الإبداع فى بلاد الجياع آخر صيحات الموضة العصرية ..
فى بلادنا المنكوبة المنهوبة التي لم تنهب ثرواتها فقط بل حتى مصطلحاتها وكلماتها تم تفريغها من مضمونها ...
البديع هو الله سبحانه وتعالى والذى تفرد بالخلق من عدم وما دونه من عبيده المبدعين يخترعون ويبتكرون من موجود .
فالإبداع لغويا إختراع مالم يسبق له مثيل والمبدع هو ذلك الشخص الخلاق الذى يرى ما لا يراه الآخرون ويرى ما يراه غيره لكن بطريقة مغايره ..
هو ذلك العبقري الذى يحل المشكلات بطرق خلاقة وغير تقليدية ..هو ذلك القلم الذى يغير بحرفه سلوك مجتمعات وينهض بالقيم ويطيح بالرذائل ويستنهض العزائم ويفجر الطاقات ..
هو ذلك الفيلسوف الحائر الذى يهدى من خلفه إلى الحقيقة ...
هو هذا الماهر الذى أتقن مهنته ثم برع فيها وتغلب على كل معوقاتها وأبدع جديدا ..
المبدع هو صورة مصغرة وقبس من إبداع البديع سبحانه وتعالى الذى يتفرد بالإعجاز بالإيجاد من عدم ومن دونه يوجدون من موجود ..
وبعيدا عن فلسفة الإبداع ومفهومه نعود لعالمنا العربي عالم الجياع والذى كثر فيه لفظ الإبداع والمبدعين بعد أن تم تفريغ اللفظ من معناه ..
فأصبح المبدع لفظ يلاحق فقط الممثلين والمطربين وألئك الذين يعبثون بالحروف أو يملكون بعض مفاتيح اللغة ليتلاعبوا بالحروف والكلمات ومدعى الأدب والشعر أو حتى الشعراء والأدباء المنفصلين عن الواقع والمجتمع والذين يعيشون فى غيابات عصور الشعر القديمة ..عصور الذهب والجواري ونسوا أننا نعيش عصر الحديد والعلوم ..
يقبعون خلف عصور المدح والهجاء والرثاء من أجل العطايا والهبات ويجهلون واقعهم ومجتمعاتهم وقضاياهم وهويتهم التائهه ..
ومن فشل حتى فى تقليد القدماء فى شعرهم العمودي هروب للشعر الحر ومن فشل فى الإلتزام بالشعر الحر تمرد وكتابة نصوصا لا تخضع لقواعد أي فن أدبي ..
حتى كثير ممن يجيدون القالب الأدبي ويستحقون لفظ كاتب أو مفكر أو أديب غاب عنهم مفهوم الإبداع وغابت عنهم الرسالة فصار إنتاجهم حلة جميلة تبهر العيون وتسكر العقول ولكنها لا تصلح لكساء عريان فلا تسمن ولا تغنى من جوع ...
ففى شعوب يزيد عدد منتسبي الإبداع بمفهومه المبتور على عدد الخبازين فأعلم أننا فى مشكلة حقيقية ..
إن المبدعين من الأدباء والشعراء والكتاب دورهم الحقيقي فى إيقاظ المجتمع من غفلته وترسيخ القيم والمبادىء ومحاربة الجهل والخرافة وإستنهاض العزائم وطرح الأطروحات للخروج من نفق أمتنا المظلم وواقعها المرير ..
مهمة أهل القلم وأهل الفن وأهل الإعلام ترسيخ مفهوم الإبداع وعرض نماذج المبدعين ...أحمد زويل وفاروق الباز ومجدي يعقوب ونجيب محفوظ وأم كلثوم تلك هي نماذج لرموز الإبداع
عامل النظافة الذى يبتكر ليتغلب على العقبات ويتقن عمله نموذج للإبداع ..
وليس كما يصور الإعلام أن الإبداع مجرد غناء وشعر وتمثيل وتقام المسابقات وتفرد البرامج وليته غناء بحق أو شعر بحق ولكنه تضليل وتغييب للشعوب وتجهيل للهوية وضياع للأوطان
فى مجتمعاتنا الجائعة تغيب عنا قيمة نحن وتسود الأنا ولا ندرك حقيقة أن تكون لبنة فى بناء شامخ خير من أن تكون جحرا تحت الأرض..
إن الأدب والأدباء والعلوم الإنسانية بوجه عام هى المنوطة بتفجير طاقات الإبداع والإنخراط فى واقع الأمم لتغيير ملامح هذا الواقع محاربة للسلبيات وغرسا للقيم والمثل العليا ورسم الطريق لكافة المبتكرين والمبدعين ..
أما إن غابت الرسالة عن صاحب الفكر والقلم وتحول لمجرد حاوى يتلاعب بالألفاظ والكلمات ويسرق الأهات والإعجابات
تحول الكاتب أو الأديب أو الشاعر لمجرد خمر تسكر العقول وتزين الواقع تزيفا وكان معول من معاول هدم المجتمع ..
فى أمة ضاع فيها مفهوم الإبداع وكثر عدد الملقبين بالمبدعين حتى كاد يساوى عدد الجائعين لا بد لكل صاحب قلم وفكر من وقفة مع النفس ...ما حقيقة إبداعك وما ذا غيرت ؟؟
ما هى رسالتك ولماذا تكتب ؟؟
عندما ننجح فى إشباع البطون الجائعة ونرتقى بالأرواح البائسة وقتها نعلن أننا نملك مبدعين ..!!!
ليست هناك تعليقات: