مساحة إعلانية

تحت شجرة الصفصاف ...حكاية مصرى د.عاطف عبدالعزيز عتمان

عاطف عبدالعزيز عتمان أكتوبر 13, 2018


      
إسم الكتاب ..حكاية مصرى 
النوع...رواية
المؤلف ..د.عاطف عبدالعزيز عتمان
المقدمة ..الأديبة والشاعرة أميرة الرويقى
الناشر...دار الجندى للطبع والنشر 
الطبعة الأولى ...يونيو 2013
الغلاف..محمد عاطف
رقم الإيداع ..11930
رقم الترقيم الدولى ...0-741-90-977-978

      الفصل الأول  ...تحت شجرة الصفصاف 




على ضفاف النيل الخالد وتحديدا على الشاطئ الغربي لفرع رشيد وقبل المصب بحوالي 100 كم وفى مطلع العام 2011 ...
ومع شروق الشمس في يوم سماؤه صافية

تحت ظل شجرة الصفصاف وبعض غصونها يمتد ويتدلى ليشرب من ماء النيل

 ونسمات الصيف البحرية تعزف أنشودة الحياة على أوتار الأشجار ..
تداعب الغصون والأزهار فضلا عن الأوراق.... وتلاعب الخيال والأفكار ..
كانت شجرة الصفصاف تلك الشجرة الكبيرة شاهدة على مكنون صفحات تاريخية عديدة ..
شجرة الصفصاف شجرة عجيبة .
ورقها ليس بالعريض ولا خيطي فهي وسطية... وسر رونقها أنها وسطية..
لونها لون ما بين الخضرة والصفرة فيعطى اللون الأخضر الفاتح  مما يدخل على النفس البهجة والسعادة ..
ظلها ممتد ومع إمتداده لا يحجب ضوء الشمس ولا نسائم الحرية ...شجرة يحتوى لحائها على مسكنات طبيعية تسكن الآلام وتقي من الجلطات الدماغية .....لأنها شجرة أسبرينية


العصافير تغدو خماصا تبحث عن الحب وتسبح بحمد الرزّاق رب البرية ...
تحوم يمينا ويسارا مغازلة سنابل القمح الذهبية تحاور وتناور من أجل حبة قمح شهية تسد جوع الرعية .......

وعلى اليمين النخلة عمة البشرية .
 شامخة أبية وشاهدة على جزء من تاريخ الإنسانية
 وصغيرتها تتمايل لتشرب من ماء النيل شربة  هنيّة ..
وترسل رسالة أن النخلة الشامخة  والممتدة الجذور فى أعماق الأرض   متواضعة  أمام عظمة النيل الخالد..

صوت خرير الماء يحكى جزء من تاريخ النيل الخالد بحنينه وأنينه بأفراحه وأتراحه.
 وموجات الماء صارت مويجات و مويجات من طول المشوار وعناء السفر وكثرة المعوقات الغبية  ....
مويجات تتهاوى يمنة ويسرة تبحث عن الوصول إلى رشيد التاريخية ...
حيث يلتقى البحران عذبه وأجاجه ويتعانقان بحرارة وإشتياق.
 حيث يتلاقى الحبيبان بعد طول فراق وبعد رحلة بحث طويلة .بين هموم وغيوم ..
 بين ألام وآمال ...
سعت الموجات ومن بعدها المويجات أن تجد الطريق حيث أحضان الحبيب المشتاق ...
عانت من سدود وسدود ومرت في الظلمات وفى النور وبحثت في اليمين وفى اليسار ولكنها لم تتوقف يوما عن المسير لتستقى العشق من شفتي  الحبيب المشتاق ...

تاهت فى بعض الأحيان وأبطأت المسير فى أحيان أخرى ولكنها أبدا لم تتوقف عن السير تجاه الأمل المنشود ...

تبكى المويجة النيل العليل من المخلفات  الآدمية  .
وتشكوا للتاريخ وتبكى على الأطلال .
أطلال النيل الذي كان يشفى العليل ويبرئ السقيم ويروى الزرع ويخصّب الأرض ويلون التربة بخضرة نضرة ندية........
كان الماء والسماد والدواء ..... ..
فعكر صفوه أهل الداء ..
فصار يشكوا مظلوميته للقاصي وللداني
ويئن من مخلفات المصانع وصرف المجاري وطغيان ورد النيل الذي أوشك أن يحجب عنه الشمس والهواء ويكتم أنفاسه فى محاولة يائسة بائسة لقتله ولكنه النيل العصي على السنين رغم الأنين  ..
ومع كل هذا مازال النيل واسع الصدر ومازال قادرا على غسل أثار العدوان وإحتواء الإعتداء ..
مازال حلمه سابق لغضبه وصفائه غالب على عكره وقوته مسيطرة على ضعفه ..

هناك على مرمى البصر يقف التاريخ ممثلا فى جسر النيل ذلك الحارس الأمين ....
حارس الموجات وحامى الفلاحين قبل أن يتولى السد العالي مهمة التأمين ...
الجسر الترابي الذي كان الحصن الحصين .
كان يحمى الفلاحين ويحتضن النيل فى الفيضان فيكون الصدر الحنون والحارس الأمين على الموجات والمويجات حتى تصل إلى أحضان الحبيب المشتاق
وفى طريقها تنشر الخير والنماء تسقى وتروى العطشى وتهدى الحيارى وتغير لون الأرض....

وتبدو خيوط الشيخوخة واضحة فى ملامح الجسر ويترك التاريخ بصماته على جبين الجسر المهموم بهموم الموجات وأنين السنين ....
وعلى شاطئ النيل الغربي كانت أشعة الشمس الدافئة تداعب وجه مصري الخمري ..
وتشع الدفء فى قلبه الوردي ..

وكانت خيوط النمل البرى تسير من بين قدميه تحمل هموم العيش وترفع أوزانا أكبر من أوزانها الخفيفة وتعلن التحدي والتصدي لعقبات الأرض ومصاعب المعيشة ...

       مصري ...

شاب من أرض مصر فى منتصف العشرينيات  من العمر ...ملامحه مصرية بامتياز.
 بشرته الخمرية وشعره الأسود المعتدل لا هو الخشن ولا الناعم الذي ينساب على جبه الوجه .
وجسمه المعتدل فى الوزن والطول وعيناه العسليتان  الحانيتان الحالمتان  تنمان عن ذكاء ممزوج  ببحور من الحيرة والقلق.
 وتلك الحسنة السوداء أسفل أنفه جهة اليمين وكأنها شامة الحسن فى وجهه..
وتلك الشفتان الباسمتان فى وجه الغريب قبل القريب ..
قسمات وجهه تعبر عن الطيبة المصرية والحيرة الإنسانية والكرامة المهدرة المنسية ..

يحب الوحدة والتأمل أحيانا كثيرة ..
قاسى على نفسه وأحيانا يجلدها بقوة بسياط الحقيقة ...
يشعر بالغربة أحيانا مع كثرة الخلان والأحبة ومع ميله للوحدة إلا أنه اجتماعي من الطراز الأول ..
كثير الأصحاب متشعب العلاقات وقد ساعده على ذلك مرونته ومقدرته على التعامل إرتفاعا وإنخفاضا مع كافة المستويات الفكرية والإجتماعية ..
هادئ الطباع فى الغالب ولكنه فى أحيان أخرى عصبي المزاج  يثور مع موجات البحر الغاضبة ..

يكره الظلم مع عشقه أحيانا للظلام ..
محب للنور ومرتبط بالنهار
حالم طامح واسع الخيال
يحمل على كتفيه همومه وهموم الأنام..
عاطفي رقيق القلب قريب الدمع ...
ولكنه فى عنده صلب مغوار ...
قمة سعادته فى اللحظات التي يجد فيها نفسه .
 ونفسه عند غيره ......
فدعوة من محتاج تجعله يملك الدنيا وما فيها وكلمة تقدير لمجهوده  تجعله يواصل الليل بالنهار
عيناه دائما ناظرتان للجمال ..
يكره القبح ويعشق الخيال

مصري بإختصار شديد
هو كل الفصول فى وقت واحد..
كل فصل فى أوانه
مع أننا فى زمان تأكل فيه فاكهة الصيف فى الشتاء
 مثقف ..متنوع الفكر والمشارب...
 ضالته الحقيقة ومبدأه الحق...
دائم البحث عن نفسه وعن الحقيقة ..
من أسرة مصرية بسيطة تمتلك قطعة من الأرض ما بين الجسر والنهر ومنزل صغير فى القرية  ...
عاطفي وغارق فى الحب حتى النخاع ...
حبه من نوع  يبدو غريب .
فالحب عنده ليس هذا الشعور الذي يربط ذكر بأنثى ولكن الحب عنده هو الحياة .....
مصري صاحب الكتاب ونادم الصحف والأخبار وعشق الشعر و الخطباء ..

تحت شجرة الصفصاف وفى ظلها الفضفاض الذي يمتد ليشمل القلوب قبل الأجساد..
ومع لونها الأخضر الزاهي الذي يطابق لون هالته المغناطيسية

  داعبت المويجات أحلامه وأيقظت ألامه وأماله من سبات ليس بالعميق لأن نفسه دائما كانت متمردة مغامرة تهوى الإستكشاف والغوص فى الأعماق ...
يعشق الجوهر ولا يلتفت كثيرا للمظهر البراق

أمسك مصري بالقلم بين إصبعيه  لأنه شعر أنه يريد أن يكتب ...
عن أي شيء يكتب ولما يكتب وإلى مدى سيظل يكتب ...؟؟
ملأ  القلم حبر من مداد الذكريات ....
مصري كان يستمع للإذاعة من محموله الصيني الصنع عالي الصوت متعدد الإمكانيات ضعيف الجودة قليل العمر وهو شاهد عيان على الغزو التجاري لوطن محزون و محروم لا يجيد إلا أن يصبح سوق  للغث وللثمين ..
ليس له باع إلا فى الأخذ ويده التي تعطى أصبحت مصابة بالعجز تارة وبالشلل تارة  أخرى ..
مع أن تاريخها مشهود بين أهل المشرق والمغرب ولكن أبنائها  وقفوا عند كتب التاريخ وعجزوا عن تستطير صفحات الحاضر وعن التخطيط للمستقبل ...
كان التليفون الصيني العجيب والتقليد مصدر تقليب المواجع والفواجع  على مصري.
 فتذكر القطن المصري الأصيل فى تاريخ ليس ببعيد...........
وكيف أصبح طويل التيلة منزوع القيمة ..
تقاذفت المويجات ذاكرة مصري وعادت به سنوات وسنوات إلى الطفولة البريئة إلى بداية الرحلة التي لم يختارها ولكنه وجد نفسه يسير فيها ..
صحيح أن السير كان بإرادته الحرة تحت الإرادة العليا لرب البرية ولكن بداية الرحلة لم يكن له بها مشيئة ...إنها رحلة قدرية ..مرسومة ومعلومة الحدود والأبعاد عند من يملك الكتاب
 ومع قدرية الرحلة  يتصفحها ويخط سطورها بإرادته الحرة

بداية رحلة البحث عن المحبوبة .
محبوبة غير كل المحبوبات .محبوبة تشمل حبيبات وحبيبات..
وقبل أن ينفصل مصري عن الواقع ليغوص في بحور الذكريات
وليخرج مكنون نفسه التي ضاقت بما تحوى من أسوار وأسرار ...
نظر مصري فوجد مويجة مرتفعة لبعض الشيء وبطيئة الحركة إلى حد ما كأنها لا تريد أن تغادر من أمام عينيه
وشم لها رائحة غريبة منافية لنواميس الطبيعة التي تقرّ أن الماء لا لون له ولا طعم ولا رائحة .....
رأت عين مصري هذه المويجة غير كل المويجات لها رائحة مميزة وحركاتها غير تقليدية وشكلها مختلف مع إنسيابية طبيعتها التكوينية ...
رآها حائرة هائمة ومع حيرتها تواصل المسير .
.يبدو بصرها زائغ هنا وهناك ولكنها لا تنظر للخلف مطلقا وتواصل المسير ..
رآها حانية عاشقة ومع عشقها تأبى إلا أن تفارق شط المعشوق ...
نظر إليها بعمق فرأى وجهه معكوس على ضفتي خصرها وكأنها مرآة ...
نعم مرآة ولكنها غير كل المرايا فهي لا تعكس المظهر ولكنها تغوص فى الأعماق وترسم صورة صادقة لمكنون النفس وبنات الأفكار..

 رأى مصري فيها ماضية وحاضره وحاول من خلالها إستشراق مستقبله وإستكشاف قابل أيامه ...
كيف لا ولمصري تاريخ مع مويجات النيل وخاصة عندما تعانق الموج فى موعد اللقاء ...
إنها مرآة عجيبة وكل أمرها غريب .
تحتاج لمهارة لسبر غورها وقراءة الصورة التي أظهرتها..
هناك علاقة ما نشأت بين مصري وهذه المويجة بالذات
 علاقة غير معلومة الأبعاد وغير خاضعة لقوانين العقل والمنطق المجردة
قد تبدو علاقة غير منطقية ولكنها حقيقية ..
علاقة الذات بالذات والنفس بالنفس ..
ربما تكون كعلاقة الروح بالجسد...
هل تجمعهما صدفة فى قابل الأيام ....؟
وهل للمصير المشترك بينهما مكان فى دفاتر الزمان ...؟
من شدة إرتباط مصري بالمويجة ورائحتها والتي شم فيها رائحته ورأى فيها نفسه ...
سمى المويجة العجيبة..... مصرية......
لأنه شعر أنها جزء منه وتحمل رائحته ويئن ظهرها بحمل همومه وأحلامه  ويبدو أنها تسير فى نفس الطريق  طريق الوصول ......!!!!!
وذكّرته بمصرية الغائبة الحاضرة ...
تلك الحورية التي سلبت الفؤاد وسكنت الوجدان
أين أراضيك  يا مصرية ....ألم يحن بعد موعد اللقاء ..؟
وجرت على لسانه الحروف وتراقصت الكلمات


طال الفراق....
زاد الهجر عن الحدود......بلغ الشوق مداه...
القلب موجوع.....والنبض مفزوع....
والنوم مهجور....
                       حبيبي
أين أنت.....؟         لن أقبل الأعذار...
لن أرضى بالإعتذار....   ولن تكفيني الأمطار....
جفت العينان...      .ومللت الإنتظار...
وسئمت البعاد..
                    حبيبي
أين أنت.....؟     أعيش على الذكريات....
أتنفس التنهيدات...كاسات وكاسات....
                  حبيبي
والله......تالله وأيم الله....طال الفراق...

 ودّعت مصرية مصري  وواصلت المسير تجاه المصير ..

سارت فى طريقها المحتوم حاولت أن تعاند إتجاه السير وتستدير لترجع تلقى نظرة الوداع على المحبوب  ..
لتعانقه وتودعه ..لتعطيه القبلة الأخيرة لتنظر إليه النظرة الأخيرة ...
ولكن هيهات هيهات ..
فالمصير محتوم والطريق مرسوم والأقدار نافذة ....
ظلت رائحة مصرية وشكلها ومشيتها فى وجدان مصري ...
مسك مصري بالقلم وفتح الدفتر وحاول اللحاق بمصرية من خلال السير للتاريخ ...والغوص فى أعماقه
سافر بعيدا...بعيدا.....بعيدا  ...
ذهب بعيدا حيث عبق التاريخ ورائحة الماضي ....
وبدأ القلم يسطّر أول فصول الملحمة ...
ملحمة مصري من تحت شجرة الصفصاف على ضفاف النيل الخالد ......



***************فى الحلقة القادمة ...
                               
                 ليلة رعدية برقها وبريقها....
                                               

مشاركة
مواضيع مقترحة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام