لقاء حمل من الأخوة والتناغم الفكري والمحبة قدرا عظيما مع قامة من قامات علم الاجتماع وتلميذ من تلاميذ المرحوم الدكتور على الوردي رحمه الله وهو أخي الكريم الأستاذ الدكتور فخري العزاوي أستاذ الاجتماع بجامعة ديالى بعراقنا الحبيب، وكنت في اشتياق للسماع ممن عاصر الوردي والسماع منه عنه كشخص أكثر من كونه عالم ومفكر.
هذه الشخصية العجيبة كما يذكر الدكتور فخري والذي أثار جدلا واسعا وتلقى التهم من كل الأطراف ومن اعتذار عن الوزارة لأمر بالإعتقال بعد صدور وعاظ السلاطين أحد أجرأ الكتب التي هدمت صنمية كهنة الدين والسياسة على السواء .
حالة الإجماع الوحيدة التي تمت على شخص وفكر الوردي هي اجتماع متطرفي المذاهب المختلفة على عداوته واجتماع كل الأنظمة منذ العهد الملكي على كراهيته.
كما يذكر صديقي أن الوردي كانت له صلاة خاصة بالسير متأملا السماء على جسر الأئمة وما أدراك ما جسرالأئمة فهو الداء والدواء وتلك أبرز ملامح تلك الشخصية الفريدة .
المتابع لسيرة وفكر وميراث الوردي رحمه الله يدرك أنه قائد فكري وليس منقاد ككثير من الكتاب ومدعي الفكر ، فالوردي كان يكتب ما ينبغي عليه كتابته وإن خالف الساسة وصدم العامة وعرى رجال الدين وأظهر قبح واقع أو موروث.
من وعاظ السلاطين لمهزلة العقل البشري للفرضيات الثلاثة وآفة الإزدواجية العربية عشت مع على الوردي ، وكنت سعيدا بتلمس خيوط تلك الشخصية من أحد الذين تتلمذوا وعاصروا الوردي والذي ذكر لي طرفة قاتلة
" لما ذكر الوردي في أحد كتبه أن الإمام علي عليه السلام كان ثورة في منهجه هاجمه أحد من يحملون في جماجمهم أي شيء غير العقول وحاول الإعتداء عليه لإعتباره الثورة من الثور وأنها إهانة للإمام عليه السلام "
وكم تعج مجتماعتنا بهؤلاء الذين يستحمرون ويصبحون أدوات للتدمير فهذا يكفر وهو لا يعلم أحكام سجود السهو والأخر يكفر على المصطلح الذي لا يعرف عنه حتى حروفه فيكفر الليبرالي والعلماني والقومي والمخالف المذهبي ويستبيح منه ما حرمه الله بجهالة الثور الهائج أمام الثوب الأحمر .
تمثل جنازة الوردي رحمه الله وغروب شمسه مشهدا مهما في تفسير الحقبة التي نعيشها، فقد أخافت كلماته الأصنام وهو حي وفزعوا منه جثته وهي هامدة، فاستكبر البعض أن يعترفوا بعظمته ميتا وقاطعوا دفنه وخشي البعض الأخر المعجب بعلمه في قرارة نفسه أن يشيعه فيحسب من شيعته!
رحل جثمان الوردي بلا ضجيج وبقيت أفكاره شمس ساطعة تؤرق عتاة الجهلة والمتطرفين والظالمين في كل زمان ومكان ولم يسلم قبره من حقد الحاقدين وعديمي الإنسانية .
رحم الله الوردي وحفظ عروبة العراق بأهل العراق لأهل العراق ،
وهذا بعض من فيض الدكتور فخري العزاوي عن أستاذه الدكتور الوردي فيقول العزاوي:
المرحوم الدكتور على الوردي شغل الناس بتواضع نادر بعيدا عن الغرور والحذلقة ، ماشيا بين العامة جالسا مقاهيهم الشعبية متجوﻻ في أحياء الفقراء ببغداد ، سماعا للشتائم متتبعا للقيم والموروث الشعبي مبتعدا عن الأبراح العاجية التي كان يعتليها الباحثون وينظرون وﻻ يرون أبعد من أنوفهم ، عاش الوردي بعظمته البسيطة في عمق أعماق المجتمع العراقي حتى كاد أن يشهق ويلفظ أنفاسه ويفقد حياته ، سمك القرش المفترس ﻻحقه طالبا فكره قبل دمه .
وضع الوردي ببصيرة دون تخدير أفكارا سماها فرضيات تواضعا، أخالها وأنا تلميذه نظريات تدرس وتدرس، مهزلة العقل البشري، أسطورة الأدب الرفيع، لمحات إجتماعية، الأحلام بين العقيدة والعلم .
وضع الوردي مجتمع العراق تحت المجهر ليحلله ويترك علاج آفاته لأجيال تأتي بعده.
سب بضم السين وشتم وتعرض للإغتيال (بثورة) حسبها احدهم ثورا!
إزدواجية الشخصية، صراع البداوة والحضارة، التناشز الاجتماعي أوﻻد الوردي الشرعيين.
عرفته ساخرا من السلطة زاهدا فيها ينبذ المناصب مبتعدا عن المكاسب ، الوردي رجل بعلم وعلم برجل ، يصلي صلاة صوفية عصر كل يوم وهو يعبر على جسر اﻻئمة من صوب الكاظمية إلى صوب الأعظمية، إتهم بالتجسس لأمريكا، تهمة من ﻻ يدانيه علما، شيوعيا عند القوميين ، شيعيا عند البعض من العرب .
تنبأ الوردي في خمسينيات القرن العشريين (بالزواج الحاسوبي) ماذا عساني أن أكتب ؟
ماذا ينبغي لي القول لأعيد قبر الوردي إلى مكانه بعد أن هدمه ساسة 2003 بدعوى توسعة جامع !!!
محي قبره صرت أبكي على رسم درس ، ماسحا دمعتي بورق مؤلفاته.
علم اﻻجتماع يزعل قلت لصديقي د.عاطف عتمان
جلست أصغي أكثر مما أتحدث ، أسمع من صديقي إعجابه بأفكار الوردي وشخصيته ، ساندا ظهري إلى حكمة عربية مفادها أن الله خلق للانسان آذنين وفم واحد.
شكرا صديقي د.عاطف أسعدتني صباحا، واستقبلتني بكرم ، طفت بي مدينة اﻻسكندرية شارحا موضحا صفات لم تكن بادية لي بوضوح قبل اليوم ..
انتهي ..
-----------
ما أعظم الوفاء وما أحقر إنعدام إنسانية الإنسان عندما يخاصم بفجور رفات بالية وما أقبح التعامي عن ضوء الشمس ، دامت صداقتكم ودام وفاؤكم ودام العراق منارة للعرب وللعراقيين .
ليست هناك تعليقات: