27 نوفمبر، 2016
د.عاطف عبدالعزيز عتمان يكتب ..لقد خدعتني يارب ..ح4 من رحلة الأريام في دين الفطرة
ما تزال الأريام تواصل الرحلة في رحاب دين الفطرة مسترشدة بشموع جان جاك
روسو وملخص الرحلة حتى الأن هو أن الحقيقة هي فلسفة الإنسان الفطري والوجدان كفيل
بالحكم على الأمور
وتجنيب الإنسان صراع الفلاسفة التشكيكي الذي هو تشكيك أكثر منه طرح لتصورات بناءة
وتجنيب الإنسان صراع الفلاسفة التشكيكي الذي هو تشكيك أكثر منه طرح لتصورات بناءة
* الإنسان كائن فاعل عاقل مؤثر يفكر ويقارن ويميز ويصدر الأحكام
* أن
الحقيقة في الأشياء وليست في الأحكام التي يصدرها العقل بشأنها وأنه كلما احترزنا في
الحكم اقتربنا من الصواب.
* ما يقبله وجدانك وتألفه فطرتك فهو حقيقة بديهية
وكل ما دون ذلك لا يقطع به سلبا أو إيجابا وتجنب سفاسف الأمور التي لا فائدة منها أولى.
* خلف هذا الكون ونظامه إرادة عاقلة حكيمة .
--------
منهجية روسو التي تجعل من الوجدان بوصلة ومن الحقيقة مذهبا وترفض الخوض فيما لا يفيد ولا يملك العقل أدوات إدراكه ويظل طرحه طرح فطري قابل لكل نقاش ولا يفرضه بل يسعى لعرضه على وجدان الأخرين .
توصل روسو بفطرته وتحليله العقلي إلى وجود رب ذو إرادة و أن حركة المادة تدل على إرادة والحركة حسب
قوانين ثابتة تدل على عقل وأن الكائنات والكون كله وتكامله وعلاقته ببعضه وعلاقته بالإنسان
يُحدث بوجود عقل أسمى ، وأن وحدة الكون ونظامه تدل على عقل واحد ومشيئة واحدة في وصول فطري للتوحيد للإله صاحب القدرة والمشيئة والإرادة الحكيمة .
يري روسو أن أكبر إستخفاف
بالرب ليس الغفلة عنه بل التفكير فيه بما لا يليق ولابد هنا للعقل الذي وصل عبر شواهد الوجود أن يحترم عجزه عن إدراك كنه صاحب الوجود .
يرجع روسو للإنسان الذي يتصدر هذا
الكون كونه يستطيع أن يتحكم فيمن سواه من المخلوقات ويرى أنه من حق الإنسان أن يعتقد أن الكون كله
خلق من أجله هو ، فهو يُسخر الحيوانات ويستمتع بخيرات الأرض ويتأمل الأفلاك بل غزاها مؤخرا فهو
سيد الأرض بلا منازع الذي سخر لنفسه النار !!!
الإنسان الأعلى رتبة في كل المخلوقات ولكن هذه السيادة والخيرية تدعو
للإمتنان وليس للإعتزاز ، لأن تلك المرتبة ليست من إختيار الإنسان بل منحة تتطلب مباركة
المانح وحمده وشكره تلك ربما هي العبادة الفطرية الأولى وهو حمد المحمود أن خلقني إنسان وتسبيح وتنزيه الموجود أن أوجدني سيّد الكون على الإطلاق .
كل شيء في الطبيعة في تناسب وتكامل وتناغم وكل شيء بين البشر فوضى وصراع ، تتكامل الطبيعة ويتناحر الإنسان !!
كل الحيوانات سعيدة وسيدها غارق في البؤس أين حكمتك يارب؟ أين رعايتك حال البشر ولماذا صمتك تجاه الشر ؟
إنها المعضلة الكبري والتساؤلات الصامتة في غالب الأحيان والصادمة في أحيان أخرى ، فالظلم والفساد والكراهية والدماء تملأ المشهد ، وصوت الحق خافت وصوت الباطل مرتفع ، والظالم يستمتع بالحياة والأغنياء يملكون الملذات والطغاة يتسلطون على الرقاب ، وأهل الحب والعدل في أسفل درجات الحياة ، فلماذا لا تتدخل عناية الرب وأين هي تلك العناية ؟
تلك التناقضات قد تسبب إلحادا وإنحرافا عند أهل الأهواء والذين يشكون من أجل الشك ولكن فطرة روسو ومن وافقه ومنهم الأريام تجد في هذه التناقضات والأفكار الكئيبة حل لقضية الروح والحياة بعد الموت والبعث والحساب والجزاء فهذا هو الحل العقلي والفطري لهذه التناقضات ، من هذه التناقضات يتولد مفهوم الروح لدى روسو فيري أن هذا الكائن البشري المعقد تسيطر عليه قوتين إحداهما
تجذب لأعلى إلى حب العدل والفضيلة والخير والأخرى تجذب لأسفل لتجعله أسير الحواس مطيعا
للشهوات عبد لها ، وتظل إرادة الانسان مستقلة عن الحواس تساير مرة وتمانع أخرى فيقرر ما يريد وإن عجز
عن تحقيقه ، عبد مطيع عند الخطأ حر طليق عند التوبة بتعبير روسو.
هنا يتبلور الركن الثالث من عقيدة الفطرة عند
روسو وهو أن الإنسان حر في أفعاله وبما أنه حر يصبح الباعث على فعله جوهر غير مادي "النفس والروح " ، فالإنسان فاعل
حر فعله منه وما يفعله بإرادة حرة لا يدخل في النظام الذي إختاره الخالق بتدبيره وحكمته ، فلا يجب إضافته إليه ، فالرب لا يريد الشر الذي يقترفه الانسان بإسرافه في استخدام الحرية
الممنوحة له ، وهنا ببساطة الفطرة وببراعة العاقل يفند روسو جدلية التسيير والتخيير بلا تعقيدات ولا مصطلحات فارغة المضمون ، فالإنسان كامل الحرية التي تضمن له حرية القرار بعيدا عن عبثه بقواعد ونظام الكون ، يعيش في كون مسير بحكمة خالقه .
لماذا لا يمنع الرب الشر؟
يرى روسو ذلك إما لأنه بلا تأثير نظرا لتفاهة الفاعل أو أنه
لا يتم إلا بنفي حرية البشر ،وهذا شر أكبر لأنه يطعن في حرية الإنسان الذي خلقه ربه
لا ليفعل الشر بل ليقبل على الخير إختيارا وهنا عظمة هذا الكائن الأخلاقي ومن هنا تتضح فلسة الحياة والخلق .
كي يختار الانسان وفّر الله له القوة الضرورية
لذلك بحدود حتى لا يخل الإفراط في الحرية بنظام الكون ، فشر الانسان يؤثر عليه سلبا دون
أن يؤثر على نظام الكون ولا يمنع الجنس البشري أن يواصل مسيرته ، خلقنا أحرارا ذوي إرادة وابتلانا بالشهوات
ومنحنا الضمير لنقاوم .
هل يجازي على الخير من لا يقدر على الشر ،أم يسجنه في حدود الغريزة
ويجعل منه بهيمة؟
حاشاك ربي فالإنسان له وعقل ومشيئة وإرادة وقدرة فسبحان من أبدعه على شاكلته وكرمه .
لقد خدعتني يارب!
الظالم في نعيم والعادل في
جحيم الفضيلة مهزومة والرذيلة منتصرة ؟؟
هل على الخالق أن يؤدي ثمن الفضيلة مسبقا؟
بل أنت الظلوم الجهول المخدوع الغائب عن حقيقة وجوهر الأمور ، فالجائزة بعد الفوز أمر منطقي ، فلا نتيجة قبل أو أثناء الإمتحان ولا حصاد قبل الزراعة والعناية حتى يحين موعد الحصاد ، فلا تحكم بظاهر ولا على جزء من الصورة .
عز الظالم وذل العادل
يصل منه روسو إلى لا مادية النفس وأن الموت ليس نهاية المطاف وأنه ليس ضروريا أن تفنى
النفس مع الجسد بل بعد الموت تستقيم الأمور ، يفنى الجسد ولكن تبقى النفس والروح هذا
ما يقبل به العقل فلا يمكن لعاقل أن ينتهي ولا يمكن لظالم عاش حياته متجبرا مفسدا واستمتع بكل الملذات على حساب الضعفاء أن يستوى بالمظلوم وينتهي الأمر بدود ينهش الجسدين على السواء ، لا يعقل أن يستوى عاقل حر صاحب إرادة وله فعل بمن لا يعقل ، فلابد من حياة أخرى ينصب فيها ميزان العدل ويعلو أصحاب الفضيلة ويحاسب الظالمون وتعاد فيها الحقوق .
لكن هل يبقى الظالمون في العذاب خالدين ؟؟؟
معضلة أخرى اختلف حولها كهنة الدين والفلاسفة تستعرضها الأريام بعين الإنسان الفطري جان جاك روسو في الحلقة القادمة .
ليست هناك تعليقات: