مساحة إعلانية

رحلة في دروب المعرفة والإنسانية.

عاطف عبدالعزيز عتمان يونيو 27, 2025

 


أريام أفكاري:رحلة في دروب المعرفة والإنسانية.

شيعي أم شيوعي؟ سؤال قد يبدو غريبًا للوهلة الأولى، لكنه غالبًا ما يتبادر إلى الذهن عندما أتحدث عن اهتمامي بقضية الشيعة.
في مجتمع لا يوجد فيه تماس مباشر مع التشيع، وربما لا يفرق عاميه البسيط بين الشيعي والشيوعي، ينبع اهتمامي هذا من سعي إنساني خالص للبحث عن الحقيقة في مختلف المذاهب والعقائد، والتعمق في فهم الإنسان داخل هذه الأطر الفكرية المتنوعة.
ليست الكتابة مهنتي، وبالتالي لا توجد لدي أي ارتباطات سوى مع ذاتي.
أجد في الكتابة متنفسًا لقلبي وعقلي، فلا أدوّن إلا ما يلامس أعماقي ويقنع به فكري، في حالة أشبه بالفضفضة الذاتية التي تُطلق العنان للأفكار.
رحلتي بدأت بسؤال جوهري، أراه نقطة تحول في مساري الفكري: لماذا يوجد الشيعة؟
وهل الحق معهم؟
ولماذا يسبون الصحابة؟
هذه التساؤلات، التي قد تبدو استفزازية للبعض، كانت بوابة لاكتشاف عوالم جديدة.
كانت الانطلاقة الأولى مع رجل دين معمم شيعي يتحدث على قناة "المستقلة". في البداية، تفاجأت به يتكلم في الدين الذي أعرفه وألفته، ولكن سرعان ما اكتشفت في فكره أعماقًا إنسانية تتجاوز الاعتدال الديني المذهبي الضيق.
هذا الرجل هو سماحة العلامة السيد علي الأمين، عضو مجلس حكماء المسلمين والعلامة اللبناني الفريد، الذي يُعرف بفكره المتنور ومسعاه الدائم للتقريب والحوار بين الجميع .
تواصلت مع مكتبه، ومع سماحة السيد حسن الأمين، ودار بيننا حوار مطول وشامل عن التشيع، وعن حقوق السني وحرماته، وعن قضايا دينية مختلفة لطالما أثارت الجدل. هذه الحوارات المثمرة لم تبق حبيسة الأذهان، بل أدرجت أجزاء منها في كتاب السيد علي الأمين "زبدة التفكير في رفض السب والتكفير"، وفي كتابي "صلاة الإنسانية ثورة حالم في واحة الأريام"، بالإضافة إلى مدونة "واحة الأريام 🦌" التي أشارك فيها جزءًا من هذه الرحلة الفكرية.
تلا ذلك لقاء فكري عميق مع أفكار الدكتور علي شريعتي، المفكر الإيراني الذي أثرى الفكر الإسلامي الحديث بآرائه الثورية. ثم تعرفت على تراث السيد محمد حسين فضل الله والسيد محمد جواد مغنية، وكلاهما يمثل قامات فكرية شيعية معتدلة سعت لتقديم فهم منفتح للدين. بعدهم، كانت هناك لقاءات مثمرة مع الأحبة في العراق من مدرسة السيد الصرخي الحسني، التي قدمت لي منظورًا آخر في فهم القضايا الدينية ولي منهم أخوة أعزاء .
لقد اتفقت واختلفت خلال هذه المسيرة الطويلة، وهذا هو جوهر البحث عن الحقيقة. في البداية، دخلت الرحلة تحت مظلة الدين الواحد الذي يجمع كل منتسبيه، وهي مظلة واسعة ومريحة للعقل والروح. ولكنني خرجت منها بمظلة أوسع وأكثر شمولًا: مظلة الإنسانية، ثم مظلة الكونية، محملًا بمحبة عميقة لكل خلق الله، من الكائنات المنظورة إلى الجنية، فالله خالق الجميع ورازقهم.
في بداية هذه الرحلة، قيَّدتني قيود المتدين الذي يخشى الفتنة ويحرم ما قد يُنظر إليه على أنه خروج عن المألوف، فكنت أبحث بجدٍّ عما يشرعن فعلي من أهل السنة.خاصة بعد فشل الشيخ القرضاوي في مسعى التقارب المذهبي، الذي كان يمثل لي أملًا كبيرًا. حينها، وجدت ضالتي في فتوى تاريخية للشيخ شلتوت، شيخ الأزهر الأسبق، التي أقرت بجواز التعبد بالمذهب الجعفري، وكلمات للشيخ الطاهر ابن عاشور، العلامة التونسي الذي دعا إلى الانفتاح الفكري. وما زادني قناعة أن الشيعي الشيخ محمد جواد مغنية نفسه كان قد كتب الفقه على المذاهب الخمسة، وهو دليل على إمكانية التعايش والتفاهم الفقهي.
لم تتوقف رحلتي عند هذا الحد، بل حلّقت أجنحتي بشكل أكبر تجاه الديانات الأخرى.
كان حواري مع أستاذ مقارنة الأديان المسيحي الدكتور يوسف قدو نافذة جديدة ومشرقة نحو فهم المسيحية بعمق أكبر. (تجدر الإشارة إلى أن اهتمامي بالكتاب المقدس سابق لهذه المرحلة ويرجع لمرحلة الصبا، ومحركه أيضًا هو السؤال النهم وطلب المعرفة غير المتوقف). ثم حلّقت بشكل أوسع نحو فلسفة الشرق وعمق إنجيل التاو، لأكتشف نقاط التقاء إنسانية وفكرية لا حصر لها.
باختصار، كنت أبحث عن الإنسان الحقيقي في كل تلك البساتين الفكرية والروحية، فإذا به داخلي. ولقد وصلت إلى خلاصة، ربما تكون مؤقتة وقابلة للتطور، وهي أن البشرية إن قدمت الإنسان أولًا وقيمته الجوهرية قبل النصوص والاختلافات والأديان، فقد استفاقت واستعادت رشدها. أما إن ظل الإنسان مجرد وقود للنصوص الجافة وأطماع السيطرة والتحكم، فستظل الإنسانية فاقدة لبوصلة العودة إلى الاتصال بالنور الأزلي الذي خُلقنا منه جميعًا.
هذه ليست نهاية الرحلة، بل هي محطة تأمل في مسار البحث المستمر عن الحقيقة والإنسانية. هل تتفق معي في هذه الخلاصة، أم أن لديك رؤية مختلفة؟!
من حقك أن تختلف بل طبيعي أن يكون لك طريقك لكن دون كراهية أو إكراه وأتمنى أن يكون طريقك الذي اخترت لا أن تكون مجرد قطعة شطرنج.
سلام في محبة النور ونور المحبة
مشاركة
مواضيع مقترحة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام