من سورة آل عمران
﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾
----
مازلت أقف عند هذه الآية ولا أستطيع الحركة ففيها من وجهة نظري الدليل الأكبر على سمو الرسالة ورقيها وبلوغها أعلى مراتب التحرر الإنساني ، تحررا يليق بختام رسالات السماء للأرض .
إنها الرسالة الباقية وإن غاب الرسول بالقتل أو الموت ، إنه قمة التحرر من الأشخاص - حتى إن كانوا من المصطفين الأخيار -لسعة ورحابة سماء الفكرة .
الهزيمة النفسية التي أصابت الغالبية عندما تسلل إليها خبر موت شخص النبي صلى الله عليه وسلم كانت بحاجة للعلاج، والعلاج حرية وتحرر من قيود الشخص الفاني للدوران في فلك الفكرة الباقية ، وما محمد باسمه المجرد وإن كان اسمه صلوات ربي وسلامه عليه هو تشريف للألقاب وتعطير للصفات ولكنه رسول بن امرأة من قريش تأكل القديد كما أطلق على نفسه سيد المتواضعين .
محمد سيرحل موتا أو قتلا ولكن الرسالة باقية هذه هي القضية .
بعد أحد وبعد هذه الآيات بسنوات يموت رسول الله وتذهب الصدمة بالعقول، فيقف الصديق ويعلي من قيمة الرسالة حتى على شخص صاحبه ورفيقه ونبيه ويعلنها مدوية بأنه من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فالله حي لا يموت.
محمد مات أيا الجبابرة والقياصرة ، محمد مات أيتها العمم الضالة المضلة ، محمد مات كمن سبقه ومن لحقه وسيلحقه ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ )
هل هناك انقلاب بعد موت النبي ؟
هل الانقلاب على العقب انقلاب عن شخص النبي في أحد أم انقلاب على الرسالة في أي زمان ومكان ؟
بعيدا عن أقوال المفسرين رضوان الله عليهم فهذه الآية تمثل قمة النضوج والتحرر الإنساني، فبعد أن حرر الإسلام البشر من الدوران في فلك الأشياء، فهدم الأصنام في النفوس وحرر العقول من سطوة عبادة النار أو الشمس أو الكواكب لتتحول تلك الأشياء من آلهة مزعومة لآيات تدل على صاحب التدبير تأتي المرحلة التالية وهي الفطام والتحرر من الأشخاص ولو كان شخص النبي الذي هو محور الرسالة .
هنا يبلغ النضوج مداه وتصبح الفكرة هي المسيطرة ويتحرر الإنسان من قيود الأشياء وقيود الأشخاص مهما بلغت قدسيتهم ليحلق في سما الفكرة وعالم القيم ، وهذه الآية من هذا المنظور تكفي هذا الكتاب لتضع الإطار العام لتحرر البشرية .
وفي نهاية الآية عاقبة الانقلاب والنكوث سواءا كان كليا أو جزئيا ، ويظل السؤال الأهم هل ما أنا عليه هو صحيح الفكرة والرسالة التي بلغها ومات عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم انقلبت على عقبي حتى لو ميراثا دون عمد ؟
ليست هناك تعليقات: