الخلل يكمن في لغة التخاطب المتبعة من قبل الباحثين وليس في العقيدة.
-----------------
العقيدة المسيحية هي امتداد للعقيدة الإبراهيمية في التوحيد
-----------------
أنّ المسيحية تمثل حلقة وصل بين اليهودية والإسلام
----------------
لولا الآخر لما تحددت معالم الأنا، الآخر هو الذي يرد على الأنا وحشتها
---------------
السياسة الانتهازية سبب رئيس لخلق صراع الحضارات
-----------------------------------
أجرى الحوار الكاتب د.عاطف عبدالعزيز عتمان
حوار اليوم مع الدكتور يوسف قدو الأستاذ
في مقارنة الأديان بجامعة بغداد بوصفه الأكاديمي وبوصفه مسيحي عربي وصوت مميز له مواقف
واضحة وإن خالفت التيار ، حاولت أن أسمع الصوت المسيحي العربي ، وكان للدكتور يوسف
وجهة نظر أن يكون الحوار مع رجل دين مسيحي كما إستضفت رجل دين شيعي حتى لا يتم الإتهام
أنني حاورت علماني .
وجهة نظر محترمة ولكني إختلفت معها لأسباب
موضوعية أهمها أنني لا أكتب عملا تحقيقيا أو نقديا للعقائد والمذاهب ولا أسعى لنقل
كلام رجال الدين الرسمي والذي أحملهم معظم المسئولية عما يحدث لنا .
أنا أكتب لأبحث عن الآخر وأسمع صوته من
خلاله وليس من خلال وسيط ، أبحث عن المشتركات وكيفية تجاوز الإختلافات
أبحث عن أصوات من نوع فريد تفهم حقيقة الدين
سواء كانت ممن يتزيون بزي رجال الدين أم لا .
أيها الأخر المختلف أين أنا منك ؟
أين أنت ؟
فأنت تسكنني وأرى نفسي من خلالك .
شكرا للدكتور يوسف قدو على قبوله حواري
هذا وأحييه بتحية الإسلام
السلام عليكم
نتمنى حوار بطعم مختلف نسمع فيه منك وبكل
وضوح وصراحة دون خطوط حمراء مالم يسمعه الكثيرين .
-----------------
من هو الدكتور يوسف قدو الإنسان والأكاديمي
؟
ــ تحية إكرام وإجلال لك دكتور عاطف عتمان،
منك السلام وإليك السلام، أيها الصديق الذي طالما كنت أتوق لصحبة نموذجه النادر.
ــ أنا عراقي مسيحي من مواليد بغداد، الدورة،
في سنة 1980، من أب عراقي وأم لبنانية، متزوج ورزقت بابنتين هما جيهان وسمر، درست في
مدارس الجذب الجيد في بغداد، وأكملت دراستي الجامعية الأولية والعليا في بيروت، إذ
اشتغلت على موضوعة
(الأثر السياسي في تمذهب الأديان- دراسة مقارنة بين الديانات الرئيسة
الثلاث)
، وكان هذا الموضوع من نتاج مراسلاتي مع أستاذ نقد التراث العربي في جامعة بغداد
البروفيسور حسام الدين الآلوسي، وبعد إكمال دراستي العليا عدت إلى بغداد وفي جامعتها
العريقة.
------------------
العقائد ليست محل تقريب وما يجوز تناوله
داخل أروقة البحث لا يجوز التنابذ به أمام العامة فنخلق حالة من الصراع الكل فيها خاسر
.
مع أننا شركاء أوطان مع المسيحيين إلا أننا نجهل
الكثير عن المسيحية ، أريد أن نعرف المسيحية من خلالكم
ما هي العقيدة المسيحية وما هو جوهر الخلاف
بين الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس وغيرهم ؟
ــ يقال في فلسفة الجمال إنّ الرمز لغة
الفن، فلو استعملنا هذه اللغة بلحاظ أثر الدين في نشأة الفن، لأمكننا أن نجعل من العقائد
محلاً للتقريب، متخذين من التأويل منهجاً لتفسير العقيدة على طريقة ابن رشد، وبهذا
سنرى الجميع يتسابق للبوح بنتائج بحوثه العقائدية، متجاوزين حالة الجذب والاستقطاب
التي يدعو لها التمذهب على لسان اللاهوتيين والمتكلمين والسياسيين، فالخلل يكمن في
لغة التخاطب المتبعة من قبل الباحثين وليس في العقيدة.
ــ إنّ الذهنية العقائدية التقليدية كانت
سبباً رئيساً في التقوقع الذي أصاب الديانات على السواء، فهذه الذهنية تعاني من أزمة
ثقة بالنفس، بدلالة أنها تخشى الانفتاح على الآخر، فسمة الانغلاق التي تتسم بها هذه
الذهنية المهزومة التي سادت المجتمع من حيث لا يشعر ولـّدت جهل الذات بالآخر، فأصبحت
الذات فاقدة لأي سبب من أسباب التوجه نحو الآخر الذي أعتبره ضروري المعرفة، فهذه الذهنية
أغلقت المذهب وأغلقت الدين وأغلقت الوطن أيضاً، حتى أنني أكاد أجزم- في الإسلام مثلاً-
أنّ السني لا يدرك إلاّ قشور المذهب الشيعي، والشيعي لا يدرك إلاّ قشور المذهب السني،
مع أنّ كلا المذهبين ينتمي إلى الدين نفسه وهو الإسلام، فما بالك والحال مع دين آخر
كالمسيحية؟!
وربما البعض يخشى من فتح الإنجيل، أو يخشى حتى من لمس الصليب، كما هو حاصل
مع بعض رجال ديننا الذين يخشون من (ألم) (ألف لام ميم) القرآن!
والطريف في الموضوع
هو أنني هنا لا أتحدث عن جهل العامة، بل أتحدث عن جهل المختصين بالعقائد والمثقفين
وأصحاب الشهادات العليا، بل وأتحدث عن العلماء أنفسهم.
ــ العقيدة المسيحية هي امتداد للعقيدة
الإبراهيمية في التوحيد، وهي تتمحور حول الكتاب المقدس واليسوع، وبداية الخلاف بين
الطوائف المسيحية الرئيسة الثلاث خلاف فكري بحت، وهو خلاف مشروع، هو خلاف (التراث والتجديد)،
خلاف (الانفتاح والانغلاق)، خلاف (النص والاجتهاد)، خلاف (القديم والجديد)، ودليلي
على هذا هو أنّ كل طائفة قد ولدت من رحم الأخرى، فالكاثوليكية ولدت من رحم الأرثوذكسية،
والبروتستانتية ولدت من رحم الكاثوليكية، ولكن الخلاف الفكري انجر إلى صراع غير مشروع
حين دخلت السياسة على الخط ، فأفقد الصراع هذا التعدد الجمالية والمشروعية ، تماماً مثلما
حصل في الإسلام كلامياً، حيث ولدت عقائد الشيخ واصل بن عطاء المعتزلي من رحم عقائد
الشيخ الحسن البصري، ومن ثم ولدت عقائد الأشاعرة من رحم عقائد الاعتزال ، فهذا التوالد
الفكري توالد مشروع وممدوح ، لكن تحول إلى خانة النقد والنقد اللاذع حين تدخلت الخلافة
(السياسة) في وسط المتكلمين، وأصبحت تقرب هذا المتكلم على حساب هذا، ومن ثم جاء خليفة
آخر قرب المبعد وأبعد المقرب، مع أنهار من الدماء، وكما يحصل الآن من احتراب طائفي
دموي مقيت في العراق بين أبناء الدين الواحد من السنة والشيعة، مع أنّ أصل الخلاف بين
هذين المذهبين الكبيرين هو خلاف عقائدي فكري، لكن حين تتدخل السياسة وتستغل الظرف العقائدي
وتفعل فعلتها يحصل المحذور، هذا الذي حصل عندنا.
----------------
باختصار من مفهوم أستاذ مقارنة الأديان
ما هو مفهومك للمسيحية وما يميزها عن غيرها من ديانات ؟
ــ أنا إنسان أتعامل مع المعطيات الملموسة
المتحصلة التي يفرضها عليّ الواقع، فالديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام هي
ديانات كبيرة، وعليه أرى (أنّ المسيحية تمثل حلقة وصل بين اليهودية والإسلام)، (المسيحية
هي التواصلية المضطهدة)، فلا يمكن لليهودية أن تفهم الإسلام إلاّ من خلال المسيحية،
وكذلك لا يمكن أن يتواصل الإسلام مع اليهودية إلاّ من خلال المسيحية، ولو تجاوزا المسيحية
لأصبحت هناك حلقة مفقودة، هذا هو ما يميز المسيحية عن بقية الطرفين، وللأسف الشديد
قد تم بالفعل تغافل هذه الحلقة الضرورية، فحصلت القطيعة بين الطرفين على أبعد مدى.
--------------
سؤال يجول بخاطرنا هل هناك إشكالية في أن
يخلق الله السيد المسيح بلا أب ويكون آية منه ، كيف تنظر المسيحية لوحدانية الله وصفاته
وحقيقة وكنه السيد المسيح عليه السلام.
ــ الأصل في قضية (البنوة) هو إعطاء الصلة
المعنوية بين المسيح والله، وليست الصلة المادية كما يُفهم، هي من أجل إعطاء صفة السماوية
لمعجزات المسيح، هي من أجل نسبة معاجزه إلى الرب، فالمراد بكلمة (الابن) أن تدل دلالة
(إنية) على المعجزات، فكل المعجزات هي من الرب، مثلما يكون الابن من الأب ويدل عليه
إنياً، وهذا ما أورده يوحنا: ((ونحن أنفسنا نشهد أن الآب قد أرسل الابن مخلصاً للعالم،
لأننا رأيناه بعيوننا، من يعترف بأن يسوع هو ابن الله، فإنّ الله يثبت فيه، وهو يثبت
في الله))، فالمسيح هو ابن الله، لكن ليست البنوة البشرية، إذ ورد في إنجيل لوقا:
((سلام، أيتها المنعم عليها! الرب معك: مباركة أنت بين النساء، فاضطربت لكلام الملاك،
وساءلت نفسها: ما عسى أن تكون هذه التحية؟!
فقال لها الملاك: لا تخافِ يا مريم، فإنك
قد نلت نعمة عند الله! وها أنتِ ستحبلين وتلدين ابناً، وتسمينه يسوع، إنه يكون عظيماً،
وابن العلي يدعى))، فكان الملاك هو المرسَل إلى مريم من الرب، وطمئنها بأنّ الرب معها
في أمرها.
ــ إنّ القضية الأولى في عقيدتنا هي التوحيد،
كما أورد مرقس: ((أولى الوصايا جميعاً هي: اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد، فأحبْ
الرب إلهك، بكل قلبك، وبكل نفسك، وبكل فكرك، وبكل قوتك، هذه هي الوصية الأولى))، ولكي
أقرب لك المعنى أضرب لك مثالاً من عقائدكم الدينية، ففي دينكم الأصل هو التوحيد، وما
الصفات الإلهية من عدل وحياة وعلم وقدرة وإرادة إلاّ مظهر من مظاهر التوحيد، مع أنها
صفات ذات، بل كل شيء في الوجود هو مظهر للوحدانية، وما المسيح وروح القدس إلاّ مظهر
من مظاهر الوحدانية، فالمسيح هو فكر الله، وقد ناداه الرب بقوله: ((أنا هو الرّب إلهك،
ولا يكون لك إله غيري))، وقد أقر المسيح بهذه الربوبية والوحدانية بقوله: ((الربّ إلهنا
ربّ واحد، ولا آخر سواه))، فعلاقة المسيح بالرب يُنظر إليها من جانبين، الأول هو الجانب
الإلهي، باعتبار صلة المسيح بالرب، وإنه فكر الرب، والجانب الثاني هو الجانب المادي
باعتبار صلة المسيح بالعالم المادي الذي يتعالى الرب عنه مطلقاً، فالمسألة تكون أوضح
إذا رجعنا قليلاً إلى الحكمة عند أرسطو إلى نظرية العقل والعاقل والمعقول التي فيما
بعد أخذ بها حكماء الإسلام كابن سينا وابن رشد لتفسير كيفية نشوء الموجودات عن الله،
أيضاً المسألة ستكون واضحة عندكم إذا رجعتم إلى نظرية الإنسان الكامل عند المتصوفة
ونظرية الحقيقة المحمدية والنور المحمدي وأنّ الله أول ما خلق نور محمد ومنه خلق الخير
كله، فالنور المحمدي هو مظهر من مظاهر التوحيد لأنّ الواحد لا يصدر منه إلاّ واحد،
وإذا تعمقنا في نظرية الحلاج والسهروردي المقتول ورابعة العدوية شهيدة العشق الإلهي
وابن عربي، نجد أنّ نظرياتهم تعبر عن تجسّد الرب بالعالم والعالم المادي حتى، وكل هذا
هو رمز، وإلاّ ما معنى أن يقول أحدهم ((ما في هذه الجبة إلاّ الله)؟!
وما معنى نظرية
وحدة الوجود؟!
فالقضية أعمق ولا يمكن تناولها بالبساطة المعهودة عند العامة.
---------------
الدين عموما ، دوره في الحياة وهل هو ثورة
أم أفيون للشعوب؟
ــ الدين في وجوده ثورة، وفي بقائه أفيون،
وهذا لا يعني أنّ الذنب هو ذنب الدين، بل الذنب يقع على عاتق رجالاته الذين يسترزقون
باسم الدين وعلى حساب الدين، وأنا كثيراً ما أشبه الدين بالعقار الطبي، فالعقار الطبي
في بدايته يكون علاجاً، لكن كثرة استعماله يسبب الإدمان، مما يتولد عنه أضرار جانبية
ومضاعفات، حتى الرب يغير في الدين، فإرادته تقتضي تغيير الدين من أجل مصلحة البشرية،
فلا ينبغي الوقوف عند اليهودية أو المسيحية أو الإسلام، لأنّ هذا يؤدي إلى إيقاف المسيرة
الإنسانية، فإذا قلتَ لي إنّ الإسلام هو الدين الخاتم، قلتُ لك لماذا لا تكون النصرانية
هي الخاتمة ما دام يجوز أن يكون دين خاتم؟! ومن ثم يحتج عليّ اليهودي فيقول لي: لماذا
لا تكون اليهودية هي الديانة الخاتمة ما دمتم تعترفون بوجود دين خاتم؟!
طبعاً هذا الحوار
بهذه الطريقة يكون بين رجال الدين، أما المثقف فلا يؤمن بحدود تقـيّد فكر الإنسان.
---------------
حكمة الله في إختلاف البشر عقائديا وعرقيا
وفكريا وحرية الإختيار ألا نتدبر تلك الحكمة ونتقبلها .من منظور مسيحي كيف ترى الإنسان
وهل هو مخير أم مسير وكيف نتعامل مع الإختلاف ؟
ــ الاختلاف هو سر التواصل، لولا الاختلاف
لما كان هناك تواصل بين الأمم، خذ مثلاً حوارك الكريم هذا معي، أهم أسبابه هو الاختلاف،
لولا الاختلاف فيما بيننا لما كان لنا كل هذا الشوق لعقد هذا الحوار الفكري، لكن للأسف
الشديد يوجد مَن يتخذ من الخلاف ذريعة للقطيعة واللاتواصل.
ــ
الإنسان من منظورنا مخير وليس مسير، لأنّ الرب خلقه على صورته، والرب مريد،
وقد أورد متى: ((أشهد عليكم اليوم السماء والأرض قد جعلت قدامك الحياة والموت البركة
واللعنة فاختر الحياة لكي تحيا أنت و نسلك)).
ــ إذن مع وجود هذا الاختلاف بين بني الإنسان،
ووجود الحرية للإنسان، أصبح من الممكن أن يختار الإنسان من يواصله ويتواصل معه، فهذه
هدية ثمينة من الرب يمنحها للإنسان، إذ منحه الاختلاف والحرية والتواصل، فالاختلاف
والحرية ركنا التواصل.
--------------
هل هناك شريعة مسيحية بمعني نظام تشريعي
يضبط إيقاع النفس
فمثلا الطلاق المحرم في الأرثوذكسية أهو
تشريع ؟
ــ يوجد تشريع في المسيحية، ففي الطلاق
مثلاً أورد مرقس: ((فَقَالَ لَهُمْ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى
يَزْنِي عَلَيْهَا، وَإِنْ طَلَّقَتِ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ تَزْنِي))،
وفي المعاشرة: ((وَلكِنْ مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ، ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمَا
اللهُ، مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ،
وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا، إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ
وَاحِدٌ))، وفي القتل: ((سافك دم الإنسان بالإنسان يسفك دمه))، وقد شرّع الكتاب المقدس
الحق للحاكم في اتخاذ الأحكام، فإنّ الحاكم ((لا يحمل السيف عبثاً إذ هو خادم الله
منتقم للغضب من الذي يفعل الشر))، ورجال الكنيسة يستندون على هذه الآية المقدسة في
مشروعية اجتهاداتهم، وهناك تشريعات في العهد القديم قد أقرّ بعضها المسيح.
----------------
الإنجيل ، ماهو الإنجيل ، هل هو تدوين لما
صدر من أقوال وأفعال السيد المسيح ؟ أم وحي إلهي بنصه ؟
ــ الإنجيل عندنا بالمفهوم الروحي هو البشارة
بمجيئ المسيح والفداء لكل البشرية، لكن يطلق مجازاً عندنا وعند غيرنا على الأناجيل
الأربعة متى مرقس ولوقا ويوحنا، والرأي السائد عندنا هو أنّ الأصل في الإنجيل هو أنه
وحي إلهي.
---------------
هل هناك إنجيل واحد وتفاسير مختلفة أم أن
هناك أناجيل متعددة ؟
ــ كما قلت لك إنّ الأصل في الإنجيل هو
إنه كتاب واحد، وإنما تعدد على أربعة كتب لأنّ كل كتاب يغطي جهة من حياة وتعاليم المسيح،
فالبشير متى يغطي حياة المسيح كابن داوود، والبشير مرقس يغطي حياة المسيح كخادم، ولوقا
يغطي حياة المسيح كابن الإنسان، والبشير يوحنا يغطي حياة المسيح كابن الله، يعني كل
واحد من هذه الكتب أخذ جانباً من الأصل، أخذ زاوية من الأصل، وعليه ترى تشابه بعض الآيات
المقدسة فيما بين الأناجيل، فالآية الواردة ربما تتحدث عن أكثر من جانب، فيتم توظيفها
هنا وهناك، ويبدو أنّ كتاب الأناجيل هم في الحقيقة شخص واحد، هذا الشخص يقوم بتغيير
اسمه في كل جانب من جوانب الإنجيل الأصل، وهو البشير متى الإنجيلي، وبمرور الزمن حصل
تداخل بين النص الأصلي وبين آراء المفسرين، وهذه الحالة أنا أشبهها بشراح أرسطو من
المسلمين الذين داخلوا على نحو الاسترسال بين نصوص أرسطو وبين فهمهم لهذه النصوص، لكن
نصوص الإنجيل الأصلية يمكن فرزها عن آراء المفسرين لأنها مذكورة بشكل روائي، ويمكن
أن أقرب لك الفكرة بمشكلة جمع القرآن، فكثير من الاختلاف في الآراء قد حصل حولها بين
المذاهب الإسلامية.
---------------
المسيحية والآخر ، كيف تنظر المسيحية للآخر
المختلف عقائديا وما هي أطر التعايش والتعامل بينهم ؟
ــ المسيحية هي رسالة إلى الآخر، مثلما
يعتبر الآخر نفسه رسالة إلى المسيحية، لولا الآخر لما تأتى لنا الحوار، لولا الآخر
لما تحددت معالم الأنا، الآخر هو الذي يرد على الأنا وحشتها، والمسيحية مأمورة بالتعايش
السلمي مع الآخر، لأنّ رسالتها رسالة محبة، حتى وإن كان هذا الآخر عدواً، إذ أورد متي:
((وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعدائكم))، أيضاً أورد متي: ((طوبى للرحماء، لأنهم يرحمون))،
والرحمة هنا تكون للآخر، حتى مواساة الآخر قد أمرت بها المسيحية: ((الذي يعزينا في
كل ضيقتنا حتى نستطيع أن نعزي الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزى نحن بها من
الله)).
--------------
تاريخيا ومورثا لدي المسلمين أن المسيحيين
أقرب لهم من اليهود حتى على مستوى قبول الدعوة للإسلام هم أقرب لقبولها وكانت العلاقة
في بدايتها باقرار نبي المسلمين بعدل النجاشي المسيحي والذي حمى الآخر المستضعف والمخالف
في العقيدة ، ثم كانت هزيمة الروم أهل الدين على الفرس عباد النار فحزن المسلمون وشمت
وفرح عبدة الأصنام ، وحتى على مستوى الردود
على الدعوة للإسلام كان رد الفرس إجراما وتمزيقا للرسالة وكان رد المقوقس بالهدايا
ومنها مارية القبطية المصرية أم إبراهيم بن النبي عليه الصلاة والسلام وتاريخنا التعايشي
مليء بنماذج الحب والتعايش وقبول الأخر فالإسلام دين دعوي ولكن تقف حدود دعوته عند
توصيل الرسالة للأخر من قبلها قبل ومن رفضها فله ما لنا وعليه ما علينا ويفصل الله
بيننا ، والمسيحية دين تبشري
في مرحلة ما رفع الإستعمار الغربي شعار
الصليب في حروبه على الشرق وكان فيها من المآسي ما فيها ، وفي الحرب العالمية حارب
الصليب الصليب بلا شفقة ولا رحمة ، وهناك أيضا من رفع راية الإسلام وقتل تحتها الأبرياء
، وأباد الأمريكان الهنود الحمر ومع ذلك تهمة الإرهاب والدموية دائما ما تلصق بالإسلام
مع أنه بالأرقام سنجد نتائج مختلفة ، من يقود تلك الحملة ولماذا التحامل على الإسلام
، وهل الدين مسئول عن من يمتطونه لتحقيق أغراضهم ، وما دور رجال الدين في تلك الأزمة
؟ والتفسيرات اللئيمة إن جاز التعبير للنص الديني ؟
* لماذا نشأ ما يسمي صراع الحضارات ؟
*ما الذي أفسد علاقة المودة والعدل بين
المسيحيين والمسلمين ، هل للساسة والسياسة دور ؟
*ما حدود التبشير في المسيحية بمعني ماذا
لو رفضت التبشير وتمسكت بمعتقدي أي ما كان ؟
ــ قبل قليل ذكرت لك أنّ الآخر هو أساس
وجود الأنا، وعليه تتوق الأنا إلى الحوار معه، وما مواقف المسيحيين من المسلمين في
بداية الديانة الإسلامية إلاّ جزء يسير من مبادئ التعايش السلمي ورسالة المسيحية في
المحبة، والتبشير هو نموج للحوار والتواصل، وهذا الحوار مشروع حتى من الناحية المنطيقة،
وهو ليس معارك فتوحات، لكن الصراع مع الآخر في حقيقته هو تصدير لصراع الأنا مع نفسها،
فتعارض سلطة الدين مع سلطة الدولة جعل السياسيين يخففون من حدته بأن يكونوا العدو الخارجي
الذي هو الآخر، فظهر عندنا صراع الحضارات، فكانت السياسة الانتهازية سبب رئيس لخلق
صراع الحضارات، فليس للدين أية علاقة بهذه الصراعات، كذلك الشعوب هي بريئة من هذه الصراعات.
---------------------------------
* الدعوة والتبشير حقيقتان يهرب منهما رجال
الدين أمام الكاميرات وهما ربما أهم شوكة في العلاقة المسيحية الإسلامية
والهروب لا يحل أزمة بل المصارحة والمكاشفة
، أنا عن نفسي ليست لدي مشكلة مع التبشير شريطة أن يكون وفق قانون الدولة ويتجنب القصر
والمال ويعرض رسالته دون التجريح فالآخر وإن كنت أرى الأولى في تلك المرحلة أن يوجه
المسلمون والمسيحيون طاقاتهم الدعوية والتبشيرية إلى الملحدين والتائهين ، ما موقفك
من الدعوة للإسلام وهل ما ذهبت إليه أن المسيحية دين تبشيري صحيح ؟
من أصول الإسلام أن نؤمن بالمسيح كمحمد
ونؤمن بطهارة مريم العذراء وأفضليتها لدرجة أن لها سورة في القرآن باسم مريم وهو مكان
لها وحدها تكريما وتشريفا ، ألا يكفي هذا كميثاق تعايش وحب بين المسلمين والمسيحيين
حتى لو إختلفنا حول نبوة محمد عليه الصلاة والسلام وكنه سيدنا المسيح عليه الصلاة والسلام
ألا يمكن أن نحترم معتقد الآخر ونتعاون في الإختلاف ؟
ــ أنا أرحب بكل دعوة، لأنّ الدعوة تعني
لي الحوار، ومن ثم التوصل إلى المشتركات التي من شأنها أن تذيب التباعد والقطيعة، أما
التبشير فانا أحبذه كمنهج للحوار، أما من ناحية النتائج والكسب العقائدي، فلا أحبذه،
لأنني حين أحاور الآخر فإنني محتاج إلى الآخر ليقف إلى جانبي، فأنا أريد الآخر بوصفه
آخراً لا بوصفه أنا، فإذا كان الأنا مأزوم، فما هي العبرة من تحويل الآخر إلى أنا؟!
هذا التحويل غير منطقي، لأنه يؤدي إلى توسعة ما هو مأزوم، في حين أنّ الغاية من الحوار
هي تضييق الأزمة، خذ مثلاً لماذا أنا أتواصل مع العراقيين العرب من الأخوة السنة والأخوة
الصرخيين، ليس لأنني أطلب منهم التنصّر، بل لأنني محتاج إليهم في المحافظة على وجودي
كعراقي عربي، فقد تيقنت أنّ مشروع الأخوة الصرخيين في العروبة والوطنية هو المشروع
الذي يحفظ لنا كياننا كمسيحيين، فلو تسلموا زمام الأمور لضمنا حقوقنا ما دارت الأيام،
فهم يدافعون عنا حتى وإن لم ندافع عن أنفسنا، وأقول لك شيئاً إنّ كثيراً من المسيحيين
لم يفهموا سر تواصلي مع هؤلاء الوطنيين، وأنا على يقين أنّ دفاع الدكتور عاطف عتمان
عن الأقباط يكون أبلغ من دفاع يوسف قدو، لأنّ الدكتور عاطف هو الآخر، في حين أنّ يوسف
قدو هو الأنا، ودفاع الآخر أبلغ، عموماً لا قدح في أصل التبشير، مثلما هو الإسلام دين
دعوة ((وأدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة))، فالأساس هي الحكمة والموعظة
الحسنة وليس الدعوة.
-------------------------------
الحضارة العربية الإسلامية شارك فيها يهود
ومسيحيين وعرب وأكراد وأما زيغ و ربما أطلق أحيانا على مسيحي الشرق أنهم مسلمي الأوطان
والحضارة مسيحي العقيدة كيف نعود لتلك الحالة ؟
ــ سأقول لك شيئاً: إننا لو خيرونا بين
المسيحية والوطن، لما عدونا الوطن، فالوطن هو الذي يحفظ لنا كرامتنا وقيمتنا وعزتنا،
فإنني أرى الوطن أوسع من الدين، خذ مثلاً الأخوة الشيعة النازحين، كم هي معاناتهم حين
تركوا منازلهم في المناطق السنية، مع أنهم الآن يعيشون في مناطق هي منبع التشيع في
كربلاء والنجف، وكذلك الحال بالنسبة للأخوة السنة النازحين من البصرة والناصرية، هكذا
هي معاناة المسيحيين النازحين من نينوى، لا يعوضهم شيء سوى الرجوع إلى حيث ولدوا وترعرعوا،
فالوطن هو الكفيل بعودتنا إلى طبيعتنا السليمة، فالوطن أكبر من المذهب والدين والقومية،
وعنده تنصهر كل المسميات.
------------------
ونحن نحاور مسيحي وعربي لا يمكن أن نتجاهل
كنيسة المهد والمسجد الأقصي ، هل هناك من عودة لنا للمسجد والكنيسة من وجهة نظر دينية
؟
بمعنى آخر هرمجدون ونهاية العالم والصهيونية
واليمين المسيحي المتصهين ما هو موقفكم من تلك القضايا ؟
وهل المطلوب أن نقود راية الإصلاح والعدل
حتى عودة المسيح أم ندفع العالم للهاوية إستعجالا للنهاية ؟
ــ أعتبر أنّ من الانحراف الفكري ومن الشطط
ومن الشطح أن ندفع العالم للهاوية من أجل اعتقاد معين، فرسالتنا السلام والمحبة، وبها
تتحقق الغايات مهما بعدت، وفي أدبيات المسيحية والإسلام توجد عودة في النهاية، وما
التسريع إلاّ استغلال لظرف يرى فيه الاستعمار
نفسه أنه قوي فلا يريد تضييع الفرصة، والتناقض الذي وقعوا فيه هو أنهم يريدون تحقيق
عقيدة من العقائد بمخالفتهم للعقيدة.
------------------------
سؤال ربما يبدو طرح ساذج ولكنه يراودني
إن كان اليهود ينتظرون المسيح والمسيحيين
ينتظرون المسيح والمسلمين ينتظرون المسيح مع إختلافهم حوله وظن كل منهم أنه سيقودهم
، ألا يمكن أن نتفق أن نتجنب الصراع وعندما يظهر المسيح نتبعه وهو من سيحل الخلاف ؟
ــ كلام في غاية الروعة كلامك، في بداية
الحوار قلت لك أنّ المسيحية هي حلقة الوصل المضطهدة بين اليهودية والإسلام، وهذا هو
ما ينطبق مع كلامك، فبدل من أن يكون المسيح
هو الوصي على العالم، جعلوا من العالم وصياً على المسيح.
-----------------------
العراق وسوريا والشرق عموما ، مظلومية للمسيحيين
ومظلومية للسنة وللشيعة ومظلومية للعرب ومظلومية
للشعوب وللآخر عموما
ما هي رسالتك للعراقيين خاصة وللعرب عامة
بمختلف ألوانهم ؟
ــ أقول للعراقيين والعرب لهم تمسكوا بأوطانكم،
تمسكوا بعروبتكم، تمسكوا بفطرتكم وطيبتكم المعهودة، لا تأمنوا جانب السياسة، فالسياسة
الرعناء هي يد الاستعمار الضاربة، هي من تفرقكم وتفعل فعلتها بكم، أبعدوا كل فاسد من
السياسيين، وأبعدوا كل وافد من رجال الدين، وقوتكم في وحدتكم، والخطر قد أحدق بنا وليس
لنا إلاّ بعضنا.
---------------------
الإساءة للمعتقد الآخر وجر البشرية لصراع
مدمر ، هل تستفيد المسيحية من الإساءة للإسلام ورموزه ؟
كلمة من أستاذ مقارنة الأديان والعربي المسيحي
العراقي الأستاذ الدكتور يوسف قدو عن الإسلام ونبيه نختم بها حوارنا ؟
ــ أنا أسخط أيما سخط على كل من يسيء للإسلام
ونبي الإسلام، ذلك الدين وذلك النبي اللذان آويناهما في الحبشة، ذلك النبي الصادق الذي
لم يطعن بصدقه حتى أعداؤه من مشركي مكة، وأنا أحبه لأنه عربي، وأحب كل العرب، وأحب
مصر العروبة، وأحب نيلها الذي تتخطفه عيون الحاقدين.
-------------------
سؤال لم أسأله وتود الإجابة عليه ؟
ــ بما أنك حاورت الشيخ علي الأمين وهو
من الشيعة، وحاورتني أنا المسيحي، كنت أتمنى عليك أن تحاور شخصية أكاديمية عراقية سنية،
وهو الأخ والصديق العزيز الدكتور فواز الفواز، الذي عرف بوطنيته وعروبته ونزاهته وروعته
وطيب حواره.
ــ شكراً لك دكتور عاطف عتمان الأخ والصديق
الحبيب على كل ما بذلته من جهد وتواصل في هذا الحوار، أسأل الرب أن يحفظك ويحفظ أهلنا
في مصر.
-------------------
أعتبر هذا كارت توصية لقيمة كبيرة كالدكتور فواز الفواز ليقبل إجراء حوار معي فبالتأكيد هذا شرف أفخر به .
في نهاية حواري مع أخ لي من رحم حواء ولسان
عربي كلساني ورفيق نضال وصاحب مصير مشترك أتقدم بكل الشكر للدكتور يوسف قدو على ما
أفاض علينا من فكره وعلمه
حفظكم الله وحفظ العراق والأمة العربية
والإسلامية بمكوناتها والإنسانية
ليست هناك تعليقات: