في رحلة الأربعين تعجبت لأمر كثير من المتدينين فمهما بلغ أحدهم من العلم يعجز عن استيعاب أن هناك غيره متدين أيضا ومخلص أيضا لتدينه وإن اختلف الدين أو المذهب.
قضية الكرامات أو الخرافات باعتبار أن المعجزات تخص الأنبياء وقد ولّى زمانهم توضح تلك الأزمة، فإذا تكلم مسيحي عن ظهور العذراء سخر المسلم وهنا أتكلم عن المتدين وإذا تكلم مسلم عن كرامة لولي سخر الجانب الٱخر مع أن الأمرين محل سخرية العلماني الذي لا يؤمن إلا بالتجربة والإثبات المادي، الشاهد في الأمر أن كثير من المتدينين مع قناعاتهم بالغيبيات والكرامات كل حسب دينه ومعتقده إلا أن كل فريق يظن نفسه الوحيد صاحب الدين والإخلاص والإيمان ومن سواه دجال كذاب مشعوذ، ولا يعرف عن الآخر سوى الميراث الذي ورثه وبكل تأكيد هو ميراث إن لم يكن عدائي تجاه الآخر فهو نقدي يقوم على السلبيات وأنصاف الحقائق.
خلاصة تجربة الأربعين أن أرى الآخر من خلاله هو وبعين الإنصاف، وأن أتأمل رحمة الخالق حتى بالآخر الذي ينكره وأن أتمنى أن يظهر الحق شمسا وإن كان الحق هو ما عليه الآخر، وأن لا أعبد الموروث بل أتحرر من قيوده لأحلق طيرا سابحا في السماء، وأن أدرك أنه كما لي عقل وفكر ومعتقد فلغيري ذات الأدوات، وكما أنه من حقي أن أعيش وفق قناعاتي فمن حق الآخر العيش وفق قناعاته، وأن الٱخر بمفهومه الواسع هو كل من ليس بأنا، وأن التعايش والعيش المشترك هو ضمانة السلام الإنساني، فإذا بدأ الصدام بالآخر ربما يبدأ بالآخر العقائدي بحكم دور التدين في حياة الإنسان ولكنه لا يتوقف عند هذا الحد بل يتطور للآخر المذهبي ومن ثم الآخر العرقي والفكري وينتهي بكل من يخالفني ولا يتبعني فتتحول الحياة لغابة لا إنسانية.
ليست هناك تعليقات: