غريبة فلسفة تلك الحياة والأخطر أنها الفرصة الواحدة التي بداخلها تتعدد الفرص.
الماء يجري في النهر وأسعى لأكون ممن يغترف غرفة بيده لرد الظمأ، وأخشى أن أنحاز لزخرف السواد الأعظم الذين يشربون من النهر حتى تمتلىء البطون ويغرهم كثرة الماء والشاربين على السواء .
رمضان يلفظ أنفاسه الأخيرة ولست أدري هل أدركتني الرحمة أم أنني لست أهلا لها؟
أهل الأديان يصوم أغلبهم ولا أرى انعكاسا لهذا الصيام على سطح البسيطة، يتصارع أهل الأديان بل أهل الدين الواحد و في غالب ظني أن الصراع على ماء النهر في حقيقته وإن ألبسوه ثوب القداسة ليستخدمون الدين ليبغي على بعضهم البعض.
الأغرب أن كل معسكر يستبعد أن يكون من الخاسرين في نهاية الإمتحان ولا يرى في الآخرين غير أنهم أهل الضلال والانحراف والهلاك،لا يضع في اعتباره تفاوت العقول ودور الموروث ومخالب شياطين أفسدوا وشوهوا معالم الحق ، فيجند كل قوته للحفاظ على تابعيه الذين يستقوي بهم ويخوض بهم الصراع الذي هم وقوده، ويسعى إلى أتباع المعسكرات الأخرى ليزيد من عدده ويخلخل صفوف خصومه ليستعلي الإنسان على أخيه، ويستعبد بعضنا بعضا ويجعل البعض من البعض الآخر وقودا يشتعل من أجل أنا زائلة.
ما وجدت في هذا المشهد غربة أقسى من غربة الحقيقة، فالجميع إلا من رحم ربي لا يجتمعون على شيء كاجتماعهم على طمس معالمها.
إن صعوبة الإمتحان أن بشريات النتيجة لا تظهر إلا مع سقوط القلم ونفاد مداده، ربما هناك رأفة وشفاعة ولكن لا إعادة ولا تحسين درجات اللهم إلا كلمة طيبة تركها القلم فاستفاد منها ممتحن آخر فأضاف بقلمه لرصيدك بعد سقوط قلمك.
دائما البدايات ما تكون دليل النهايات وعقب كل نهاية بداية وهكذا تسير الأيام في طريق مجهول معلوم، ولست أدري هل أحسن المسير كما يغلب على ظني أم أنني أشرب من السراب ما لا يروي الظمأ!
ما يرتاح إليه ضميري وتألفه فطرتي أن لهذا الكون رحمن وسعت رحمته كل شيء وأنا شيء ممن خلق، بل أفضل من خلق لأنه نفخ في من روحه وأسجد لي الملائكة ومنحني السيادة والاختيار والعقل، وأنه ما انحزت للفضيلة فقربت إليه قربان هابيل وتخليت عن دموية قابيل فأنا في أمان حتى وإن أبطأ بي عملي فعظيم كرمه وإحسانه يضمنان لي العبور.
رمضان مختلف مر علي جعلت فيه من الحب والتعارف والتعايش قربانا أقدمه لربي ودرت في فلك آية واحدة من القرآن الكريم خطاب السماء لي وهي:
لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8).
لن أقف كثيرا عند التفسيرات وفرية النسخ ولا عند كلام المتكلمين، فالفطرة أصدق وما تسكن إليه نفسي وتألفه فطرتي أنه لا مشكلة لي مطلقا مع اعتقاد أخي الإنسان وفكره وليس علي تجاه ذلك إلا حمل النور الذي أحمله إليه قبله أم رفضه فلا يغير ذلك من أخوتي له، فلست على أحد بمسيطر .
إن المشكلة تكمن في سلوكه تجاهي، في ظلمه لي، في عدوانه علي، في حرماني حريتي وخاصة حرية معتقدي وفكري، فعدائي للظلم وليس للظالم، للكفر(جحود وإنكار الحق بعد معرفته) وليس للكافر.
لا أدعي عصمة ولا فهما يفوق الأفهام ولكن هذا ما عقلته وتدبرته وألفته فطرتي فإن جانبني الصواب فما تعمدت وإن حالفني التوفيق فلله الحمد.
لست أدري ما هي درجتي في هذا الشهر ولا في مجمل الامتحان الذي لا أدري متى سينتهي وقته، وهل تؤهلني للقبول أم أنني من الخاسرين، لكن حسن ظني بخالقي وطمعي في رحمته وإحسانه هم الملاذ، فيا من وسعت رحمته كل شيء وأنا شيء ممن خلقت فيا رب جودك وكرمك وإحسانك وعفوك وغفرانك.
ليست هناك تعليقات: