مساحة إعلانية

مسجد داخل حديقة كنيسة في جورجيا....قصة جامع جورجيا

عاطف عبدالعزيز عتمان سبتمبر 09, 2023

 



مسجد داخل حديقة كنيسة في جورجيا.. نقلا عن الدكتور محمد حبش أستاذ الفقه الإسلامي وداعية إخاء الأديان..طوبى للغرباء
--------
في مبادرة فريدة في الإخاء بين الأديان قامت الكنيسة المعمدانية في جورجيا ببناء مسجد إسلامي في حديقة الكنيسة وخصصته ليكون مسجداً للمسلمين...
وقد تم البناء على نمط المساجد الأيوبية في دمشق، بمحراب حجري جميل، وتراصف حجري متتابع على عشرة مراحل تحكي خصال الفطرة العشرة، وأقامت سلسلة محاريب جدارية على النمط العثماني، وأضافت إليه مرافق الوضوء والطهارة، وملحقاً مكشوفاً لاستخدامه يوم الجمعة...

قصة جامع جورجيا

تعرفت إلى مالخاز قبل عامين واستمعت إليه كأكاديمي جورجي عميق، كأنما كان قادماً من ركام مخطوطات شستربتي العتيقة، وعلى الرغم من حاجبيه المتهدلين ولحيته الطويلة التي لا نهاية لها ولباسه الإكليروسي الأرثوذكسي فإنه كان مفعماً بروح الشباب وكان يتناول قضاياه بمنطق أكاديمي عميق، وكأنه يقرأ مباشرة من نقد العقل المحض لأمانويل كانط أو من رسالة التسامح لفولتيير، وأدهشني حجم التقارب بين تفكيري وتفكيره، وبالفعل تقدمت إليه وتعارفنا وخلال عشر ثوان أصبحنا صديقين!
عرفت فيما بعد أنه ليس مجرد أستاذ جامعي بل هو أسقف الكنيسة المعمدانية في جورجيا، وكان ذلك مهماً لي بشكل كبير، فجورجيا بلد راسخ في المسيحية، ولها تاريخ طويل في الصراع مع الشمال الروسي والشرق العثماني والجنوب الإيراني، ولكنها ظلت دولة مسيحية متشددة، ومع أن ثلاثة وعشرين دولة أوربية تضع الصليب على علمها ولكن جورجيا زرعت على صفحة علمها خمسة صلبان ظاهرين في هوية واضحة لا نقاش فيها!
ومع أن جورجيا عرفت الإسلام أيام الأمويين، ولكن الفاتحين لم ينجحوا في نشر الإسلام وظل 85% من السكان على العقيدة الأرثوذكسية المتشددة، وقد ارتبط الإسلام في أذهانهم بحروب السلاجقة ثم الصفويين والنزاع المذهبي الطاحن، ثم الاحتلال المغولي 1250م الذي استمر قرابة قرنين حتى خرج بحروب طاحنة أيام إيفان الثالث 1453م، وبشكل تلقائي صارت جورجيا معبراً وممراً للجيوش المتحاربة بين روسيا القيصرية والدولة العثمانية إلى أن احتلتها روسيا بالكامل 1810م وظلت كذلك إلى انهيار الاتحاد السوفياتي، ثم قامت روسيا من جديد بشن حرب عليها مرتين 1993و2008 وتم اقتطاع أفخازيا التي نسميها في سوريا الأباظة مثل ما جرى في أوكرانيا اليوم.
ونتيجة الحروب الطاحنة تنامت الاسلاموفوبيا في تبليسي، وخلال الحكم السوفياتي تم تحطيم المساجد بالكامل إلا مسجداً واحداً يعود للقرن الرابع عشر، وفيه اليوم محرابان اثنان، علمنا من الناس أنه قرار السوفيات لإرضاء السنة والشيعة!
قلت له مراراً يا أخ ملخاز.. 
أنا قلق على واقع المساجد في تبليبسي!! 
أين التسامح؟ 
وكان يشاركني هذا القلق، وبدأ أنه يعاني كما نعاني أيضا فالرجل لا يمثل الاكثرية الارثوذكسية، وعلمت فيما بعد أنه يصنف مارقاً!!! وهكذا تقع الطيور على أشكالها!!
وحين رتبنا لهذه الزيارة كان يقول لي ستسمع خبراً ساراً في تبليسي...
على باب الكنيسة كان ملخاز بانتظارنا وقد عانقني بحرارة، ودخلنا معاً إلى الكنيسة التي بنيت حديثاً بروح عتيقة، كأنما تروي أحجارها التاريخ، كنيسة كسائر الكنائس مذبح وصلبان وشمعدان والمدهش أنها تضم أيقونات كبيرة وهو أمر غير مقبول في الكنائس البروتستانتية، ولكن يبدو أن كل شيء هنا يحمل رسالة ما، وظل ملخاز ينظر إلي بعينين ماكرتين ويقول لديك خبر سار...
قال لي هل زرت مسجد تبليسي؟ 
قلت له نعم، وقد تأسفت أن مدينة كبيرة بحجم تبليسي ليس فيها إلا مسجد واحد!!
قال لي لا تقلق .. لقد صاروا اثنين، وفتح لي باباً خشبياً بينما راح يخلع نعليه ويدخل حافياً قبلي وهو يقول بالعربية بسم الله الرحمن الرحيم!
كان بالفعل حجرة كبيرة تتسع لنحو أربعين مصلياً وحوله فناء يتسع لمائة آخرين، وقد نصب في صدره محراب حجري جميل يحكي التاريخ وقد فرشت الأرض بسجاد المساجد بصفوف مائلة قليلاً حتى توافق القبلة إلى الكعبة المشرفة!
قال لي هذه أول صلاة تقام في المسجد الجديد، وقد أبلغنا المجلس الإسلامي في جورجيا، الذي أرسل خطاباً ضافياً بشكر الكنيسة على هذه المبادرة الجميلة، وقبوله بحبور شرف خدمة المسجد ورعايته!! 
وقد علق ملخاز خطاب المجلس الإسلامي على جدار المسجد.
بالفعل كان كل شيء يسبح لله في هذه البقعة الجميلة، وشدني المحراب على الفور وبدأ كأنه يشقق تحناناً للساجدين!!... 
ودمعت عيناي وقلت لملخاز سأصلي ركعتين.. وبتواضع صوفي نقشبندي هز رأسه وجنبيه وتمتم بكلمات جورجية فهمت منها: شرفوا يا مولانا البيت بيت الله!!!..

حين وقفت في المحراب فوجئت به وقد اقتدى بي.. وشعرت روحي بإشراق المسيح وطهارة العذراء، وصليت ركعتين بقراءة جهرية عذبة ردد المحراب صداها، فيها آيات المساجد من سورة النور في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله...
كانت المفاجأة أنني أنهيت الركعتين وسلمت، ولكن ملخاز لم يسلّم واستأنف الصلاة حتى أتمها أربعاً!! 
يحسن قيامها وركوعها وسجوها كأحسن ما يصلي الناسك!! 
واذا ركع هصر ظهره حتى لو صب عليه ماء لركد!! 
ثم التفت إلي مبتسماً وقال أعرف أنك مسافر ولك أن تقصر الصلاة .. ولكننا مقيمون ولا بد من أربع!!!
مشاركة
مواضيع مقترحة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام