مازالت الأميرة والأريام يمارسان معركة الحياة من على سطح القمر مستأنسين بروح الأم بَيّه حكما في الخصومة ونورا في الظلمات وبزاوية رؤية مفتوحة لجنبات الأرض أو لجنبات النفس فكلاهما وجهان لنفس العملة .
دارت الأميرة حول الأريام والحيرة تعانق دورانها وخرجت الكلمات حائرة بحيرة نظراتها وسألت الأريام حول الروايات وتضاربها والفرق وتناحرها والتطرف وجذوره وكأنها تقول لا حل إلا بنقض التراث وتنحية الدين ليصبح علاقة قلبية مع الله والتخلص من تلك المتناقضات التي تغذي الصراع وكان للأريام نظرة في تلك الأمور فقالت :
مازلت هناك أنظر للفتنة الأولي ومروياتها التي تؤجج نار الكراهية ومازلت أشفق على عوام المسلمين من كثير من ملوك الطوائف والذين يزول ملكهم بزوال الطوائف ، وقد توقفت عند عدة أمور بعيدا عن ترجيح الروايات وتصديق هذه وتكذيب تلك ، وعند نظري للروايات أنظر إليها واضعا في الحسبان المكذوب عمدا ، فضلا عن زاوية رؤية الراوي وتفسير وتأويل الراوي والذي ربما يمثل فهمه ونظرته للأحداث ، ومن هنا تختلف جوانب الصورة وتختلف المرويات باختلاف عقل ورؤية وعاطفة الراوي إن نزهناه عن تعمد التدليس .
وقفت عند حالة التربص بين أطراف الطوائف والتي تقف عند وجه واحد للصورة وتبحث عن كل ما يؤيد ما ذهبت إليه وإن أدى ذلك لتغيب العقل أو تجاهل مجمل أجزاء الصورة والتركيز فقط على الملامح التي تزين الصورة المرسومة مسبقا عند كل طرف في ظل إجتزاء النصوص والمواقف وفصل مجمل سيرة الشخص التي لا يصح فهم الموقف إلا بفهم تاريخ وطبيعة الشخصية .
وقفت عند سوء الظن المتعمد كثيرا والذي يتم استحضاره ليجيش ملوك الطوائف طوائفهم ضد الآخر دون نزاهة البحث عن الحقيقة ، ودون فقه أو علم .
وقفت عند استحضار أشخاص التاريخ الذين هم في ذمة الله ولم يعودوا فاعلين وأمرهم إلا الله والدوران في حلقة الأشخاص المفرغة لنستحضر مزيدا من العداء والكراهية ولتسيل مزيدا من الدماء وليتسلط سيف التكفير على المخالف ، ذلك بدلا من استحضار أحداث التاريخ لتدقيقها علميا وتحليلها والتعلم منها لتجنب الوقوع في نفس الأخطاء .
وقفت عند العامة والتمست لهم كل العذر فباسم آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام استغلالا لمحبة الآل الطاهرين تم تعظيم الآل تارة فوق ما أقره لهم الشرع واستغلال مظلومياتهم ومحبتهم تارة أخري والكذب عليهم كثيرا ، وتارة أخرى بهضم حقهم والمساواة بينهم وبين من ظلمهم وربما يتم المرور على فضائلهم ذرا للرماد في العيون ، وخوفا من تهم التشيع يتناسى هؤلاء أنهم آل بيت النبي محمد صل الله عليه وسلم رسول المسلمين وهم لكل المسلمين ومحبتهم ومودتهم دين ، ونصرة الحق الذي حمل رايته أمير المؤمنين وولديه واجب .
توقف مع صراع الروايات التاريخية وخاصة في مرحلة الفتنة الكبري التي بدأت بعناق دم الشهيد المظلوم ذي النورين رضي الله عنه وأرضاه للمصحف ، وجدت أن كل الطوائف إلا من رحم ربي حبيسي الأشخاص تقديسا يجعل منهم أصنام تعبد من دون الله ، أو كراهية تجعل منهم شياطين ، ومادامت دراسة التاريخ تتخذ من الأشخاص كعبة فلن تثمر إلا مزيدا من تكرار الأخطاء والفرقة والتكفير والدماء.
إن العقل يوجب أن تكون أحداث التاريخ هي الكعبة وتعلم الدروس وتجنب تكرار الأخطاء هو الهدف ، وتحقيق ونقد المواقف والأحداث هو السبيل وليس الأشخاص الذين هم في ذمة الله لا يضرون ولا ينفعون ولا يستطيع عاقل أن يجزم بمصير أي منهم.
هناك في أمواج الروايات المتلاطمة توقفت عند عدة أمور وكما أسلف لست مشغولا بصراع الروايات بل بالنظر لمجملها وإعمال العقل في الفهم ، والوقوف عند علامات إرشادية بغية الوصول وأول وقفة كانت عند إطلاق الأحكام بناء على موقف أو حادثة وكل فريق يختار المشهد الذي يدعم توجهه دون عناء البحث عن الحقيقة و وجدت أن الطريق السليم لفهم الجزء هو الإلمام بالكل ، فلا يمكن الحكم المنصف إلا بدراسة الشخصية وتاريخها ومجمل مواقفها وبالتالي نستطيع تحليل المشهد أو الحدث .
وقفت عند أن أمير المؤمنين علي عندي كسني مبشر بالجنة تعينا وأن طبيعة شخصيته ودوره وتاريخه بغض النظر عن قصة النسب تدل على قوته وذكائه وحكمته ولكنه صاحب رسالة لا يمكر ولا يطلب دنيا ولا يخدع ورايته إصلاح للدنيا بالدين وعلى نهجه سار السبطين.
وجدت عمر الفاروق محال عقلا ومنطقا أن يتهم بالنفاق فهو الفاروق في الضعف وسيف العدل في الحكم وأي رواية تتهم عمر بتلك التهمة بالذات ولو رواها الآلاف فهي منقوضة لأن مروياتهم هم عن تلك العبقرية الفذة تناقض ذلك .
وقفت عند أم المؤمنين عائشة رضوان الله عليها فهي بنت الصديق ووعاء الحديث ومن مات رسول الله صل الله عليه وسلم في حجرها الوقفة الأولى عند حكمة حادثة الإفك في أمة صارت للإفك عنوان فلم تعرف لأعراضها حرمة فيما بينها وتعالت فيها أصوات الإفك في كل مكان ، أم المؤمنين عائشة نزل ببراءتها وحي السماء ، والطعن في تلك القصة طعن صريح في القرٱن وهو ما لا يكون لمسلم أبدا ، ولكن كم من عائشة بيننا مظلومة وقد غاب الوحي؟
لكل شريفة نهش لحمها الأوغاد أقول فصبر جميل.
وقفت عند أم المؤمنين بعد الرسول وأتفهم هنا انتقادها على الخروج على الإمام علي ، والثابت في مجمل الروايات أنها ندمت وكانت تبكي وأنها عاتبت بن عمر رضي الله عنهما عن عدم منعه إياها ، وإن صح أنها رفضت أن تدفن بجوار النبي فهو ورع بنت الصديق ومعرفتها بالخطأ وما تبعه من فتنة
وقفت عند موقف الإمام على رضي الله عنه وأرضاه منها بعد الجمل وهو عنوان العلم والورع ووقفت عند بلاغة الفاروق الثاني كما رأيت تسميته وهو عمار رضي الله عنه وأرضاه بعد أن فرق الله به بين الفئة الباغية وأهل الحق وهو يقول إنها أمكم وزوجة نبيكم وقد ابتلاكم الله هل تطيعونه أم تطيعونها.
وقفت عند إشكالية عند بعض كبار علماء المذهب السني ربما سببها غلاة الشيعة وهي المساواة بين علي ومن سبقه وتلاه من المبشرين بالجنة تعينا وبين من لم يثبت لم هذا الفضل ومنهم أمهات المؤمنين رضي الله عنهم وأرضاهم .
وقفت عند محاولات الصمت عند البعض عن يزيد خليفة أبيه ، وبن زياد والحجاج وجرائمهم بحق الدين والحرمات والإنسان وبحق آل بيت النبي.
وقفت عند هذا الإمام العادل الأموي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه وكيف أثبت أن الإسلام لا هو عرقي ولا طائفي ولا قبلي ، وأن كل نفس بما كسبت رهينة ، فأصلح فساد سلفه في شهور وعرف لآل النبي قدرهم لما أدرك إسلام جده الفاروق رضي الله عنه وأرضاه .
غفر الله لأمي عائشة خروجها وكفاها شرفا براءة السماء وحب النبي وحمل سنته وختمت الأريام حديثها
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا.
فرددت روح الأم بَيّه والأميرة
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا.
ليست هناك تعليقات: