أسعى إلى الآخر لا لأكفره ولا لأبدعه، ولا لأتصيد سقطاته، فلست قاضيا ولا على أحد بمسيطر، ولسنا بساحة المحكمة التي لم تنصب بعد ليحكم الله فيها (وهو العدل المطلق) بين العباد ويفصل في المعتقدات والأفعال.
بل أسعى إليه لأعرفه وأرى بعينه وأنظر من زاويته، وأطلع على حججه وفكره وفلسفته، فأتقبله وأتعايش معه وأقبل منه وأرفض، وأسأل وأتعلم وأنقد وأعلل وأطرح البدائل، وأنقح أفكاري وأصوبها وأجودها، فيرسخ إيماني بما أظنه حقا، وأغير أو أعدل ما يتبين لي خطأه، وبالنهاية أتقبل الآخر وأتعايش معه وأتعاون معه على المشتركات وأحترم نقاط الاختلاف وتجمعنا الإنسانية.
-----
المفكر الإسلامي محمد باقر الصدر رحمه في كتابه المدرسة الإسلامية يفرق بين المذهب الإقتصادي الذي يضع التصور لما ينبغي أن يكون عليه الوضع الإقتصادي وفق القيم، وبين علم الإقتصاد المعنى بدراسة الحالة الإقتصادية وواقعها وما يؤثر فيها من عوامل وعلاقة بعضها ببعض.
يصل الصدر أنه لا علم إقتصاد في الإسلام بل الإسلام كوحي سماوي غير معني بعلم الإقتصاد ولا بغيره من علوم، ولكن هناك مذهب إقتصادي إسلامي يتجاوز الوعظ الأخلاقي الموجه للأفراد ليضع قواعد للمجتمع توضح قيمه ومفاهيمه لحالة المجتمع الإقتصادية.
الشاهد هنا في تفريق الصدر بين العلم ومتطلباته من تجارب وقواعد وأسس ونتائج، وبين المذهب الذي يتناول القيم الحاكمة والتصور الفلسفي لما ينبغي أن يكون عليه الوضع.
في هذا التصور تكمن نقطة أراها في غاية الأهمية لفهم دور كل من الدين والعلم في الحياة.
الدين لم يأت بعلم طب ولا فلك ولا إقتصاد وليست هذه وظيفته وكثيرا ما يتعصب المتعصبون فينسبون القيم والوعظ أو حتى الإطار المنظم لحركة المجتمع للعلم، ويسمون علم إقتصاد إسلامي أو طب نبوي أو ما شابه، فيقعون في حرج أمام من يطالبون بإخضاع هذا الكلام لقواعد وأصول العلم وتقديم النظريات والنتائج ومراحل التطور.
أعتقد أن العلم كعلم لا دين له ولكن المذهب المرتبط بقيم وأحكام الدين المهتمة بالمجتمع هو ما يمكن تصنيفه، ومن هنا نفض إشكالية هل هناك علم إسلامي كإقتصاد إسلامي مثلا أم لا، فنصل إلي أنه لا يوجد علم إقتصاد إسلامي لكن يوجد مذهب إسلامي في الإقتصاد وهذا ما ينطبق على غيره من علوم.
ليست هناك تعليقات: