في ذكرى ٢٥ يناير
في مثل هذه الأيام تعانق الصليب مع لحية السلفي في حالة لم أراها في التاريخ المنظور من قبل، وحمى المسلم القداس وصب المسيحي ماء الوضوء على أخيه واختلط الدم وتوحد الأمل بعد وحدة الألم.
مشهد له في نفسي ذكريات وشجون ولكن سرعان ما تمر لحظات الإنسانية الفطرية الصادقة في هذه الدنيا.
ترى كيف رسمت معالم هذا المشهد بفطرية جعلته أروع ما رأت عيني؟
ولماذا صُلب الحلم وحُطمت النبتة الخضراء في مهدها؟
هل بسبب وحدة الألم أم سيطرة الفطرة للحظات في غفلة من كهنة الكراهية وسلطة شياطين الإنس والجآن تحرر الإنسان للحظات ؟
اليوم فصل جديد من معاناتي مع خطب الجمعة التي أحرص دائما على البعد عنها للحفاظ على مكانة الجمعة من اللغو والجدل، والحفاظ على طهارة نفسي وسلامة عقلي مما يقال على منبر رسول الله الذي صعده منذ زمن بعيد أهل الجهالة والسب واللعن والنفاق والغدر.
اليوم كنت على موعد مع جزء من الخطبة ولكن مولانا سلفي السمت أبى علي إلا أن أعود للمقاطعة.
مولانا يلوي لسانه بالكتاب ليحسبه المستمع من الكتاب وما هو من الكتاب في ذات اللحظة التي يحذر فيها وحسب ما خرج من فمه من أهل الكتاب الذين حرفوا الكلم( ولووا الكتاب بألسنتهم).
الرجل لم تمر عليه يوما آية توضح مغزى القصص القرآني من الاعتبار وتجنب أخطاء الأمم السالفة، والتحذير من نفس المصير إذا وقعنا في نفس الأخطاء، ولم يمر عليه دقة اللفظ القرآني إن من أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك.
مولانا سمع "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه" فظن أن ذلك هو تشابه الملبس والمشرب ولبس الساعة في الشمال، ولم يفطن بأن ذلك يكون بالإنزلاق لنفس الأخطاء.
بعد أن سمعت تحريف مولانا قلت صدق رسول الله، فمولانا يفهم أن القرآن لم يأت له ليتدبره، وأن الآيات التي تعالج أخطاء الأمم السابقة ماهي إلى جرس إنذار لأمة القرآن، بل يرى أن القرآن جاء للسب والحط من قيمة الآخرين، ولم يدرك مولانا قول الله سبحانه في محكم آيات التنزيل كل نفس بما كسبت رهينة، فحاكم اليهود والنصارى اليوم وحذر منهم بناءاً على أخطاء الأجداد.
مازال الجهل يصيب بالكراهية ومازالت قلة العلم مضلة، ومازال التطرف يطل من على المنابر ما دامت الكراهية منبطحه سياسيا.
مولانا قال أنا لا أسب اليهود والنصارى ولكن الله الذي يقول (يسب)، فاذا اضطررت للتعامل معهم فاعلموا أنهم أهل خسة وضلالة فخذوا حذركم ولا تعاملوهم إلا للاضطرار.
وأنا أقول لمولانا على حد علمي أن الحق سبحانه وتعالى امتدح كل فضيلة وذم كل رذيلة في الإنسان، ولا أعلم حسب فهمي المتواضع أن الإسلام يوما دعا لبرجماتية المصالح، فها هو سيدي أمير المؤمنين علي يشير عليه المغيرة بالبرجماتية والخداع والوعد ثم النكوث من أجل الحكم، ولا مانع أن نقول من أجل الأمة ووحدتها واستقرار أمرها، ولكنه علي القرآني الأخلاقي تربية النبي، لا يغدر ولا يهادن في حق ولا يشتري ذمم وليس غريب أن ينصره أحد كتاب المسيحيين جورج جورداق فيكتب موسوعته الإمام علي صوت الإنسانية.
متى يختفي البوم من المشهد؟
لن أقول اكتموا صوته فذلك ليس حلا، بل أفسحوا المجال لصوت البلابل ليحجمه.
في ذكرى ٢٥ يناير وأيام الإنسانية فيها وردا على خطيب الجمعة قبلة مني على جبين منى مينا وضعتها منذ عامين على جبينها عندما التقيتها وأكررها اليوم بما تحمل من معاني، فهذا الوجه القمحي المصري الشامخ يأسرني جماله، سواء كانت منى مينا مسيحية أم مسلمة أم غير ذلك.
إني أرى مصر في هذا الوجه المصري.
ليست هناك تعليقات: