مساحة إعلانية

د.عاطف عبدالعزيز عتمان يكتب ...أربعينيات -6- وماذا بعد ؟

عاطف عبدالعزيز عتمان مايو 31, 2017


في الأربعين ما زال السؤال قائما وماذا بعد؟
في عالمنا المتخلف تخلى الله عنا بعد أن تخلينا عنه وتخلينا عن الدين والدنيا على حد سواء، فالجسد هزيل مريض والبطن جائعة والعقل أكله الصدأ والقلب أوشك أن يغادره نبضه بعد أن أٌُفقد الحياء، حتى الذكورة غابت خلف الحبة الزرقاء وعزّ الرجال.

الأرض بوار وأوشكت أن تحل الحبة مكان السنبلة وما دفنوه في بطنها أفسد الأمس والغد على السواء والهواء أفسدته رائحة الدماء.
في القسم الآخر من العالم حضارة مادية رهيبة قامت على أنقاض التدين، ونور علمي بُني على أطلال القرون المظلمة وجسد قوي وعمر طويل وبطون تتلذذ وحتى البيضة أصبحت بصفارين!
قوة ورفاهية وتكنولوجيا ومتعة جسدية وأسلحة وتحكم في الأرض وفي الفضاء من قوى ظاهرة وأخرى خفية، ولكن هذه الحضارة المادية أو الجسدية الرهيبة لم تحل المعضلة وتجيب على السؤال وماذا بعد؟
حضارة مادية لا أخلاقية تقود العالم لدمار حتمي وأجساد تربت على عليق فاخر وفي النهاية تصبح وجبة أفضل للدود من أجسادنا التي أكلها وهي على سطح الأرض ويعاني الشقاء مع العظام منا بعد الموت.
هنا لا نفس زكينا ولا جسد ربينا وينطبق علينا المثل القائل خيبة الأمل راكبة جمل، وهناك تربية مادية رهيبة دون ضابط من ضمير أو وازع من دين مما يجعل هذا الجسد الضخم أداة لتدمير نفسه والآخرين ويتغذى على دمائهم ويتاجر بكل شيء، ومن أجل مزيد من التضخم يصدر لنا التضخم، ويظل السؤال وماذا بعد؟
أوراق اللعبة لم تعد بأيدينا وأصبحنا خارج الزمن بزمن ومازلنا نتصارع على الموت وهم يصدروه لنا في غفلة عن المسار الذي يدفعون العالم إليه.
القضية أكبر من معارضة أو أنظمة، فالمسرح لا يمثل فيه إسلاميينا بأحزابهم المتصارعة وليبراليينا وبقايا قوميينا بل وشعوبنا قبل حكوماتنا سوى دمى أخطر مصائبها أنها لا تدرك حجمها ولا ترى الخيوط التي تتحكم في حركتها، والمخطط يسير لتشويه ما تبقى من صورتنا وتحييد بقايا الضمير الإنساني حتى يصمت على إبادة ما تبقى من أشلاء عاجزة منا، ونساهم بجهالة أو عمالة على تشويه أنفسنا بتدين موروث صنعوا لنا جزء منه ليس بالقليل وبخمور منها اللذيذ الممتع الذي يشبع خيال المتوهمين الذين هم عن الواقع عاجزين وهو خمر ولو غلفوه بآيات الذكر الحكيم، ومنها مرّ نتجرعه لنسيان الأمرّ، ونحن تائهون وحق علينا التيه بعد عبادة العجول ويبقى السؤال المحوري لأهل الحضارة ولنا وماذا بعد؟
في حصاد الأربعين مرارة من جهالة لوحي السماء وتخلي عن أسباب الأرض وخصام السماء لنا في ظل تمكن الوجه الآخر من أسباب الأرض في ظل غياب نور السماء وتوجهه لحرق الأرض مستخدمين العرب خاصة بمسيحييهم وأعراقهم المتداخلة والمسلمين عامة وقودا له.

العالم بحاجة لبديل يجنبه الدمار، يقول الغزالي رحمه الله:
{إن الحضارة التي تحكم العالم مشحونة بالأخطاء والخطايا، بيد أنها ستبقى حاكمة مادام لا يوجد بديل أفضل!
هل البديل الأفضل جلباب قصير ولحية كثة؟
أم عقل أذكى وقلب أنقى، وخلق أزكى وفطرة أسلم وسيرة أحكم؟}

علينا مسؤولية ضخمة أما أنفسنا وتاريخنا ومستقبل أجيالنا، علينا أن نحدد هويتنا ونجدد خطابنا وننقي تراثنا ونتصالح مع ربنا بعد أن نتصالح مع أنفسنا ومن ثم نتصالح مع الآخر ونحمل إليه حقيقة رسالتنا التي تعيد للأرض عذريتها وتنقذها من الدمار.
تقديم البديل الذي ينقذ البشرية يتطلب عقل أذكى من عقولنا المغيبة وعقولهم التي فقدت بوصلة الفطرة، وقلب أنقى من قلوبنا الذي لوثتها الكراهية وفطرة سليمة تنفض غبار أُلحق بها وسيرة حكيمة كما نبّه الغزالي رحمه الله، فهل تقدمون بديلا حضاريا لآخر تكرهونه وتسعون إما لتبعيته أو إذلاله وتعيشون مخطط صراع الحضارات دون وعي للمهالك المحدقة بالبشرية ،هل تقدمون بديلا للبشرية بتدين فيه ما فيه من تناقضات ومناقضات لطبيعة الدين ونور وحي السماء؟
في الأربعين يكبلني العجز فلا أملك إلا حروفا أحدث بها نفسي وأطلقها لربما سامع واعي يملك المقدرة أن يكون فاعلا ويحاول تجنيبنا المصير المظلم الذي نهوي إليه بسرعة عجيبة!
 وتبقى الإجابة على السؤال وماذا بعد ؟
 والإجابة كلمتين شافيتين إن فُهم المعنى ومرض عضال إن انحرف الفهم.
"وللآخرة خير لك من الأولى "






مشاركة
مواضيع مقترحة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام