الكاتب المسرحي
الأمريكي آرثر ميلر كتب في أربعينيات القرن الماضي مسرحية بعنوان موت بائع متجول وتدور
أحداثها حول الأب الذي قيده العجز وتراكمت عليه الأعباء فقرر التضحية بحياته ليرسل
مبلغ التأمين على الحياة لأسرته هدية ، ثمنها إنتحاره
وقدرا يكون نفس
العنوان هو الشرارة التي أطلقت ما اصطلح عليه بالربيع العربي ويكون إنتحار البائع المتجول
التونسي محمد البوعزيزي كلمة السر التي أسقطت أربع أنظمة عربية عتيدة في السلطة وما
أعقب ذلك من متغيرات في العالم العربي .
هل كانت ثورات
أم نكبات وإن كانت نكبات فمن المسؤول عنها ؟
الشعوب التي إنتفضت
أم الأنظمة التي سرقت حتى الأمل ؟ خرجت الشعوب ترفع شعار العيش والحرية والعدالة الإجتماعية
فهل تحققت تلك المطالب أو حتى هناك بارقة أمل أم زادت الصورة قتامة ؟
البوعزيزي ليس
أول من ينتحر من ضيق العيش وليس آخرهم ولكن إنتحاره كان القشة التي قسمت ظهر البعير
، شاب عربي ج أنفق معظم حياته في التعليم ولم يستسلم ونزل الشارع بائعا متجولا ومع
هذا لم يرحمه الشارع ولم يعطه ما يكفيه لا ماديا ولا أدبيا ومع الفقر وإنعدام كرامة
الفقراء كان الأخطر غياب الأمل في الغد بعد أن سرقوه .
تلك ليست حكاية
البوعزيزي بل حكاية ملايين الشباب العربي عندما يسرق الأمل ويتملك الإنسان الإحباط
فيكون إما الإنتحار وإما الثورة .
صراع التعليم مع
سوق العمل ، فتعليم يسرق وقت طويل من عمر الشاب ويستنزف أسرته حتى تلتصق البطون بالأظهر
، وربما حصاد العملية منتج مشوه يؤجج الصراع مع سوق العمل والذي لم ينجو حتى من وجد
فرصة عمل من قرصنة وجشع رجال الأعمال في ظل غياب الدول والقوانين التي تحميهم .بعض
الدراسات تشير إلى أنه كلما زاد مستوى تعليم الفرد العاطل زاد الإحباط وحدة العنف وهذا
ربما يفسر كثيرا من السلوكيات في عالمنا العربي.
من المفترض في
ظل تعليم صحي أنه كلما زاد مستوى التعليم والثقافة زاد قبول الآخر والإنفتاح عليه مما
يقود لمجتمع متسامح وهنا يكون السؤال عن التعليم في بلادنا ؟
في نهاية الأربعينيات
زار عالم الإجتماع العراقي المرحوم الدكتور علي الوردي الإسكندرية ومابين الأحياء الراقية
والأحياء الشعبية والطبقية البشعة ، تنبأ بثورة وفي سنوات قليلة كانت ثورة 52 .
وبدأت إرهاصات
الربيع العربي واضحة منذ عام 2000 ولكن الأنظمة أصابها العمى ، فرصيف مجلس الشعب بالقاهرة
وسلم نقابة الصحفيين وغيرهم أصبحوا مشغولين دائما باحتجاجات متنوعة من عاملين وضحايا
الخصخصة والعاطلين وإنتفاضة القضاة ولكن نظام الحكم إمتهن الغباء والتعامي عن الواقع
. في 2003 أصدر معهد سلاح الجو الأمريكي تقرير بعنوان مصر دولة في طريقها للفشل وهذا
التقرير يؤكد غباء النظام وإستعداد أمريكا لمرحلة مع بعد تلك الأنظمة وينفي إدعائها
المفاجأة من سقوط تلك الأنظمة .
سادت حالة من فقدان
الثقة بين الدولة والمواطن وربما جسدت السينما تلك المعاناة والإحساس بالغربة والإحباط
وفقدان الإحساس بالأمل وتعمق شعور أن لهذه البلاد أصحاب وهم الباشاوات وإن كانوا بدون
ألقاب وأن العبيد مكتوب عليهم أن يعيشوا عبيدا ويموتوا عبيدا ، وأي متابع بسيط لتلك
الصورة يدرك حتمية الإنفجار ولست أدري هل نجحت البطانة بعزل الرؤساء العرب عن الواقع
وكيف كانوا يرون شعوبهم ؟
عيش حرية عدالة
إجتماعية شعارات تبين حقيقة تلك الثورات وأن الشعوب لا تتآمر على نفسها ولا على أوطانها
بل المتآمرون هم المستعمرون والمنتفعون واللصوص .
في أبريل عام
2011 أجرى المعهد الجمهوري الدولي بمصر إستطلاع رأي كانت نتيجته أن 64% شاركوا في
25 يناير لانخفاض مستوى المعيشة وأن 19% فقط شاركوا بهدف الإصلاح السياسي وأن 41% يعانون
من أزمة توفير الغذاء لأسرهم .
ركب موجة تلك الإحتجاجات
أو الثورات العفوية والمنطقية إلى حد كبير المؤدلجين وخاصة تيارات الإسلام السياسي
فأجرمت في حق تلك الشعوب المقهورة وفي حق الشباب الذي ضحى ولو كان للربيع العربي دماء
فهي في رقبة الأنظمة وجماعات الإسلام السياسي ، وإستغلت القوى الخارجية حالة السيولة
وبدأ العبث بالمنطقة لتنفيذ مخطط الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد الذي بدأ من العراق
ولم ينتهي بعد ويبقى السؤال من المسؤول عما وصلنا إليه هل الشعوب التي صرخت من جلد
السياط والشباب الذي حلم بغد تشرق شمسه صافية أم الأنظمة والمنتفعين منها والمنتفعين
من سقوطها ؟ وتبقى كلمة السر في النجاة هي الوحدة وسلامة النسيج الداخلي والذي لن يتحقق
إلا بالعيش والحرية المسؤولة والعدالة الاجتماعية وزرع الأمل الذي سيتبعه العمل .
ليست هناك تعليقات: