[هذه المقالة ربما تكون آخر ما كتبه جودت سعيد، وهي مؤرخة في 20 آب 2017، وقد كتبها مقدمة للكتاب الإيطالي الذي يتناول جانباً من فكره، وهي غير منشورة بالعربية سابقاً]
تم توجيه تهمة "الفساد وسفك الدماء" لهذا الكائن الجديد الذي وصفه الله بأنه "خليفة" بحسب القصة الواردة في القرآن.
موت الحرب أو العيش في الزمن المنسوخ
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى والآمرين بالقسط من الناس..قبل خلق الإنسان وفي الحوار الذي دار لما كان الإنسان لا يزال مشروعاً نظرياً، تعجبت الملائكة من الفكرة، وتوقعت أن وضع إنسان على الأرض سيفضي إلى عالم كالذي نعيش فيه حالياً، فاتهمت المخلوق المفترض بأنه: سيفسد في الأرض وسيسفك الدماء.تم توجيه تهمة "الفساد وسفك الدماء" لهذا الكائن الجديد الذي وصفه الله بأنه "خليفة" بحسب القصة الواردة في القرآن.
لم تتحدث الملائكة عن تهم أخرى كالكفر بالله واليوم الآخر، ولو كان هناك ذنب سيرتكبه الإنسان أكبر من "الفساد وسفك الدماء" لإدانته لاتهموه به.
هذه إشارة إلى أن مشكلة "الفساد" و"سفك الدماء" هي أهم المشكلات.
هذه إشارة إلى أن مشكلة "الفساد" و"سفك الدماء" هي أهم المشكلات.
وفي الوصايا العشر ورد الفساد وسفك الدماء بصيغة: لا تسرق، لا تقتل.
وبحسب القرآن، فقد جاء جواب الله على هذا الاعتراض مفتوحاً بشكل عجيب، قال: [إني أعلم ما لا تعلمون]، وكأنه يقول إني أعلم عن هذا الإنسان غير الأشياء التي تعلمونها أنتم.
وبحسب القرآن، فقد جاء جواب الله على هذا الاعتراض مفتوحاً بشكل عجيب، قال: [إني أعلم ما لا تعلمون]، وكأنه يقول إني أعلم عن هذا الإنسان غير الأشياء التي تعلمونها أنتم.
أنا أعلم ما أعطيته من عقل، وهو سيتعلم كيف يخرج من الفساد وسفك الدماء.
في داخل هذا الجواب [إني أعلم ما لا تعلمون] أرى "موت الحرب" أو [حتى تضع الحرب أوزارها] (سورة محمد: آية 4)، فعندما ذكر الله في القرآن أحكام الأسر والرق، قال بعدها [حتى تضع الحرب أوزارها] وأفهم من ذلك أن هذه الأحكام سارية حتى تنتهي الحرب وتموت.
وبعد [إني أعلم ما لا تعلمون] مباشرة، يقول الله: [وعلم آدم الأسماء]، في إشارة إلى العلاقة بين المعرفة التي تتم باللغة وبالأسماء، وبين الخروج من توقعات الملائكة.
في داخل هذا الجواب [إني أعلم ما لا تعلمون] أرى "موت الحرب" أو [حتى تضع الحرب أوزارها] (سورة محمد: آية 4)، فعندما ذكر الله في القرآن أحكام الأسر والرق، قال بعدها [حتى تضع الحرب أوزارها] وأفهم من ذلك أن هذه الأحكام سارية حتى تنتهي الحرب وتموت.
وبعد [إني أعلم ما لا تعلمون] مباشرة، يقول الله: [وعلم آدم الأسماء]، في إشارة إلى العلاقة بين المعرفة التي تتم باللغة وبالأسماء، وبين الخروج من توقعات الملائكة.
الناس كانوا يعتمدون فيما سبق من الزمان وطوال عشرات آلاف السنين على الصيد في توفير غذائهم، فالصيد كان شيئاً ضرورياً من ناحية توفير الغذاء وكان من الضروري تطوير أساليب الصيد وأدواته، لكن وكما أشار المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي، ومع تطور البشر ما عاد من الممكن لهم أن يعيشوا على الصيد لتوفير احتياجاتهم من الغذاء، حتى الزراعة على الطريقة القديمة لم تكن لتنفع اليوم كي تسد احتياجات المليارات من البشر.
والأمر نفسه ينطبق على الحروب، التي كان لها بداية خلق، مع اكتشاف الزراعة وانقسام البشر ما بين الجماعات المرتحلة وجماعات الحضر، وصارت المحاصيل والسلع التي تتوافر في مناطق الحضر هدفاً للغارات والغزوات، فولدت الحرب بين الطرفين.
اليوم، لم تعد الحرب من الوسائل التي تحل بواسطتها النزاعات، وأنا أعتبر أن الشباب الذين يرسلون إلى الحروب ليتقاتلوا بأنهم مثل القرابين البشرية التي كان القدماء يتقربون بها إلى آلهتهم، وقبل نحو عشرة أعوام قلت على قناة الجزيرة، لما سألوني عن الجهاد والقتال قلت: "الحرب ماتت".
الحرب ماتت مع اختراع القنبلة النووية، ولا يمارس الحرب اليوم إلا الجهلة والخبثاء الذين يستغلون جهل الجاهلين، أما العقلاء فيحلون مشاكلهم بالعلم والعقل والعدل الإحسان.
رغم أن الحرب مستعرة في أماكن كثيرة، لكن نقول "الحرب ماتت"، ونقصد أنه لم يعد لها دور في حل الأزمات والمشاكل التي يسعى البشر لحلها بالحرب، وأنها "نُسخت" كما نسخت الخيل والبغال والحمير، وكما نسخ الصيد، "نسخت" كما نسخ السيف، وخرجت من دائرة الخيارات والوسائل المعقولة لتحقيق الأهداف.
لقد وضعت الحرب أوزارها [حتى تضع الحرب أوزارها]، وكل الذين يلجؤون للسلاح من أجل تحقيق أهدافهم؛ فإنهم يسلمون رقابهم ويضعون مصيرهم في يد "الخبثاء" الذين ينتجون السلاح ويبيعونه. إن تجار الأسلحة يفرحون بأن بعض البشر لا يزالون يعيشون في العصر المنسوخ ويؤمنون بجدوى بضاعتهم الميتة، ومقتنعون قناعة عميقة بأن حسم خلافاتهم بين بعضهم، وخلافاتهم مع الآخرين، غير ممكن إلا بواسطة تلك البضاعة، وأن هزائمهم وتخلفهم لم ينتج إلا عن نقص ما لديهم منها، وبفضل هذا الإيمان العميق والقناعة الجازمة بات من يسمونهم "الأعداء" يمسكون بمصيرهم، وينصرون من يكون انتصاره في مصلحتهم أو يتركون الطرفين حتى يفني كل منهما الآخر. وكل الحروب التي جرت بعد الحرب العالمية الثانية، دليل على ذلك.
العالم الإسلامي عالم مريض بكل معنى المرض.
إن العقلية الأسطورية هي التي تقتل الناس في سورية واليمن والعراق وليبيا والأفغان ومن قبل في الجزائر وإيران ولبنان.
العالم الإسلامي بحاجة إلى دخول العالم الجديد وفهمه، لكنهم إلى الآن يشترون من الغرب أسلحته التي فات أوانها [بما فيها القنبلة النووية، التي ولدت ميتة واستخدمت لمرة واحدة، وأقول بأنها لن تستخدم مرة أخرى].
إن تجار الأسلحة يتعاملون مع زبائنهم مثل الذي يبيع الخرز الأزرق للناس ليعلقوه في رقاب أبنائهم فلا يصابوا بالعين.
إن الإيمان بالقوة يسد أمامنا كل الطرق المتاحة للبحث عن الحلول. لهذا وبحسب المعرفة الأسطورية التي يعيشها العالم الإسلامي يبدو شراء السلاح للاقتتال وكأنه الخيار الوحيد.
إن المشاكل المعاصرة لها جذور عميقة في الزمن المنسوخ، لكن ثقافتنا لا تستطيع حل تلك المشاكل، فإيجاد الحلول يتم بالعلم، بالمعرفة. وبدل نشر العلم والمعرفة، يتم إنفاق مئات المليارات التي كان يمكن أن تنفق على العلم والمعرفة في شراء الأسلحة.
يا له من تناقض!
إن الإيمان بالقوة يسد أمامنا كل الطرق المتاحة للبحث عن الحلول. لهذا وبحسب المعرفة الأسطورية التي يعيشها العالم الإسلامي يبدو شراء السلاح للاقتتال وكأنه الخيار الوحيد.
إن المشاكل المعاصرة لها جذور عميقة في الزمن المنسوخ، لكن ثقافتنا لا تستطيع حل تلك المشاكل، فإيجاد الحلول يتم بالعلم، بالمعرفة. وبدل نشر العلم والمعرفة، يتم إنفاق مئات المليارات التي كان يمكن أن تنفق على العلم والمعرفة في شراء الأسلحة.
يا له من تناقض!
من الذي يستطيع كشف المرض الإنساني… الغربي.. الشرقي…؟
هل يمكن أن نفهم؟
أقول أحياناً، إن هذا العالم الذي نعيش فيه مسحور، لكن فك السحر ليس في حاجة إلى حرب، بل في حاجة إلى معرفة.
هل يمكن أن نفهم؟
أقول أحياناً، إن هذا العالم الذي نعيش فيه مسحور، لكن فك السحر ليس في حاجة إلى حرب، بل في حاجة إلى معرفة.
قبل سنوات زارتني فتاة جامعية، قالوا لها أنها ربما تكون مسحورة، فجاءت تسألني عن السحر هل هو حقيقة أم خيال؟!
قلت: "طبعاً حقيقة… ألا ترين العالم العربي والإسلامي كيف هم مسحورين يظنون أن الأسلحة التي يشترونها من أعدائهم يمكن أن تنصرهم…".
إن شراء الأسلحة مثل شراء الأصنام التي كانت تباع وتشترى في الجاهلية، نعم… أدوات الحرب هي أصنام هذا العصر.
نعم، الحرب المجنونة بين إيران والعراق استمرت 8 سنوات، وأكثر من 30 دولة باعت السلاح للطرفين، وانتهت كما بدأت لكن بعد سقوط ملايين الشباب قتلى وجرحى ومصابين… ليوقع الخميني على وقف إطلاق النار ويصف ذلك بأنه كالذي يشرب السم.
نعم، الحرب المجنونة بين إيران والعراق استمرت 8 سنوات، وأكثر من 30 دولة باعت السلاح للطرفين، وانتهت كما بدأت لكن بعد سقوط ملايين الشباب قتلى وجرحى ومصابين… ليوقع الخميني على وقف إطلاق النار ويصف ذلك بأنه كالذي يشرب السم.
هذه أحداث بحاجة لأعين تبصر وآذان تسمع وقلوب تعقل، لكن الناس لا يعرفون لها تأويلاً بعد.
فما معنى القنبلة النووية، وما معنى سقوط الاتحاد السوفييتي الذي كان عنده من القنابل النووية ما يمكنه أن يدمر العالم 30 مرة؟
فما معنى القنبلة النووية، وما معنى سقوط الاتحاد السوفييتي الذي كان عنده من القنابل النووية ما يمكنه أن يدمر العالم 30 مرة؟
وما معنى نهضة اليابان بدون قنبلة نووية؟
وما معنى فشل الباكستان أيضاً رغم رؤوسها النووية التي لم تنفعها بشيء؟!
هل نحتاج لمزيد من الأدلة؟ [وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون].(43:48).
كيف يمكن تأويل وتقريب كل هذه الأحداث إلى الناس وفهمها والاستفادة من أحسنها وتجنب سيئاتها، كل هذه الأحداث هي "آيات" مثل الآيات التي وعد الله.
العالم الإسلامي يعيش وضعاً مأساوياً، زعاماتهم تملك رقابهم، والشعوب الجاهلة مستعبدة، وهم يدفعون ضريبة الجهل، لأنهم لا يعرفون التاريخ، والإيرانيون أيضاً.. إنهم لم يستفيدوا من أفكار علي شريعتي، الذي تحدث عن "القابلية للاستحمار"، ويخافون من أفكاره ولا يريدون أن ينشروها، وهم منهمكون في تطوير ترسانتهم العسكرية، وإذا أرادوا أن يصنعوا قنبلة نووية فهم مخطئون، القنبلة النووية ولدت ميتة ولا يمكن استخدماها. الذين صنعوها لم تحمهم [الاتحاد السوفييتي]، والذين ألقيت عليهم لم يمنعهم ذلك من أن يصيروا قوة عظمى [اليابان] من دون حرب ومن دون أن يصنعوا قنبلة نووية.
كيف يمكن تأويل وتقريب كل هذه الأحداث إلى الناس وفهمها والاستفادة من أحسنها وتجنب سيئاتها، كل هذه الأحداث هي "آيات" مثل الآيات التي وعد الله.
العالم الإسلامي يعيش وضعاً مأساوياً، زعاماتهم تملك رقابهم، والشعوب الجاهلة مستعبدة، وهم يدفعون ضريبة الجهل، لأنهم لا يعرفون التاريخ، والإيرانيون أيضاً.. إنهم لم يستفيدوا من أفكار علي شريعتي، الذي تحدث عن "القابلية للاستحمار"، ويخافون من أفكاره ولا يريدون أن ينشروها، وهم منهمكون في تطوير ترسانتهم العسكرية، وإذا أرادوا أن يصنعوا قنبلة نووية فهم مخطئون، القنبلة النووية ولدت ميتة ولا يمكن استخدماها. الذين صنعوها لم تحمهم [الاتحاد السوفييتي]، والذين ألقيت عليهم لم يمنعهم ذلك من أن يصيروا قوة عظمى [اليابان] من دون حرب ومن دون أن يصنعوا قنبلة نووية.
بدل الصراع والتسابق النووي والعسكري والاستخباراتي الأفضل للسعودية ولإيران أن يرسخوا الرشد والديمقراطية، ويبنوا المدارس والجامعات ومراكز للبحث العلمي وإعادة دراسة التراث ونقده، وفهم الدين كعلم.
الديمقراطية هي المخلوق الجديد الذي أضيف إلى تاريخ الإنسان، وهي نتيجة انقلاب اجتماعي كبير حصل ونحن ليس عندنا خبر.
لقد حدث في التاريخ الإنساني انقلابان كبيران: انقلاب فلكي وانقلاب اجتماعي.
الانقلاب الفلكي: الأرض كانت في نظر الناس كبيرة ولا نهاية لها، وظن البشر طوال آلاف السنين أنها مركز الكون، وأن الشمس التي تبدو بحجم رأس الإنسان، هي التي تركض حولنا مع سائر النجوم، هكذا توهم الناس، والقرآن يقول: {لو اتبع الحق أهواءهم، لفسدت السموات والأرض}. لو أن الكون كان سيسير وفق تخيلات البشر لفسدت السماوات الأرض، فلا يمكن للمجرات والنجوم أن تدور حول الأرض خلال 24 ساعة.
لكن الإنسان كشف أن هذا التصور خاطئ، وأن الأرض ليست سوى كوكب صغير، وليست مركز الكون بل أنها تدور حول نفسها وحول الشمس التي هي الأخرى ليست سوى نجم صغير، وهباءة في مجرة درب التبانة، وأن مجرتنا واحدة من ملايين المجرات…
الناس الذين سبقونا كانوا مثلنا تماماً، لكنهم خيل لهم من سحرهم أن الشمس تسعى، وكانوا مستعدين لقتل من يقول عكس ما تراه أعينهم، فلاحقوا غاليلو حتى تراجع عن نظريته، فيما تم إعدام جيوردانو برونو حرقاً سنة 1600 ميلادية. هذه قصة الانقلاب الفلكي.
الديمقراطية هي المخلوق الجديد الذي أضيف إلى تاريخ الإنسان، وهي نتيجة انقلاب اجتماعي كبير حصل ونحن ليس عندنا خبر.
لقد حدث في التاريخ الإنساني انقلابان كبيران: انقلاب فلكي وانقلاب اجتماعي.
الانقلاب الفلكي: الأرض كانت في نظر الناس كبيرة ولا نهاية لها، وظن البشر طوال آلاف السنين أنها مركز الكون، وأن الشمس التي تبدو بحجم رأس الإنسان، هي التي تركض حولنا مع سائر النجوم، هكذا توهم الناس، والقرآن يقول: {لو اتبع الحق أهواءهم، لفسدت السموات والأرض}. لو أن الكون كان سيسير وفق تخيلات البشر لفسدت السماوات الأرض، فلا يمكن للمجرات والنجوم أن تدور حول الأرض خلال 24 ساعة.
لكن الإنسان كشف أن هذا التصور خاطئ، وأن الأرض ليست سوى كوكب صغير، وليست مركز الكون بل أنها تدور حول نفسها وحول الشمس التي هي الأخرى ليست سوى نجم صغير، وهباءة في مجرة درب التبانة، وأن مجرتنا واحدة من ملايين المجرات…
الناس الذين سبقونا كانوا مثلنا تماماً، لكنهم خيل لهم من سحرهم أن الشمس تسعى، وكانوا مستعدين لقتل من يقول عكس ما تراه أعينهم، فلاحقوا غاليلو حتى تراجع عن نظريته، فيما تم إعدام جيوردانو برونو حرقاً سنة 1600 ميلادية. هذه قصة الانقلاب الفلكي.
أما الانقلاب الاجتماعي: هذا الانقلاب أصعب، وكشفه يحتاج إلى بصر، فالملوك كانوا كباراً ولا حدود لملكهم، مثل فرعون الذي [حشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى] (79:24). ، وقال: [لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين] (26: 29)، وقال: [آمنتم له قبل أن آذن لكم؟!] (7: 123) بدون إذني لا يجوز لك أن تغير رأيك.
هكذا كان حال الملوك، سلطة كبيرة ضخمة بلا حدود، أما الشعوب فكانت صغيرة حقيرة لا قيمة لها، ولا أهمية لرأيها، الانقلاب الاجتماعي أعاد الملوك إلى حجمهم، وأصبحوا رموزاً بلا صلاحيات، والسياسيون ينتخبون لفترة محدودة ثم يغادرون، أما القوة فعادت للشعوب.
إن الديمقراطية هي الاحتكام إلى الإقناع بدل الإكراه، ولا يمكن للديمقراطية أن تدخل إلى بلد ما لم يعلن جميع الفرقاء بأنهم لا يلجؤون إلى العنف بل يتحاكموا إلى صندوق الانتخابات.
والآن لا يمكن للعالم أن يدخل عصر الرشد ويخرج من العصر المنسوخ، ما لم تعلن كل الدول بأنهم لا يلجؤون إلى القوة والحرب في حل النزاعات بل يتحاكمون إلى القانون.
إن الإنسان له طبيعة خاصة، بإقناعه يعطيك روحه وماله، أما بإكراهه فيصير منافقاً غداراً، لما يصير قويا يقتلك وينتقم، والعالم هكذا الآن، كل الذين يحتفظون بالقنبلة النووية هم ضد الإنسانية، وكذلك الذين يتلمظون للحصول عليها.
والقرآن يقول: [إنما المشركون نجس]، والشرك هو أن تعمل ضد قانون الله في الكون وفي الإنسان، في الآفاق وفي الأنفس. لكن نتائج العمل ضد قانون الله وخيمة، لا يمكن العمل ضد قانون الكهرباء، لأنه لن يرحمك، كأن تقول أريد أن ألمس الكهرباء بدون عازل!! عندها ستتعرض للصعق سواء كنت مسلماً أو مسيحياً أو بوذياً أو عبثياً.
أول سورة نزلت على محمد (ص) في القرآن بدأت بكلمة [اقرأ] وآخر السورة [لا تطعه واسجد..] (96: 19) إنها الوصفة العملية لنجاح الانقلاب الاجتماعي، بالمعرفة والعلم، واعتماد قاعدة العصيان وعدم الطاعة عندما نؤمر بما يخالف قوانين الكون والإنسان.
هذا ما يجب أن نعمل على توضيحه وتكريسه وترشيده، وليس إنتاج المزيد من الحروب، وإرسال المزيد من الشباب إلى ساحات الموت ليصيروا قرابين بشرية، مع خسائر في الأموال.
إن نظام العالم يكرّس شريعة الغاب، إنه مفروض بالقوة وبنتائج الحرب العالمية الثانية، والأمم المتحدة، رغم أهميتها، فهي كالمشفى غير المعقم، وباتت وكراً لتجارة السلاح ومعبداً للقوة، وورقة لا تستر عورة الحضارة المعاصرة بل تفضحها.
الأعضاء الدائمون، أصحاب حق الفيتو، بالإضافة إلى ألمانيا، مسؤولون عن 70% من تجارة السلاح في العالم، فكيف يمكن تأسيس "مجلس أمن" من تجار السلاح؟ كيف يمكن أن ندعو إلى حقوق الإنسان والديمقراطية، ونقر في الوقت ذاته "بحق الفيتو" المناقض للديمقراطية، والمضاد لحقوق الإنسان، الفيتو هو شكل من أشكال العنصرية ومعيق لنمو العالم.
إن التحديات التي تواجه البشر كثيرة، هناك أزمة البيئة والمناخ، أزمة الغذاء، أزمة الاقتصاد، أزمة التعايش في عالم يستهلك خُمس سكانه أربعة أخماس الإنتاج، فيما تتراجع حصة الخمس الأفقر إلى أقل من 1.4% من إنتاج العالم، إضافة إلى النزاعات والحروب المختلفة، كل هذه الأزمات لها منشأ واحد هو "عقول الناس" والأفكار التي فيها.
القرآن يأمرنا: "سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين" (3: 137)، و"اعتبروا يا أولي الأبصار" (59: 2)، لأننا إذا لم نعتبر بما جرى لمن سبقونا، سنضطر لدفع ضريبة ذلك، وإذا لم نعتبر بما جرى للحضارات السالفة، وإذا لم نواجه الأزمات المعاصرة وأزمات العدل والظلم، وإذا ظل المجرمون يتمتعون بالحماية في ظل حق الفيتو، واستمرت انتهاكات حقوق الإنسان حول العالم، واستمر الإسراف في الموارد وتلويث البيئة وتكريس الثقافة الاستهلاكية؛ فإن عواقب كل ذلك لن تتأخر.
إنني أضم صوتي إلى دعوة الأنبياء، والذين يأمرون بالقسط من الناس، نداء لكي لا يكون أحد فوق القانون، فهذا هو الشرك، وهو الذنب الذي لا يغتفر، وهو الظلم العظيم الذي يحبط كل الأعمال ولا تنفع معه بقية الطاعات، وهو المنتج لكل مآسي التاريخ.
إن الإنسان له طبيعة خاصة، بإقناعه يعطيك روحه وماله، أما بإكراهه فيصير منافقاً غداراً، لما يصير قويا يقتلك وينتقم، والعالم هكذا الآن، كل الذين يحتفظون بالقنبلة النووية هم ضد الإنسانية، وكذلك الذين يتلمظون للحصول عليها.
والقرآن يقول: [إنما المشركون نجس]، والشرك هو أن تعمل ضد قانون الله في الكون وفي الإنسان، في الآفاق وفي الأنفس. لكن نتائج العمل ضد قانون الله وخيمة، لا يمكن العمل ضد قانون الكهرباء، لأنه لن يرحمك، كأن تقول أريد أن ألمس الكهرباء بدون عازل!! عندها ستتعرض للصعق سواء كنت مسلماً أو مسيحياً أو بوذياً أو عبثياً.
أول سورة نزلت على محمد (ص) في القرآن بدأت بكلمة [اقرأ] وآخر السورة [لا تطعه واسجد..] (96: 19) إنها الوصفة العملية لنجاح الانقلاب الاجتماعي، بالمعرفة والعلم، واعتماد قاعدة العصيان وعدم الطاعة عندما نؤمر بما يخالف قوانين الكون والإنسان.
هذا ما يجب أن نعمل على توضيحه وتكريسه وترشيده، وليس إنتاج المزيد من الحروب، وإرسال المزيد من الشباب إلى ساحات الموت ليصيروا قرابين بشرية، مع خسائر في الأموال.
إن نظام العالم يكرّس شريعة الغاب، إنه مفروض بالقوة وبنتائج الحرب العالمية الثانية، والأمم المتحدة، رغم أهميتها، فهي كالمشفى غير المعقم، وباتت وكراً لتجارة السلاح ومعبداً للقوة، وورقة لا تستر عورة الحضارة المعاصرة بل تفضحها.
الأعضاء الدائمون، أصحاب حق الفيتو، بالإضافة إلى ألمانيا، مسؤولون عن 70% من تجارة السلاح في العالم، فكيف يمكن تأسيس "مجلس أمن" من تجار السلاح؟ كيف يمكن أن ندعو إلى حقوق الإنسان والديمقراطية، ونقر في الوقت ذاته "بحق الفيتو" المناقض للديمقراطية، والمضاد لحقوق الإنسان، الفيتو هو شكل من أشكال العنصرية ومعيق لنمو العالم.
إن التحديات التي تواجه البشر كثيرة، هناك أزمة البيئة والمناخ، أزمة الغذاء، أزمة الاقتصاد، أزمة التعايش في عالم يستهلك خُمس سكانه أربعة أخماس الإنتاج، فيما تتراجع حصة الخمس الأفقر إلى أقل من 1.4% من إنتاج العالم، إضافة إلى النزاعات والحروب المختلفة، كل هذه الأزمات لها منشأ واحد هو "عقول الناس" والأفكار التي فيها.
القرآن يأمرنا: "سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين" (3: 137)، و"اعتبروا يا أولي الأبصار" (59: 2)، لأننا إذا لم نعتبر بما جرى لمن سبقونا، سنضطر لدفع ضريبة ذلك، وإذا لم نعتبر بما جرى للحضارات السالفة، وإذا لم نواجه الأزمات المعاصرة وأزمات العدل والظلم، وإذا ظل المجرمون يتمتعون بالحماية في ظل حق الفيتو، واستمرت انتهاكات حقوق الإنسان حول العالم، واستمر الإسراف في الموارد وتلويث البيئة وتكريس الثقافة الاستهلاكية؛ فإن عواقب كل ذلك لن تتأخر.
إنني أضم صوتي إلى دعوة الأنبياء، والذين يأمرون بالقسط من الناس، نداء لكي لا يكون أحد فوق القانون، فهذا هو الشرك، وهو الذنب الذي لا يغتفر، وهو الظلم العظيم الذي يحبط كل الأعمال ولا تنفع معه بقية الطاعات، وهو المنتج لكل مآسي التاريخ.
[قل يا أهل الكتاب، تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، ألا نعبد الإ الله، ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضا أرباباً من دون الله] (3: 64)،
هذا هو معنى التوحيد، توحيد الله أن لا يكون هناك أرباب بين البشر، توحيد الله ليس مسألة ميتافيزيقية ما ورائية، بل مسألة اجتماعية سياسية، خلاصتها "أن لا يكون أحد فوق القانون".
لا بد من تجديد العالم وتجديد مبادئه، لتقوم على العلم والمعارف الحديثة وحقوق الإنسان وكرامته والمساواة بين البشر، وبعد الاستفادة من عبر التاريخ والخروج من العصر القديم المنسوخ القائم على الغزو والسلب والنهب.
إن مبادئ العسكر والقوة وشريعة الغاب لا يمكنها أن تنتج إلا عالماً عاجزاً كالذي نراه، الكلمة فيه للقوة، يسوده الظلم ويحكمه حق الفيتو (الميراث الروماني الذي لا صلة له بالحداثة)، والذي يشكل انتهاكاً مستمراً لمبادئ حقوق الإنسان، ورصيداً لكل الطواغيت الصغار في العالم الثالث.
البعض ينزعج من تشبيه ضحايا الحروب اليوم بالقرابين البشرية التي كانت تقدم في العهود القديمة المنسوخة، لكن يجب أن نتذكر بأن الأقدمين أيضاً كانوا يزينون لأنفسهم أعمالهم، ويعتبرون أن تقديم الضحايا الكثيرة العدد وإخراج قلوبها وهي تنبض وتقديمها للشمس، هي طقوس مقدسة تحمي من الكوارث وترضي الآلهة. إن حروبنا اليوم مثل تلك القرابين، ولا فائدة منها ولا عبرة إلا أن لا نعيدها، ومن لم يكتف ولم يصدق أن الحروب لم تعد تنتج إلا الخسران فسوف يكرر المآسي.
يا ناس،
يا عالم،
يا بشر...
الله لا يريد ذبائح.
الله رحمن رحيم.
جودت سعيد
إسطنبول
20 آب، 2017
لا بد من تجديد العالم وتجديد مبادئه، لتقوم على العلم والمعارف الحديثة وحقوق الإنسان وكرامته والمساواة بين البشر، وبعد الاستفادة من عبر التاريخ والخروج من العصر القديم المنسوخ القائم على الغزو والسلب والنهب.
إن مبادئ العسكر والقوة وشريعة الغاب لا يمكنها أن تنتج إلا عالماً عاجزاً كالذي نراه، الكلمة فيه للقوة، يسوده الظلم ويحكمه حق الفيتو (الميراث الروماني الذي لا صلة له بالحداثة)، والذي يشكل انتهاكاً مستمراً لمبادئ حقوق الإنسان، ورصيداً لكل الطواغيت الصغار في العالم الثالث.
البعض ينزعج من تشبيه ضحايا الحروب اليوم بالقرابين البشرية التي كانت تقدم في العهود القديمة المنسوخة، لكن يجب أن نتذكر بأن الأقدمين أيضاً كانوا يزينون لأنفسهم أعمالهم، ويعتبرون أن تقديم الضحايا الكثيرة العدد وإخراج قلوبها وهي تنبض وتقديمها للشمس، هي طقوس مقدسة تحمي من الكوارث وترضي الآلهة. إن حروبنا اليوم مثل تلك القرابين، ولا فائدة منها ولا عبرة إلا أن لا نعيدها، ومن لم يكتف ولم يصدق أن الحروب لم تعد تنتج إلا الخسران فسوف يكرر المآسي.
يا ناس،
يا عالم،
يا بشر...
الله لا يريد ذبائح.
الله رحمن رحيم.
جودت سعيد
إسطنبول
20 آب، 2017
ليست هناك تعليقات: