحونة بالأخطاء والخطايا ومصير غامض للبشرية، ما هو المشروع الذي تحملونه لتقديم بديل حضاري ينقذ البشرية ؟
الأغبياء يمتنعون عن الإجابات المعلبة التي يرددونها دون وعي، فالسؤال أعمق من سطحية نقل الشعارات المستهلكة.
ثق بأن الضعف والذل لأناس ربما يكون خيرا، فتمكنهم على ما هم عليه شر عليهم وعلى غيرهم، وما بغيهم على بعضهم البعض إلا إشارة لأولى الألباب وبلا تغيير ذاتي فلن يتغير الوضع .
من روائح فكر السيد علي الأمين في الواحة أتذكر :
الجريمة تلزم مرتكبها ولا تنسحب على دينه أو عرقه أو مذهبه.
الفرقة الناجية ليست التي تحتكر الحقيقة بل التي تسعى لنجاة الأمة ووحدتها وتقدم ما ينجيها.
من لا وطن له لا دين له.
لا تنفعني إسلامية الحاكم ولا يضرني مسيحيته بل يشغلني عدله.
من روائح الدكتور يوسف قدو في الواحة أتذكر :
الآخر هو الذي يرد على الأنا وحشتها.
صلي من أجلي.
فلنصلي جميعا لله الواحد أن ينير بصائرنا ولنقدم المحبة و التجرد للحقيقة قربانا بين يدي دعائنا.
ليست هناك تعليقات: