فلسفة الحقد المقدس ..أحب الكراهية وأكره الحب ....!!
ربما يبدو العنوان صادم ومنفر ولكن بسبر غور المعنى والغوص في بحور الحروف نجد أن الحب والكراهية وإن كانا متضادين في المعنى الحرفي واللغوي إلا أنهما وجهان لعملة واحدة!!!!
تلك هي مشكلة الكلمات والحروف واللغات واللهجات التي ربما تفقد معناها وتتلون الكلمة الواحدة صاحبة الحروف الواحدة والتشكيل الواحد والنطق الواحد كتلون الحرباء، بل ربما تكتسي الكلمة رداء معناها الحقيقي من شخص قائلها وليس من ترتيب حروفها.
فكراهية الظلم هي حب العدل وكراهية الكراهية هي حب الحب، ومن الحب ما قتل كما قيل.
هناك من يشوه وجه محبوبته بدعوى الحب وهناك من يغالي في التصوف دون ميزان من شرع فيشرك بدعوى الحب، وهناك من يسرف في التقيد بالتقليد والظاهرية فيخلى النص من جوهره وروحه ويجعلها كلمات جافة جوفاء ربما تطغى مرارتها فتنفر الناس منها بدعوى الحب.
جريمة القتل الأولى كانت بسبب حب قابيل لما قسم الله لهابيل، وقدم قابيل قربان سيء بسبب حب المال، وجاد هابيل بنفسه ورفض قتل أخيه بسبب الكراهية، فقد كره أن يحيا ظالم لنفسه، فكره الظلم وكره سخط الله عليه فكانت كراهيته نجاة وحب أخيه حسرة وندامة.
القاتل يقتل بدعوى الحب والسارق يسرق من أجل الحب وصار الحب متلون بوجوه تساوى عدد وجوه البشر!!!
هل الحق والحقيقة مرتبطان بتلك الحروف المرتبة؟
أيكون فك الشفرة في الحاء والقاف؟
كل الأضداد يدعون الحق، الظالم يرى أنه محق والمظلوم يصرخ أنه صاحب الحق!!
ماذا لو وجد إنسان عاقل أعمى لا يرى، أصم لا يسمع، أبكم لا يتكلم، ما قيمة الحروف بالنسبة له وما ذا تعنى الكلمات؟
وهل تلزمه الحروف أو اللغات لإقرار حقيقة الإيمان أو الجنوح للحق؟
ما حقيقة الدين والإيمان عنده؟
هنا تكمن إشكالية الكلمة وأن اللسان ما هو إلا أداة تعبيرية كفرشاة في يد رسام، ربما لو لم يجد الفرشاة ليرسم ويخرج لنا ما بداخله على لوحة نستطيع بإدراكنا المحدود إدراكها لم نعلم أنه فنان، ولكن هذا لا ينفي موهبته وما بداخله، ولكن ما بداخله بحاجة لإدراك لا نملكه نحن البشر الذين صنعنا القنبلة الذرية وصعدنا الفضاء واستنسخنا النعجة دولي، هنا عجز وعجزنا هنا إدراك!!
من الحروف تنسج الكلمات ومن الكلمات تنسج الجمل البديعة والعبارات الرنانة والشعارات البراقة التي تزين الرايات المختلفة، وتجد تلك الشباك المنسوجة أحيانا بحرفية ومهارة صيد غزير وربما تم غمس خيوط تلك الشباك في السم البطيء أحيانا وفي أعتق أنواع الخمور والمسكرات أحيانا أخرى وربما تم غمس تلك الخيوط في العسل ليخفى مرارة السم.
لما وقفت عند قول الله تعالى كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون تأملت تلك الحروف المكونة لكلمة مقت وهي كلمة في اللغة العربية لها تعبير خاص، ووقع مؤثر على النفوس لا أظن أن هناك كلمة أخرى تضاهيها في التنفير والوعيد والكراهة، هنا تبدو طبيعة الكلمة وحقيقة الحروف فإن انسلخت عن الباطن كانت مقتا وليس مقتا عاديا بل كبر مقتا!!
هل معنى هذا أن الإنسان لا يغير مواقفه وكلماته وتعبيراته بتغير الظروف والزمان، أم أن المقصود هو التناغم والانسجام والصدق مع النفس؟
وأنه حينما يغير أو يتغير أو يجود فلا حرج شريطة تناسق الكلمة التي تخرج عبر تلك الفرشاة المسماة اللسان والتي قد ترسم الموناليزا أو ترسم نهرا وأشجارا على ضفافه وربما رسمت شوكا أو حتى شخابيط غير مفهومة.
كفر عمار -رضي الله عنه- باللسان وكان قلبه مطمئنا بالإيمان فكانت كلمات كفره سببا في تزكيته!!
وشهد بن سلول الأب بالشهادة فكانت عنوان نفاقه إن صح ما ينسب إليه!!
فأصبحت كلمة الكفر أفضل من شهادة التوحيد لاختلاف القلبين والناطقين!!
قضية المصطلح والكلمات قضية كبيرة ومتشعبة سواء من حيث صدق الكلمة أو صدق الفهم للكلمة، ومن هنا كان القلب هو محل الصلاح ومكمن الطالح وكان اللسان مورد المهالك.
والانفصال بين الباطن من القلب العاقل والظاهر من اللسان يقودنا دائما للهاوية.
فبالديموقراطية احترمت حقوق الإنسان الأمريكي والأوروبي وبذات الكلمة قتل الأفغان ودمر العراق وضاعت فلسطين!!
راية الإسلام تقاتل الفرقاء تحتها ورفعها الخوارج وقاتل تحت لوائها السنة وحاول احتكارها الشيعة!!
جاهد الأفغان تحت شعار واحد فلما انتصروا تقاتلوا تحت نفس الشعار!!
أيرلندا رفعت راية الصليب وذبح بعضهم بعضا والراية واحدة!!
غابت المبادئ وتحولت الألسن إلى راقصات ستربتيز وانفصل الباطن عن الظاهر، واتخذ كل من اليمين واليسار إلهه هواه، وصنع إله من كلمات جوفاء كلما لاحت له مصلحة ووافقت هواه باع جزء منها، فكفى كذبا أيها اليمين وكفى تدليسا أيها اليسار.
من فلسفة الحقد المقدس أحببت الكراهية كحبي للحب، ويبقى ماذا ومن أكره؟
ماذا ومن أحب؟
ويبقى الصراط المستقيم هو الميزان، ويبقى ضياع صدق الحرف هو المقت الأكبر، وتبقى الكلمات الأخيرة اهدنا الصراط المستقيم.
اقرأ على واحة الأريام
ليست هناك تعليقات: