إني مهاجر ..خاطرة بقلم د.عاطف عتمان

إني مهاجر ...

ضاقت حلقاتها وضاقت حتى كدت أختنق ،فأمسكت بتلابيب نفسي  فرجرجتها وجرجرتها  بقوة وأطبقت الإحكام حتى كادت تختنق وسال لعابها على يدي ،خففت من قبضتي وتركت ثوبها يحاول أن يستعيد مكانه ، وقلت لها بصوت يكسوه الغضب ويضمر أنين عميق إني مهاجر !!

اهتزت جنبات نفسي لعلها ظنت بنظرتها الضيقة أني أسعى لهجرة المكان واستحضرت شبح العبّارات والغرقى في بطون المحيطات والمقيدون بسلاسل الهجرة غير الشرعية في بلاد العم  أو لعلها تذكرت المهاجرين وحدثت نفسها أنه لا هجرة بعد الفتح فتعجبت من أمري !!

ذهول وعلامات استفهام وتعجب تقذفني بها نفسي على استحياء.

كررت كلمتي بعزيمة وربما حدة لم تكن مقصودة أو مبررة

إني مهاجر .

سأتجاوز شراع المراكب ومخاطر العبّارات خوفا من سكب العبرات.

سأتجاوز القطارات فقلبي محطم ولا يحتمل أخطار المزلقانات .

سأتجاوز الطائرات ومحاولات التفجير أو الاختطاف

كفرت بكل الكفور البوار وكل الوسائل التقليدية .

سأستنبت لزراعي ريشا منها فهي الأقدر على حملي إلى هناك ..!!

إني مهاجر من نفسي إلى نفسي نافضا صدأ السنين عن قلبي

سأطير بجناحي خلف الشمس حتى لا تغيب عني فقد طال ليلي ولم تعد لي قدرة على تجرع المزيد من ظلامه.

إني مهاجر من لون الصحراء المقفرة ولهيب البيداء الحارق ورائحة الدماء المهدرة وظلام النفوس المقبرة وكسل العقول المخمورة وسواد القلوب المتفحمة وضياع الأرض الطيبة وعقم العيون المتفجرة وفساد الهواء والهوى وشوك ملأ أرض الوطن حتى أدمى مقلتي ولم يعد لي بها موطأ قدم ولا صدر يحتويني فأينما تقلبت الشوك  يدميني وإذا ابتعدت الشوق يضنيني.

سأتجاوز شراع المراكب ومخاطر العبّارات خوفا من سكب العبرات.

سأتجاوز القطارات فقلبي محطم ولا يحتمل أخطارالمزلقانات 

سأهاجر حيث النور من نور الله النور معتصما بحبل النور،

حيث الخير الأبيض هو السيد وحيث الشمس سرمدية لا تغيب وعيون الحب تفيض بالماء فترسم لوحة خضراء في صحراء نفوسنا المقفرة .

حيث الصدق والحب والجمال والصفاء يملأون الآفاق 

مهاجر حيث العقل يقود والفيضان خصّب الأرض فأنبتت الطيب من جديد ونبت الصبار على القبور وأزهر الصبر في القلوب 

مهاجر من نفسي إلى نفسي !!!!