مساحة إعلانية

انهزامية المثقف وبؤس الإرادة بقلم : فرقد الربيعي ..العراق

عاطف عبدالعزيز عتمان أبريل 25, 2018

للمثقف ترجمة في معاجم اللغة وثنايا التاريخ وبعيدا عن غيث المجازات فإنه فارس للكلمة
وسيدا للأفكار و لهندسة كلماته وتأنق حروفه وفلسفة افكاره عبق يفوح ليملئ النفوس طمأنينة وتأتي دونها ثمار القرائح ونتاجات العقول ، كلماته مفعمة بالحياة تنفث سحرا لا يقاوم وتكسوها حُلة التزيين ، يتميز بوضوح الرؤية وسعة الافق و يتصف ببُعد النظر ولا يفكر بجمود عقائدي ليحجر عقله فسعة أفقه تجعله يميز الخفايا ومشاكل عصره ويستطيع تحليلها ويقديم الحلول الناجعة وإفهامها للآخرين ، على عاتقه تقع رسالة عظيمة ينبغي ان يؤديها ، ولكن من اكبر المخاطر التي يعاني منها مجتمعنا اليوم هو تنحي وغياب المثقف عن وسط مجتمعه ، حيث بقي يرتع في بحر أوهامه وخصب خياله الحالم بالدولة الفاضلة تحت ظل تقاعسه عن أداء دوره الرسالي في الحين الذي بقي فيه المجتمع على نفس انحطاطه بل تفاقم ، فأمتنا اليوم ترزح تحت وطأة مؤامرة التجهيل وتصارع الموت وتلفظ انفاسها الاخيرة وتكابد الآلام والحسرات والمثقف ما بين الترف الفكري الذي يمارسه لإرضاء غروره باستعراض اقصى ما يمتلكه من قدرات فكرية وأدبية تباهيا, وبين منهزم ومتقهقر وغائب تماما عن مسرح الحياة تلك مفارقة يستهجنها العقل .
يفلسف مثقف اليوم انهزاميته بمبررات تسفه من مقام ثقافته وتحط من قدره ، ففي الوقت الذي تذبح فيه الانسانية وتمزق الشعوب وتستباح مقدساتها وكرامتها وعزتها يقف المثقف متفرجا وكأن على رأسه الطير ، اصبح الجهل مقدسا بسبب تغاضي المثقف وغياب دوره ، في المجتمع الذي يكون الدين اساسه الفكري على المثقفين ان لا يقبعوا في بروجهم العاجية وأروقة المثقف المنهزم ، حيث يرتادون المقاهي والامسيات والمجالس الخاصة ليستعرض احدهم على الاخر ثقافته الانتقادية البائسة للواقع المر متناسين ان انهزاميتهم وسلبية تطبيق ثقافتهم وانعكاساتها هي السبب الرئيس في ما يؤول إليه الوضع ، من الجدير بهم ان يشمروا عن سواعدهم ويقوموا بعملية التغيير بدل النقد الذي لا طائل منه والحجج الواهية لتبرير تقاعسهم بحجة ان الامة في غيبوبة ، فلطالما كانت الامم تعيش الجهل والتخلف ولكن كان المصلح المثقف يشمر عن ساعديه ليغير وجه الحقيقة المرة بدل الاكتفاء بالتذمر ، فالمثقف المنهزم جزء كبير مما تعانيه الامة ، تقلص دور هذا المصلح وتقهقر دوره في حياة المجتمعات الحالية مما أدى الى ما نراه اليوم ، والحق ان المثقف هو من فتح الباب على مصراعيه لان تسود ثقافة التجهيل واعطى الذريعة وزمام الامر بيد الفاسد المفسد ، يجدر به ان يُشخص الحقيقة وان لا يكتفي بالتنظير واستعراض ثقافته على الاخرين و ان ياخذ دوره الرائد في التغيير والإصلاح وان يستحضر عمقه التاريخي والثقافي ، المثقف بعد انهزاميته في معركة الحياة ساد الجهل وتأصل الصراع المقيت وعندما قبل المثقف الطائفية واشاح بناظريه عنها سمح لها بالتجذر .
مثقف اليوم بدلا من ان يقارع الجهل الذي ما انفك يهاجم من كل حدب وصوب ويتغلغل في الامة ويمزق أفكار شبابها وفي الوقت الذي تكاثر الاعداء والمتربصين يقف مكتوف الايدي تجاه ذلك بل نراه يساهم في تمدد الجهل حيث يجامل السواد العام للمجتمع لمبررات لا قيمة لها وقد يكون منها الخوف من البطش ، الأشد وقعا عندما يقوم المثقف بدلا عن دوره الإصلاحي بتسفيه القيم والمبادئ ويملي افكار اليافعين من الشباب بالسخافات ، يعمل جاهدا من حيث يعلم او لا بإبعادهم عن الهدف السامي ويهدر الوقت بالسخافات والتفاهات ويحقنهم بأفيون الثقافة الجوفاء في الثانية التي بات يُفلسف انهزاميته وبؤس ارادته ويبررها بسيادة الجهل في الامة وعدم انصياعها لفكره وأطروحاته ، وحسب المثقف الذي يبتغي الاصلاح ان يبدأ بنفسه ويعالج انهزاميته التي تكتنف شخصيته اليوم ويشرع بتطهير مملكة فكره من اللوث ويطبق القيم الانسانية وثقافة التعايش في سلوكه قبل بدأ عملية اصلاحه المجتمعي ، بات بزوغ فجر المثقف الثائر ضرورة حتمية بان يعلن عن بدأ عصر جديد من العزة والكرامة بشرط ان يكون مفكرا وليس ببغاء ، من المفروض ان المثقف انسان على وعي ودراية بما يحمل مجتمعه من متناقضات وادراك عالي باحتياجات هذا العصر وهذا الجيل ومتحملا للمسؤولية في ابداء طريق الخلاص للمجتمعات وتحديد الحلول وتفعيل المثل المشتركة للمجتمع كجزء من الحل ، ويقوم بدور النبوة في مجتمعه فهو الذي يواصل طريق الانبياء في خلق المحبة والسلام والحث نحو الهدى والعدالة والصلاح وتكون لغته وحلوله متناسبة مع متناقضات العصر ومع الثقافة السائدة ،على المثقف ان يدرك كيفية مقارعة رموز الضلال واعادة الامور الى نصابها فمقاومته للدين في المجتمع الإسلامي على سبيل المثال يخيف الجماهير منه ويضطرهم للانفضاض عنه ومن اجل ان تفر من مثقف مفكر لا ديني تلجأ الى قوى رجعية ومنحرفة تتظاهر بحماية الدين ومن هنا تنقطع العلاقة بين المثقف والناس ويبقى وحيدا يُغرد في برجه العاجي دون ان يُستمع لشدوه الجميل ، على المثقف إدراك ان القوى الرجعية المنحرفة التي لطالما كانت معادية لبني البشر وللمفاهيم السماوية والتي تمتطي كواهلهم وتستخف بعقولهم و مصائرهم استخدمت الدين كـ سلاح بتار لخداع الناس وصرف أحاسيسهم عن مصائرهم الحالية وحصرهم في جدلية الماضي وتبديل المشاكل الحقيقية الآنية عندهم الى مشاكل عقدية ويُساقون الى المذابح ، بلى يُستثمر الدين كأعظم طاقة معنوية لدفع الناس للصراع المقيت ، وفي خضم ذلك يحس المثقف اليوم بكل هذه القوى ويعرفها لكنه لا يعرف السبيل للحل الناجع وآلية مقارعتها وارجاع الخطاب الديني والسياسي المختطف وكأن مثقفنا يعيش في غيبوبة مفارقة مذهلة تصدم من يجري دراسة حول واقع المثقف المزري ، جُل ما توصل اليه هو ان الدين يلعب دورا منحرفا في المجتمع وانه عامل انحطاط وتضليل وصرف عن الحياة الحقيقة وقد استفاد الرجعيين من قساوسة الدين والايدي الأجنبية الخفية فائدة هائلة من هذه القوة الجبارة في العمل لحجر المثقف عن الامة ، ولأجل ذلك ينبغي على المثقف ان يحذر التقليد في نقل الأفكار وتسويقها لمجتمع اساسه الفكري الكتب السماوية والفلسفة العقائدية والنظر الى الامور بسطحية وعليه ان يفهم ان الدور المنحط الذي يقوم به دعاة الدين السائد الان بين الجماهير لا علاقة له بالقيم السماوية ، ومن هذا المنطلق على المثقف ان لا يكون مترجما لثقافة غربية لا تتفق مع طبيعة الجماهير بل عليه ان يترجم القيم السماوية الأصيلة بصياغة واُطر جميلة تتسم بالعقلانية لتبعث الحياة في الامة ، بناء على كل هذا اصبح المثقف مُلزما من هذه اللحظة ان يبدأ من الدين لتنقيته وكشف المفسدين والعابثين فيه وتحرير الناس من قبضتهم وهديهم وايجاد حماس جديد يلهم الجماهير وتنوير العقول واطلاع الناس على قوى الجهل والخرافة والتكفير والظلم والانحطاط في المجتمعات ، فيا قياصرة الكلمة حرروا ابناء امتكم من كسروية المنهج وفرعونية السلطة وهندوسية العقيدة ومجوسية السلوك و مغولية الفكر و حطموا الاوثان الكهنوتية بأقلامكم الحرة لكي تستلهم الامة شذى افكاركم لتنبعث الحياة فيها بعد ممات ، فأقلامكم تمنح الأمة الثقة والإرادة الصُلبة لمواصلة كفاحها ضد افاعي المغارة وقبح لصوص المعابد .
مشاركة
مواضيع مقترحة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام