حوار مع تكفيري جمعتني به صدفة ، لست أدري هل هي سعيدة لأكتشف هذا العالم عن قرب ، أم حزينة لرؤيتي عقول مغيبة وقلوب متفحمة ، سيارة نقل وظلمة الليل وطريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي ولفحة برد منتصف الليل جمعتني بمحسن إسما ، وهو لا يحسن أي شيء سوى إنتظار الدولة الإسلامية <داعش > لتزيل الحدود وتقيم الخلافة وتقطع رؤوس كل من يرفض الشريعة ، وتكون ظل الله في أرضه وتعز المسلمين بعد قرونا من الذل والهوان وإستباحتهم من كل الأمم وتقضي على الشيعة الكفار وتذل العصاة من المسلمين .
ركب محسن صاحب اللحية الكثيفة والوجه العبوس الصارم إلى جواري وكان السائق متحفز له وقال :
الشيخ مش هيخليني أولع سيجارة في نوع من الإستئذان بأدب يحمد عليه ، وبدأ السائق بمحاولة جر شكل الشيخ إن جاز التعبير فهاجم السيسي ، لكن الحيلة لم تنجح وهز محسن رأسه وقال السيسي راجل كويس ، لكن نبرته لا تبعث على الراحة .
ومع تبادل أطراف الحديث بدأ محسن يندمج ويخرج عن حذره وحاول تقمص دور من يقوم باستدراجنا وسأل عن مذبحة رابعة وعن مرسي وأخطاؤه وعن الدولة الإسلامية وموقفنا منها
وعن كفر الشيعة وأنهم أخطر من اليهود ، ولكني كنت حريص جدا أن أستخرج مكنون نفسه قبل أن أحاوره .
محسن يرى أن الشيعة الخوارج على حد وصفه كفار ، وكل من لا يرى كفرهم كافر ، وأن لمرسي أخطاؤه لكنه الرئيس الشرعي وأن الأزهر والإفتاء عبارة عن بوق للسلطان لا يمثلون الإسلام ،
وأن حزب النور <الزور> والإخوان والسلفيين ليسوا هم الحل وأن الحل في قدوم الدولة الإسلامية ، وأن هناك الكثيرين ينتظرونها وأن النصارى يكدسون الأسلحة في الكنائس وأن رؤوسهم لابد من قصها بعد أن طالت .
أمسكت بطرف الحوار وحاولت مناقشة السيد محسن وتوضيح أن التكفير العيني لا يجوز إلا للقاضي وأن الحكم التكفيري العام على مذهب أو جماعة أو طائفة ظالم و لا يحق لأحد ، وجادلته أن في تاريخ الساسة باستثناء فترة الراشدين وفترة عمر بن عبدالعزيز كانت الدول تقوم على الدماء بداية من مجازر الحجاج بن يوسف وهذا ليس تبريرا لحرمة الدم الحرام ولكن سرد تاريخي ، وحاولت أن أوضح له أن المذهب الجعفري تمت إجازته من الأزهر وأنه ليس معنى وجود متطرفين أو تكفيريين أو من يسب أم المؤمنين والصحابة من الشيعة أن كلهم على نفس الشاكلة ، وأن الإسلام دين التسامح وعصمة الدماء ونشر السلام ، ولاحظت أن الرجل لا يفرق بين الشيعة والخوارج فيجعلهم واحد بل في رده قال المذهب الجعفري أه ممكن أما الإثنا عشرية فكفار !!!!
وعندهم حلول واتحاد !!!
حاولت التوضيح للرجل أن الحلول والإتحاد مرتبط في الغالب بغلاة الصوفية وفرق أخرى ، وأن الخوارج غير الشيعة تماما وأن الشيعة الإثنا عشرية هم أتباع المذهب الجعفري ومنهم المتطرفين والمخالفين لجوهر الدين وحقيقة المذهب ، ومنهم أهل الإنصاف والإعتدال ولكن من الواضح أن الحشو الذي حشاه من يسميهم علماء قد أصم عقله .
وكرر الرجل سؤاله ما الحل وأين المخرج ؟
فما كان من السائق البسيط إلا أن رد أنا مسلم ومعرفش مذاهب والحل في كلام ربنا .
كرر محسن السؤال لي ، فقلت لقد أجابك عم عبده ، فرد دا مش حل ، ما هو كل واحد يقول كلام ربنا ويتبع هواه ، الحل في الدولة الإسلامية تزيل الحدود وتقيم الخلافة وتقطع الرؤوس الضالة ، وفيه كثيرين هنا ينتظروها .
أيقنت أنني أتحاور مع جاهل جهول فضلا عن كونه تكفيري ففضلت الصمت إلا أنه باغتني بسؤال لو رجعت إنتخابات بين مرسي والسيسي هتنتخب مين ؟
قلت يا مولانا الإنتخابات حرام وضحكت ، فأصر على السؤال
فأجبت سأنتخب السيسي ، فانتفخت أوداجه واحتد صوته وقال السيسي كافر وأنت كافر فمن لا يكفر الشيعة كافر .
قلت من أعطاك الحق يا رجل لتكفر الناس ، قل ظالم عاصي ، قال كافر وأنت كافر .
إنتهى الكلام عند هذا الحد ونزل السيد محسن يمني النفس بمجيء داعش ليكون جندي في جيش العزة ويستحل دماء الكفار من أمثالي .
ووقفت لفترة أمام تلك الحالة والتي يوجد منها عدد قل أم زاد
وقفت عند الجهل وضحالة الفكر وإتخاذ كلام من يتبعون من مشايخ قرآن ، وعدم الفهم أو حتى محاولة الفهم وتجاهل الآخر ووضعه في خانة صراع حياة أو موت إما أنا أو هو .
وقفت عند إشكالية إلتصاق الأزهر والإفتاء بالسلطة مما أثر على الدور والمصداقية لدى قطاع من الناس ، ووقفت عند الفراغ الذي سببه غياب الأزهر وضعف مناهج التربية الإسلامية وضحالتها مما سمح لتلك الحركات بسد الفراغ وخرج جيل إن لم يكن جاهل فهو ضعيف الفهم لدينه .
وقفت عند إتهام الكنائس بتكديس الأسلحة وإستخدام تلك الحالة في إستثارة الشباب المسلم ، وأنه لا ينبغي لمسجد ولا لكنيسة ولا جماعة ولا مؤسسة أن تكون أكبر من الدولة أو غير خاضعة لسلطان القانون .
وقفت عند حالة المظلومية والكفر بامكانية التغيير أو وجود حلول سوى ما تسمى بالدولة الإسلامية .
وقفت عند إشكالية الطعن في كل شيء وفي كل رمز حتى تهنا وفقدنا أنفسنا وأصابنا ما يشبه أمراض الجهاز المناعي فأصبحنا ندمر أنفسنا بأنفسنا كحالة الخلل عندما يهاجم الجسم نفسه نظرا لخلل في الجهاز المناعي .
الداء عضال والحاجة للأطباء المهرة ملحة ، فهل ننجح في محاصرة المرض والقضاء عليه أم يستفحل أمره حتى يقضي علينا ؟
ليست هناك تعليقات: