مساحة إعلانية

ميلاد السيد المسيح والتعاليم المشتركة بين المسيحية والإسلام..السيد علي الأمين

عاطف عبدالعزيز عتمان ديسمبر 30, 2018

كلمة العلاّمة السيد علي الأمين في ميلاد السيد المسيح عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلاة الله وسلامه على جميع الأنبياء والمرسلين وعل جميع عباده الصالحين وحسن اولئك رفيقاً.


اخواني واخواتي السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.


نحتفل بميلاد السيد المسيح عليه وعلى نبيّنا أفضل الصلاة والسلام لانه شكل محطة من المحطات التي غيرت مسار التاريخ، فقد كان التاريخ في عصره متوجهاً نحو المزيد من الظلم والظلام فكان ميلاد عيسى المعجزة إيذاناً ببداية مرحلة جديدة في تاريخ البشرية، تنطلق من المحبة والحرية والعدالة.


وقد كانت المرحلة التي سبقت المسيح عليه السلام مرحلة امتيازات لفئة على حساب فئة أخرى ومرحلة تلاعب بالدين وبأهدافه، كانت هناك فئة تجعل الدّين حكراً عليها فجاء المسيح عليه السلام لينهي ذلك الدور وليجعل الدين كله لله وليجعل الناس متساوين أمام شريعة الله سبحانه وتعالى، جاء ليكمل المسيرة الّتي بدأها الأنبياء، جاء ليكمل مسيرة موسى عليه السلام في بني إسرائيل،لأن المسيح عليه السلام يقول في الإنجيل: (لا تظنوا اني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء بل جئت لأكمّل الناموس).


جاء ليكمل المسيرة التي بدأها الأنبياء، ومسيرة الأنبياء هي في إيجاد الانسان المرتبط بالله سبحانه وتعالى، الموحد لله والموحد لمسيرة البشر على الأرض.


ونفهم من خلال دراستنا لكتب الله، من التوراة والإنجيل والقرآن أن الأنبياء هم خريجوا مدرسة واحدة، أهدافهم واحدة، أهدافهم أن يسعى هذا الانسان إلى الكمال لأن الله الذي في السموات كامل كما جاء في الإنجيل (كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي كامل) هدفهم أن يتكامل بنو البشر بالمبادئ والأخلاق والقيم، أن يصبحوا كتلة واحدة، لا أن تكون بينهم الحواجز والسدود، كما ورد في القرآن (كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه).


فالهدف أن يحكم الأنبياء في أسباب الاختلاف ليزيلوها، لا ليعمقوها، ليطردوا تلك الأسباب وليعود الناس أمة واحدة كما أرادها الله سبحانه وتعالى.


ووحدة التعاليم التي نراها في الإنجيل والتي نراها في القرآن وفي العهد القديم، تكشف عن وحدة المصدر وتكشف لنا عن وحدة التوجيه والهدف، إن التعاليم التي تجعل من الانسان إنساناً هي واحدة في كتب الله، هي واحدة في الإنجيل وفي القرآن.


إننا نؤكد على وحدة التعاليم، لأن التعصب قد يظهر الإختلاف وهو مظهر من مظاهر الجهل وعدم المعرفة.


فلا يتعصب مسلم لإسلامه، ولا مسيحي لمسيحيته، إلا من خلال عدم معرفة المسلم بإسلامه وعدم معرفة المسيحي بمسيحيته. لأن التعاليم هي تعاليم مدرسة واحدة كما سنرى.


وليس في هذه التعاليم المشتركة من تضادّ، وإنما في التعاليم الإلهية التي حملها الأنبياء حالة تكامل تنسجم مع مراحل الوعي البشري.


سأقرأ عليكم بعض الفقرات من الإنجيل لنقارنها ببعض الآيات من القرآن وببعض الاحاديث الواردة عن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام.


في هذا النص من الإنجيل يقول المسيح عليه السلام: (لا تظنوا اني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمّل).


قارنوا هذه القطعة من الإنجيل بالحديث المشهور والمعروف عن النبي محمد (ص): (إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق).


في كلام آخر للمسيح عليه السلام في الإنجيل:


(فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلّم الناس هكذا يدعى أصغر في ملكوت السموات وأنّ من عمل وعلم فهذا يدعى عظيماً في ملكوت السموات).


إقرأوا معي حديثاً اخر عن الرسول عليه الصلاة والسلام: (من تعلم لله وعلم لله وعمل به دعي في ملكوت السموات عظيماً).


في تعاليم المسيح عليه السلام في الإنجيل الذي جاء ليكمل الناموس يقول لهم : (قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل ومن قتل يكون مستوجب الحكم، وأمّا أنا فأقول لكم إنّ كل من يغضب على أخيه يكون مستوجب الحكم ومن قال لأخيه يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم) هذه في تعاليم عيسى عليه السلام، وفي إنجيل متّى وإنجيل يوحنا وغيرهما من الأناجيل (فإن قدّمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكرت أنّ لأخيك شيئاً عليك، فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب أوّلاً واصطلح مع أخيك وحينئذ تعالى وقدّم قربانك) هذه من تعاليم الإنجيل.


ومن تعاليم القرآن:


(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، (ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه).


(إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم).


في الإنجيل تركيز على المؤاخاة بين بني البشر كما في القرآن أيضا تركيز على هذا الجانب.


وفي الحرية الدينية جاء كلام المسيح عليه السلام في الإنجيل: ( وإن سمع أحد كلامي ولم يؤمن فأنا لا أدينه لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم).


وفي القرآن يقول عن الحرية الدينية: ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيّ) (فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب).وفي بعض تعاليم الإنجيل: (وإن سلمتم على إخوتكم فقط، فأي فضل تصنعون؟ أليس العشارون أيضا يفعلون ذلك) فالذي يعمل جميلاً ليس هو الذي يعمله مع إخوانه فقط؟ وإنما هو الذي يعمله مع غير اللذين يحبهم أيضاً.


وفي الإسلام: (صِلْ من قطعك واعف عمن ظلمك واعط من حرمك)، ( المسلم من سلم الناس من يده ولسانه)، من سلم الناس، ليس المسلم فقط ! هذه التعاليم من أجل بناء مجتمع توحيدي على الأرض.


لذلك من هنا أدعو، وكما قلت لبعض الآباء بأننا إذا أردنا أن نبني وطناً يشكل واحة للإلفة والمحبة والمودة، علينا أن ندرس بعضنا جيداً، علينا أن ننشئ معهداً ندرس فيه الإسلام والمسيحية معاً لنخرج إلى المجتمع بفكر واحد وبكتاب واحد وحينئذ يمكننا أن نصنع الوطن الواحد القائم على الانصهار الحقيقي بين المسلمين والمسيحيين.


وفي الختام أتقدم بالتهاني من جميع اللبنانيين والتمنيات القلبية الصادقة، بأن يجعل ذكرى الميلاد، يوم يمن وبركة وسعادة لجميع اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين.


وأسال الله تعالى أيضاً أن يجعله يوماً يكتب فيه خلاص وطننا لبنان من محنة الآلام والأحزان، ويوم عودة الوحدة إلى ربوعه والمحبة الى قلوب أبنائه على قاعدة العيش المشترك بين جميع أبنائه وطوائفه.


وفي ذكرى الميلاد السعيد للمسيح المخلص عليه السلام الذي تجسدت بولادته وبعثته معجزة الله ورحمته بالإنسان، لا بد من العودة الى صاحب الذكرى لنأخذ من سيرته الدروس والعبر التي تعود بالخير على الإنسان والوطن.


إنّ المسيح عليه السلام يذكرنا كيف يجب أن نعمل لتخفيف الآلام والأحزان عن الآخرين، إنّه يقول لنا ( لا تنقسموا على ذواتكم لأن كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب وكل مدينة أو بيت منقسم على ذاته لا يثبت).


إن الاحتفال بذكرى الميلاد يكون بتمجيد الله ربّنا وتقديسه وشكره على عطائه ويكون بصلة الارحام وبناء الأوطان ويكون بالتنافس على فعل الخيرات والبر بالفقراء وتخفيف أحزان الثكالى واليتامى الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم في حروب لم نجن منها سوى تدمير ما بنيناه بجهود الأجداد والأبناء، إنه يوم إعانة الضعفاء والعجزة والمساكين والعاجز الأكبر الذي يجب علينا مساعدته، هو وطننا لبنان لينهض عملاقا من سنين الحروب العجاف.


فليس يوم الميلاد إلا يوم تنافس على الفضائل، وليس يوم تنافس على ألوان الشراب والطعام والثياب لان المسيح عليه السلام يقول في الإنجيل: ( لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادكم بما تلبسون).


إن المسيح عليه السلام لم يقل في الإنجيل طوبى للشاربين وطوبى للآكلين أو طوبى للمسرفين إنما قال في الإنجيل: (طوبى للرحماء لأنهم يُرحمون طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون). فتعالوا يا أبناء الوطن الواحد لنرحم بعضنا بعضا في هذا العيد، وتعالوا لنرمي الأحقاد من القلوب وتعالوا لنصنع السلام في وطننا لبنان وحينئذ نكون قد احتفلنا حقيقة بعيد ميلاد السيد المسيح عليه وعلى جميع أنبياء الله أفضل الصلاة، والسلام عليكم ورحمة الله.


27-12-1991
مشاركة
مواضيع مقترحة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام