مساحة إعلانية

يوم مولدي



يوم مولدي

يوم مولدي.
أول ما أكتبه بعد الحادي الأربعين وأفتتح به سيكون وصية السيد المسيح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وفي ذكرى الثورة الإنسانية للإمام الحسين عليه السلام أرى الحب هو الحقيقة وكل حب منه وإليه وحبه هو الحب الأزلي، فيقول السيد المسيح :
«تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ». "
ويقول الله سبحانه وتعالى :

وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)

في مثل هذا اليوم كانت الصرخة الأولى وليست الأخيرة ويبدو أن الصرخة الأولى أملكها فهي لي، وأن الصرخة الأخيرة تكون صرخة وداع من محب ربما تعجز أذني آنذاك عن إلتقاط موجاتها.

في مثل هذا اليوم خط القلم نقطة الإنطلاق في رحلة أشرقت شمسها إحدى وأربعين سنة منذ الصرخة الأولى التي بدأت معها الرحلة بلا إرادة ولا إختيار، رحلة الغربة في ظل عالم يعاند الفطرة ويخاصم الحب، وقد فقدت طبيعته عذريتها وعلا ضجيج التلوث السمعي والبصري والأخلاقي حتى باطن المسكونة لم يسلم من الإغتصاب فبات يغلي من الغضب، وآلام المخاض لحمل سفاح تنذر بزلزال مدمر في ظل غياب نخلة العذراء ونور المسيح وحقيقة رسالة أحمد .

بل إن الأمر تجاوز المسكونة لزراعة الفضاء بأسلحة الدمار ونزعة الكراهية والإكراه والسيطرة والاستعلاء في عداء الجهول لنفسه ومنبته ومسكنه الأخير حتى كادت النجوم أن تنفلت من عقالها نفورا من قبح المشهد.
أسئلة تعانق أسئلة ورحلة ما جهلته من معالمها وما أرق مضجعي فيها أكبر بكثير مما علمت واطمأنت له نفسي .
تضاريس الزمن ومعالم ماض ليس بالهين اللين وشروخ في جدار النفس، كل ذلك يترك بصمته وأثره، فما أنا اليوم إلا حصيلة هذه الخمسة عشر ألف يوما من المكابدة، ربما قرابة النصف منها كانت مخالب الكوابيس التي هي حصاد أشواك النهار وتفوق في قسوة نهشها للنفس ما نهشه النهار من الجسد.

ذكريات تحاصرني وتمر كشريط سينما أعجز عن تغيير مجرى أحداثه أو حتى إيقافه للحظات ألتقط فيها أنفاسي، وأريامي من حولي يحملن الشموع لست أدرى إحتفالا أم لأعترف وأعلن التوبة ونفسي تحترق مع الشموع لتتطهر أم إنه الرثاء!
رحلة سعيت فيها إلى النور ولم أدرك أسراره بعد، وحاولت فيها الهروب من الظلام إلا أن قيوده مازالت تأسرني وتخفى علي كثير من أماكن جحوره ومعالم قيوده.
خط القدر إسمي ورسمي فما كنت في كتاب الكون إلا ذرة لا تدرك منه إلا النزر اليسير.



تواصل الأريام شقيقة الرحلة الدوران حولي بالشموع والمرايا التي تعكس ملامح نفسي وتدور معها ذكريات متزاحمة لا أكاد أميزها من كثرتها اللهم إلا تلك التي تفرض نفسها وتظهر جلية في المرايا.
ترانيم وأدعية وأهازيج وأرواح تحلق بجناحي حمام أبيض، وشمس تعقب قمر وقمر يلاحق شمس، ظلام يخاصم نور ونور يكشف الظلام.
ذكريات ملامحها شاحبة تنظر إلي شاخصة، وأنا أحاول الإمساك بتلابيبها وأتفحص معالمها بدقة فتستوى الحياة عندي مع الموت بل يصبح الموت مرادفا للأمل، أمل في التخلص من مخالب الظلام ومعاينة النور واستعادة النفس المستباحة لعذريتها، وإقامة ميزان العدل، وإنبات الحب الذى روته دموع الحب ليثمر الخير .
غربة نتيجة للتمرد على الموروث وسيطرة علامات الاستفهام واتخاذ الحقيقة مذهبا وهي التي يجمع على إنكارها الخصوم.
بضاعة الحب مزجاة في سوق النخاسة حيث لغة الكراهية والإستعلاء هي لغة الدرهم والدينار وما أربح النخاسة باسم الله!
بحث عن الله في كل مكان، في كتاب الكون، في الكنيس والكنيسة والحسينية والمساجد فإذا به في قلبي وأنا عنه غافل.

الزمهرير يحاصر ظلوعي فترتجف منه أعماقي، ويمارس الشهيق مدا في غير موعده ويعقبه جزر الزفير، حيارى تائهون ومرضى يأنون وعبيد لقبورهم يحفرون، وأسرى الكراهية بالإكراه لدين الله يهدمون، وسادة الظلم عن الحقيقة غائبون، فالسوط ما أتى إليهم إلا بعد سقوطه من أيدي السابقين!
وها أنا بعد الأربعين أنتظر قبلة شمس الحرية حبيبة العمر حبيسة السنين لتزيل عني أثر الزمهرير ويعاود القلب النبض من جديد.
لست أدري هل أعانق يوم مولدي من جديد أم يكون هذا هو اللقاء الأخير، أنظر من نافذة غرفتي على المستقبل فيرهقني القلق فأقرر الإحتماء بالحب وأستظل بالإنسانية وأواصل الرحلة بحثا عن معالم النور حتى يحين موعد الإنتقال من غرفتي الأرضية إلى الحقيقة النورانية ، لست أدري....
من، كيف، أين، متى، لماذا؟
من أنا؟
لم أجد جوابا إلا أنني علامة استفهام عاقلة.
أنشد الحلاج هائما يقول :
أحرف أربع بها هام قلبـى و تلاشت بها همومي و فكري
ألِفٌ تألف الخلائق بالصنِع ولامٌ على الملامة تجري
ثمّ لامٌ زيادة فى المعانى ثمَّ هاءٌ أهيمُ فيها ..أتدري؟


فيا الله يا حبيب المحبين وحب العاشقين ومحبة للخلق أجمعين أكرم كل المحبين ومن عطروا صفحتي ونقلوا مشاعر الحب والإخوة فأسعدوني فيارب أسعدهم بحبك وجوارك .

قيل للبسطامي علمنا الاسم الأعظم فقال :
ليس له حد ، إنما هو فراغ قلبك لوحدانيته ، فإذا كنت كذلك ، فارفع له أي اسم شئت من أسمائه إليه.
وقال الشبلي :
باحَ مجنونُ عامرٍ بهواهُ ... وَكَتمت الهَوى فمتّ بِوَجدي
فَإِذا كانَ فى القيامةِ نوِدِى ... مَن قتيلُ الهَوى ؟ تَقدّمت وَحدي

وقال:
وعندي دموع لو بكيت ببعضها
لفاضت بحور بعدهنّ بحورُ
قبور الورى تحت التراب, وللهوى
رجال لهم تحت الثياب قبورُ!

-----
أسمى آيات الشكر والتقدير لكل غصون الواحة من المغرب لتونس والجزائر وصولا لبغداد الجريحة ومن العالم العربي والخارجي ومن إخوتي من المسيحيين ومن الشيعة ومن الإباضية ومن الإسلاميين والعلمانيين والقوميين والليبراليين ومن كل المحبين على مشاعرهم الراقية فالله أسال لي ولهم نورا يهدي به الحيرة ويقيل به من العثرة وليس عندي بأغلى من كلمات الوالد الغالي الأستاذ سعيد الغايش أختم بها وساما على صدري
______
كأني رزقت في مثل هذا اليوم مكافأة شاءها الله لي بدون جهد مني ولانصب فقد منحت ابنا سيال القلم عظيم الهمة واضح الفكرة يحترم عقله بقدر ما يحترم عقول الآخرين لا يتقيد بموروث قدسوه عسفا ولا يجبن عن الجهر بما هداه اليه ربه وعقله ..فعقله هبة الرحمن للانسان مناط مسئوليته .. وكلهم آت الرحمن يوم القيامة فردا .. ولعل أسمى ما نجح فيه هو حصانته لنفسه من التعصب حتى لفكرته .. بوركت يا ولدي في يوم مولدك ..وبورك عقلك وقلمك .. وبوركت سماحتك مع مخالفيك .. وبوركت أريام أفكارك ..أسأل الله أن يمد في عمري حتى أرى ثمار مسعاك .. وكل عام وأنت على خير وفي خير والى خير.
مشاركة
مواضيع مقترحة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام