24/3/2015
الأنوية مصطلح ومفهوم حاول ترسيخه أستاذ علم الإجتماع الفذ الدكتور علي الوردي وهي شعور الإنسان بالأنا تجاه الآخرين وسعيه لرفعة شأنه بين الناس .
علي الوردي رحمه الله ربما لا يكون أنجب علماء الإجتماع ولا أكثرهم علما ولكن تفرده وتميزه وخلوده من وجهة نظري جاء من خلال بروز الأنا الفردية عنده وسيطرتها على الأنا الإجتماعية مما جعله متمرد صلب قوي الحجة وجعل السير في جنازة الوردي وتشييعه لمثواه الأخير مخاطرة لدى البعض ومكابرة لدى الأخر .
الفردي يتجاوز تفسيرات فرويد ويميل للنظرية الحديثة لكولي وميد -وهما من علماء الإجتماع الأمريكيين -
بأن الأنا محور الشخصية البشرية وهي أهم العوامل التي جعلت الإنسان حيوان إجتماعي .
قسم الوردي الأنا إلى أنا إجتماعية وأخرى فردية ، موجودة عند كل البشر من حيث النوع والتفاوت يكون في النسب والسيطرة لأي منهما ، ويرى أن الأنا الإجتماعية التي تجاري المجتمع هي التي ساعدت على قيام المجتمع البشري وتلك الأنا تسيطر على السواد الأعظم من البشر ولا تترك فرصة للأنا الفردية للظهور
أما الأنا الفردية فهي المتمردة ونفوذها وسيطرتها عند قلة قليلة من البشر ، وهي التي تساعد على التجديد والتطوير وتمرد تلك الأنا إما لأعلى فينتج التجديد والإصلاح والنهوض وإما لأسفل فينتج الإنحراف والإجرام والجنون .
وأقف هنا عند التمرد لأعلى والذي يتميز به النابغون والمصلحون والمجددون حيث يرى الوردي هنا أن كلا النوعين من الأنا قوية وهنا حالة الصراع تستعر بين الأنا الإجتماعية والأنا الفردية فهم يريدون المكانة الإجتماعية ومجاراة المجتمع لإكتساب وضع مميز وفي نفس الوقت التمرد على الموروث والقيم والمعتقدات المغلوطة .
قليل من القليل هم من تسيطر عندهم الأنا الفردية وتعلن تمردها بوضوح وتصبر على ما ستجنى من جراح والكثير ربما يميل للتوازن ووضع الأنا الإجتماعية في المقدمة وهذا لا ينفي حقيقة الصراع الداخلي الذي يعيشونه .
ربما التمرد على الساسة وأخطاؤهم وفضائحهم فيه من الخطورة ما فيه وشبح التعذيب أو الإعتقال أو حتى الإغتيال دائما ما يظل يطارد الأنا الفردية وخاصة في ظل الأنظمة الإستبدادية ، ولكن حسب ظني إن الأخطر والأكثر ألما هو التمرد على أخطاء المجتمع وعاداته وموروثاته وكلما إقتربت من المعتقدات الدينية المغلوطة نقدا زادت خطورة وشراسة المواجهة فأنت لن تواجه نظام حكم بأجهزته القمعية ، بل ستواجه مجتمع ينتفض ظنا أنه يحمى حمى الفضيلة ومع التفسيق والتكفير والتخوين والزندقة تجد أن رئتيك تضيق بالشهيق وكأنه يغضب لموروثاته هو الآخر وكلما زاد الجهل في المجتمع وتسلط رجال الدين والساسة المستبدين كانت المعركة طاحنة .
البعض يريد أن يجاري المجتمع ويكسب المكانة ثم يرغب أن يذكر في التاريخ ويكون من المؤثرين في مجراه ولا أظن بمقدور إنسان الجمع بين الأمرين فإما أو .
إننا في أمس الحاجة للمتمردين إلى أعلى ودعاة التجديد من منطلق نقد الموروث ونفض التراب عن أصالته وليس نقضه
إن الإنسانية جمعاء بحاجة للتمرد على الكراهية والصراعات وتحريف وتجريف الأديان وتقديس الموروث إننا بحاجة للتمرد على الذات وكسر أطرها الفكرية والإجتماعية والتحرر من قيودها وأن نسبح في رحاب الإنسانية نرى أنفسنا بعيون الآخر ومن خلاله ، إن شرنقة الموروث الإجتماعي والثقافي والبيئي والديني كفيلة بإشعال الأرض وإفناء الجنس البشري ، وعلى الذين يعانون من هذا الصراع الأنوي تحديد إتجاه البوصلة والإستعداد لحصاد نتيجة الإختيار وإلا ربما ينقضي العمر والصراع متأجج بين الضلوع حتى يفتك بها .
ما بين الأنا الإجتماعية والأنا الفردية تدور حرب طاحنة بين أضلعي أخشى أن لا تتركني إلا وأنا حطام
ليست هناك تعليقات: