مساحة إعلانية

جغرافيا الروح في 48 خريفًا9️⃣ الموت

عاطف عبدالعزيز عتمان سبتمبر 27, 2025

جغرافيا الروح في 48 خريفًا
9️⃣ الموت

الخريف الثامن والأربعون: ورقة مختلفة تتساقط

يظل الموت، وخاصة في الخريف الثامن والأربعين، علامة استفهام جوهرية. ورقة تسقط لا كسابقاتها، بل في ظل انتظار مشحون بالتساؤل: هل ستنبت ورقة أخرى برؤية أكثر اتساعًا وفهمًا وطمأنينة؟ أم أن هذه الورقة الساقطة هي الأخيرة؟
"إنا لله وإنا إليه راجعون."

الموت تحول وليس فناء

الموت، تلك الحقيقة التي تحوّلت في أذهاننا إلى وهم مرعب، يمرّ بكل خريف كأنه ورقة تتساقط. لكن كل ورقة ليست هي ذاتها التي سقطت في الخريف السابق. كل ورقة تسقط هي نهاية عالم صغير في الظاهر، بينما تواصل الشجرة مسيرتها في خلق أوراق جديدة.
تلك الورقة التي سقطت وانتهت ظاهرًا، هي في الوقت نفسه جزء من شجرة أكبر لا تتوقف عن العطاء. ليست الورقة ذاتها، لكن جوهر العطاء والسقوط والتحول والنمو يتكرر بأشكال لا حصر لها.
الموت هو الورقة التي نراها تسقط، أما الحياة فهي الشجرة التي تظل تطرح الأوراق عامًا بعد عام.
الخريف يأتي ومعه تسقط الأوراق، لكنه لا يأتي أبدًا ليعلن نهاية الشجرة، بل ليهيئها لربيع قادم. هكذا نفهم أن الفناء ليس غيابًا محضًا، بل تحول وشكل آخر من أشكال الوجود.

جذور الخوف: لعبة الفرصة الواحدة

كان الموت يمثل فزعًا وخوفًا عظيمين، خاصة حين يُعرض من خلال ظاهر النصوص الوعظية التقليدية. ما بعده من أهوال في "لعبة الفرصة الواحدة" مؤرق لأي عاقل.

مقارنة بسيطة ومؤلمة

إذا كانت شهادة الثانوية العامة - التي يصورونها كمُحدد لمصير الإنسان - تُصيب أُسرًا كاملة بالخوف والفزع، وتدفعهم للاستعدادات المُجهدة، وتُسبب لهم الحزن، بل وتؤدي أحيانًا إلى حالات انتحار... فما بالك بالموت؟
دائرة الرعب المفرغة:
- فزع من منكر ونكير
- ضمة القبر وظلمته  
- أهوال القيامة
- تصور أنك مهما كنت صالحًا فلن تدخل الجنة بعملك وحده! 
- مفهوم "الفرقة الناجية" وهلاك السواد الأعظم من البشر
سؤال يؤرق الروح:لماذا "منكر ونكير" وليس "مُبَشِّر وبَشير"؟

رحلة البحث: أسئلة الوجود والميراث. 

في خريف تالٍ، كثرت الأسئلة عن لعبة "الفرصة الواحدة" التي ورثت فيها:
- دينك وجنسك وجنسيتك وجسدك
- كثيرًا من معتقداتك، بل وأمراضك  
- وربما قدراتك الذهنية نفسها
وفي خريف آخر، بدأ البحث عن تصورات أخرى، وربما طرق تضمن فرصة أكبر للنجاة مما بعد الموت. لكن مشكلة كل طريق أن أهله يدّعون أنه "الحق المبين"، وأن من دونهم هلكى.

صرخة الروح الحائرة

لماذا يا إلهي أحيا هذا الرعب؟ وماذا لو ضللت الطريق غير متعمد؟  
هل أتبع ما ورثت، مكتفيًا بأنه إرادتك وقدرك؟ أم أجرب الطرق الأخرى؟  
وكيف لي بهذا، ولا طاقة لي بمئات أو آلاف الطرق بعمري القصير وعقلي المحدود ولغتي التي أعرف، وسعيي الدائم على المعايش؟

أسئلة تطارد الليل

- هل الموت نهاية هذا المخلوق المعقد؟ أم مجرد نهاية تجربته؟
- هل من الممكن حقًا أن أكون مخلدًا في جحيم سرمدي؟
- وكيف الخلاص؟

الأسئلة الكبرى نحو فهم أوسع

هل نحن حقًا نملك فرصة واحدة؟
أم أن كل لحظة هي بداية فرصة جديدة؟
أين يكمن الخلاص؟
هل في إيجاد الطريق الصحيح الوحيد؟
أم في سلام القلب الذي يطمئن إلى أن الله أرحم بعباده من أن يتركهم للضياع؟
ما الغاية الحقيقية من الحياة؟
هل هي مجرد النجاة من عذاب مفترض؟
أم هي عيش اللحظة بكل ما فيها من حب وفن وإنسانية، والإيمان بأن الخالق سيقدر سعينا ونوايانا الصادقة؟

نحو طمأنينة الروح

في النهاية، ربما يكون الموت ليس نهاية القصة، بل فصلاً في كتاب أكبر نحن عاجزون عن رؤية كامله. وربما تكون الطمأنينة الحقيقية ليست في العثور على الإجابات النهائية القاطعة، بل في:
- السلام مع الأسئلة نفسها
- الثقة في أن الرحمة الإلهية أوسع من مخاوفنا وأعمق من فهمنا المحدود. 
- الإيمان بأن العدالة الحقيقية لا تكمن في الانتقام، بل في الفهم والشفاء. 
كالشجرة التي تثق في الفصول، وتعلم أن كل خريف يحمل في طياته وعد ربيع قادم، ربما علينا أن نثق في أن كل نهاية ظاهرة هي بداية خفية، وأن الحب الذي خلقنا لن يتركنا للضياع في النهاية.
الموت ورقة تتساقط، والحياة شجرة تواصل النمو.

"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" - وربما العبادة الحقيقية هي أن نحيا بكامل إنسانيتنا، لا بكامل خوفنا.

مشاركة
مواضيع مقترحة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام