يوم من أيام الشتاء ساطع الشمس بعد موجة ثلجية قاسية ،
سطوع الشمس لم يجلب الدفء للقاهرة ، لأن أنفاس الناس الساخنة وغضبة شكمانات
السيارات وأدخنتها جعلت الجو مكتوم وهذا الشعور منع الإحساس بغزل أشعة الشمس .
كوب من الشاي بالنعناع الأخضر وحجر معسل تسمع صوت خرير
الماء الناتج عن سحب الهواء ممتزجا بدخان متصاعد مع ضرره إلا أنه يحمل معه كثير من
الشجون ، في مقهي بنكهة عام 1937 يحمل إسم وأنغام أم كلثوم ربما أعطى الصورة بعض
البهجة
وسط تلك الأجواء تهب نسمة هواء شتوية تداعب يافطة مكتوب
عليها قرض حسن لأولياء أمور طلبة الثانوية العامة ، قرض حسن !!!!
في زمان الضحكة والإبتسامة تباع وتشترى مازال في مصر من
يمد يد العون بقرض حسن ، إنها إبتسامة نقية من أناس أصفياء يحاولون التخفيف من
بعبع الثانوية العامة
فالكتاب المدرسي عاجز عقيم حتى نستعين بالتلقيح الصناعي
من الكتاب الخارجي ، والكتاب الخارجي في لعبة تبادل المنافع يراعي المدرسين الذين
يرغبون الطلاب فيه فيأبي إتمام الحمل إلا في غرفة الدروس الخصوصية ، والثلاثة
يمدون أيديهم في الجيب المخروم لمعظم المصريين ، ووسط لعبة القرود تلك تظهر جمعية
لتقدم قروض حسنة رأفة بالجيوب المخرومة .
المشهد الثاني
مكتب سفريات بشارع القصر العيني ، سماسرة بشر وزحام داخل
المكتب كما لو كان فرن عيش ، طيور تحاول الهجرة بعد أن ضاقت بها السبل ، من الطبيب
والصيدلي والمهندس للعامل والنجار والفلاح يجمعهم عبوس الوجه والأمل فالتأشيرة
والسماسرة يجاهدون من أجل توفيق راسين فالحلال وقبض العمولة ..
المشهد الثالث
أسرة من أب وأم وطفلة عامان يركبون فيزبا ليلا على
المحور دون أي معايير أمان أو سلامة ويستقلون شمال الطريق بلا أي مراعاة لقواعد
المرور ، سيارة مسرعة تطيح بالفيزبا وراكبيها .
يقف السائق الذي إرتكب الحادث وينزل كل من فالسيارة
يهرولون تجاه المصابين ، تقف سيارة ملاكي فارهة وتنزل من يبدو من تصرفها أنها
طبيبة ، تقف السيارة التي أستقلها وننزل جميعا لنجدة المصابين ، سلوك فطري جماعي
يجمع تنوع طبقي وثقافي محل للتأمل .
من يخرج زجاجة ماء ، من يتصل بالإسعاف ،من يهدأ الطفل
ويمسح الدماء من وجهه ، الأب يترك الأم وغالبا بها كسور والطفل به جروح قطعية
بالوجه ويهتم بالمتعلقات المتناثرة !!!!!!
بعض الحاضرين إهتم بتعنيف السائق ، السائق تبدأ علامات
القلق تكسو وجهه ، يتكلم بسرعة ، لا أقصد ، أنا معاكم ، يسيطر عليه شعور الخوف ،
يتسلل خلسة في الظلام وفي زحام المشاعر الملتهبة ويركب السيارة ويفر مسرعا تاركا
الركاب الذين كانوا معه في الهواء البارد المظلم .
صوت سيارة الإسعاف يدوي من بعيد ، سائق السيارة التي
أستقلها يتسلل إليه الخوف أن يتهم بالحادث ومع وصول الإسعاف تبدأ رحلة العودة من
القاهرة التي تتعجب وتتساءل وتنفث همومها مع شكمانات السيارات وأستقبل الإسكندرية
لأغوص في بحرها ولو غرقا في الهوى وأقف ثانية بتأني عند محطات يومي متأملا الزمان
والمكان والأحداث والأبطال
ليست هناك تعليقات: