حكاية مصرى ..متوفرة بأكشاك ومقار جريدة الجمهورية
إسم الكتاب ..حكاية مصرى
النوع...رواية
المؤلف ..د.عاطف عبدالعزيز عتمان
المقدمة ..الأديبة والشاعرة أميرة الرويقى
الناشر...دار الجندى للطبع والنشر
الطبعة الأولى ...يونيو 2013
في قاهرة المعز
أطلق القطار صافرة الوصول ..وكانت صافرة مختلفة عن
تلك التي أطلق من خلالها صرخته ...
كانت صافرة الوصول هادئة تخرج من عدّاء وصل خط
النهاية وأنهكت قواة المسافة ما بين البداية والنهاية ..
وصل لباب الحديد
فى ميدان رمسيس فى قلب القاهرة ..
وبدأت الهموم التي تحمل أجساد الركاب فى النزول على
الرصيف ..
وبدأ القطار يخلى ركابه ويلتقط أنفاسه
ولكن هيهات فهذا
صعب المنال ..
الركاب المنتظرون على الرصيف لا ينتظرون خلو القطار
..
منهم من يدخل من الشباك ليفوز بمقعد ويحجز بجواره
للأحبة والرفاق.
.وجزء يدفع الركاب النازلين ليدخلهم للقطار عنوة وسط دوامات بشرية ومصري
يرفع حقيبته على رأسه ويدور فى الدوامة البشرية حتى رفق به القدر ووجد نفسه على
الرصيف ....
يا إلاهى ..
هذه المرة الأولى التي تطأ فيها قدم مصري أرض
المحروسة ويرى هذا الكم البشرى من الرؤوس التي ظن للوهلة الأولى أن القاهرة عن
بكرة أبيها جاءت لباب الحديد حتى تستقبله وتحتفي بقدومه
خرج مصري من باب الحديد لتصافح عيناه مئذنة مسجد الفتح للمرة الأولى والتي
رآها فى التلفزيون فقط ..
وليمشى مع الأسهم ويدخل
هذا الباب التي تعلوه يافطة الأسهم السفلية ليضع أقدامه على السلم الذي يتبدى من
النهاية ...
يبدأ من القمة وينتهي فى القاع ويكون صعوده لأسفل
لأنه يؤدى فى النهاية إلى أبواب هذا القطار السفلى التى يعشق الخوض فى أعماق الأرض
.
ليركب هذا الإختراع الذكي الذي
تحايل إلى حد كبير على زحام القاهرة الشديد... إنه مترو الأنفاق ..
الذى وأن سار تحت الأرض لفترة فى الظلمات ما يلبث أن
يخرج ليرى النور فى محطاته النهائية
ويرسل رسالة واضحة جلية أنه مهما طالت الأنفاق وإشتدت
الظلمات فعتمة الليل لابد أن تنجلى ..
ولكنها بحاجة للإرادة ...
وللتخطيط والخريطة ..
تلك الإرادة التي جعلت من مترو الأنفاق يخترق الأرض
من تحت قاع النيل الخالد فى تحد واضح ...
وكان لسلم المترو وقفة مع مصري ..
سلم غير كل السلالم ..لم يعهد مصري هذا النوع من
السلالم ..سلم صعوده هبوط وهبوطه صعود يبدأ من القمة وينتهي بالقاع ..يبدأ من
النهاية !!!!!
بعد أن شاهد مصري زحام المترو تيقن أن زحام باب
الحديد أمر عادى وأنه لم يكن للترحيب به وأن القاهرة ليست قريته الفردوس
فهو فى قريته نجم ساطع ومحل الترحيب أينما ذهب أو حل
ولكنه فى القاهرة قطرة من الماء فى بحر مترامي الأطراف
يحتاج لمهارات وجذور ممتدة حتى لا يذوب ويفقد هويته
ويتوه فى وسط الزحام
مرت المحطات ووصل مصري لجامعة القاهرة
وتوجه للمدينة الجامعية
ووضع أمتعته فى غرفته وأبى
أن يستريح ...
إلا بعد أن يحقق حلم السنيين ......
زيارة أبعاد القاهرة التاريخية وشحن بطاريته الوطنية
والوقوف متأملا مراحل من تاريخ الحقيقة
التى يلهث خلفها طيلة عمره
زيارة الأهرامات التاريخية للوقوف على سر الحضارة
المصرية والتي أضحت تاريخا على يد الأحفاد وعجزت أيديهم عن إستكمال البناء...
والعروج على الكنيسة
المعلقة يشم رائحة الحضارة القبطية ويعطر أنفه بهواء حوى أنفاس المسيح الذكية...
والختام فى مسجد عمرو بن
العاص العصي عبر السنين والعقود
يطالع وجه العدل والحرية ..
ويتلمس خطى الصحب الكرام ويرى منبت النور فى مصر الإسلامية ...
هناك على أطراف الجيزة تبدو الأهرامات الثلاثة شامخة
وعين أبو الهول حارثة لا تغفل ليلا ولانهار ...
مصري إستحضر هنا عظمة هذا الشعب التي تحدت الظروف والسنين
وعوامل الجو وغدر الغادرين ولصوص التاريخ المشهورين .
تأمل دقة البنيان وهندسة
المكان وعبقرية الإنسان.
سأل مصرى أبو الهول...ما سر الشموخ والخلود عبر
السنين ؟
فقال أبو الهول ...السر في المصري الذي بني بالعلم
وزين البناء بالفن الأصيل
رأى مصري الأهرامات أربعة ثلاثة تاريخية والرابع يتبدل وجهه عبر تاريخ
البشرية ...
سأل مصري أبو الهول من هذا الهرم الرابع المتغير الوجوه ؟
رد أبو الهول ....دول هم المصريون المبدعون عبر
العصور .
تذكر مصري جمال عبد الناصر بعد أن عاد حبه لقلبه بعد كره
وجفاء بسبب معاناة الإخوان..
ولكن فى هذه المرة حب
معتدل يضعه فى مكانه الطبيعي دون إفراط فى الحب ولا تفريط..
فجمال جزء من تاريخ هذا الشعب المجيد بنكساته
وإنتصاراته ..بنجاحاته وإخفاقاته ...
رأى فى الهرم الرابع صورة أم كلثوم تصدح سلاما شباب
النيل .....
رأى جوائز نوبل تحوم حول الهرم تذكر بالمصريين بأن
لهم حاضر كما أن لهم تاريخ وأن العيب ليس
فى عقولهم ولكن فى لصوص سرقت حتى أحلامهم وهم نائمون ...
رأى فى الهرم الرابع شريطا سينمائيا يقلب صفحات
التاريخ الذهبية والتي سجلها أبو الهول عبر تاريخ البشرية ..
شحن مصري بطارية مصريته بعد أن أنهكها عنت السنين
وأنين الحنين لمجد الأجداد
رأى فى الهرم الرابع صورة مصرية وتطور ملامحها بد
مرور السنين وهى شامخة وفى عينيها الحنين ...ومن بعدها زاد الأنين
توجه مصري لوسط القاهرة ليسترجع التاريخ ..
تاريخ وطن كان الملاذ الأمين على مدار السنين لكل صاحب فكر ودين...
ويبحث عنها ..!
عن المحبوبة التي إشتاق الوصول إليها
توجه للكنيسة المعلقة فى
وسط القاهرة التاريخية.
حيث يسترجع بذاكرته أن مصر
كانت حاضنة للعائلة المقدسة وحضن دافئ للسيد المسيح وللعذراء الطاهرة...
وتذكر كيف أن الكنيسة
تجددت فى عهد الرشيد محافظا على موطأ قد تكون قدم المسيح والعذراء قد وطئته فى
سالف العصور
تذكر الإنجيل الذى قراءه من سنين وتعاليم المسيح التي
قال النجاشي عنها أن ما جاء به المسيح ومحمد عليهما الصلاة والسلام ينبعان من نبع
واحد ويشع نورهما من مشكاة واحدة
تذكر مصر المسيحية التى عانت من قيود الاستعباد سنين
وسنين
وبسياط التعصب المذهبي هدمت كنائس وشرد قساوسة
وأصبحوا غرباء فى وطنهم بعد أن إستوطنه الغرباء
الغاصبين ....
وحان الوقت لتشم أنف مصري رائحة الصحب الكرام ..
هناك فى المسجد الأول ..
مسجد الفاتح الذى فتح القلوب بنور الإيمان وبتعاليم
أحمد البشارة ..
عمرو بن العاص الذى حرر المصرين وصان الكنائس وأمن
المسيحيين وبنى المسجد الأول فى مصر وإفريقية وزرع فيها بذرة التوحيد ...
تعجب مصرى من قلوب المصريين ..قلوب إحتوت الكليم موسى
وكانت الحضن الدافئ للمسيح وأمه البتول ..قلوب نبضت
كلها بالإسلام إعتناقا وحبا ....
رأى حقيقة القاهرة تعانق المآذن قباب المساجد
ويعلو نداء الحق وتدق أجراس الكنائس فى تناغم موسيقى
ونغمات تحكى فصولا من التاريخ ..
قارب الليل على الإنتصاف وأخذ مصري جرعة روحانية من
عبق التاريخ تعينه على مواصلة المسير وعلى إكتمال صورة الحقيقة التي يسعى إليها
..ولكن هناك ركن ناقص وزاوية مفقودة لابد من زيارتها حتى تكتمل الصورة ...!!!
وفى طريقه للعودة للمدينة الجامعية أصر أن يصافح
معشوقه الأول عن قرب ويلمسه ويقبله بشفتيه ويكمل به الصورة ..
إنه النيل الخالد الذى يجرى مع جريان الدم فى عروق
مصري
والذي كما حفظ حياة المصريين وكان الحارس الأمين على
تاريخهم ومقدراتهم ..حفظ موسى الكليم فى التابوت وظل أمينا على المعابد وإن أصبحت
خاوية ولكن جدرانها تقص فى كل يوم حكاية وتحكى كيف كانت مصر مهد للصالحين ...
..راح مصري يتمشى على شاطىء كورنيش النيل ويداعب الذكريات ووجد ما
يشبه مركب عرف أنه ما يسمى بالأوتوبيس النهري ..
ركب مصري النهر وداعب ماءه بأصابعه ورفع بيديه جزء من
ماءه
فقبله قبلة مشتاق عاشق ولهان
وأعاد القبلة لتجرى فى مجرى النيل
..أرسلها مصري قبلة حنين لشجرة الصفصاف ولمحبوبته التي مازالت تائه....
ليست هناك تعليقات: