لذا
فإن البشرية بحاجة لبشارة جديدة تبدو بعيدة في ظل غياب الأمارات ؛ففي الوقت الذي تنتظر
فيه البشرية عقلا أزكى ونفسا أطهر وبديلا متاسمحا أخلاقيا إنسانيا رحيما، يظن
المسلمون أن اللحية والجلباب والأذكار وقطع اليد وغزو البلاد والصراع هو سبيل
سعادة البشرية وما تحتاجه..
رحم
الله الدكتور نصر حامد أبوزيد وغفر الله لمن جعلوني يوما أفرح بظلمه على أنه نصر
لله ولدينه وكأن كتم صوت أبوزيد وتكفيره هو خلاص الأمة التي مازالت تنحدر دون أن
تقف أمام المرآة لترى الخلل ..
انتهى.
_________
كعادة
أستاذنا الدكتور عبدالباسط هيكل يمارس تسليط الضوء على المسكوت عنه بنشر جزء من
مقال للدكتور نصر حامد أبوزيد رحمه الله ....
العولمة
وإله السوق
"إن
وصف قوانين السوق في إطار " العولمة " بأنها قوانين يفرضها إله جديد
اسمه " السوق " ليس تعبيرا مجازيا من صياغتي الشخصية ، بقدر ما هو "
وصف "كاشف للمستور والمسكوت عنه في خطاب " العولمة " السياسي
والثقافي . في الخطاب السياسي بشرنا بعضهم – أعني " فوكوياما " – بنهاية
التاريخ وانتهاء عصر الإيديولوجيات . ومفهوم " نهاية التاريخ " مفهوم
ديني بامتياز ؛ بمعنى أن كل الأديان في مرحلة انبثاقها على الأقل تنطلق من الزعم
أنها البشارة الأخيرة بخلاص البشر من عذابهم ومعاناتهم ...
تطرح
" العولمة " نفسها سياسيا وثقافيا وحضاريا بوصفها " الدين " الأخير
، الدين الذي يمثل فيه " السوق " وشريعته الإله الجديد المسلح بأداة "
القوة " التي لا تقهر أبدا ، ويستحيل على البشر مقاومتها أو التفكير – مجرد
التفكير – في التصدي لجبروتها . إنها قوة قادرة على كل شيء ، فسلاحها المال والعلم
والسلاح ، إنها القوة التي تنتهك بسهولة فائقة كل الخصوصيات . أدوات هذا الدين
للسيطرة هي " حرية التجارة وتدفق المعلومات " ، ومواعظه هي : " الديمقراطية
" و " حقوق الإنسان " على المقاس الغربي الأمريكي بصفة خاصة ..
لقد
بات من الطبيعي ، وقد صارت " العولمة " دينا ، أن يسعى البشر لمقاومة
هذا" الدين " الجديد ، والتصدي للاهوته المضمر ، باستدعاء " الدين "
في كل الثقافات بلا استثناء ، حتى داخل المجتمعات التي صنعت " الحداثة "
. أليست الأديان التي جربتها البشرية خيرا ألف مرة من هذا الدين الجديد ، دين
العولمة ؟ إن " آلهة " الأديان التي عرفتها البشرية على امتداد تاريخها
الطويل ليست في قسوة وفظاظة إله " العولمة " – السوق – لأنها على الأقل
تجمع بين صفات القوة والقسوة و" الجلال " من جهة ، وبين صفات " الجمال
" والرحمة من جهة أخرى . على العكس من ذلك ليس في صفات إله العولمة جمال أو
رحمة ، إنه إله قُدَّ من قوانين صارمة للسيطرة صنعها الأقوياء ، إنه تجسيد سياسي
واجتماعي واقتصادي وثقافي لأسطورة مصاص الدماء " داركولا " مع فارق هو
أن مصاص الدماء في الأسطورة لا ينشط إلا ليلا ليتصيد ضحاياه ، بينما إله العولمة
نشط أبدا على مدى الأربع وعشرين ساعة " الكونية " ، حيث لا تمييز بين
ليل ونهار أو بين نوم ويقظة .
فارق
آخر لا بد من الإشارة إليه بين إله الأسطورة – مصاص الدماء – وبين مصاص الدماء
العيني " إله السوق " . كان مجرد تركيز حزمة من الضوء أو رفع علامة "
الصليب " كافيا لدفغ مصاص الدماء في الأسطورة للهرب . ولم يكن قتله يحتاج إلى
أكثر من دق وتد خشبي في صدره . مصاص " العولمة " ، على الجانب الآخر، لا
تخيفه كل أضواء العالم ولا تصيبه كل الصلبان بدوار ولو خفيف .
إن
مصاص الدماء الجديد هو صانع الأنوار ومنتج الصلبان فكيف يخاف منها ؟ أكثر من ذلك
إنه – إله العولمة – مثل سلفه قادر على إعادة إنتاج نفسه في أشكال وصيغ وملامح لا
تخلو من جاذبية . إنه " شيطان " لا تؤثر فيه التراتيل ولا عبارات
الاستعاذة ولا الآيات القرآنية . وهكذا تصبح دعوات " العودة إلى الدين "
في كل الثقافات – مسيحية ويهودية وإسلامية وبوذية وكونفوشيوسية . . إلخ – أشبه
بمحاولات استخدام " الصليب " أو تلاوة " التعاويذ " لمقاومة
شر الشيطان الجديد ، إله العولمة . إنها أسلحة قديمة تحصن الإله الجديد ضدها
مستوعبا إياها في بنية لاهوتية . وإذا كان للدين أن يلعب دورا في مواجهة لاهوت
العولمة المتوحش فلن يكون ذلك باستخدام الأسلحة الدينية التقليدية التي تقدم مزيدا
من المبررات لتعزيز ومقولات " الحرب على الإرهاب " و " صراع
الحضارات " و " نهاية التاريخ " ، بل بابتداع أسلحة جديدة تكشف
وحشية إله السوق والعولمة ، وتسهم في بناء حضارة تكون منارة جديدة للبشرية ، قادرة
على حل الصراعات واستيعاب التناقضات وهو ما لا يكون إلا باستيعاب المختلف . وإدراك
أن أسباب القوة وتحصين الذات لا يكون بالانغلاق على النفس ، بل يفتح أبواب العلم
والمعرفة والبحث ، وأبواب الحرية التي هي أساس القوة" .
نصر
حامد أبو زيد
اقتنوا الآن كتاب «صلاة الإنسانية» للكاتب الدكتور عاطف عبد العزيزمن خلال خدمة التوصيل المتاحة في كل أنحاء الجمهورية، والدفع عند الاستلام، من هنا:https://goo.gl/rQqyL6
اقرأ على واحة الأريام
واحة الأريام عاطف عبدالعزيز عتمان
ليست هناك تعليقات: