الرسالة الأخيرة
يحاصرني الموت من كل اتجاه ويخترق شراييني...أستغيث بها وحدها دون من سواها من قريب أو بعيد فإذا بها تمنحني الشهقة الأخيرة ومداد الرسالة الأخيرة...ليست برسالة عتاب فقد مات العتاب ولكنها رثاء، إن كان هناك مكان للعتاب فلنفسي التي لم تدرك الرسائل وأصابها عمى العشق فنسجت من السراب أنهارا...
سكبت نفسي تحت أقدامك وتوالت النبضات وأجدت فنون العشق والهيام ممنيا النفس بطيب المراد... استمتعي بما أسكب وزادني ذلك من فرط العطاء لأن إمتاعك عين المراد...
توالي التعالي والإهمال وبين كل جفاء وجفاف قطرة ماء تحيي الأمل المعذب فأواصل سكب نفسي تحت الأقدام ملتمسا لك كل الأعذار، ومتعاميا رؤية الجفاء المحيط مركزا على قطرة ماء تظهر على استحياء ولكنه الأمل في السراب...
حتى كانت لحظة النهاية...
لحظة الوداع...
فالصحراء شاسعة والسراب يملأ الأفق والظمأ جاوز الحلقوم، ورائحة الموت في كل مكان...
أعاين الموت القاسي الذي يمنع عن ضحيته الراحة، فلا هو يجهز عليها ولا يغادرها كأنه يستمتع بحالة الرعب الناتجة عن قلق الانتظار، فلا أجد إلا هي ألجأ إليها لظني أنها الوطن الذي آوي إليه طالبا مجرد شعور بالأمان...
لكن كنت على الموعد المقدور لأعاين ما هربت منه مرات ومرات، وأتجرع مر الحقيقة، وأرى ما منعه عني عمى العشاق، وأدرك أنني من سكب نفسه تحت الأقدام دون سابق ميعاد، وأن الذنب ذنبي واللوم على نفسي فأنا من عاند الإبصار، واستحل عيش الأوهام ونسج الخيال تلو الخيال...
اسقيني أكاد أموت...
يعود لي صدى الصوت كلنا عطشى ونحتاج من يسقينا!
يا الله... يا الله... يا الله... أنا الذي عاش دهرا لم يطلب من أحد قط عزة وكرامة أو عزلة واغتراب، عندما أطلب أصفع هذه الصفعة في ظل موت يحاصرني!
لا لوم ولا عتاب... لا ندم ولا استجداء فقد آن أوان الاستبصار ومجابهة القدر المعلوم بكل تسليم وسلام...
السلام على نفس سكنتني ولم أسكنها...
السلام على نفس قتلتني وحاشاني أن أقتلها...
السلام على نفس بعثرت نفسي وليس لي إلا أن ألملم شظاياها...
السلام على وهم أسرني فأصبح عبدا وحان وقت التحرر من السجن والسجان...
ليست هناك تعليقات: